الفصل الخامس

لقد سيطر عليها الحزن، فالأيام الثلاثة التي تلت لقائها بأخيها الوحش لم تسر على ما يرام، حتى أن الأميرة أورسولا لم تترك فرصة لمضايقتها.

القلق بشأن سيجورد استهلك جزءًا من قلبها ايضا . لقد تعثرت في أفكارها. ولم تعد تفهم الصواب والخطأ. كل ما أرادته الآن هو العثور على صديقها وتحريره من أيدي الملك كنوت.

حاولت آثي مواساتها، لكن كل كلمات التعاطف في حالتها تلك لم تكن ذات فائدة.
إنها ليست باسيفاي، وهذا ليس عالمها الذي تنتمي إليه. ومع ذلك أصبحت تخاف من حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها. فالشعب الذي آمن بها لم يكن يستحق منها إلا الولاء وطريقة للخلاص من ذلك الملك المستبد.

ماذا يمكن أن يكون في يدها؟ إنها ليست قوية مثل باسيفاي ولا تملك نصف شجاعتها. كل ما لديها هو الحب.

_أنا لست باسيفاي الحقيقية.
أعلنتها بنبرة يائسة فنظرت إليها آثي بذهول ثم واصلت بنفس النبرة
_ ليس لدي الشجاعة لحماية نفسي فكيف تريدني أن أحمي هذا الشعب؟ أنا لست باسيفاي، أنا لست باسيفاي
كررت هذه الكلمات بصوت عالٍ، غطت آثي فمها بسرعة ومنعتها من الاستمرار.
وقالت بصوت هامس
_أنت الأميرة باسيفاي، سيجورد خاطر بحياته من أجل الجميع لذا يجب أن تكوني باسيفاي

سحبت آنا يد آثي بعيدًا ونظرت إلى عينيها المتوسلة وقالت
_لا أستطيع فعل أي شيء، أنا ضعيفة حقا
أجابتها آثي برجاء
- لا تقولي ذلك يا سيدتي. عليك أن تفعل ذلك من أجلك ومن أجلنا.

إنها عاجزة تمامًا أمام توسلات آثي المسكينة، التي لا تستطيع أن تفهم أنها ليست سيدتها ولا تستطيع تقبل هذا الأمر.
_الأميرة باسيفاي كانت تلتقي دائمًا شقيقها المينوتور. فكيف استطاعت الخروج من المتاهة؟
أجابت بسرعة
_لا أعرف. لقد غبت لفترة ثم رجعت. فقط سيجورد يعرف كل الأسرار
_ غائبة أين كنت؟!
تنهدت بحزن
_ذهبت مع الملكة الأم إلى مملكة ثيساليا عندما اشتد مرضها
صمتت للحظة ثم تابعت
_ كنت أنا وأمي جواري للملكة هيرميون والدتك.
سألتها آنا بعناية
_كيف تزوجت الملك كنوت؟
_لا أعلم، كنت طفلة في ذلك الوقت.
ابتسمت آنا وقالت
_أنت لا تريدي أن تخبرني أليس كذلك؟!
_ لا أقسم بالآلهة. لقد سمعت الكثير، لكني لا أعرف الحقيقة. فقط سيجورد يعرف كل شيء.

خلف أسوار أيس
دخل عليه خيمته وكان شاردا مبتسما، فلم يره يبتسم منذ أن عرفه. كان الوجه الغاضب والمتجهم هو ما اعتاد عليه.
_أراك تبتسم الليلة.
أخفى ابتسامته سريعا وقال
_ لا لم أبتسم
فضحك أكرسيوس على صديقه ثم قال:
-لديك ابتسامة ساحرة ياصديقي، لماذا لا تستخدمها لسحر النساء بدلاً من إخافتهن بوجهك العابس.
قام من كرسيه وقال بغضب
_النساء لا يجلبن إلا المصيبة
- المصيبة، هل تعني أنك جربت حظك معهن؟
دفعها بقوة من أمامه ثم قال
_أرى أنك تشعر بالفضول الليلة.
ضحك أكرسيوس وقال
- بل أرى أنك أنت من يتجنب سرد قصصك ومغامراتك الغرامية يا صديقي.
صرخ بغضب قائلاً:
_أكرسيوس، أنا لست في مزاج يسمح بتفاهتك.
ولكن  أكرسيوس استمر  في مضايقته حتى غادر أيولوس خيمته هربًا من مشاكسات صديقه.

كانت تذرع الغرفة ذهابًا وإياباً، وهي مليئة بالغضب تجاهه. لم تلتقي به خلال الأيام القليلة الماضية، بل وتفادت رؤيته بعد ذلك الحديث القاسي الذي دار بينهما.

لم تهتم به أبدًا ولم تعتقد أبدًا أنه سيفكر في مثل هذا الطلب. وضمنت حبه وعاشت على تلك الثقة حتى أصبح ذلك الحب فريضة عليه. أم هي ابتعدت عنه بغرور دون أن تفكر في مشاعره؟

عاش الحبيب الوحيد بين هؤلاء الجواري، باحثًا عن الحب الذي لا يراه إلا فيها. فوقع في حالة من اليأس والضياع ، لكنه تمسّك بوضعه البائس، على أمل أن يجد بعض السلام.

_سيدتي لا تقلقي. الملك إيغيوس يحبك ولن يفعل أي شيء يزعجك أبدًا
لم تعد تؤمن بهذا الحب، قد كانت لهجته معها جادة وليست مجرد كلمات.
اقتربت من خادمتها وسألتها بقلق
_هل هناك جارية اهتم بها الملك مؤخرا؟
فكرت الخادمة للحظة قبل أن تقول
- لا أعلم، لكن سمعت أن هناك جارية جديدة جميلة جداً حتى أن العبيد انبهروا بها.
صمتت للحظات ثم ردت بالرفض
_لا أعتقد أن الملك سيهتم بالمحظيات يا سيدتي، هو يقضي  متعته معهن فقط.
هزت هيميرا رأسها لكنها لم تستطع طرد الأفكار السلبية من عقلها، المزدحمة بمخاوفها.

نظر إيغيوس إلى جمالها الساحر بانبهار وهي تتمايل  ترقص أمامه.
شعر للمرة الأولى أن الحياة ربما ستضحك له مرة أخرى.
وأشار بيده لها لتتوقف وتجلس عند قدميه وتصب له الشراب ثم قال لها متلطفاً
_رقصك مذهل
تحولت خديها إلى اللون الأحمر واخفضت رأسها  وأجابت بخجل
_يسعدني رأيك في رقصي سيدي الملك
ابتسم وهو يرفع رأسها بلطف ثم قال
_لديك مكان خاص في قلبي منذ أن رأيتك.
أجابت بسعادة
_يكفيني أن أكون بجوارك يا سيدي الملك.
ربت على خدها بلطف ثم قال
_اخترتك لتكوني قريبة مني. ليس هذا، لكنك ستكونين أماً لوريث العرش مارأيك؟.
اتسعت عيناها وهي تنظر له بذهول لقد سمعت العديد من القصص المروعة عن إجبار الفتيات على الإجهاض. كيف ستكون في هذا الموقف؟ ماذا عن الملكة هيميرا؟ أنها على وشك الدخول معها في حرب شرسة، لكنها أيضًا لن تستطع رفض قرار الملك.
بلعت ريقها بصعوبة، فشعر بخوفها فطمأنها
_لا تخافي أنا معك ولن أدع أي مكروه يصيبك

ماذا يمكن أن تقول؟ كلتا الحالتين ستكونان سببا في هلاكها، فخضعت للأمر بصمت، وقلبها الصغير يرتجف خوفا مما سيأتي.

لن تكن عداوتها مع الملكة سهلة، خاصة أنها ستكون والدة منافسها التالي على السلطة. أما الملك فرأى أن قراره جاء متأخراً، لكنه أفضل من أن يظل تائهاً في حب امرأة لم تهتم لمشاعره يوما.

دخل يترنح إلى خيمة اكرسيوس ثم رمى بجسده على الكرسي قائلا بتذمر
_لماذا لا نقتحم تلك المدينة اللعينة؟ ما الذي ننتظره؟
ظل أكريسيوس صامتًا واكتفى بالنظر إليه ليواصل بنفس السخط
_ لقد تعب الجنود من انتظار لا شيء، ولم نجد سببا واحدا لمنع الهجوم.
_فقط اخفض صوتك، قد يسمعك الملك أيولوس ولن تكون ليلتك جيدة.
ألقى الكأس بعنف وصرخ
_دعه يسمعني، لقد تعبت من الانتظار، لقد تعبت
رد عليه اكرسيوس باقتضاب
_ هل انتهيت؟
_ماذا تعتقد؟ أخبرني، ماذا ننتظر هنا؟
تنهد بشدة ثم قال له
_اترك خيمتي فورا ، وعندما تستيقظ مما أنت فيه يمكنك أن تأتي إلي لنتحدث.
_صديقك لم يهتم أبدًا بأي شيء أو بأي شخص. ما الذي يمنعه من مهاجمة آيس؟ أوه ربما هناك امرأة خلف هذا الأمر .

قال جملته الأخيرة وهو يضحك بشدة حتى أزعج أكرسيوس فوقف وأخرجه بغضب قائلا
_صديقي هو صديقك أيضًا، مينيلوس
- نعم صديقي، لكني لا أفهمه الآن.
دفعه أكرسيوس إلى الخارج وحذره
_لا تخلق الفوضى، أعلم أن حماسك الزائد سيجلب لك المشاكل.


وبينما كانوا يتشاجران لم يلاحظا وجوده وتفاجأوا عندما رأوه أمامهما، متسائلا من نظراته عما يحدث بينهما
قال أكريسيوس على عجل محاولاً تخفيف التوتر
_مينيلوس ثمل ولا يعي ما يقول.
ابتسم أيولوس وربت على كتف صديقه وقال
_يا صديقي مينيلوس، لن تضطر إلى الانتظار طويلاً.

ابتلع مينيلوس ريقه بشدة وقال في حيرة
_ لم أقصد شيئًا يا سيدي، لكن الجنود بدأوا يشعرون بالقلق....
فقاطعه أيولوس وقال
_لن يطول الإنتظار. لم يبق سوى القليل.
_ماذا ننتظر سيدي؟
أشار بيده بتعبير حازم، فتوقف مينيلوس عن الكلام وغادر على الفور، تاركًا أكرسيوس وأيولوس ينظران إلى بعضهما البعض.
تحدث اكرسيوس بجدية
_اخبرتك أن الجنود بدأوا ينزعجون، لكنك تجاهلت كلامي. مينيلوس ليس الوحيد الذي يتحدث هنا، بل هناك  آخرين.
ثم اقترب اكرسيوس من صديقه وأردف بقلق
_أخشى أن تنتشر الفوضى بين الجنود وإذا حدث ذلك سنفقد السيطرة.

ما كان ينتظره لم يأت إليه، ولن يستطع أن يبدأ الهجوم حتى يتأكد مما يدور في رأسه. وأي حركة متهورة قد تؤدي إلى خسارة كل ما خطط له وسعى من أجله.
فغادر دون أي إجابة، إذ ليس لديه إجابة  حتى الآن. 

لن تكذب هي عاجزة تماما، فدوامة الحيرة التي تعيشها الآن تجعلها تقف دون أي حركة. كيف تتصرف وهي لا تعرف شيئا عن أسرار باسيفاي؟ كل ما تعرفه هو أنها بطلة قوية ومجازفة ولا تخاف والجميع يعتمد عليها. كل ما عليها فعله الآن هو أن تكون نفس الأميرة الأسطورية تلك.

كانت آثي حزينة على سيدتها وما حدث لها. وتذكرت سيدتها الملكة هيرميون، وهي تطلب منها الاستمرار في خدمة ابنتها بأمانة إلى الأبد.
ذهبت نحو سيدتها المرتبكة وقالت بشفقة
_ سيدتي، لا تقلقي، الأمور ستكون على ما يرام.
نظرت إلى آثي وهزت رأسها يائسة
_لا أعتقد ذلك، أريد أن أعرف كل شيء عن حياة باسيفاي حتى أتمكن من التصرف.
_ ماذا تقصد ؟!
_ما أقصده لا أستطيع أن أجسد شخصية لا أعرف عنها شيئا.
سألتها آثي ​​بذهول
_مازلت لا أفهم يا سيدتي؟
زفرت آنا بملل وقالت
_أين والدتك؟ ربما يمكنها أن تخبرني بمعلومات مفيدة.
أجابت آثي بحزن
_هي في سجن القلعة.
سألت آنا في دهشة
_ لماذا ؟!
تنهدت آثي بشدة
_ بعد عودتنا من مملكة ثيساليا ووفاة الملكة الأم، أمر الملك كنوت بسجن والدتي.
_لماذا؟!
_ لا أعرف
سألتها آنا بإهتمام 
_ألم توقفه الأميرة باسيفاي؟
أجابت وقد امتلأت عيناها بالدموع.
_هدد الملك بقتل والدتي إذا أخبرتك.

تلك اللحظة أدركت آنا أن والدة آثي لديها الكثير من الأسرار التي تريد معرفتها، فلماذا يسجنها كنوت إذا كانت لا تعرف شيئًا؟ فمن المؤكد أن خلف تلك المرأة هناك أسرار ومعلومات لم يرد الملك أن تعرفها باسيفاي، لكن يجب عليها الآن أن تجد حلاً وطريقة للوصول إليها لفك كل الأسرار المحيرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي