الفصل العاشر

استيقظت آنا ووجهها شاحب لدرجة أنها لم تعد قادرة على الكلام. سيطر شعور الخوف على كل حواسها، وكأنها تستعد ليوم إعدامها . شعرت آثي بالأسف على حالة سيدتها، لكنها علمت أن سيدتها قد تواجه الموت في هذا اللقاء. استعدت آنا للمغادرة، لكن أورسولا دخلت عليها في ذلك الوقت لإزعاجها كالعادة.
_الأميرة على وشك الخروج. أرى أنك أصبحت تعتادين على التجول في الخارج هذه الأيام
لم تكن آنا في مزاج يسمح لها بالاستماع إلى أورسولا، لذا دفعتها بقوة لدرجة أنها كادت تسقط وخرجت دون أن تنبس ببنت شفة. غضبت أورسولا وسرعان ما سحبت آنا من شعرها، وهي تصرخ بقوة
_اللعنة عليك، كيف تجرؤ على فعل هذا بي
داست آنا قدمها بكل قوة ، فصرخت أورسولا من الألم وتركت آنا التي تجاهلت كل هذا وواصلت السير الى الخارج. استمرت أورسولا في شتم آنا و لعنها. نظرت إليها آثي بنظرة شماتة وركضت خلف سيدتها.
_لأول مرة أشعر أن أميرتي باسيفاي قد عادت

تحدثت آثي بسعادة عما حدث، لكن آنا رمقت
ها بسخط، فتابعت المشي بصمت
كان السيد بيلوتس ينتظرها في منزله، ويصلي من اعماق قلبه ألا تتراجع عن وعدها بمقابلة أيولوس.
وصلت آنا إلى منزل السيد بيلوتس لتجده مستعدًا للمغادرة. فقال مرحباً، لكنها لم ترد عليه. كان يعلم أنها ليست في مزاج جيد للحديث، ولكنه استمر في الحديث قائلا بهدوء:
-عليك أن تأتي إلى الداخل حتى نتمكن من المغادرة

نظرت إليه آنا بتعجب واردف :
_يوجد ممر داخل منزلي يمكننا الخروج منه
زفرت بإنزعاج ودخلت
فتح السيد بيلوتس بابًا صغيرًا وأمرهم بالمرور من خلاله. وكان الباب يؤدي إلى قبو مظلم، لكنه حمل شعلة من نار ليضيء المكان. تشبثت آثي بذراع آنا من الخوف، بينما كانت الأخرى غائبة تماماً، تريد التحرر مما ستواجهه بعد بعض خطوات.

وأخيراً وصلوا إلى نهاية الممر، وكانت الفتحة مليئة بأغصان الأشجار. قام بدفع الأشجار بعيدًا وساعدته آثي بينما ظلت آنا تتأملهم بصمت. ثم واصلوا سيرهم عبر الغابة حتى رأوا أمامهم خيام جيش أيولوس. وقفت آنا دون اتخاذ خطوة واحدة. نظرت آثي إلى الوراء لتجد سيدتها واقفة، وتنظر بتردد.

كان يتجول في غرفته ذهابًا وإيابًا في انتظارهم. كان الوقت يمر ببطء. فدخل أكريسيوس ووجده على تلك الحالة. فسأله في دهشة.
_ سيدي ماذا بك؟
لم يجبه، بل بقي على حالته المتوترة، تارة يقف ويجلس، وتارة يخرج وينظر إلى الخارج
وكرر أكريسيوس سؤاله بإصرار
- سيدي، هل هناك شيء خاطئ؟ أرى أنك في حيرة من أمرك
أجاب أيولوس باقتضاب
_لا يوجد شئ

جلس أكريسيوس ينظر إليه بغرابة، لكنه لم يعد بحاجة إلى السؤال، فربما يغضبه أكثر لذا التزم الهدوء

عاد السيد بيلوتس إلى حيث كانت آنا تقف مرعوبة. ربت السيد العجوز بلطف على كتفها وقال لتهدئة ذعرها.
_ لا تخافي، انا معك وآثي أيضا لن يحدث لك أي شي، ثقي بي.

رفعت عينيها إليه وكأنها تتوسل إليه أن يترك هذا اللقاء ويعود، لكنه قال بإلحاح
_ لم يبق إلا القليل، يجب أن نتقدم
أخذت آنا نفسا ثم سارت ببطء. كانت آثي حزينة على سيدتها، ولكن لم يكن هناك مفر الآن. لقد كان الأمر وشيكًا، لذلك لم يكن هناك مجال للعودة إلى الوراء.


صرخت مجموعة من الجنود عندما رأوا اقترابهم من خيمة الملك أيولوس . وقفز من كرسيه عندما سمع ذلك الضجيج، فخرج أكريسيوس مسرعا ليتفقد الأمر. ووقف السيد بيلوتس يحاول أن يشرح للجنود أن لديه موعدًا مع الملك، لكنهم لم يستمعوا إليه. وقاموا بربط أذرع الرجل العجوز والفتاتين. صرخت آثي بصوت عالٍ، بينما ظلت آنا صامتة مغمضة العينين تنتظر مصيرها الذي كان الموت كما توقعت

فاقترب منهم أكريسيوس وسألهم في شك
_من أنتم؟,وماذا تريدون؟
أجاب الرجل العجوز وهو يحاول فك قيوده
_أنا الوزير بيلوتس، أتيت للقاء الملك أيولوس. إنه ينتظرني
فنظر اكرسيوس إلى أحد الجنود بحدة، وفهم الأمر، وقادهم بهذه الحالة إلى خيمة الملك.

فوجئ الملك أيولوس بهذا المنظر، فصرخ في وجه الجنود بغضب
_اللعنة عليكم كيف تفعلون ذلك، أطلقوا سراحهم على الفور.
تحدث أكريسيوس بدهشة
- سيدي الملك لقد اقتحموا المعسكر ولا نعرف نواياهم
- قال بيلوتس بحدة
_لقد أخبرتك أننا جئنا للقاء الملك وهو يعلم بهذا اللقاء

فتحت آنا عينيه ببطء وهي تستمع إلى تلك الأصوات الحادة والصاخبة. لقد صدمت عندما رأته. لا يمكن أن يكون كيف وصل إلى هنا، أو هل مر عبر فجوة زمنية ليتبعها أيضًا. سارت نحوه، ثم وقفت أمامه مباشرة. فنظر إليها بدهشة، تحدث السيد بيلوتس معرفا بالاميرة بكل فخر
_سيدتي الأميرة باسيفاي

أسرع أيولوس إلى فك الحبل القوي الذي يربط ذراعيها، لكنها كانت مشغولة بتبادل النظرات مع الشخص الذي يقف أمامها شعرت بتحرر يديها .ثم وفي لحظة صمت، صفعته بكل القوة حشدتها في تلك اللحظة. اتسعت عيناه في دهشة، وكان على وشك إعادة لها تلك الصفعة أقوى مائة مرة، ولكن يد الملك أيولوس سبقته لتمسك يده بكل قوة . تمنعه من الاقتراب منها ، وقال محذراً إياه
_لا تفكر أبدًا في إيذاء ملكتي

ماذا قال الملك للتو ملكته؟ من أين ظهرت هذه الملكة فجأة، وكيف يقبل أن يصفع ويهان صديقه أمامه دون أن يغضب عليه؟ بل اختار جانب تلك المرأة المجنونة. صرخت آنا بقوة في وجه أكريسيوس قائلة:
_تركت عالمي كله بسببك وسافرت إلى هذا الجحيم ومازلت تبحث عني. أحببتك. هل كان هذا خطأي أن تعاقبني على ما فعلته؟

صدمت الجميع بكلامها، لكن أيولوس أشتعلت نارًا بداخله كانت على وشك أن تبتلعها و اكريسيوس.
أجاب أكريسيوس ببلاهة
- عن ماذا تتحدثين؟ أنا لا أعرفك.
_ في الحقيقة كنت أنتظر هذا الرد منك. أنت لم تعرفني، ولكنني سأريك الجحيم نفسه أيها الوضيع.

فنظر أكريسيوس إلى الملك الذي بدت ملامحه أكثر حدة وهو ينظر إليهم وقال
- سيدي الملك اقسم لك لا أعرفها
اعتنى السيد بيلوتس بالأمر وسحب آنا بعيدًا عن أكريسيوس ، لتزيدآنا الأمور سوءا قائلة
- هل رأيت أيها السيد بيلوتس أنني لا أجذب إلا الأشخاص السيئين مثل هذا الشخص القذر إلى حياتي؟

صاح أكريسيوس بسخط
_اللعنة هي تهينني وتهينني دون سبب أعرفه
أصيب السيد بيلوتس بالرعب من تعبير أيولوس الغاضب، بينما لم ترفع آنا عينيها عن أكريسيوس الذي اندهش من سلوكها الغريب تجاهه.

تحدث أيولوس بنبرة مرعبة
_أكريسيوس، اخرج الآن، سنتحدث لاحقًا
أطاع أكريسيوس أمر ملكه وغادر، وهو يتمتم بكلمات غاضبة على آنا. التفت أيولوس إلى آنا وقال:
_انتظرتك سنوات وحرمت نفسي من كل النساء وفاءً لك، لمجرد تلك الكلمة كنت صادقا ومخلصا لهذه العلاقة

نظرت آنا إليه، في محاولة لفهم ما كان يقوله. وأشار إلى السيد بيلوتس وآثي بالمغادرة. أمسك السيد بيلوتس بيد آثي وغادرا، تاركين آنا والملك أيولوس بالداخل. اعترضت آثي قائلة
_كيف يمكننا أن نترك سيدتي في الداخل؟ قد يقتلها
قال السيد بيلوتس مطمئنا لها
_أيولوس لن يؤذيها، فلننتظر هنا بصمت
أدارت آثي وجهها عنه غاضبة منه

في الداخل، اقترب أيولوس من آنا وقال بحدة
_ أنا أنتظرك و أنت تتغنين في حب الرجال الآخرين. اللعنة عليك.
ملامحه مرعبة، لكن عليها أن تتصرف بحكمة، وإلا سيتم قطع رقبتها في هذه اللحظة. قالت وهي تستدير حتى لا يرى عينيها المرعوبتين.
- سيدي الملك أيولوس، لقد كان الأمر قديمًا جدًا ولم أعتقد أنك ستأتي
التفت إليها وقال وهو يمسك بذراعيها
_لم نرى بعضنا البعض، لكنني كنت أبحث دائمًا عن أي أخبار عنك، حتى أنني رأيتك في مملكة ثيساليا تتجادلين مع حصانك (بيغاسوس).

ثم سألها بعناية
_هل مازلت تحافظين على حصانك الإلهي؟
لقد رأته مرة واحدة عندما أظهره لها سيجورد، لكنها لم تره بعد ذلك، فأجابت بتلعثم.
_بالتأكيد، إنه حصاني الإلهي النادر.
_لأنك مميزة وهبتك اياه الآلهة

عليها أن تستمع إلى هذه القصص وتهز رأسها تظهر له أنها تفهم كل ما يقوله، لكنها على العكس تماما. وتابع قائلا
_ المهم الآن أنك تتمتعين بصحة جيدة حتى تكوني ملكة قوية يخافها الجميع مثل زوجك الملك أيولوس.
أجابت في دهشة
_ماذا، زوجة من؟

تراجعت عن كلامها عندما رأت ملامحه تتغير وقالت بهدوء مصطنع رغم ارتباكها
_أقصد أنك لم تنه حربك في آيس بعد، وأريد أيضًا القضاء على كنوت.
-حقا، تريد التخلص منه. اعتقدت أنك تقدريه بعد أن اعتنى بك في طفولتك
عقدت حاجبيها بالرفض
_لقد سُلب مني سيجورد و سلب من آثي والدتها المسكينة ؟
سألها باقتضاب
_من هؤلاء الناس؟
_صديقي سيجورد، ووالدة آثي التي كانت معي هنا.
_هل أنت حقا الأميرة باسيفاي؟
ضحكت لتخفي توترها وقالت
- أين السيد بيلوتس وآثي؟ دعونا نتحدث عن بقية القصة معا

كان سلوكها مشبوهًا. لقد سلبها كنوت والديها وعرشها، لكنها لم تذكر سوى صديقها ووالدة خادمتها، وهذا أمر لا يصدقه العقل أو المنطق أو أنها تخفي شيئا آخرا عنه .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي