الفصل السابع

كان في نوم عميق عندما سمع صوت اصطدام، فقفز من نومه، لكن عندما رآه أمامه تفاجأ.
_السيد بيلوتس، كيف وصلت إلى هنا؟
أجاب بضحكة خفيفة
- يبدو أنك نسيت أنني أستطيع اقتحام أي مكان وأنا جالسا في غرفتي
أغمض عينيه للحظة وقال بابتسامة
_ صحيح أنت طيف السيد بيلوتس، أمازلت تتقن هذا السحر.
رد مبتسما
_نعم اصبحت عجوزا ولكني مازلت احتفظ ببعض المهارات.
_ حسنا لماذا اتيت؟
_ أردت الحديث معك ايها الملك
فقام من سريره وذهب إلى إبريق الماء ليشرب وقال
_ما الذي نتحدث عنه سيد بيلوتس؟
_في جميع الأمور
أخذ رشفة من الماء ثم نظر إليه
_كل شيء، مثل مقتل والداي وأخي
اجابه السيد بيلوتس بهدوء
_أنت تعلم جيدًا من فعل بهم ذلك. ولم يذنب في حقك شعب أيس.
جلس على سريره وحدق فيه لبعض الوقت، وهو يتذكر ذلك اليوم المشؤوم الذي فقد فيه عائلته ثم قال بحدة
- سيد بيلوتس، أرى أنك أتيت لتجعلني أتراجع إلى الوراء، لكنني لن أفعل ذلك.
_ لا، ليس هذا ما أريده. الجميع هنا يكره الملك كنوت ولا أحد يريده ، لكن من المستحيل بالنسبة لي أن أقبل تدمير المملكة بسببه.

ضحك أيولوس وهو ينظر إلى الطيف المتحدث ثم قال
- وماذا عن عروستي؟ لم أسمع عنها الكثير  إلا أنها أصبحت أميرة متمردة
ابتسم بيلوتس قائلا
- كما اعتقدت أنك تنتظر أن تأتي باسيفاي إليك، أليس كذلك؟ لولا ذلك لكنت قد هاجمت آيس منذ البداية
مرر يده بذقنه وقال بمراوغة
_لا، الأمر لا يتعلق بباسيفاي
ضحك السيد بيلوتس ثم قال
_إنها جميلة مثل الملكة هيوميون، وكأنها نسخة منها
نظر إلى بيلوتس باهتمام وهو يتحدث عن باسيفاي
واصل السيد العجوز كلامه باسف
_لكن الملك كنوت نفاها منذ سنوات.
سأله بشكل دفاعي
_ نفاها، إلى أين؟
_لا أحد يعلم أرسلت خادمها سيجورد ليبحث عنها ولا أعلم هل وجدها أم لا
_ كنوت اللعين، غدًا سأدمر آيس فوق رأسه
صاح السيد بيلوتس متوسلا
_ أرجوك أيها الملك الشعب لا يستحق أن يعاني مرتين.
رد الملك أيولوس بلا مبالاة
_ لا يهم، ذلك اللعين لم يمنحني أي فرصة.
عاد الرجل العجوز يتوسل إليه بحزن
_ أتوسل إليك أيها الملك. أعدك أن أجد مكان وجود الأميرة في أقرب وقت ممكن
_يومين فقط، إذا لم أعرف مكانها، فسوف أدمر آيس بالكامل.

لم ير بيلوتس سيجورد بعد عودته، لذلك لم يعرف ما حدث ويحدث، فكل مايشغله الآن هو إيجاد طريقة للاتصال به قبل أن تحترق آيس من غضب أيولوس.

دفعتها خادمة الملكة هيميرا إلى الجناح. كانت ترتجف من الرعب، ولا تعلم ما الذي يحدث لها. كم تتمنى لو لم يكن لديها هذا الجمال الذي سيجلب لها الدمار والكوارث، مررت الملكة عينيها بعناية على جسدها بالكامل، ثم لوت شفتيها وقالت بسخرية.
_أنت لست جميلة كما يقولون عنك
ابتلعت المرأة المسكينة لعابها بصعوبة لتسالها الملكة.
_ما اسمك؟
فأجابت متلعثمة:
_"كايا"
_  اسم جميل أحببته. هل تعرفين من أكون؟
أجابت بخوف
- نعم, أنت الملكة هيميرا
- سيدتك الملكة هيميرا.
كررت الكلمات بشفتين مرتعشتين.
_"نعم يا سيدتي الملكة هيميرا."
_إنها تتعلم بسرعة وبشكل جيد.

قالت كلامها بسخرية على كايا التي كانت ترتجف أمامها خوفا منها
_"تعالي، اجلسي أريد أن أتحدث معك في أمر مهم."

خطت خطوات متعثرة ثم جلست بجانبها. نظرت إليها الملكة بازدراء، ودفعتها خادمة الملكة من على الأريكة وجعلتها تجلس على الأرض تحت قدمي سيدتها.
_يبدو أنك نسيت أنك جارية وضيعة حتى تجرأي على الجلوس بجانبي.

أشارت كايا  بيدها برفض وقالت :
_"لا، لقد أخطأت يا سيدتي". كنت خائفة ولم أنتبه.
_عليك الحذر يا كايا وإلا...
قطعت جملتها واكملت بسخرية
_تعرفين ما أعنيه.

هزت رأسها بالإيجاب، متمنية للحظة أن تموت وتتحرر من هذا العذاب

- حسنًا، أخبريني ماذا حدث بينك وبين الملك.
صمتت كايا وهي تنظر إليها على أمل أن تعفيها عن الحديث، لكن الملكة هيميرا تابعت
- هل تحبين الملك؟
ردت كايا بابتسامة عفوية
- نعم أحبه كثيراً.

صفعتها الملكة بشدة حتى تحول خدها إلى اللون الأحمر من الألم كانت تحدق بالملكة ببلاهة لا تفهم مايدور حولها
- أنا الوحيدة التي تحبه، أنا الوحيدة. هل تفهمين؟

هزت كايا رأسها بالإيجاب بينما كانت تمسح على خدها المتورم وتابعت الملكة بنفس الغطرسة
– هل يغدقك بالكلمات الرومانسية الجميلة؟

هزت كايا رأسها بنعم، لتصفعها مرة أخرى، محدثة أنيناً مسموعاً وهي تبكي من الألم، لكن الملكة لم تهتم لها وتابعت:
_“هل يحبك الملك؟”
فأجابت بنبرة باكية:
_لا أعلم يا سيدتي.
_إذا كان لا يحبك فلماذا أنت الوحيدة التي جعلك قريبة منه إلى هذا الحد؟
_أقسم لك، لا أعرف.

فشدّت شعرها وقالت بغضب:
_أنت لست سوى جارية أحضرها من أجل متعته. لا تصدقي أن ملكي الحبيب إيغيوس يحبك. هل تفهمين؟"

أومأت كايا برأسها بالموافقة دون أن تقل كلمة واحدة.
_"جيد. يبدو أنك فتاة جيدة وتفهمين الأمر بسرعة. ماذا عن عقد صفقة معك."

كانت كايا تبكي، فعقلها لم يعد قادراً على استيعاب مقدار الألم الذي يحمله قلبها الصغير. فسألتها الملكة بحدة:
_«ألن تسأليني عن الصفقة؟»
سألت كايا بإيجاز:
"ما هي؟"

اشارات  الملكة لخادمتها لتسارع الأخرى بحمل صندوق ووضعه أمام كايا
- افتح الصندوق.

فتحت كايا الصندوق بيدين مرتعشتين وهي تفكر في أسوأ الاحتمالات، لكنها تفاجأت عندما رأته مليئا بالذهب والمجوهرات والكنوز الثمينة، فقالت الملكة بخبث
- أعجبتك الهدايا صحيح .

هدايا لا يمكن أن تكون هكذا، هي تعلم أن الأمر أبعد من ذلك، فليست في موقف يجعل الملكة تكون معها بهذا اللطف العظيم استمرت الملكة قائلة وهي تميل بجذعها نحو كايا
- كل هذا سيكون لك وحدك، ولكن هناك شرط.

هذا هو بالضبط ما كانت تتوقعه، انه امر مستتر تحت غطاء الشرط  إذا لم تقبله، فسوف تعرف عواقب هذا الرفض بنفسها.
- أرى أنك احببتي الهدية ، أليس كذلك؟ حسنًا، خذ هذا الصندوق.", "وغادري إلى الأبد مملكة كريت بأكملها، وإلا...

دفع الباب بكل قوته ودخل وهو يصرخ بغضب
- ماذا تفعلين يا هيميرا؟
انحنى لمساعدة كايا الباكية، المرتجفة من الرعب، ثم جعلها خلف ظهره لحمايتها ، قائلاً لملكته:
_"لقد ذهبت بعيدًا يا هيميرا، ولن أترك هذا يمر بسلام".

وقفت تقترب منه مبتسمة متجاهلة تماما فورة غضبه، لتلمس خديه بحنان قائلة:
_ "ملكي الحبيب،  كنت أدافع عما هو لي، فكيف تماديت؟"

أبعد يديها عنه لكنها أسرعت لتقبيله دون أن تهتم بمن حولها. قبلتها جعلته ينسى كل غضبه، وبدا مستسلماً بين يديها،

لكن شهقة  كايا الباكية أعادته إلى واقعه، فدفعها بعيداً عنه، معلناً بغضب متظاهر
_ “هميرا، ماذا تفعلين؟ هذا لن يجدي نفعا."

أمسك بيد كايا وغادر جناح هيميرا قبل أن يغادر. أمر الحراس بعدم السماح للملكة بالمغادرة حتى يأذن لها . لكنها لم تهتم بمافعله .

صرخت خادمتها رافضة قرار الملك، لكن سيدتها كانت واقفة تبتسم في انتصار . أثبتت لها تلك القبلة ما لم تثبته الأقوال والأفعال. فقلب ملكها لا يزال ملكها، رغم مدى القسوة أو الكراهية التي أظهرها. إذن ما الذي يزعجها؟ ومن هذه اللحظة تعلن عودتها إلى سجن حبه من جديد راضية بحكمه وقراره المهم أن تبقى ملكة على عرش قلبه، وأن يظل خافقه ينبض لها وحدها وليس لغيرها .
وهذا ما كان يهمها هو أنها لاتزال تملك قلبه، وأنها لا تزال حبيبته، التي لن ينساها أبدا."


أمضت الليل كله في مواساة آثي، التي لم تتوقف عن البكاء والرثاء على حالة والدتها، لكن كل ما كان يشغل بال آنا هو كيف ستعثر على الوزير بيلوتس، لأنها لا تعرفه ولا تعرف هذه المدينة أيضًا.
_آثي أرجوك، ليس هناك وقت للبكاء. علينا أن نجد السيد بيلوتس.
ردت آثي بالدموع
- وماذا سيفعل ذلك السكير العجوز؟
_هل تعرفه؟
- نعم، كيف لا أعرفه؟ كان قريبا من الملك مينوس.
وقفت آنا وابتسمت بحماس
- هيا لنذهب للبحث عنه
- لن يفعل أي شيء. لو كان بإمكانه أن يفعل شيئًا، لما كانت والدتي تجلس في ذلك المكان القذر

تنهدت آنا بضيق وقالت
- حسنا ستأتين معي أو أغادر لوحدي ؟
مسحت آثي دموعها وأومأت برأسها بالقبول، إذ لن تستطع تركها وهي تعلم أنها لا تعرف شيئًا عن المدينة.

جلست تتأمله دون أن تنبس بكلمة واحدة. نظراته المرتبكة جعلتها تدرك أن كل ما يفعله مجرد لعبة لاغاظة ملكته التي لم ولن يتوقف عن حبها أبدا.
_ هل تحبها إلى هذا الحد سيدي الملك؟
انتبه من شروده ثم سألها
_ ماذا؟
كررت سؤالها له
_هل تحبها إلى هذا الحد؟
ابتسم وهو يربت على خدها وقال بلطف
_ لا داعي للقلق فأنت الآن الحبيبة وأم وريث العرش، لا تنسي
اخذت نفسا عميقا ثم قالت
_ لماذا تحاول إخفاء هذا الحب وتجاهله؟ إذا كنت غاضبًا من الملكة فعليك معاقبتها بعقوبة أخف من هذه وليس بامرأة أخرى.

_ أرى أنك صدقت ذلك المشهد العاطفي الذي خلقته أمامك. الملكة تهتم بنفسها فقط، وكل ما تفعله هو الخوف من الخسارة.

أجابت كايا بالنفي
- لا، رأيت في عينيها نار الغيرة التي كانت على وشك أن تحرقني قبل وصولك أيها الملك
ضحك الملك من كلامها وقال غير مصدق
_ الغيرة، هل تمزحين؟ عشت بين الجواري ولم تهتم الملكة بل هي التي دفعتني نحوهن
_ لقد كانت على ثقة تامة أنك لن تنظر إلى أي منهن، فقلبك ملك لها، أما الآن فأنت تعاملني معاملة خاصة وأنا أعيش معك في جناحك، وهذا شيء لا يمكنها قبوله.

صمت للحظة ثم قال بلا مبالاة
_هي التي أوصلتنا  إلى هنا فعليها أن تتحمل عواقب كبرياءها وإذلالها لحبي

يبدو أن الصراع بين العاشقين لن يجلب لها سوى الكارثة. وهي الآن بين نارين، إذ بدأ قلبها ينبض حباً للملك، وهناك الملك والملكة اللذين لن ينتهي حبهما مهما حدث.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي