الفصل الثالث

مضت أيام قليلة فقط كشفت لها المستور خلف الأقنعة الضاحكة فالكل ينتظر فرصة لينقض عليها كالفريسة ورغم عدم امتلاكها للقوة لمجابهتهم إلا أن روح الأميرة المحاربة التي بداخلها تعكس لهم إصرارا وإرادة قوية فيتأنون قبل أن يخطو خطوة من الاقتراب منها.


دخلت جاريتها آثي تولول باكية بملامح مذعورة
_سيدتي تم إرسال الخادم سيجورد...
قطع حديثها صوت قهقات من خلفها
ليدخل الملك كنوت قائلا بنبرة بها بعض التهديد الصريح
_خادمك مقابل رفضك.

وقفت آنا تنظر إلى ذلك المشهد آثي باكية ووالدها الملك  يقف متحديا غير مبال
_مقابل رفضي على ماذا؟

سألته بحيرة ليجيبها وهو يقترب منها
_رفضك لإشراك أخيك المسخ في الحرب.
نظرت لآثي المذعورة لربما تجد شرحا لكلماته المبهمة ولكن دون جدوى آثي لم تكن في حالتها الطبيعية حتى تستطيع منها
فهم ما يدور تلك اللحظة

_أخي المسخ، أليس أبنك؟ لذا لك الحرية
المطلقة لإشراكه أو لا لا داعي لخلق مشاهد
لإبراز السلطة أيها الملك.

أثارت كلماتها حفيظته فاقترب منها أكثر
وقال بحنق

_لست أبا لذلك المسخ الملعون ولا لك
أيضا.

بهتت آنا من رده ليس والدها كيف ذلك و لقد أخبرها سيجورد أن والدها الملك كنوت يحتاج إليها قبل أن يأتي بها إلى هذا العالم الأسطوري أكان يضحك عليها بتلك
الكذبة؟ أم أن الأمر يخفي أسرارا كبيرة

_ماذا تعني؟!
سألته باقتضاب وهي تترقب انفراج شفتيه
للإجابة عن سؤالها وتخليصها من حصار الحيرة هذه  ولكنه اكتفى بابتسامة خبيثة ثم سار نحو الباب وغادر غرفتها.

هزت أكتاف آثي تسألها عن سيجورد ولكن آثي جثت تحت أقدامها تردد بنسج
_أنقذيه يا سيدتي أنه خادمك الأمين، لا تجعلينهم يضحون به أرجوك.
انحنت آنا تساعدها على النهوض قائلة
_حسنا سوف أفعل ولكن ألا يحق لي أنا أفهم ما يحدث، اشرحي لي وحينها سأنقذه بكل تأكيد.
مسحت آثي دموعها ثم بدأت تشرح لها الأمر
_سيدتي أن الملك أمر العبيد لحمل سيجورد لقلعة المتاهة حيث يعيش مينوتوريس...
قاطعتها آنا بذهول
_الوحش الأسطوري الذي نصفه بشريا والنصف الآخر بشكل ثور.
قطبت آثي حاجبيها باستغراب لم تستطع فهم سيدتها  ولكنها أكملت توضح لها  
_أخيك الأمير مينوتوريس...
أوقفتها آنا مرة أخرى
_انتظري أشعر أن الأساطير بدأت تتزاحم في عقلي، أليست باسيفاي هي أم ذلك الوحش كيف أصبحت أخته الآن.
عادت آثي لنواح من جديد فسيدتها على ما يبدو فقدت عقلها وستصبح هي أيضا الضحية القادمة لذلك الوحش فلم تعد الأميرة منذ عودتها كسابق عهدها بل تبدو أكثر ضعفا منها .

مشى سيجورد بكل ثبات أمام العبدين اللذين خلفه ينظر إلى تلك القلعة بابتسامة، كان على علم منذ البداية أن كنوت لن يدع أي حليف أو سند للأميرة  على قيد الحياة تحدث أحد العبدين بإشفاق على حالته
_  خدمة الأميرة باسيفاي تجلب الموت لماذا لم تلجأ للأميرة أورسولا لكنت الآن تنعم بالعيش الرغيد.
ضحك سيجورد ثم التفت إلى العبد وقال ساخرا 
_الأميرة أورسولا قريبا ستصبح مثلكما تماما لا تتجعلا الأمر.
نظر العبدان لبعضهما بعدم فهم لكلامه ولكنه استمر يمشي ويضحك غير مبالي لوضعه المأساوي القادم ربما لن يرى الشمس مرة أخرى بعد دخوله تلك القلعة ومع ذلك مازال مبتسما .

ضاق اكرسيوس درعا من انتظار اقتحام أسوار تلك المملكة وصديقه أيولوس الذي لا يهتم لتذمر جنوده المتعطشين لدماء النصر ولا يضع في عين اعتباره أن تلك الممالك التي سقطت بين يديهم قد تستعيد عافيتها وتبدأ في مهاجمتهم واسترداد كامل أراضيها.

تقدم إليه وهو يحتسي شرابه مهموما يحمل في صدره الكثير من التساؤلات التي لم يجد لها إجابة عند صديقه.
_أراك شارد الذهن يا صديقي.

تحدث أيولوس بنبرته القوية لصديقه المقرب الذي لم يره طوال ذلك اليوم فهو يعلم ما يغضبه وما يجعله ياخد مكانا بعيدا عنه تنهد أيولوس وجلس بجواره يسكب القليل من الشراب الذي كان  أمامه ثم أردف
_صديقي اكرسيوس أنت لا تعلم ما يدور براسي.
رد أكرسيوس على مضض
_أخبرني ربما اجد لك حلا ونتهي
ربت على كتف صديقة بلطف قائلا
_لم يتبق الا قليل ياصديقي فقط أنتظر وستعلم حينها ماقصده.

وقف من جنبه ثم مشى خارج الخيمة وقبل أن يغادر التفت إليه وقال بحماس
_سوف نتصر أعدك فقط أنتظر القليل ياصديقي القليل.

أومأ برأسه بابتسامة لم تزيد صديقه الا هما على همومه فلن يرتاح له بال حتى يعلم بسر صديقه الذي يخفيه عنه وهو كاتم أسراره ومستشاره الاول، ولكن الانتظار المقيت هو ما عليه فعله الان فقط الانتظار.

_أيغيوس العزيز اصبحت لا تطاق لم اعد احتمل ماتفعله، الحرب على البواب وانت لا تفكر سوى في اللهو والراقصات.
تحدثت هميرا بنبرة لطيفة مصطنعة تحاول بها جعل زوجها يدرك ما ينتظره منها واكملت بنفس نبرة التهكم التي تخفيها خلف الهدوء واللطف
_أعلم أنك تثق بصديقك أيولوس ولكني لا اثق بك أو به، لذا اتمنى الا تجعلني اتخذ قرارا من شأنه أن يجعلك من ملك إلى(...) تستطيع اكمال البقية عزيزي.

كان أيغيوس يحدق بها ببلاهة لم يكن يتوقع أن تهدده بسلب ملكه منه وهو من جعلها ملكته والقريبة إلى قلبه
تحدث بتلعثم
_عزيزتي هميرا لماذا تقولين ذلك؟، تسلبين الملك مني ماهذا الجنون عزيزتي؟، ماهذا الجنون.

زفرت بضجر ثم جلست بجواره تمسد كتفه قائلة
_أنت لا تهتم بشؤون المملكة وانا من اديرها لوحدي الا استحق أن أكون المنفردة بالحكم، وايضا أنا ادع لك فرصة للاهتمام بحياتك الماجنة التي تعشقها.

ابعد يدها عنه والتفت نحوها ينظر إلى عينيها بعدم تصديق كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد كيف تجرأت على تهديده بهذه الثقة
_هميرا ربما وليتك سلطة لا تستحقينها جعلتك تنسين من أكون.
ضحكت ساخرة منه وهي تقف من جواره ثم قالت
_عزيزي انت من لا يستحق عرش مملكة كريت العظمى أنا فقط أحاول أن أجعل الأمور تمشي في مسارها الصحيح بعد تخليك عن كل شيء عدا الراقصات.

انتابه غضب واحس بعجزه وضعفه أمامها، وثق بها وهاهي الان تحسسه بأنه لم يعد ذو أهمية ملك بالاسم وهي الحاكم الفعلي لمملكته.

أرتدت كل زينتها وخرجت مسرعة إلى قاعة الملك وقد ارتسمت في ثغرها ابتسامة فرحة بما فعله والدها بمنافستها .

احتضنت والدها متجاهلة تمام اجتماعه مع القادة وهي تهتف بسعادة
_احسنت صنيعا يا أبي ذلك ماتستحقه تلك المتعجرفة هي وخادمها الازرق اللعين.
حاول تدارك الأمر عندما نظرت إليهما عيون القادة باستنكار وقال بارتباك
_ابنتي عن ماذا تتحدثين؟، اذهبي الان لدي اجتماع...

فهمت اورسولا أنها ربما أخطأت عندما تفوهت بتلك الكلمات أمام القادة الموالين لمنافستها فعتذرت بابتسامة ثم غادرت القاعة مسرعة وقد احمر وجهه خجلا من ذلك الموقف.

وقفت آثي تتوسل سيدتها ألا تقدم على الدخول إلى تلك المتاهة ولكن آنا أصرت أن تنقذ سيجورد المخلص أو تموت معه ففي الأخير ليس لديها سواه في هذا العالم.
حملت طرف الخيط وأمرت جاريتها أن تظل خارج البوابة تمسك ببقية الخيط كانت خطة قد قرأتها يوما في كتاب الاساطير عن مقتل ذلك الوحش ولكنها الآن لا تريد محاربته أو قتله كل ما تريده هو إنقاذ صديقها سيجورد من براثن وحشيته والعودة به بأمان.

تقدمت آنا وقلبها يرتجف من الرعب فالمكان مظلما تماما  وكل ما تحمله هو شعلة نار صغيرة تخاف أن تسقط من بين يديها المرتعشة، أرادت أن تنادي ولكنها تراجعت خوفا  من أن يكون الوحش قريبا منها لذا التزمت الصمت واستمرت في التقدم  بخطوات حذرة.

كانت رائحة المكان تثير اشمئزازها فربما تلك رائحة الجثث المتبقية من وجبات ذلك الوحش البشرية، لا مجال للتراجع اصبحت الان منتصف الطريق.

فجأة سمعت صوت قرع أقدام قوية قريبة من مكانها كانت تقترب وتقترب بسرعة تزيد من ذعرها  وهي تقف مسمرة مكانها دون حراك تنتظر النهاية..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي