2

نزلت من تلك الحاوية وتقدمت بخطوات مرتجفة وهي تتفحص المكان من حولها ثم رفعت يدها لكي تحمي بها عينيها عندما اصطدمت بهما اشعة الشمس القوية.

لقد كان يوماً صيفياً وحاراً جداً.

جالت بعينيها في المكان الذي وجدت نفسها فجأة فيه، كانت تحاول جاهدة أن تجد طريقة للفرار ولكن على ما يبدو لم يكن هنالك مهرب.

لقد كانت تقف وسط غابة كثيفة جداً تحيط بها الاشجار من كل جانب، ارتفاعها شاهق والغابة كانت ضخمة للغاية.

وبالإضافة إلى هذا المكان الغريب الذي كان يحيط بها كان هناك قصراً أثرياً ضخماً جداً يقف بشموخ أمامها محاطاً بأسوار عالية.

تراجعت للخلف خطوة وهي تفكر أنها إن دخلت ذلك المكان لن تستطيع الفرار منه ابداً.

شعرت بالخوف والاحباط يتملك كل خلية من جسدها، دفعها الرجل مجدداً ليحثها على السير أمامه على الممر الحجري الطويل.

بعد مدة وقف الرجلان أمام البوابة الحديدية الضخمة ة، وظلا يقفان أمامها بهدوء ينتظرون شيء ما أن يحدث.

بعد مدة ليست بطويلة سمعت صوت تكتكة آلية قبل أن تُفتح تلك البوابة الذهبية الضخمة على مصرعيها لوحدها.

لحظات وقفت متسمرة في مكانها فهي حرفياً ستدخل إلى المجهول، لا تعرف أين هي ولا تعرف ما الذي اتى بها إلى هنا!

تراجعت إلى الخلف خطوة بخوف قبل أن يدفعها أحد الرجال لتضع قدمها على عتبة القصر وما أن خطت الخطوة الأولى داخل ذلك المكان حتى أُغلقت تلك الأبواب التي كانت خلفها.

أغمضت عينيها بحسرة وهي تعلم أن المكان الذي جاءت إليه ليس منه مفر ابداً، لقد انتهت.

ظلت تمشي في رواق طويل وخلفها ثلاثة رجال ينظرون إليها بنظرات قذرة وشهوانية، لقد شعرت بنفسها وكأنها تمشي عارية امامهم.

لفت يديها حول جسدها في محاولة بائسة منها لكي تحمي نفسها من نظراتهم أو على الأقل لكي تشعر نفسها بالأمان.

دخلوا القصر ليمشوا بها نحو المكان المحدد واخيراً وبعد مدة توقفوا أمام باب لصالة كبيرة يغلب عليها الطابع العصري، أثاث مبهرج وفاخر، كانت تنظر حولها باستغراب وتتساءل لما هي هنا ..؟

دخلت معهم إلى تلك الصالة ومشت بمسافة لا بأس بها حتى توقفت أمام باب بدا لها كمكتب.

فجأة شعرت برجفة قوية تسري على طول عامودها الفقري، فُتحت الأبواب التي كانت أمامها لتدخل ثم تغلق من خلفها.

استدارت لكي تتأكد من الأمر فوجدت نفسها وحيدة دون الرجال داخل ذلك المكتب المغلق.

ظلت تجول بعينيها الخضراء في المكان وهي تحاول أن تعرف أين هي؟

كان كل شيء من حولها ينطق بالفخامة والبذخ والثراء وعلى الرغم من ذلك وجدت نفسها تشمئز ويضيق صدرها من هذا المكان، لطالما كرهت المظاهر.

من المستحيل أن تفكر يوماً في العيش في مكان يشبه هذا أو في هذا الثراء المبالغ به.

لقد كان واضحاً على أسياد هذا القصر أنهم حزينون ويكفي شكل القصر من الخارج حتى يؤكد لها الامر.

" لقد وصلتي واخيراً "

صوت مظلم وهادئ جاءها من الخلف جعلها تتوقف للحظات متسمرة في مكانها؛ فذلك الصوت لوحده بعث فيها الخوف والرهبة في آن واحد.

استدارت تبحث عن مصدره ولكنها لم تتمكن من إيجاد أو رؤية صاحبه، فضلت تدور حولها وقلبها يدق ألف دقة في الثانية، " أين مصدر ذلك هذا الصوت؟" توقفت لتنظر حولها بتشويش.

هل تخيلت الأمر أم ماذا هي متأكدة أن هنالك شخص آخر غيرها في هذا المكان، لقد سمعت صوته بوضوح.


توقفت لتركز عينيها وحواسها على جانب مظلم من ذلك المكتب، لم تنتبه له من البداية وقد ظهر فيه خيال لشخص ما.

كان يجلس هنالك على الكُرسي الجلدي الأسود الخاص وهو ينظر إليها بعيون صقرية لامعة وحادة.

ابتلعت ريقها برعب شديد وهي حتى اللحظة لا تعرف لماذا اختطفوها وأحضروها إلى هذا المكان والأهم من كل هذا من هؤلاء الناس؟ ولماذا هي بضبط ؟

" من انت ولما انا هنا ..؟"

استجمعت قوتها بصعوبة وقالت كلماتها هذه بصوت مرتجف وخائف، ولم تكن قادرة على الاقتراب من ذلك الخيال الذي كان جالساً هناك يتربص بها.

مرت لحظات طويلة من الصمت بينهما قبل أن يقف بقامته الطويلة ويتقدم بهدوء من ذلك الظل خارجاً إلى النور أمامها.

صُدمت للحظة ورمشت بأهدابها السوداء الطويلة عدة مرات وهي تجد نفسها تقف أمام رجل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه وسيم حد اللعنة، بشعره الأشقر العسلي الذي يرفعه للسماء بطريقة عصرية وعيون زرقاء غاضبة، بالإضافة إلى جسمه الذي كان منحوتاً وكأنه تمثال إغريقي.

لقد كان ضخماً وطويلاً بشكل غير معقول وقد ظهر من ياقته البيضاء المفتوحة ازرارها الأولى مجموعة من الوشوم الغريبة التي تؤكد لك أن جسده يمتلئ بوشوم أخرى غيرها.

وعلى الرغم من ذلك المظهر الوحشي الوسيم الذي كان يسيطر على ذلك الرجل الواقف أمامها وينظر إليها بتفحص استطاعت أن تعرف وتستشعر أنه رجل خطير جداً؛ فالهالة السوداء التي كانت تحيط به كانت مرعبة بطريقة لا يمكن وصفها.

لا تعرف لماذا ولكن قلبها بدأ بالنبض بقوة وقد تملكها الخوف الشديد ولقد انبئها حدسها أن هذا الرجل خطيرٌ جداً عليها.

كانت تتمنى في هذه اللحظة لو أنها تستطيع الهرب منه بعيداً جداً، ولكنها وجدت نفسها في مكان مجهول محاصرة معه.

أما هو وعلى الجانب الآخر فقد كان ينظر إليها بطريقة تقيمية وهو يفكر بعمق، لم يكن يتوقع أن ابنة اللص الذي تجرأ عليه من الممكن أن تكون بهذا الشكل.

لقد كان يعتقد أنها سوف تكون فتاة مدللة جداً ولكن من الطريقة التي تقف بها أمامه ومن طريقة لباسها وطريقة كلامها من الواضح أنها لم تتلقى ذلك التدليل الذي كان يتخيله.

ابتسم ابتسامة جانبية باردة قبل أن يتقدم منها برشاقة فهد مما جعلها تتراجع للخلف بخوف وقلبها يتعالى في النبض وهي تقول داخلها برعب "تباً ما هذه الورطة التي وقعت فيها هذا اليوم؟ من لعنني في هذا اليوم اللعين؟"

تتمنى فقط لو أن هنالك شخص ما يأتي ويشرح لها ما الذي يجري هنا ولما هي محجوزة في هذا المكان الغريب!

أخر شيء تتذكره أنها كانت عائدة إلى بيتها بعد يوم طويل ومتعب في الجامعة، فجأة وجدت نفسها أمام هذا الرجل بعد كل ما حدث معها منذ أن استيقظت.

ظل يقترب منها وهي تتراجع للخلف إلى أن اصطدمت بالطاولة التي كانت وراءها، نظرت إلى ما اعاق هروبها برعب شديد قبل أن تعود وتنظر إليه برعب أشد.

لقد وقعت بين براثينه ومن المستحيل أن تهرب منه ولكن ما جعلها تكاد تفقد أنفاسها وتفتح عينيها بصدمه شديدة هو أنه قد ابتعد عنها وتجاوزها وذهب إلى مكتبه ليجلس عليه ببرود وهو يسكب لنفسه كأس عصير احمر كما يبدو لها ويضع فيه قطع ثلج ليحركه قليلاً كي لا يركد ويبدأ بارتشافه بهدوء شديد.

تنفست براحة لترفع يدها المرتجفة وتعيد خصلات شعرها المتمرد على وجهها الطفولي الجميل خلف أُذنها وتقف أمامه باستغراب.

ثوانٍ وقد حالَ الصمت بينهُما مرةً أُخرى، ظل كل منهما ينظر للآخر منتظراً منه شرحاً مفصلاً عما يحصل هنا ولما هي هنا أمامه.

ابتلعت ريقها برعب وهي تدير عينيها في المكان؛ تتفحصه وتحاول أن تجد مكاناً للهرب منه بينما ظل هو ينظر لها بعيون متفحصة.

شيء غريب كان يوجد في هذه الفتاة، حتى الطريقة التي كانت تنظر له بها مختلفة جداً عن كل النساء التي عرفها.

نظر لها مطولاً وداخله يشعر بضيق من شيء ما لا يعرفه، هي لا تبدو كما تم وصفها لهم.

نفض رأسه من كل هذه الأفكار التي تراوده لتظهر ابتسامة جانبية خبيثة على محياه الرجولي الوسيم.

مد يده الموشومة ليحمل الهاتف والذي كان على مكتبه ليطلب رقماً ما، ثم وضع السماعة على أُذنه بينما عيناه لا تزال مثبتتان عليها وعلى كل تحركاتها، ليقول ببحة رجولية هادئة:

"لقد وصل طردك".
...

يتبع..


مرحباً، أتمنى أن تقوموا بدعمي في التطبيق لكي أفوز
كل ما هو مطلوب منكم مشاركة الرواية على نطاق واسع، التعليق عليها، وضع الرواية في الرف.
شكراً لكم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي