الفصل السادس

غضبت عندما مُنعت من دخول جناحه. وكانت هذه هي المرة الأولى التي لم تتمكن فيها من دخول جناح الملك، حيث قضت أجمل أيام حياتها مع من أحبها بصدق. فهل كان هذا رده على خيانتها لحبه واختيارها للعرش والسلطة؟، أم أنها مجرد لحظات عناد عاشق يشتاق لأيامه الخوالي مع حبيبته المنشغلة عنه، وستنتهي ببعض الكلمات الرومانسية التي تجعله ينسى ما قالته له في ذلك اليوم؟

صرخت خادمتها في وجه الخادمين اللذين يحرسان الجناح
_إنها الملكة هيميرا. كيف يمكنكما منعها من الدخول؟
أجاب أحد الخدم  بإرتباك
- سيدي الملك هو من منع دخولها وليس نحن.
- لا أستطيع أن أصدق أن الملك سيأمر بهذا. ربما كان يقصد شخصاً آخر غير الملكة.
هز الخادمان رأسيهما بالرفض وأخفضا أعينهما عن ملكتهما، غير قادرين على عصيان أوامر الملك و إطاعة أوامرها.

كتمت غضبها وذهبت لمقابلته. لقد أخطأت في تقدير الأمور. ظنت أن الضعف الذي كان يظهره لها سيستمر وأنها ستبقى مثل ماهي تتمتع بكل صلاحياته في الحكم، لكنها الآن على وشك خسارة كل ما بنته طوال السنوات الماضية وتعود مرة أخرى إلى منطقة اللاشيء.

كل ما لديها الآن و تراهن عليه هو حبه لها. وربما ببعض الود والكلمات الرقيقة تعود المياه إلى مجراها ويصبح المستحيل ممكنا. وهي في كل الأحوال لن تقبل أن يكون هناك وريث للعرش، فهي أحق به،فقد ضحت بالكثير في حياتها من أجل الحفاظ عليه.

كانت واقفة أمامه مباشرة، تقبض قبضتيه بقوة، تحاول إخفاء انفعالها و غضبها. و كل ما كان عليها فعله الآن هو أن تتولى دور العاشقة المهتمة كما كان في الماضي.
_عزيزي إيغيوس، ذهبت إلى جناحك لمقابلتك، ولكن .....
قاطعها الملك إيغيوس دون أن ينظر إليها
_أمرت بمنعك من الدخول.
اقتربت منه وسألته بذهول
_ لماذا يا عزيزي ؟
رد باقتضاب
_أردت ذلك.
رفعت حاجبيها بدهشة وبادر هو قائلا قبل أن تسأله
_لقد أحضرت إحدى المحظيات إلى الجناح، لا أريدك أن تؤذيها أو تقتربي منها، أنا أمرك ولا أطلب منك .
اخذت نفسا عميقا ثم قالت بهدوء
_هل تحبها؟
_ربما ما الذي قد يثير اهتمامك في هذا الأمر؟

اقتربت منه كثيرا حتى كادت أن تلتصق به وقالت بكل غطرسة
_أنت لي، ولا ينبغي أن تحب أي شخص آخر.
انفجر الملك إيغيوس بالضحك بينما شعرت بالارتباك قليلاً، ثم قال وهو يلهث من الضحك
_حبيبتي هيميرا أعتقد أنك مازلت تعيشين في الماضي. استيقظت منذ عدة أيام عندما أدركت أنني أنتظر شيئًا مستحيلًا يدعى الحب استيقظي انت ايضا

لم تعد قادرة على السيطرة على نفسها فقالت باندفاع
_أنت فقط تحاول خلق العداوة بيننا ولن أستسلم وأراك تسلب حقي.
- هل تعتقدي أن عرش مملكتي ملك لك؟ لقد تركتك  فقط لأنني أحبك ورأيت أنك تميلين إلى السلطة والحكم، لكنك ظننت أنني ضعيف ولا أملك من أمري  أي شيء.

رغم أنها جاءت لتهدئة الوضع بينهما، إلا أنها لم تستطع قبول أسلوبه الجديد في الحديث معها، إذ لم يعد ذلك اللسان العذب أكثر من مجرد سوط يضربها دون أن يبالي بمشاعرها.

تبادلا النظرات التي كانت أشبه بالتحدي. فقدت الأمل في العثور عليه بمفردها، فقررت أن المواجهة هي الطريقة الوحيدة للعثور عليه، رغم أنها قد تكون أخطر وسيلة قد تفقد بها حياتها أيضًا إذا أخطأت.
_أين سيجورد؟
ادار لها ظهره وقال بلا مبالاة
- لا أعلم، هو خادمك وليس أنا
ظلت هادئة ثم سألته مرة أخرى
_أين سيجورد؟

التفت إليها وظل يبتسم وهو يحدق بها بصمت، فصرخت وسألته بقوة
_أين أخذت سيجورد؟
_لا بد أن يكون أخوك الوحش مينوتور موجود في هذه الحرب
_ لا لن أقبل
فأدار ظهره لها وقال ببرود
_عليك نسيان أمر سيجورد إذن

ليست هناك حاجة لإظهار غضبها الآن. عليها أن تكون حذرة وهادئة في التعامل معه، قالت بلطف
_حسنا سأتحدث مع أخي لكن أن رفض.
فأجابها وهو يضحك
_لن يرفض إذا سألته
_هل تعتقد أن بمشاركته ستنتصر؟
تنهد بعمق وقال
_ لا
_إذن لماذا تريد مشاركته؟
_لأنه لعنة آيس ويجب أن أتخلص منها.

قد يكون لعنة ووحشًا مخيفًا، لكنه ألطف شخص رأته هنا، لذلك من المستحيل عليها أن تخذله وتتخلى عنه، حتى لو كان العثور على سيجورد سيكلفها الكثير، لكن الوحش اللطيف لن يكون أحد ضحايا هذا الملك الملعون.

_بما أنه لعنة، لماذا لم تتخلص منه من قبل؟
صمت للحظات وبدا متوترا ثم قال
_لقد حاولت ولم أستطع
ردت بسخرية
_لم يتمكن الملك كنوت من التخلص من الوحش
زفر بغضب وقال
-لن تري سيجورد حتى أتخلص من أخيك المسخ، هل تفهمين؟
ابتسمت ثم قالت لاستفزازه
_أعتقد أنك أيضًا لا تعرف مكان سيجورد، وتحاول فقط الاستفادة من غيابه.
_لا، بل أعرف مكانه جيدًا
- حسنًا دعني أراه لأتأكد ويطمئن قلبي، ثم أقنع أخي بما تريد.

ظل صامتًا لبضع لحظات بينما كانت تراقبه باهتمام، ربما ستوقعه غطرسته في مكيدتها وتجعلها ترى سيجورد بالفعل.
_حسنًا، سأدعك ترينه, ولكن لفترة قصيرة
أجابت بحماس.
_ جيد

إنها تحتاج فقط إلى بضع دقائق للاطمئنان على سيجورد، وبعد ذلك ستحاول تحريره من يدي كنوت

تبعت الخادم الذي أمره الملك بأخذها لرؤية سيجورد، وسارت آثي بجانبها متعجبة.
_ماذا حدث سيدتي؟!
-سنذهب لرؤية سيجورد
همست آثي بسعادة
- حقاً، هل ما زال على قيد الحياة؟
هزت آنا رأسها بابتسامة وقالت
-نعم، لا يزال على قيد الحياة

اندهش الوزير من تصرف الملك وسأل نفسه كيف ستراه الأميرة، وقد أمر بإلقائه في قلعة الشبح.
لاحظ الملك أن وزيره مشتت فسأله مبتسماً
_ أيها الوزير ما الذي يقلقك؟
فسأله الوزير  أيضا بارتباك
_أليس سيجورد ميتا؟

ربت الملك على كتف وزيره وقال
_لا، اخذته لإخافته فقط. رأيت اهتمام باسيفاي به، فقلت في نفسي، لماذا لا أستخدمه للضغط عليها؟
_لا أفهم لماذا تريد أن يشارك المينوتور في هذه الحرب.
ابتسم ثم قال وهو يعود إلى عرشه
_أنت لا تعرف ماذا قد يحدث عندما يخرج هذا الوحش

تغيرت ملامح الوزير وسأله في ذعر
- ألا تعتقد أن خروجه يشكل خطورة ؟
_إذا كان علي أن أخسر مملكة أيس، فيجب أن أخسرها وهي في حالة خراب.
اتسعت عيون الوزير وهو يحدق به مذهولا، كان كلام الملك مرعباً حقا،  ولم يفهم ما كان يدور في ذهنه، لكنه يدرك خبث هذا الملك ومكره.


استدعت مستشارها إلى جناحها، وهو أمر لم تفعله من قبل. جاء مسرعاً وهو يحمل في صدره القلق بشأن ما حدث لملكته. دخل بسرعة ليرى أنها دمرت كل شيء في غرفتها بغضب.

تقدم ففزع من ذلك المنظر المربك، وسأل خادمتها عما حدث لها. هزت رأسها بحزن وقالت:
_الملك يريد أن ينجب وريثاً للعرش
تفاجأ لأن هذا لم يحدث في الماضي، تحدثت الخادمة الحزينة  على ملكتها وأخبرته بما حدث قائلة
_مُنعت الملكة هيميرا من دخول جناح الملك
زفرت بغضب وهي تستمر في الحديث
_هناك محظية جديدة قريبة من الملك وهي في جناحه
فسألها في دهشة
_ لكن لماذا؟
_لأنه يخاف على عشيقته من الملكة
_فهمت الان.
_ مالذي فهمته ياسيدي.

أمرها بالمغادرة ليتولى هو محاولة تهدئة الملكة الثائرة
تحدث بعناية حتى لا يثير غضبها أكثر
_سيدتي، أطلب منك أن تهدأي حتى نتمكن من الحديث
رمت الكأس من يدها وصرخت بغضب
- يريد أن يأخذ مني كل شيء، فضل تلك الجارية المتواضعة علي
حاول أن يخفف من توترها قائلا:
_أعتقد أن الملك يحاول أن يغضبك...
قاطعته بحدة
_يغضبني ، لا أعتقد ذلك، لقد تحدث معي بوضوح شديد وطلب مني عدم إيذاءها، بل أمرني أن لا أقترب منها.
_حسناً، أعتقد أنك تصرفتي معه في الفترة الأخيرة ببعض الغطرسة التي حذرتك منها.
صرخت بغضب
_ أنا التي حافظت على مملكته وأنا الذي أسست أسس سلطانه. انا الملكة
بلل شفتيه الجافتين ثم قال
- في رأيي أن تحاولي الفوز به مرة أخرى، لا أعتقد أنه نسي حبك بهذه السهولة سيدتي، حبكما اسطوري ومبارك من الالهة.
نظرت إليه بسخط وقالت
- يبدو أنك لا تفهم ما أقول، أيغيوس لم يعد هو نفسه.

لقد كان في حيرة من أمره بشأن ما يجب فعله، حيث كان دائمًا ينصحها بألا تنجرف في غطرستها الزائفة. وفي النهاية هو الملك وهو من يملك كل الصلاحيات، حتى لو مارستها تحت ظله، وهي الآن ترى عواقب الأمور التي لم تحذر منها. ليس لديه أي حيلة إلا تهدئتها وتقديم النصح لها، إذ بدت الأمور خارجة عن السيطرة الان .

كان يبدو في حالة رثة، وجسده مغطى بالتراب، وكان ملقى على الأرض بخرقة بالية لا تحميه من البرد. امتلأت عيناها تلقائيًا بالدموع بينما انفجرت خادمتها بالبكاء عندما نظرت إلى حالته.
اقتربت من ذلك القفص الذي لم يكن سوى سجنه، تناديه بحزن وقلب مكسور
_سيجورد

فتح عينيه بصعوبة. وكان من المستحيل عليه أن يظن أن ما سمعه هو صوت سيدته، لكنه حاول أن ينظر إلى المنادي فوجدها واقفة أمامه وعينيها تبكي عليه. وحاول الوقوف بصعوبة، وكانت آثار التعذيب واضحة عليه. تمسّك بالسياج الحديدي ليساعده على الوقوف.

قال بتوسل
_اذهبي يا سيدتي، هذا ليس مكانك.

ردت وهي تنظر إليه بشفقة
_شششششششششششششششششش، لا تتكلم، سأفعل كل ما بوسعي لإخراجك، حتى لو تحالفت مع الشيطان نفسه
توسل إليها مرة أخرى
_أرجوك لا تتهوري . آيس تحتاجك. سأكون بخير، لا تقلقي سيدتي.

لم تستطع إخفاء انفعالاتها وبكت متجاهلة عيون العبيد الناظرة إليها ببلاهة وذهول
_ سيدتي، من فضلك حاولي  السيطرة على نفسك، أنت الأميرة باسيفاي لا تبكي من أجل خادم.

صرخت بكل طاقتها
_اللعنة على الأميرة باسيفاي التي تركتك تتعذب دون رحمة من هذا الملك المستبد.
نظر حوله بذعر ثم قال بصوت منخفض:
_ سيدتي، اخفضي صوتك من فضلك، الجميع ينظر إليك
ثم أضاف وسأل
_ما هو ثمن قدومك لرأيتي؟
صمتت وهي تنظر إليه بعينيها الدامعتين، لكنه أصر على سؤاله
_ ماهو الثمن سيدتي.
_ أن ينضم أخي المينوتور الى الحرب
صرخ بإعتراض
_هذا غير ممكن. لا يمكن اخراج المينوتور من قلعته. من المستحيل، أن كنوت يسعى لتدمير آيس.

أضاف متوسلاً وهو راكعا أمامها من خلف السياج
_ أرجوك سيدتي لا تفعلي ذلك، لا تدمري مملكتك وشعبك، لا تفعلي.

نادى الخادم بقوة لينهي المقابلة، لكن كل
ماته الأخيرة  زادتها حيرة فسألته على عجل
_أريد أن أفهم ما يدور حولي حتى أستطيع أن أفعل الصواب
همس لها
- ابحثي عن وزير والدك السيد بيلوتس . ستجديه في الحانات. ربما سيخبرك ببعض الإجابات.

صرخ العبد مرة أخرى محذرا من عواقب التأخر. فودعت سيجورد و وعدته بالخلاص قريبا ، ثم ساروا نحو بوابة الخروج، لكن آثي ركعت فجأة أمام أحد الأقفاص، ونظرت إلى من في داخله بدهشة. حاولت آنا مساعدتها على الوقوف، لكنها ظلت تحدق في ذلك القفص، والدموع تسيل على خديها دون توقف. نظرت آنا إلى القفص. كانت هناك امرأة عمياء تبحث عن كوب الماء الذي بجانبها فعرفت أنها والدة آثي التي كانت مسجونة منذ سنوات

جلست آنا بجانبها وهي تعانقها تقول لها بصوت هامس
- سأبذل قصارى جهدي لإخراجهما، لكن من فضلك لا تظهري أنك تعرفيها حتى لا يؤذوها

نظرت آثي إلى سيدتها، التي توسلت إليها أن تنهض، فاطاعتها و اكملت مشيها وهي تسحب قدميها بصعوبة إلى الخارج، تذكر أيامها الماضية وهي في حضن رعاية والدتها. لم تتوقع أن تراها في مثل هذه الحالة المؤلمة، فلعنت الملك كنوت وصلت من كل قلبها أن تقترب نهايته.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي