الفصل الثاني

هتف الجميع بأصوات عالية يمجدون ملكهم وانتصاراته الساحقة امام الممالك وهو الآن على مشارف حلمه وماضيه الضائع بين دهاليز تلك المملكة، عادت الذكريات تغزو فكره من جديد وعادت الابتسامة الى شفتيه الشاحبة ليرفع سيفه متفاخرا بانجازاته صارخا بحماس
_ اليوم نحن نقف أمام اسوار  مملكة الآلهة  وغدا ستكون ملكا لنا.
ليردد جنوده هتافاتهم بنفس حماسه دون توقف
اقترب منه أحد قادة جيشه وهمس مباركا له
_ اهنئك سيدي على هذا الانجاز العظيم
ابتسم يربت على كتفه بقوة قائلا
_ صديقي اكرسيوس تمهل قليلا مازال أمامنا الكثير لذا لا تتعجل في تهنئتي.
_ أننا على اسوار المملكة......
قاطعه مازحا
_  لكنا لم ندخلها بعد، لا تهتم لكلماتي أنا فقط أبث الحماس في قلوب جنودنا فدعى التهنئة لما بعد النصر.
هز اكرسيوس كتفيه بعدم فهم للنوايا قائده ولكن على ثقة كاملة به لذلك لا داعي لاي شعور قلق قد يعكر صفو فرحة الانتصار.

حاولت فتح عينيها ببطئ فألم رأسها لا يطاق تأوهت بوجع وهي تحاول الجلوس فكل ماتذكره الان تلك البوابة والكائن، نادته بصوت خافت
_ سيجورد أين انت ؟
أتاها صوت أنثوي رقيق بنبرة بها بعض البهجة
_ اميرتي استيقظتي اخيرا.
دلكت جبينها بتوتر قائلة
_ أين سيجورد ؟! ومن تكونين ؟ واين أنا؟
ابتسمت واجابتها بلطف
_ سيدتي لقد مضت سنوات عقوبتك وعدت أخيرا إلى المنزل، سيجورد ذهب لمقابلة الملك وسيعود في الحال.
مدت يدها تسقيها بعض الأعشاب واستطردت قائلة
_ اشربي هذه الأعشاب ستزيل الم راسك فورا، وانا هي جاريتك اثي فلا تقلقي سيدتي.
شعور بعدم الراحة انتابها تلك اللحظة، كيف أقدمت على هذا الجنون؟ لماذا اقحمت نفسها بمثل هذا؟ جارية ماذا تعني وماهو المطلوب منها لا تعلم شيء سوى أنها هاربة من جحيم إلى جحيم آخر شربت تلك الأعشاب وهي تتمنى أن تكون سما لتريح نفسها الى الأبد ولكنها شعرت بتحسن بعد آخر قطرة لتفتح عينيها جيدا وترى حولها
غرفة عتيقة تزين جدرانها السيوف والأسهم والدروع كأنها متحف لعرض أسلحة الأولين وكانت على الزوايا صناديق خشبية بدت لها الغرفة مخيفة بعض الشيء التفتت إلى الجارية اثي تسألها  بتعجب
_ لمن هذه الغرفة؟
ابتسمت اثي وقالت
_ غرفتك سيدتي يبدو انك فقدتي بعض ذكرياتك.
_ لا انا فقدت كل ذكرياتي كل ماتذكره هو اسمي آنا
قطب جبين اثي وقالت باندفاع
_ انت الأميرة باسيفاي من تكون  آنا
قهقت بتصنع ورددت بارتباك
_ نعم باسيفاي.. باسيفاي نعم ذلك هو اسمي كنت امزح معك اثي.
_ لا عليك سيدتي.
عبس وجه اثي  واكملت قائلة
_ لقد ظلمك الملك ذلك اليوم، لم يكن ذنبك ابدا ماحدث.
_ ماذا حدث ذلك اليوم؟
تنهدت اثي وحاولت أن تغير الموضوع فقالت
_ ماذا اجهز لك على الغداء سيدتي ؟
كانت إشارة جيدة لتفهم آنا أن جاريتهة لا تنوي سرد وقائع ذلك اليوم الذي حكت عنه لترد عليها آنا بعدم اهتمام مصطنع
_ لننسى مامضي فالحاضر لديه الكثير لكي يقدمه لنا.
هزت اثي رأسها بابتسامة لطيفة ثم غادرت غرفة سيادتها الغارقة في دوامة التفكير والندم .

دخلت إحدى جواريها تهتف بعلو صوتها ثط
_ سيدتي... سيدتي الأميرة باسيفاي عادت من جديد.
علا همس الجواري  لتتأجج بداخلها نيران غضب عارم فوقفت تحدق إلى تلك الجارية الراكعة أمامها ثم ركلتها  بكل قوة وهي تصرخ بها بغيظ
_ لا أحد ينطق بهذا الاسم امامي، أنها اللعنة التي لا تريد أن تنزاح لا اريد ان استمع الى حروف هذا الاسم، لماذا لا تموت؟..لماذا؟
ظلت تلك المسكينة ملقاة  على الأرض تحبس دموع الوجع تنظر إلى سيدتها بذعر تلعن لسانها الذي نطق باسم الأميرة باسيفاي و اوقعها بهذا المأزق ، اخفضت مستوى بصرها تنظر  إلى تلك الجارية  لتردف بغضب
_ تاج العرش لي وحدي انا الملكة القادمة للمملكة لا أحد سواي، وتلك اللعنة باسيفاي  ستختفي  قريبا أتفهمين ؟ أنا هي الملكة القادمة.
نظرن جواريها لبعضهن يتسألن باستغراب  عن أي مملكة وعرش تتحدث وهناك عدو يلتف حول المملكة كالثعبان لا ينفك حتى يجعلها ركام، ولكن من تجسر على قول الحقيقة أمامها.

وقف من على كرسيه يتقدم وهو يمد يديه بكل ترحيب متملق قد اعتاده سيجورد منذ أن كان تابعا للملك السابق
_ مرحبا بعودتك ياسيجورد لقد كنا في نتظارك بفارغ الصبر.
رد بكل برود
_ مرحبا بك سيدي الملك.
_ هل عادت الأميرة معك ام انها  كالعادة تمارس عنادها الاحمق.
تمالك سيجورد أعصابه ورد بهدوء
_ لقد عادت معي وهي الآن بغرفتها.
ابتسم بخبث ثم قال متسائلا
_ هل أخبرتها عن الوضع الحالي وأننا نحتاج إليها لتبث الحماس في قلوب الجند.
_ بل فعلت، لقد أخبرتها عن الملك ايولوس وجيوشه
هز رأسه وهو يشد شفتيه وقال باهتمام بالغ
_ اريد مقابلتها أنا والقادة.
رد سيجورد على مضض
_ أنها متعبة الان ربما غدا.....
قاطعه الملك  بغضب
_ أترفض اميرتك مقابلتي؟
_ لم أقل ذلك سيدي ولكنها تشعر ببعض التعب، لذلك من الأفضل أن تلتقي بها في الغد.
_ حسنا سنتظرها إلى الغد ولكن كن على يقين ياسيجورد إن لم تخلصنا اميرتك من هذا المأزق لن أتردد في قتلها.
اهتز سيجورد من كلماته وزادت مخاوفه على الأميرة لذلك شعر لوهلة أنه ارتكب حماقة بإعادتها إلى المملكة ومع ذلك هو لا يفعل ذلك إلا لأجلها فقط فهي الملكة وليست تلك المدللة اورسولا.
اقتحمت غرفتها هي وعدد من جواريها لتقترب منها وهي تجلس على سريرها تستمع لحكايات جاريتها اثي عن القصر وأحواله، عقدت ذراعيها حولها تحدق بها بكل حنق امتلكته بقلبها لباسفياي
_ أرى أنك قد عدت اخيرا.
التفتت آنا لجاريتها تتسال بنظراتها عن من تكون هذه وقفت آثي ترحب بالاميرة
_ مرحبا سيدتي اورسولا.
دفعت اورسولا آثي بكل قوة لتقع المسكينة على الأرض دون حولا لها ولا قوة أسرعت آنا تساعد جاريتها وهي تصيح بغضب
_ ايتها المتوحشة عديمة الإنسانية، كيف تدفعينها دون رحمة.
_ باسيفاي تتحدث عن الإنسانية والرحمة.
اردفت بضحكة بسيطة
_ أنا لست اكثر منك وحشية اختي.
اقتربت آنا منها حتى كادت أن تلتصق بها وقالت بنبرة تحذير
_ كل من يخصني لا تقتربي منه والا لن ادعك بسلام .
ابتسمت اورسولا قائلة
_ هل هذا تهديد ؟
_ نعم هو كذلك لقد عدت فلا أحد يقترب مني او مما هو لي.
طاقة وقوة وجبروت تفجر بداخلها دون أن أتعلم السبب ولكن الخوف مازال يحتل قلبها مهما أظهرت من قوة أو شجاعة.
زفرت اورسولا بضيق وقالت بنفس نبرة تهديد آنا
_ والعرش ملكي أنا وإذا اقتربتي منه لن ادعك بسلاما أيضا اختي الأميرة باسيفاي.
قالت اخر جملتها ببعض السخرية ولكن آنا لم تهتم  وعادت تاريخ حتضن آثي تواسيها تاركة تلك الواقفة تشتعل بنيرانها لوحدها، غادرت اورسولا غرفة باسيفاي تتوعد أن تقضي عليها بأي ثمن و إن كان ذلك الثمن هي المملكة كلها .

كان مستمتعا بمشاهدة الراقصات وهو يتلذذ بسماع انغام الموسيقى عندما اقتحمت غرفته وهي تجر خلفها سيف عظيم لم تستطع حمله لتصرخ بكل قوتها تقطع لحظات متعته وانسجامه
_ أيولوس يحيط باسوار مملكة أيس وانت تحيط بالجواري والراقصات وكأن الأمر لا يعنيك.
زفر بضجر فلم يعد يحتمل اخبار الحروب والكوارث فرد بعدم اكتراث
_ عزيزتي هميرا لن يقترب أيولوس لمملكتنا.
_ أتظن ايها الاحمق أن أيولوس سيفي بكل ماوعدك به ، انك احمقا بالفعل.
نظر من حوله فرأى الجميع يطأطأ رأسه بالأرض فهي تشتمه كعادتها وهو لا يملك أي سلطة بالرد عليها سوى بتوسل والتملق حتى ترضى
_ عزيزتي أيولوس صديق قديم ولن يخلف بوعده مهما حدث.
ضحكت وهي تلف حول نفسها تصفق بهستريا ثم وقفت تنظر إليه بحنق قائلة 
_ من الجنون أن ننسى الماضي ايها الملك، فلم يعد أيولوس ذلك الصديق الودود وانت تعلم جيدا ما اعنيه.
ابتلع ريقه وهو يتذكر بعض حوادث الماضي ليرد ببلاهة
_ أظنه قد نسى .
اخذت نفسا عميقا تكبح به سخطها عليه ثم قالت بهدوء يسبق عواصفها دائما
_ نحن لم ننسى يا عزيزي، لذلك خذ سيفك واستعد للحرب.
ظل ينظر إليها بحيرة هو الآن لم يعد كسابق بيده المبثورة وقوته الواهنة كيف سيقف أمام جبروت أيولوس
لم يكن يوما يمتلك الشجاعة ولم يكن يطمح بالملك ولكنها دائما ماتقف خلفه بشجاعتها حتى وصل لكرسي الحكم.

تسلل الضوء الفضي الخافت من نافذة غرفتها، لعله يجد وسيلة لمواساة تلك القابعة على السرير، تبكي بشدة وبصوت مكبوت خوفا ان يصل الى مسامع جواريها ا، وقفت تسرع نحو الباب عند سمع اصوات ارتطام حاد لا تعلم ماهيته ؟! فتحت الباب واندفعت خارجا تبحث عن اسباب ذلك الضجيج وهاهي قطة رمادية تقف امام بابها وقد حطمت انية الزهور الفخارية التي على المنضدة عادت الى الداخل وهي تحملها بين ذراعيها تمسدها بحنان تتمتم بنشج
- يبدو انك تائهة مثلي ايضا ، تعالي معي ربما نصبح اصدقاء فلا اعرف احدا هنا.
قطع حديثها مع القطة صوت صرير الباب عند انفراجه لم يكن سوى سيجورد الذي انتظرته طوال اليوم ولم يأتي اسرعت نحوه نحتضنه بيأس وهي باكية تلومه على تركه لها تحدثه عن موقفها السخيف مع الاميرة المدللة، ابعدها سيجورد بلطف ثم قال بحنو
- سيدتي لا تحزني الاميرة اورسولا تغار منك دائما لذلك تصطنع المشكلات معك لا تعيريها اهتمامك. ظلت تنظر اليه لثواني ثم قالت بسخط
- انت تعلم تماما ان لا احد يحب اميرتك فلماذا احضرتني؟، لكي تعاقبني مالذي فعلته لك
- من الذي لا يحبك هنا سيدتي، انت المستحقة الوحيدة لتاج عرش جدك الكل يحبك عدا الاميرة و..
قطع كلماته ثم سالها عن القطة لكي يبعدها  عن اي سؤال قد تطرحه عليه ولا يستطيع اجابته الوقت الحالي كان تهرب واضح عن الحديث بامور القصر وكأنه ارادها ان تستمر الان في حالة عدم الفهم خوفا عليها وليس منهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي