الثامن عشر

مرت عليها ساعات الليل كالدهر تنتظر ذلك العجوز ليخبرها بما وعدها به، ورغم ذلك الانتظار سألت نفسها ماذا تريد من هذه القصص. هل سيعيدون الأمل الذي فقدته، أم يعيدونها إلى حياتها؟ خرج الرجل العجوز من

غرفته فوجدها جالسة شاردة الذهن.
_ صباح الخير يا آنا
أجابت بابتسامة يائسة
_ اشتقت لاسمي
ابتسم الرجل العجوز وقال
_أنت لا تزالين هنا. يجب أن تعتاد على اسم باسيفاي
_حتى لو كنت لا أريد ذلك

ضحك الرجل العجوز وهو يضع بعض الطعام على الطاولة
_حتى لو كنت لا تريدين ذلك
سألته آنا متوسلة
_هل يمكنك إعادتي إلى عالمي؟
تنهد العجوز والتفت إليها وقالت
_أعدك أن أجد طريقة لعودتك، لكن عديني أنك ستكون باسيفاي
_أنت لا تخدعني أليس كذلك؟
ربت على رأسها بحنان وقال
_لن أخدعك. أعدك أن أعيدك إلى عالمك فقط عندما تستقر الأمور هنا
سألت آنا بشكل مثير للريبة
_هل يجب أن أتزوج أيولوس؟

هز الرجل العجوز رأسه وقال
-نعم، يجب عليك ذلك، لكن هذا لا يعني أنك ستبقين هنا إلى الأبد
وضع يديه على كتفيها وقال بتوسل
_ أنا من أرجوك أن تكوني باسيفاي حتى يستقر الوضع
هزت آنا رأسها بخنوع، لأنه لم يكن لديها خيار سوى أن تفعل ما يقوله لها
سألت بيلوتس العجوز
_ألن تخبرني بالأحداث حتى أعرف دوري؟

تحدث و الأحداث بدأت تتجسد في مخيلة السيد بيلوتس وبدأ في سردها
_تبدأ الأحداث في نهاية عهد الملك سيزيف والد الملكة هيوميون. وكان الملك في ذلك الوقت قد عقد صفقة مع الإله كراتوس لحماية المملكة أيس من هجوم الوحش تايفوس الذي وقع في حب الملكة هيوميون في ذلك الوقت. كان التايفوس ذو المائة رأس مرعباً وكان أيضا ملكا لوحوش الارض، وذو قوة لا تضاهى. قدم الملك سيزيف القرابين حتى تم منحه القبول، واستغرق قبول القرابين في جزيرة المعبد عدة أيام حتى نادى الإله كراتوس الملك قائلاً:
_أيها الملك سيزيف، إنني أقبل ذبيحتك، لكن يجب أن تحضر لي شابًا يستطيع أن يحمل سيفي، ويقطع رؤوس التايفوس بضربة واحدة.
أ
علن الملك سيزيف في جميع أنحاء المدينة أن من يستطيع استخدام السيف الإلهي وقتل الوحش تايفوس سيتزوج الأميرة ويصبح الملك التالي لأيس.
تقدم العديد من الشباب لذلك الامر، ولكن دون جدوى. لا أحد يستطيع أن يحمل هذا السيف

يئس الملك وكان على وشك فقدان ابنته الوحيدة هيوميون.
وفي أحد الأيام، صاح أحد الجنود
- سيدي، هناك شاب يرقد في حديقة القصر
سارع الملك والأميرة لمعرفة من هو هذا الشاب

كان الشاب ذو اللياقة البدنية القوية فاقدًا للوعي. فأمر الملك بنقله إلى القصر والعناية به حتى استعاد وعيه.
ومرت الأيام، واستمر التهديد، واستعاد ذلك الشاب عافيته تماماً، وبدأ العمل في القصر

وبينما كان الجميع ينتظر قدوم تايفوس ليختطف الأميرة، ذهب الجميع إلى المعبد للصلاة من أجل أن تعطيهم الآلهة حلاً لإنقاذ الأميرة.

فظهر تايفوس متحديا، مستهزئًا بهم  وبضعفهم ، وقال بكل جبروت
_ أيها الملك سيزيف، أعطني الأميرة هيوميون، و سأجعلك ملكًا على كل الأرض
صرخ الملك سيزيف في اعتراض شديد
_لن أعطيك ابنتي ما حييت
ضحك تايفوس واقترب ليأخذ الأميرة، وفجأة  شعروا فقط برؤوس تايفوس تطير أمامهم. والذي فعل ذلك هو الشاب مينوس الذي أنقذ الأميرة من شر ذلك الوحش وقتله بسيف الإلهي.

فرح الحاضرون واحتضنه الملك سيزيف ورحب به بحرارة وأعلن في تلك اللحظة أنه زوج ابنته والملك القادم لأيس.

صمت بيلوتس العجوز لبعض الوقت، بينما زاد هذا الصمت من فضول آنا التي سألت
_هل كان مينوس خادما في القصر؟
أجاب السيد العجوز
- لا، لم يكن خادماً، لكنه كان يعمل في القصر لتغطية نفقاته
هزت آنا رأسها يائسة وقالت
_ ألن تكمل البقية؟
_ بالفعل سأفعل، لكني تعبت من الكلام. سأذهب وأكمل بعض الأمور، ثم آتي أكمل لك ما حدث بعد ذلك
احتجت آنا وقالت
_ اكمل ثم اذهب إلى حيث تريد
_الأحداث طويلة، لن أتاخر
خضعت آنا للأمر وظلت تنتظر عودته ليكمل لها هذه الأحداث الأسطورية الغريبة


طرقات عنيفة على الباب أخافتها. كان من المستحيل أن يعود بيلوتس العجوز بهذه السرعة. ولم تستعجل لفتح الباب حتى سمعت صوت صراخها.
_ سيد بيلوتس، من فضلك افتح
ابتسمت آنا وهي تتقدم نحو الباب لتفتحه، عندما رأتها  صرخت بسعادة ثم عانقت سيدتها وهي تبكي قالت آنا بهزل
_ آثي، أمنيتي الوحيدة هي ألا أراك تبكين. في كل موقف، سواء كنت حزينًة، سعيدًة أو غاضبًة، يجب أن تبكين.

_ سيدتي لقد قلقت عليك، لم أستطع النوم طوال الليل
استمرت آثي في ​​البكاء، فحاولت آنا مواساتها قائلة:
- عزيزتي آثي لا تحزني. كنت يائسة، لذلك غادرت القصر

عانقتها آثي مرة أخرى
_يجب أن تعديني بأنك لن تتركني مهما حدث
_حسنا، توقفي عن البكاء


_ سيدتي، ألن تخبريني أين ذهبت؟
ابتسمت آنا وقالت
_إلى القلعة
شهقت آثي بصدمة واكملت  آنا قائلة
_قررت أن أختبئ هناك مع أخي الغريب
اقتربت منها آثي وسألتها بذهول
_ ألا تخافين منه؟
_لا، لم أكن خائفة منه. المينوتور ليس سيئًا، فهو طيب القلب
_إذن لماذا تم نفيه هناك؟
أجابت آنا بحزن
_تم نفيه بسبب أنانيتهم
قالت آثي وهي تجلس على الكرسي
_أنا لا أفهم ما تقوله دائمًا دعني أفهم شيئًا واحدًا، متى ستعودين إلى القصر؟
أجابت آنا على عجل
_ لن أعود
_لماذا؟
_لا أشعر بالأمان في القصر. سأبقي هنا

وقفت آثي متسائلة
-ماذا عن سيجورد؟
_لا أعرف. لقد أخبرتك منذ البداية أنني ضعيفة ولا أستطيع فعل أي شيء
توقفت آثي، وهي تحدق بها، ثم قالت بيأس
_لقد أعطيتني بعض الأمل والآن تنسحبين
_ لا، لا أنسحب، ولكن أعترف بعدم قدرتي على فعل أي شيء

دخل أحد الحراس بسرعة ثم وقف أمامه وقال
- سيدي، هناك رسالة من قائد حرس البوابة
أجاب كنوت بلا مبالاة
_وماذا يريد أيضاً؟
أجاب الجندي
- سيدي، يقول القائد أنه سمح للأميرة أورسولا وخادمتها بالمغادرة
قام من كرسيه بنظرة مصدومة وسأل الجندي
_ أين ذهبت
_يقول القائد أن الأميرة أخبرته أنك أرسلتها للتفاوض مع الملك أيولوس
صاح كنوت
- تلك الفتاة المجنونة، سوف تهلك بالتأكيد. لماذا فعلت ذلك؟
تحدث الجندي
- سيدي الملك لقد أبلغت الرسالة فأذن لي بالخروج

لوح بيده وأمره بالمغادرة. تحدث معه وزيره وهو لا يعلم لماذا انقلبت عليهم كل الموازين بعد أن أفاضت عليهم الآلهة البركات. فقال لسيده المحبط.
_سيدي، دعنا نذهب إلى جزيرة المعبد لتقديم القرابين

نظر إليه كنوت بسخط وقال
_ابنتي في خطر. ماذا ستفعل لي الآلهة إذا قدمت لها التضحيات؟
بقي الوزير صامتا، وقال كنوت بهدوء
_سأفقد ابنتي بسبب جشعي. لقد أصبحت تلك الطفلة مثلي تمامًا ولا تهتم إلا بنفسها

ولأول مرة في حياته، شعر كنوت بالندم والندم على ما فعله. لقد أصبحت وحيدته الآن نسخة منه، بل نسخة حمقاء ألقت بنفسها في المخاطر دون أن تدرك ما تفعله.
تحدث مع نفسه وقلبه ينفطر عليها
("أورسولا، ماذا فعلت بنفسك يا بنتي ؟")



إذا وقعت في شر ما خططت له، فإن تلك العقوبة ستكون شديدة، وهذا ما حدث لأورسولا، التي قادها جشعها وغيرتها إلى الهلاك دون أدنى  تفكير.

صرخت طالبة النجدة، لكن من يسمعها وينقذها من براثن الملك الذي أقسم على تدمير كنوت، وهنا جاءت إليه ابنته الوحيدة دون أن يحاول هو البحث عنها؟

بكت وتوسلت إليه أن يسمح لها بالذهاب وألا تعود إليه. حتى أنها عرضت عليه دخول المملكة دون أي مقاومة والسماح لها بالذهاب وعدم قتلها.

وكانت ضحكات أيولوس تدوي في أرجاء المكان، مما يزيد من خوفها من اقتراب الموت. لقد لعنت عقلها الصغير الذي لم يفكر في مثل هذا الاحتمال وتركها تمشي دون أن تتراجع إلى نهايتها المأساوية

- أرجوك أيها الملك لا تقتلني. لا أريد أن أموت.
وكانت كلماتها متقطعة بسبب البكاء. لم تهز له شعرة، ولم تضعفه دموعها لحظة واحدة. العكس تماما. كان يستمتع بتلك الصرخات والبكاء والتوسلات.

جلس يراقبها بنشوة وهي مقيدة ومرمية على الأرض، تتلوى أمامه، تحاول أن تستجدي تعاطفه، وهو لم يرف له حتى جفن. ومن الحماقة الاعتقاد بأن جمالها يمكن أن يجعلها في مأمن من أي خطر.

تذكرت كلام والدها بأن الهروب هو الحل الأنسب لهم، إذ لم يبق لهم في أيس سوى أرواحهم التي يجب عليهم حمايتها بالهروب.

دخل مينيلوس حاملاً كأسه الذي لم يتركه قط، ليرى ذلك المشهد المروع أمامه. صرخ وهو يلقي الكأس من يده وركع لفك أورسولا.
_ مينيلوس لا تفعل ذلك.
كان تحذيره واضحا تماما. جعل صديقه يقف و ينظر إليها بشفقة دون أن يتمكن من مساعدتها. نظرت إلى مينيلوس بنظرات متوسلة، لكنه لم لا يمكنه تقديم  أي مساعدة. تحدث مينيلوس متسائلاً:
_ ماذا فعل هذا الجمال يا سيدي؟
رد أيولوس ببرود
_أعرف ما فعلته، لا تحشر أنفك في هذا
_حسنًا، لكن....
قاطعته أيولوس محذرًا
_لا علاقة لك بها، ارحل الآن.

نظر مينيلوس إلى أورسولا الباكية، لكنه غادر على الفور، وعاد اليأس إلى قلب أورسولا مرة أخرى.

أسرع مينيلوس إلى صديقه أكرسيوس، لعله يجد ما ينسيه مايحدث  لذلك الجمال المسكين.
_ما هذا؟ مينيلوس، لماذا تبدو شاحبًا جدًا؟
فسأله أكريسيوس عندما رآه يدخل بتلك الملامح الواجمة . فأجاب مينيلوس بحزن:
_ذلك الجمال الفاتن يعذب ؟
ثم أردف مينيلوس واضعاً يديه على رأسه.
_لقد أصبح صديقك مجنونًا تمامًا, إنه يعذب تلك المرأة الجميلة بدون سبب.
فسأله أكرسيوس بنفاذ صبر
_هل ستخبرني بما حدث أو ألتزم الصمت والهدوء؟"

تكلم مينيلوس بغضب
_أنت وصديقك لا تملكان  قلبا، بل ما تحملونه في صدوركما هو حجر صلب
_ وماذا تفعل القلوب يا صديقي ما دمنا أحياء ومنعمين بالقوة
_ أعني أنك لا تشفق على الجميلات
_ انت كالعادة لا تفكر إلا في الكأس الذي تحمله وامرأة جميلة تجعلك تفقد حواسك.
خطى خطوة نحو طاولة المشروبات. فسكب له كوبًا وقال:
_لأنني أعرف كيف يعيش البشر، وليس الوحوش مثلكما

ضحك أكريسيوس عندما كان يقترب منه أيضًا
_ سأنضم إليك في الاستمتاع بالمشروب، لكن أخبرني ما بك يا رجل
_لا شيء. رأيت الفتاة الجميلة تتوسل لي ولم أفعل لها شيئاً.
فسأله أكرسيوس وهو يرتشف من كأسه 
_ من تلك المرأة الجميلة؟
تنهد مينيلوس وقال
_من أحضرتها لك هذا الصباح؟
فضحك أكريسيوس وقال
– تلك المرأة المجنونة التي لا تتوقف عن الكلام
_ والآن لا تتوقف عن البكاء.
فضحك أكريسيوس بشدة وقال:
_ إنها تبالغ في كل شيء.
_ أنت لم ترى الحالة التي كانت عليها يا رجل. ربما كنت أشفقت عليها"


تأخر السيد بيلوتس، مما جعل آنا أكثر قلقا عليه. لقد أخبرها قبل مغادرته أنه لن يتأخر. سألتها آثي عنه
_لماذا لم يأتي السيد بيلوتس بعد؟
أجابت آنا بقلق
_لا أعرف. لقد غادر في الصباح ولم يعد بعد.
_ يا ترى أين ذهب ذلك الرجل العجوز؟
سألت آثي في ​​حيرة، وهي تعقد حاجبيها. أجابت آنا، دون أن تنظر إلى اللاشيء
- لا أعلم، ربما  لديه شيئا مهما
أجاب آثي باقتضاب
_ ربما

سألتها آنا بعناية
_ آثي هل تعلمين كيف اعتلى الملك مينوس العرش؟
استغربت آثي من سؤالها فأجبت
_الجميع يعلم
- حسنا، هل يمكنك أن تخبرني؟
أجاب آثي بابتسامة
- بكل سرور سيدتي

أخبرتها آثي بنفس القصة التي سمعتها من السيد بيلوتس. آنا لا تعرف لماذا سألت هذا السؤال. وربما أرادت أن يطمئن قلبها لا أكثر.
_هذه قصة الملك مينوس والملكة هيوميون يا سيدتي
_حسنا أنا فهمت الآن

وقف أمام البوابة يشتم كل الجنود، كيف يسمحون لابنته الصغيرة بالخروج؟ فكيف لا يرفضون قرارها المتهور؟
_اللعنة عليك، لقد دمرت ابنتي الصغيرة
تقدم القائد وقال بلا حول ولا قوة
_ سيدي، إنها الأميرة أورسولا، لا نستطيع منعها.

صرخ كنوت عليه بغضب
_لو كنت قيدتها ومنعتها لكنت ممتن لك ، أما الآن فلا نعلم ما سيكون مصيرها
اندفع أحد الجنود وقال:
- سيدي، يمكنك الخروج ورؤيتها
نظر إليه كنوت بسخط، ثم استل سيف القائد وقطع رقبة الجندي. لقد فاجأ الجميع وظل الجميع صامتين. ولم يكن هناك مجال لزيادة غضبه في هذه اللحظة.
- سيدي، ما حدث ليس لنا يد فيه

وجه السيف أمام وجه القائد وقال بغضب
_أحملكم جميعا مسؤولية ما حدث
_لكن يا سيدي ..
فوضع طرف السيف على فمه وقال
_إذا قلت كلمة سأقطع لسانك
فصمت القائد وابتعد عن الملك الثائر
. ظل كنوت ينظر إلى البوابة بوجه قلق، ولا يعرف ما يمكنه فعله حيال ذلك. التفت إلى أحد الجنود وأشار له بالاقتراب. اقترب الجندي واعضائه ترتعش.
_آمرك أيها الجندي أن تخرج وتتعقب الأميرة

ابتلع الجندي ريقه بصعوبة. إذا رفض سيقطع رقبته، وإذا قبل سيقطع جنود أيولوس جسده بالكامل.
_أنا أتحدث إليكم. هيا افتحوا له الباب ليخرج

وبدات البوابة تنفتح أمام الجندي، وتقدم الرجل الفقير بساقيه المرتجفتين، يلتفت إلى أصدقائه ويودعهم
تحدث الملك بعدم ثقة في عودته
_إذا عدت سأكافئك بالمكافآت والهدايا
خرج ذلك الجندي المسكين وأغلقت البوابة مرة أخرى.

لا يعرف ماذا ينتظر هل ينتظر عودة طفلته المستحيلة، أم ينتظر مأساة خبر مقتلها؟ وفي كل الأحوال، لم يعد قلبه يحتمل أي شيء، حتى لو كان فرحاً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي