الفصل الحادي عشر

منذ وصولها إلى هذا العالم الأسطوري، لم يكن أمامها خيار سوى الاستسلام لأي مصير، حتى لو كان الموت، ولكن أن تربط حياتها بهذا العالم إلى الأبد، هذ المصير الذي لم تريده أبدًا. وهمست للسيد بيلوتس قائلة باعتراض واضح:
_لن أوافق على الزواج في هذه العالم، أريد العودة لعالمي لقد أخبرتك بذلك من قبل .
رد وهمس لها أيضًا:
_ حسنًا، سنرى ذلك. يجب أن نتحلى بالصبر حتى نجد الحل.

وكان أيولوس واضحاً في قراره بإتمام زواجه من عروسه، لذلك اراد الاستعداد في وقت قصير وجمع القرابين لتقديمها للآلهة لتباركه ويتمم زفافه. فدخل ممسكا بيد آنا لتمشي معه خاضعة دون أي اعتراض. ثم وقف معها أمام جنوده يصرخ وهو يرفع كأس النبيذ:
_أيها الجنود، هذه الأميرة باسيفاي ابنة الملك الراحل مينوس، وريثة عرش مملكة أيس الشرعية، ستكون ملكتكم قريبًا، لذا قوموا بتحيتها..
صاح الجنود:
_ «تحيا ملكتنا، باسيفاي. تحيا الملكة."

نظرت آنا إلى الرجل العجوز الذي رماها في فوهة بركان يوشك أن ينفجر وينهي كل أمالها في العودة ، توسلت بعينيها أن يفعل شيئًا ما لإيقاف ما يحدث.
لكنه وقف عاجزًا، لا يعرف ماذا يفعل. للحظة، تمنى أن يعرف ما حدث بالفعل لباسيفاي الحقيقية أن لم تكن هذه هي، لكن لن يجيبه أحد على هذا السؤال باستثناء سيجورد.

بدت السعادة مكتوبة على ملامحه وهي واقفة بجانبه وذراعه حولها. شعرت آنا أن مصيرها بدأ يصبح أكثر تعقيداً. وصلت كأميرة والآن ستصبح ملكة أشرس الملوك في هذا العصر، بدت كالزجاجة التي ألقيت في البحر، تخطفها الأمواج بلا هوادة حتى استقرت في مرسى لا تعرفه و لم تختاره. طبع أيولوس قبلة لطيفة على جبينها، وهمس:
_لو تعلمين مدى سعادتي، أشعر أنني اكتملت بك، ملكًا وملكته. ألا تشعرين بنفس الطريقة التي أشعر بها؟

هزت رأسها بيأس، ابتسمت ابتسامة خافتة، وواصل هو احتفاله بها بين جنوده، وهي ظلت تلعن توماس الذي كان سببا فيما وصلت إليه الآن.

ألقت آثي باللوم على الرجل العجوز فيما يحدث لسيدتها وطلبت منه أن يجد طريقة لإخراجها من هذا المأزق. فقال لها بيأس:
_ربما كان قراري خاطئاً. فكرت في أيس وشعبها، لكنني لم أهتم بمشاعر الأميرة.
ردت آثي بحزن
_ هل هذا يعني أنك الآن غير قادر على فعل أي شيء؟

أومأ الرجل العجوز بالإيجاب. في الواقع، كان عاجزًا تمامًا أمام الفرحة التي غمرت أيولوس بحضورها. يتذكر عندما رآه وهو صغير، يبكي ويهدد بقتل من انهى حياة عائلته، لكن كنوت لم يبالي به ، أطلق العنان لذلك الصبي الصغير الذي يقف اليوم بكل قوة وشراسة على أعتاب مملكته ليقتله.

عاد الملك وآنا إلى الداخل وجلس يحدق بها دون ملل بينما كانت تحاول أن الا تلتقي عينيها بعينيه حتى لا يرى ذلك الرفض التام لما يحدث
_ ملكتي المتمردة، هل تخجلين؟
تحدث أيولوس بنبرة لطيفة، هزت آنا رأسها بالايجاب، فابتسم الملك أيولوس وقال
_ سأخبرك بسر صغير. ولكن عديني أنك لن تغضبي مني.
_ حسنًا، أعدك،
أجاب بضحكة خفيفة.
_عندما تم أعلن أنك عروسي كنتي مازلت طفلة رضيعة، وكنت أنا طفلا صغيرا أيضا . لقد اقترب منك صديقي إيغيوس، أراد أن يحملك بين ذراعيها.
ضحك بشدة ثم أكملت
_شعرت بالغيرة وقتها وختطفتك منه وهربت. اختبأت بعيدا ثم أخرجت خنجري الصغير وتركت علامة على ذراعك بأنك لي. كنت تبكي وأنا أحاول أن أشرح لك....

قاطعته بحدة
_لقد كنت همجياً منذ طفولتك.
ابتسم وقال
_ أردت أن أثبت للجميع حقي في عروسي
ردت آنا بإعتراض
_ ليس بهذه الطريقة.
ربت على ذراعها وقال
_ هل يمكنك أن تريني تلك العلامة؟

لقد فهمت آنا مكر ذلك الملك. لابد أنه بدء يشك في أنها ليست الأميرة باسيفاي. هي ليست الأميرة فعلاً، ويبدو أن أمرها سينكشف الآن. قالت مراوغة:
_ربما محت السنين تلك العلامة.
_لا أعتقد أنه كان جرحا عميقا لن يختفي مهما حدث. ابتلعت آنا لعابها بصعوبة وبدأت تتعرق بعصبية رغم برودة الطقس. شعر الملك بذلك الارتباك وسألها بجدية: _أنت لست الأميرة. باسيفاي، أليس كذلك
_ لا، أنا هي بالفعل، لماذا تظن أنني لست هي؟

ضحك بشدة، ثم صمت، وتحولت ملامحه اللطيفة إلى حادة مخيفة. قام بشق وقطع ملابسها ليرى ذراعها، وكانت المفاجأة، كانت هناك تلك العلامة التي وضعها على ذراعها بالفعل، لكن آنا أغمضت عينيها، واستسلمت تمامًا لموتها المحتوم.

عانقها بقوة حتى كاد أن يخنق أنفاسها وهي بين ذراعيه. تساؤلات آنا هل هذه هي الطريقة لقتلها؟ أم يؤدي طقوس الوداع الأخيرة قبل قطع رأسها؟ أصبح سعالها أعلى. دفعها بعيدا بقلق وقال باعتذار.
- أعتذر يا عزيزتي. هل أنت بخير؟
ماذا يعني الآن؟ لماذا لا يقتلها وينهي هذا العذاب؟ لكنه قبل خدها بلطف ليزيد ارتباكها وقال:
_من الآن فصاعدا، لن أتركك أبدا.

ما كان ينقصها حقًا هو هذا الوعد بتأكيد تقييد حريتها إلى الأبد. أرادت أن تصرخ بصوت عالٍ أنها آنا، الفتاة العادية التي تعمل نادلة بسيطة في عالمها وليست باسيفاي الأميرة. ماذا ستفعل لفك قيودها وجعلها تغادر بأمان من هنا؟
تحدثت على أمل أن يستمع إليها
_هل يمكننا العودة إلى المدينة؟
فأجاب بحزم وحسم
_لماذا ستعودين إلى هناك؟ سندخلها منتصرين غدا
- حسنًا، هل يمكنني التحدث إلى السيد بيلوتس وآثي على انفراد؟

أجاب بابتسامة واسعة
_ قطعاً
ثم ربت على خديها وقال مازحا
_لا توجد أسرار بين الزوجين أليس كذلك ؟
قالت آنا متلعثمة.
_لا ليست أسرار....
قاطعها وهو يضحك
- لا تقلقي يا عزيزتي، سأغادر الآن حتى تتمكني من التحدث بشكل مريح
_ شكرًا لك

فخرج من خيمته وتوجه مسرعاً إلى صديقه أكريسيوس. وجد وجهه كئيبًا، لا يدري لماذا حدث ما حدث له. اقترب منه أيولوس وقال محذرًا:
_لا تقترب من ملكتي. ما حدث بينكما يجب أن يُنسى إلى الأبد

فاندهش أكرسيوس من صديقه. كيف يمكن أن يصدق ما قالته تلك المرأة المجنونة؟ لم يسبق له أن رآها من قبل، لذا لا يمكنه أن يتهمه بما قالته.
أجاب أكريسيوس بغرابة
_هل أنت صديقي أيولوس أم أنت الملك الذي يتحدث معي؟
_ لأنك صديقي جئت إليك بتحذير. ولولا ذلك لقطعت رقبتك
فهز أكريسيوس رأسه يائسًا وقال
_ حسنا يا صديقي أو تريد أن أقول لك مولاي الملك

أخفى أيولوس اضطرابه وقال بهدوء
_لا أريد أن نكون في صراع. إذا كنت تحب الأميرة، عليك أن تنساها لأنها ستصبح زوجتي.
تنهد أكرسيوس بعمق
_ أنا لا أعرفها ولم أرها، لكنك لا تريد أن تصدقني. بالطبع، أنا سعيد لأنك وجدت ملكتك، لكن يبدو أنك ستفقد صديقك.


ولم يكن هذا ما أراده الملك أيولوس. كان صديقه أكرسيوس يدعمه دائمًا ولم يكن على استعداد لخسارته. تحدث وهو يربت على كتف صديقه.
_أنت صديقي وأخي. انا لا اريد ان اخسرك ابدا. لماذا تقول هذا؟
عانقه محاولاً تهدئة صديقه وقال
_ربما أصبحت عاطفيًا بسبب الغيرة، وستظل صديقي إلى الأبد. سأتحدث مع الأميرة وأخبرها أنها مخطئة.

- سيدي الملك، لقد أقسمت أمامك أنني لم أرها من قبل. ربما أرادت زرع الفتنة بيننا ونحن في حالة حرب مع مملكتها.
فاعترض أيولوس بشدة قائلاً:
_الأميرة باسيفاي لا تفكر بهذه الطريقة
- وكيف تعرف ما هي نواياها يا سيدي؟ حسنا، دعنا نرى ما سيحدث
أومأ الملك برأسه بعد أن شككه صديقه في نوايا الأميرة، لكنه رفض تلك الشكوك ولم يسمح لها بالسيطرة عليه.


صرخت آثي عندما رأت أن ملابس سيدتها ممزقة، قالت بحزن
_سيدتي، هل ضربك ذلك الملك الوحشي؟
تحدث السيد بيلوتس بأسف
- كيف يفعل هذا؟ الا يحترم ضيوفه
ردت عليهم آنا نافية التهمة الموجهة إلى أيولوس
_ لا، لم يضربني. أراد أن يرى العلامة التي تركها لعروسه عندما كانت طفلة

استذكر السيد بيلوتس تلك الحادثة وقال
- نعم حدث بالفعل، وعاقبه والده بحبسه في غرفته لمدة عام كامل
صمت لثواني ثم أضاف بذهول
_هل انكشف أمرك؟
ردت آنا بنفس الدهشة
_لا، لأن تلك العلامة موجودة بالفعل على كتفي
تحدثت آثي بذهول
- ماذا تقصدين؟ أنت الأميرة باسيفاي
_بالطبع لا.
سألها السيد بيلوتس بجدية
_فكيف جاءت هذه العلامة؟
ردت آنا بهدوء
_لقد كان حادثاً حدث لي في طفولتي. لقد سقطت من على شجرة وكانت هناك قطعة حديد حادة على الأرض مما أدى إلى إصابتي

تذكرت آنا ما كانت فيه الآن وأنها في ورطة حقيقية بالفعل، فنسيت كل شيء وأمسكت بياقة الرجل العجوز، وشتمته لأنه أوقعها في هذه المعضلة. قالت آثي بغضب للسيد بيلوتس.
_سيدتي على حق، ما فعلته لها لا يصدق
خفض رأسه في حرج وقال
_لم أتوقع أن تسير الأمور بهذه الطريقة

صرخت آنا بسخط
_ سألتك قبل أن نأتي ماذا لو طلب الملك إتمام الزواج؟ أجبتني أنك لن تترك الأمور تصل إلى هذا الحد، والآن ماذا سنفعل؟
اجاب السيد بيلوتس بلا حول ولا قوة
_لا أعلم، ربما كان زواجك من الملك أيولوس هو قدرك

اتسعت عينا آنا في دهشة من حديث هذا الرجل العجوز. ولعل ما كان يحدث لها كان بسبب استسلامها ولطفها الزائد معه ، فقالت بحزم.
_سأغادر هذا المعسكر الان، ولن أذهب إلى المدينة سأمشي حتى أموت.
رد بيلوتس برزانه
_إذا كان خيارك الموت، فاختاري أن تعيشي كملكة هذا خير لك.
_هذا ما لم أتوقعه منك أن تخذلني في هذا الوقت
_لا لم أخذلك ولكن الأمر كان فوق قدرتي

صاحت آثي باكية لأجل سيدتها قائلة برجاء
_السيد بيلوتس، من فضلك، يجب أن تحل هذه المسألة
_ماذا علي أن أفعل؟ الملك لن يستمع لي
تحدثت آنا وقالت بيأس
_لا أريد هذا المصير. أريد العودة إلى منزلي

قالت آثي وهي تقترح خطتها
_ماذا لو هربنا دون أن يلاحظونا؟
صاح السيد بيلوتس بحدة
_هل انت غبية؟ سوف يقتحم المدينة ويعلق رقبتك عند مدخلها أنت وسيدتك
شعرت آثي بالرعب وتراجعت
- حسنا ما الحل في نظرك؟ يجب أن يكون هناك حل لهذه اللعنة.
دخل أيولوس فجأة قائلا بمرح
- هل انتهيتم من الحديث؟ لقد اشتقت لزوجتي
ابتسمت آنا ابتسامة صغيرة وقالت مترددة
_ أهلاً بك أيها ملك.

خطرت في ذهنها فكرة وتمنت أن تنجح وأكملت حديثها
_قررت العودة إلى القصر وإحضار ماهو ثميناً وغالياً عندي وأعود مرة أخرى
رفع حاجبيه بتعجب وقال
- قلت لك إننا سندخلها غدًا منتصرين، وكل ما في القصر سيكون ملكا لك
فنظرت إليه وقالت بصراحة
_أريد العودة إلى القصر. آمل أنك لن تمنعني، عندما تدخل منتصرا، ستجدني في انتظارك. أرحب بانتصارك بكل حرارة.
نظرت إلى السيد بيلوتس وآثي وقالت
_دعونا نعود

سارت بثبات وهي بداخلها ترتعش من الخوف، صرخ صرخة عالية هزت الارجاء
_ باسيفاي.
بلعت ريقها ووقفت دون أن تنظر إليه، فقال لها بغضب
_هل هذا إعلان حرب منك يا وريثة عرش أيس؟

تبا لم تكن تقصد ذلك ؟ كيف كان يفكر بهذه الطريقة؟ هل كان أخرق؟ أم أن طريقة حديثها كانت غامضة؟
تحدث السيد بيلوتس في ارتباك
_لا، الأميرة لم تقصد أي شيء.
هز كتف آنا وقال
_تكلمي يا أميرة واشرحي للملك

التفتت إليه آنا معتذرة
_اعتذاري للملك العظيم. أعتقد أنك أسأت فهم كلامي. ما قصدته هو أن لدي بعض الأشياء يجب الانتهاء منها.
اقتربت من الملك وقالت متوسلة
_أطلب من الملك أن يمهلني ثلاثة أيام فقط. إذا لم آتي بعد ذلك، يمكنك أن تفعل ما تريد في مملكة أيس.
نظر إليها السيد بيلوتس بحزن. ولم يستطع أن يجبرها على تقديم هذه التضحية، فترك الأمور تسير كما أراد القدر
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي