الفصل التاسع

لم تستطع آنا النوم، رغم ما واجهته في البحث عن الوزير بلوتس، إلا أنها لم تجده، قالت آثي باستياء.
_لم أكن أعلم أن أمر هذا العجوز يهمك إلى هذا الحد.
نظرت آنا إليها بنظرة يائسة
- هذا الرجل العجوز قد يدلني على شيئا أفعله

تنهدت آنا ثم واصلت
_أفتقد عالمي وأصدقائي. أريد العودة، لكن لا أستطيع فعل ذلك بدون سيجورد
_لا أعرف عن أي عالم تتحدثين، لكنك ستأخذيني معك. لا أريد أن أعيش هنا من دونك سيدتي

اعتقدت آنا أن مجيئها إلى هذا العالم كان لهدف ما وأنها لن تتمكن من العودة إلى عالمها إلا إذا أكملت تلك المهمة، ولكن يبدو أن الأمر أصعب مما توقعت. لقد قرأت الكثير عن الأساطير القديمة والقصص الأسطورية، لكن كونها جزءًا من تلك الأساطير لم يخطر ببالها أبدًا. اخذت نفسا عميقا. ثم وضعت رأسها على الوسادة، متذكرة تلك اللحظة التي جعلتها تفقد رشدها وتهرب هنا، وقالت لآثي بشيء من الحزن:
_عالمي أيضاً ليس عالماً مثالياً فهناك خونة

أجابت آثي التي كانت مستلقية على الأرض تحت سريرها
_ أنا لم أفهم؟
_ يومًا ما سأحكي لك قصصًا ستجعلك تكرهين عالمي وتحب عالمك السحري هذا.
_ رغم أنني لم أفهم شيئًا، ولكني سأكون سعيدًة برفقتك  سيدتي.

ابتسمت آنا وهي تتخيل آثي بملابس عصرية وتتجول في شوارع المدينة بالسيارة
_تعلمين أن عالمي معقد، فرغم الرفاهية، فإن حياة البساطة رائعة.

صمتت لبضع ثوان ثم تابعت
_لكن بدون هذا الملك اللعين كنوت
جلست آثي وهي تنظر إلى آنا وقالت
_ نعم، ستكون والدتي هنا الآن، وسنعيش معك بسلام
- لا تقلقي عزيزتي آثي، هناك حل لكل عقدة
أومأت آثي برأسها دون أن تفهم وأعادت رأسها إلى وسادتها لتنام.

حاولت آنا أيضًا النوم، رغم أن عقلها لم يتوقف عن التفكير حتى سمعت همسًا بسيطًا يناديها
_أميرة باسيفاي
أيقظت آثي التي كانت قد نامت بالفعل، ولكن ذلك الهمس ارعبها
_آثي، استيقظي، هيا.
كرر الهمس اسمها مرة أخرى، وزاد رعبها أكثر فأكثر. مدت يدها لتهز جسد آثي، متوسلةً إياها أن تستيقظ
_يا إلهي، آثي، لقد كنت تتحدثين معي للتو. متى غفوتي؟ من فضلك، هيا، استيقظي.
أجابت آثي بالنعاس
_ سيدتي، من فضلك، أريد أن أنام. أنا متعبة جدا

تحدثت إليها آنا بهمس
_هناك شخصا ما في الغرفة.
جلست آثي ببطء وقالت
_لا أحد غيرنا، الجميع نائمون يا سيدتي. أنت نامي أيضًا
_ هيا اشعلي المصباح لنتأكد
وقفت آثي ومشت بتعب. أشعلت المصباح ورأته آنا يجلس بجانبها، اتسعت عيناها ثم صرخت بخوف
_ شبح

ركضت مسرعة نحو الباب، لكن آثي ظلت تنظر إليه ثم قالت
_إنه سيد بيلوتس يا سيدتي. تعال، لا تخافي.
لم تستمع آنا إلى كلماتها. كانت خائفة جدا. فتحت الباب وخرجت مسرعة وهي تجري بلا هدف. أرادت أن تنجو بنفسها ، لا تعلم من ماذا؟. ولكن هذا ماكان في بالها تلك اللحظة.

تحدث السيد بيلوتس بدهشة من هذا المشهد
- ماذا حدث للأميرة؟ لم أعرفها يوما بهذا الضعف، كيف لم تتعرف علي؟
ردت آثي بحزن على حالة سيدتها
_ منذ عودتها لم تتصرف سيدتي كالمعتاد
_ ماذا تقصدين؟
نظرت إليه آثي ثم قالت بتشكك
_لا أعتقد أنها الأميرة، وهي تقول ذلك أيضًا

ساد الصمت بينهما للحظات حتى كسرته آنا التي اقتحمت الغرفة وسحبت ذراع آثي لتجبرها على الخروج والهرب معها ، لكن آثي قالت:
_سيدتي، لا تخافي، إنه الوزير بيلوتس
نظرت إليه وهز رأسه وابتسم بالإيجاب
كان الأمر أشبه بالكابوس، كيف تسلل إلى الغرفة دون أن يلاحظه الحراس، لقد تراجعت عن فكرتها، لأن جناحها كان في الغالب بدون حراسة. فهم الوزير العجوز ما كان يدور في ذهنها وقال
_أنا طيف، ولكننا سوف نلتقي قريبا.
أجابت آنا بعدم فهم
_ طيف، أنا لا أفهمك
_سأخبرك لاحقًا، لكن الآن أريد أن أتحدث معك في شيء مهم جدًا
_ أنا أيضاً
_ حسنا هذا جيد.

سألته آنا وهي تعود للجلوس على سريرها
_هل يمكنك أن تخبرني بكل الأسرار؟
أجاب السيد بيلوتس  أيضًا بسؤال
_ من أنت؟

أجابت آنا دون تحفظ
_أنا آنا، فتاة عادية. لقد احضرني سيجورد هنا وأصبحت حياتي أكثر تعقيدًا من ذي قبل.
ابتسم السيد بيلوتس وقال
-أنت تشبهين الأميرة تماماً، لكنك أجمل منها بكثير
ردت آثي لدعمه
- نعم يا سيدتي، انت ألطف من سيدتي باسيفاي

ابتسمت آنا لهذه المجاملة وقالت
_لكنني لست قوية وشجاعة مثلها
أجاب الرجل العجوز بلطف
_الشجاعة تكمن في حبك واهتمامك بمن حولك، وقوة الحب أعظم من قوة السيوف. أنت طيبة ولطيفة، وهذا يكفي لتكوني قوية.
_ شكرا لك سيدي
_ ليس هناك حاجة لشكري. قلت ما شعرت به على الرغم من أنني التقيت بك لبضع ثوان. لديك هالة تجعل من يراك ينجذب إليك.

ابتسمت آنا وهي تتذكر خيانة توماس
_أنا فقط أجذب الأشخاص عديمي الفائدة إلى حياتي
ضحك السيد بيلوتس مازحا
_هل كلنا عديمي الفائدة؟

شعرت آنا بالحرج وقالت نافية
_ لم أقصدك، قصدت أشخاصًا آخرين من عالمي
ثم أضافت
_دعونا نتحدث عن ما هو اهم، لماذا أردت مقابلتي؟
_أردت مقابلتك لإنقاذ المملكة
نظرت إلى آثي ثم سألته
_لقد أخبرتك أنني لست باسيفاي، ولا أستطيع حمل سلاح للحرب
_لم أطلب منك القتال.
سألته آنا بانفعال
_ لم أستطع إنقاذ نفسي، كيف تريدني أن أنقذ أيس، أن هذا  الأمر صعبا بالنسبة لي؟

أجاب السيد بيلوتس بهدوء
_أريدك أن تقابل الملك أيولوس
قامت آنا من مكانها وهي تنظر إليه بعينين مفتوحتين وتقول بتوتر
- كيف هذا؟ هل تريده أن يقتلني؟
_اجلسي يا أميرة

ردت آنا وهي تصيح منفعلة
_أنا لست أميرة، من فضلك، لا أستطيع
أجاب بيلوتس محاولا تهدئتها
- حسنًا، اجلسي حتى أستطيع أن أشرح لك.

زفرت آنا بشدة، ثم جلست، وعقدت ذراعيها حولها
_انا معك. أنت لست الأميرة، ولكن هناك سبب لمجيئك إلى هنا، لذا يجب أن تكوني مستعدة لمواجهة ما سيأتي بعد ذلك.

هزت آنا رأسها بالموافقة وواصل السيد بيلوتس التحدث بهدوء
_الملك أيولوس ليس وحشًا يجب الخوف منه. إنه ملك عظيم. ربما أصبح عنيفاً لأسباب حدثت له في الماضي، لكنه ليس شخصاً سيئاً.

سألته آنا بفضول
_ما هي هذه الأسباب؟ إذا كنت تعرفها، أخبرني
_والديه وأخيه قتلوا أمام عينيه
شهقت آنا بحزن حتى ليكمل العجوز بيلوتس
_فأصبح ذلك الحدث سببا في جعل أيولوس على ما هو عليه الآن.
قالت آنا بأسف
_ يحزنني سماع ذلك، لكن هذا لا ينفي وحشيته وعنفه. لا أستطيع المخاطرة بلقائه.

_ربما يكون الأمر مثل ما قلته، لكنه لن يكون كذلك معك.
عقدت آنا حواجبها في مفاجأة
_ ماذا يعني ذالك؟
قال العجوز بيلوتس
_ عندما انجبتك والدتك  وأخيك المينوتور، احتفل والدك بقدومك بعد أن باركتك الآلهة، وحضر الاحتفال ملك موكناي، بويسيوس وعائلته، ملك كريت، كريثيوس وعائلته، و ملك ثيساليا، نيليوس، وعائلته.

ثم تنهد الرجل العجوز واستمر في سرد ​​الأحداث
_تقدم ملك كريت كريثيوس لاخطبتك لابنه أيغيوس، ولكن الملك مينوس رفض وقدم هو عرضه لتزويج ابنته لامير موكناي الصغير أيولوس

سألته آنا بتعجب
_تقصد أن الأميرة باسيفاي...
قاطع السيد بيلوتس حديثها وقال مؤكدا ما خطر في بالها
- نعم إنها عروس الملك أيولوس التي ينتظرها.
وقفت آنا وقالت احتجاجا
_أنا لست الأميرة، من المستحيل أن تجبرني على الزواج منه.
_لن أجبرك على فعل أي شيء

جلست آنا مرة أخرى وهي تشعر بعدم الارتياح، لكن السيد بيلوتس حاول تهدئتها قائلاً:
_سوف تقابليه و تعودي إلى القصر.
_ حسنا، حين يأمر بإتمام الزواج سارفض وإن فعلت ذلك بكل تأكيد سوف يقتلني بيده
تحدثت آنا ببعض الشدة. من المستحيل عليها أن تلقي بنفسها إلى الدمار. إنها تريد إنقاذ الجميع، لكنها ليست على استعداد للتضحية بحياتها.

كان السيد بيلوتس في حيرة من أمره بشأن كيفية إقناعها. ولم يكن أمامه خيار سوى القيام بذلك. يوم واحد فقط يفصله عن الوفاء بوعده مع الملك أيولوس، وبعد ذلك سيشهد المملكة التي بناها هو وصديقه الملك مينوس تنهار بقسوة أمام عينيه.

ظل صامتا وهو ينظر إليها لقد تغلب عليه القلق ولم يجد سوى لحظات من الهدوء والصمت، وبعدها يمكن أن يستمر في إقناعها

تحدثت آنا قاطعة لحظات الصمت بينهما قائلة
_أردت أن أسألك عن أشياء كثيرة، مثل قصة أخي المينوتور، لكنك ادخلتني إلى متاهة الملك أيولوس
أجابها بهدوء
_، سأخبرك بكل شيء، لكنني وعدت الملك أيولوس بأنني سأجدك
صمت لثانية واستمر
_أتوسل إليك أن تنقذ مملكة ايس. من فضلك، أنا رجل عجوز يتوسل إليك
لم تستطع آنا أن تتحمل توسلاته وحزنه، ووافقت على مضض
_ حسنا سأفعل.
_ شكرا لك، آيس. لن تنسى ذلك. سأذهب لإخبار الملك أيولوس. لا تخف، لن يحدث لك شيء.

نظرت آنا إليه في يأس. لم يكن أمامها خيار الآن سوى تلك التضحية. ربما كان مقدرًا لها أن تموت على يد ملك موكناي أيولوس وعليها أن تستسلم لهذا المصير.


دخل ليرى ابنته وهي تزينها الخادمات. كان هذا هو الشيء الوحيد الذي اهتمت به دائمًا. وأشار الملك للجميع بالمغادرة وتركه وإياها. نظرت إلى وجهه الشاحب وقالت وهي تواصل تمشيط شعرها
_سمعت أنك بالأمس كنت منزعجًا وغاضبًا. ماذا حدث لك؟
فأجاب وهو يدلك جبهته محاولاً تخفيف آلام رأسه
_بالأمس، جاء وزير الملك السابق السيد بيلوتس
التفتت إليه وسألته في دهشة
_هل هذا ما أغضبك؟
_ نعم كما تغضبني الآن من لامبالاتك. أنت ابنتي الوحيدة، ومع ذلك لا أستطيع أن أجدك بجانبي

تذمرت قائلة
_ يا أبي أنت لا تحب أن يكون أحدا حولك. حسنًا، أخبرني ماذا أفعل وسأفعله دون تردد
فنظر إليها وهو يتأمل جمال ابنته وقال
_ابنتي الجميلة، ليس مقدرًا لك أن تكوني زوجة ملك، لكن أتمنى أن تجدي شخصًا مميزًا
ابتسمت أورسولا بخجل وقالت
_لا، لن أتزوج إلا ملكاً مثل والدي العزيز

وقفت تحتضنه وهو يبتسم بسعادة لتلك اللحظة الدافئة بينه وبين ابنته. لقد أمضى الكثير من الوقت بعيدًا عنها، لكنه كان بحاجة إليها وإلى الشعور بأن هناك من يحبه رغم كل شيء.

حاول أن ينسى ما حدث بينهما، يشعر بتشتت بسببها أراد أن يستمتع بحياة هادئة بعيدًا عن الجروح التي تسببها له في كل مرة. تمنى أن يفتح صدره ويخرج ذلك القلب الذي لم يتوقف عن حبها مهما حدث له منها. واصلت كايا عزف الألحان له، وهي تعلم أنه لم يسمعها. لقد ضاع في عالمه الخاص. أحست لأول مرة  بوخز مؤلم. مجرد حقيقة أن امرأة غيرها هي دائمًا محور أفكاره أصبحت مزعجة بالفعل. لن تنكر أبدًا أنها ليست سوى أداة لإثارة غضب حبيبته، إلا أن  لديها قلب أصبح مفتونًا به.
_سيدي الملك.
نادته تحاول اراجعه إليها ، الغيرة عليه اصبحت تفقدها صوابها، انتبه من شروده وقال بابتسامة
_ عزفك جميل
_ شكرا لك على هذا الاطراء
رد وهو يعدل جلسته على الأريكة
_ اقتربي مني يا كايا

وقفت من مكانها ومشت تقترب منه، أمرها بالجلوس جواره ثم وضع رأسه على كتفها وقال
_ أشعر بالاختناق يا كايا أن السعادة أبت ان تاتي إلى حياتي، احببت ولم تدوم سعادة ذلك الحب طويلا.
قبلت رأسه بحنو وقالت تواسيه
_ سيدي الملك، السعادة ستأتي إليك عندما تسعى انت لايجادها، ولكنك تستسلم دائما لذلك لا تاتي.

رفع رأسها وظل ينظر إليها كانت كلماتها اللطيفة وابتسامتها كل مايحتاجه الان، ضم كفها بين كفيه وقال
_ شكرا لوجودك إلى جانبي كايا، اصبحت الحياة أقل وجعا عندما تكونين معي
ابتسمت بسعادة وهي تستمع إلى كلمات امتنانه لها ليردف الملك ايغيوس
_ اتمنى لو التقيت بك من قبل لربما كنت الان في احسن حال
_ يجب أن تنسى الماضي إذا كان فيه مايألمك
عاد يسند راسه على كتفها وهو يقول بحسرة
_ ليس الماضي يؤلمني بل هو الحاضر، الماضي كان جميل اتمنى لو استطيع العودة إلى الماضي

ماذا عساها أن تفعل فقلب ملكها الحبيب مفطور بسبب امرأة أخرى، لا تعلم الى متى سيستمر ذلك الحال ولكنها تصلي أن تنقضي سريعا وان تحظى بحب ملكها الحبيب

كان ينتظر وصوله بحماس كبير. لم يستطع النوم للحظة. لقد كان مستعدا بجيوشه لإنهاء تلك المملكة التي دمرت كل أحبائه. سمع صوتا من خلفه.
_ مرحباً أيها الملك أيولوس
فالتفت متشوقًا لسماع الأخبار، وقال
_أخبرني الان ، هل علمت أين الأميرة؟
ابتسم السيد بيلوتس وقال
_ نعم هي في ايس . لقد عادت من منفاها، وستلتقي بك غدًا
سأله أيولوس بدهشة
- هل قبلت مقابلتي؟
_لقد رحبت بهذا كثيرًا بالتأكيد

ظهرت ابتسامة عفوية على شفتيه وقال
_لكن كيف ستأتي؟ لا أحد يفتح الأبواب
أجاب السيد بيلوتس
_أعرف طريقًا سريًا لا أحد يعرفه غيري
هز أيولوس رأسه وقال بحماس
_حسنا سأنتظرك غدا.

غادر بيلوتس تاركا أيولوس غارقا في أفكاره، لماذا شعر فجأة أن تلك الليلة كانت أطول ليلة مر بها منذ بداية حملته التوسعية؟ كل ما كان يفكر فيه هو النصر وتوسيع مملكته، مثل ما وعد نفسه، ثم جاء حلم طفولته ليتجدد من جديد ويجعل قلبه ينبض بإحساس لم يفهمه. إنه الملك أيولوس، لكنه يحمل في قلبه أسرارًا صغيرة جميلة لا يعرفها سواه. كم يتمنى أن ينتهي ظلام هذا الليل وتشرق شمس اليوم الجديد لتحقق أمنياته البسيطة وتجعله ينعم ببعض السكينة والدفء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي