6

ظل الرجل ينظر إلى السيارات التي كانت تمر أمامه، شارداً في الاشيء، لا يعرف بما يجيبها، كل ما يشغل باله الآن هو أين ذهبت ابنته؟!

لقد كان من المفترض أن تعود ليلة أمس من الجامعة بعدما أن تنهي دراستها مع ابنة رئيسه في العمل، لم تكن المرة الأولى التي ترجع فيها إلى البيت بوقت متأخر.

لقد كانت في بعض الأحيان تذهب مع ابنة رئيسه من أجل أن تساعدها على المراجعة.

رئيسه كان يعز ابنته، لقد كان يعامله بطريقة مميزة وهو أيضا أحب ابنة رئيسه كما لو أنها ابنته؛ لذلك كان دائما يتركها تذهب لمنزل رئيسه من أجل أن تساعد ابنته في الدراسة.

خاصة وأن رب عمله قد تطوع وتكلف بكل المصاريف الخاصة بابنته، بعدما رأى طموحها الكبير وجديتها في الدراسة.

بالإضافة إلى هذا أراد أن يشجع ابنته على كسب الصداقات، لذلك كان يحرص على انتقاء أصدقائها؛ كان هدفه منذ البداية حماية ابنته وأن يوفر لها صديقة مخلصة.

لقد كان دائماً يهتم بالاثنتين معاً لذلك كان يسمح لابنته أن تلازم ابنة رب عمله؛ حيث كانت تعود دائماً في الوقت المحدد وإن تأخرت تتصل به لإعلامه.

ما عدا البارحة لم تعد ابداً، لقد ظل الوالدان ينتظرانها طوال الليل ولكنها لم تأتِ على الإطلاق، في البداية شعر بالقلق ولكنه اعتقد أنها ربما قد باتت ليلتها هذه عند صديقتها من أجل أن يكملا الدراسة معاً ونسيت إعلامه.

ولكن عندما حل الصباح وذهب من أجل أن يصحبها، تفاجأ أنها قد غادرت البارحة في الثامنة ليلاً ومنذ تلك اللحظة وهي مفقودة.

لقد كان حرفيًا على وشك الإغماء عندما سمع هذا الخبر، أسرع نحو مركز الشرطة ولكنهم رفضوا مساعدته بحجة أنها بالغة.

ضل يجري في شوارع ويبحث كالمجنون هو الآن يكاد أن يفقد عقله من شدة الخوف والقلق ،هنالك شيئًا وحيداً يشغل باله.

يريد أن يعرف أين ذهبت ابنته؟ ومع من هي الآن ؟

لقد كان جميع أهل الحارة يساعدونه في البحث عنها، وينشرون ملصقات باختفائها ولكن لا أثر لها، وكأن الأرض انشقت وابتلعتها.




...


في قبو رطب وبارد كانت روح تجلس بخوف على الأرضية الباردة تضم ركبتيها إلى صدرها وتضع رأسها على صندوق بجانبها

فركت يدها مع بعض بتوتر وضعتها على صدرها برعب شديد لم تكن تعرف أين هي، كانت ضائعة في هذا العالم الغريب عنها لقد كانت في مكان بعيد كل البعد عن منزل العائلة.

والبيت الذي تربت فيه امتلأت عيناها الغابية الخضراء بالدمو، وهي تتذكر آخر مرة كانت فيها مجتمعة مع عائلتها، كانت حينها تجلس مع عائلتها على طاولة الطعام تتناول فطورها بصمت، لم تكن تمتلك تلك العائلة المثالية ولكنها كانت سعيدة بهم.

كانت تستطيع أن ترى العذاب الذي يعيشه والدها من أجل أن تتمكن هي من تحقيق حلمها؛ لذلك كان لا بد لها من أن تستمر بالحرب ودراسة بقوة حتى تستطيع أن تحقق ما عجز والدها عن فعله.

في صباح ذلك اليوم الجميل كانت الشمس مشرقه والأزهار متفتحة بالإضافة إلى نسمات الهواء التي تداعب أوراق الأشجار.

"روح عزيزتي هيا تناولين طعامك وبهدوء "قالت والدتها وهي تقدم إليها الطعام بحب وجهها الجميل تشقه ابتسامة هادئة.

لقد كانت تتذمر في كل مرة تطلب منها والدتها أن تتناول طعامها بهدوء.

كانت تعتقد أن تلك هي أسوأ الأيام، هي لديها شيء واحد في الحياة تركيز عليه وبشدة، دراستها ولم تكن تتوقع أبدا أنها سوف تشتاق إلى هكذا أيام عادية، أن طبع الإنسان غريب جدا فهو لا يشعر بقيمه الأشياء من حوله إلا عندما يجد نفسه قد فقدها تماماً.

أيقظها من شرودها باب المخزن الذي فتح، لترفع رأسها بتردد إلى شخص الذي فتحه قبل أن تشد على يديها في غضب شديد، وهي تجد أولئك الوحوش قد دخلوا إليها مرة أخرى، ما الذي جاء بهم هذه المرة؟

اقترب منها ذلك العملاق الأسمر ليجرها خلفه، بينما أخذت هي تضربه وتحاول التخلص منه ولكن من دون فائدة، لقد كانت تبدو أمامه كالنملة التي تحاول أن تحارب فيلا كانت ضعيفة جداً.

ومرة أخرى وجدت نفسها تقف في وسط ذلك المكتب وأمام ذلك الرجل الهادئ، ولسبب غريب كانت ممتنة أن ذلك الوحش اللعين لم يكن موجوداً، فيكفي ما فعله بها في المرة الماضية.

نظر إليها الرجل بعيونه الزرقاء، وهو يلاعب قلمه بين أنامله طويلة، قبل أن يشير إليها أن تجلس على الكرسي الذي بجانبها لقد كان يعاملها كما لو أنهم لم يفعل بها أي شيء.

الأوغاد سوف تشعل الجحيم على رؤوسهم، ولكنها في هذه اللحظة ضعيفة جداً، لذلك عليها أن تخضع لكل أوامرهم حتى تجد الحل لنفسها.

جلست بصمت وهي تنظر إلى الرجال الذين كانوا يطوقون المكان من حولهم.

تنهد جبل وهو ينظر إلى الأوراق أمامه قبل أن يقول:

"أعتقد أنه قد حَدثت مشكلة صغيرة يا آنسة، في حقيقة الأمر أعتقد أن رجالي قد اخطأوا بينك وبين شخصٍ آخر عندما أحضروك إلى هنا".

رمشت عدة مرات وهي تحاول استيعاب كلامه، ولسبب غريب لم تكن تعلم سبب الشجاعة والقوة التي كانت تنزل عليها، وجدت نفسها تضع قدماً على أخرى وهي تنظر إليه رافعة أحد حاجبيها بسخرية شديدة.

هل يعتقد أنه قد داس على قدمها ليتحدث بهذه الطريقة الباردة؟ بحق خالق الكون لقد تم اختطافها وإهانتها ومعاملتها كما لو أنها مجرد رخيصة لعينة قد قتلت أحد رجالهم؟!


ظل جبل ينظر إليها مدة طويلة بصمت، ولكنها مع ذلك لم تتجرأ على أن تغير ملامحها، كانت جامدة تماما أمامه وهي تنظر إليه منتظرة أن يكمل كلامه ولأول مرة في حياته منذ دخل هذا العالم، وجد نفسه عاجزا على الكلام.

بحق الجحيم كانت مجرد فتاة عادية ولكن تلك الهالة اللعينة التي تحيط بها جعلته يرتجف في مكانه من الداخل، وعلى الرغم من الهدوء والبرود واللامبالاة التي كانت واضحة على معالم وجهه إلا أنه كان متوتراً من داخله.


شيء ما بداخله أخبره أن الأمر مع هذه الفتاة لن يكون على ما يرام، شيء بداخله أخبره أن كل شيء على وشك أن يتغير في عالمهم، وسوف تكون هذه الجالسة أمامه هي السبب، حاول أن يتمالك أنفاسه وألا يقوم بأي حركة يندم عليها، فهو عادة عندما يشعر بعدم الارتياح، كل ما يفعله هو إخراج مسدسه وإطلاق النار مباشرةً في رأس الجالس أمامه، ولكنه ولسبب غريب هو عاجز عن فعل ذلك أمامها.

"في حقيقة الأمر نحن كُنا نبحثُ عن إبنة السيد الياس"

ولثانية واحدة استطاع أن يرى اتساع بؤبؤ عينيها الخضراء بصدمة، ولكنها عادت لتكون عادية وهي لا تزال تنظر إليه بصمت، منتظرة أن يكمل كلامه.

اكمل كلامه وهو يقول:
"حقيقة الأمر أنه كان من المفترض أن نخطف ابنته، ولكن لا أعرف كيف انتهى بك الأمر هنا"

قالها جبل وهو يضع يده على سطح مكتبه وعلى الرغم من أنه كان يتعامل بطريقه هادئة، إلا أن طريقه تحريك جسده والكلام الذي كان يخرج من فمه جعلها ببساطة تعرف أن هذا الرجل الجالس أمامها لم يكن رجلا عادياً.

صحيح أنه لم يكن بنفس وحشية ذلك اللعين الآخر، ولكنه كان مريضاً نفسياً، استطاعت بسهولة أن تعرف ذلك من خلال تصرفاته ولغة جسده.

"حسناً لقد علمتم أنني بريئة ماذا سوف يحدث تاليا "
قالت وهي تنظر إلى أظافرها بلا مبالاة قبل أن تنظر إلى عيون جبل، الذي اهتز بؤبؤ عينيه الزرقاء بتوتر؛ تلك النظرة وتلك التعاملات وذلك الهدوء الذي يحيط بها يوتره، فهي ليست فتاة عادية.


رسم ابتسامة واسعة على فمه وكل ما أصبح يريده الآن هو حمل مسدسه وإفراغ مشط الرصاص داخل رأسها، لكي يستطيع التخلص من هذه الفتاة وأبعادها عنهم، لم تكن فتاة عادية، استطاع أن يعرف ذلك بسهولة، وكما قلت سابقا هنالك شيء على وشك أن يحدث، وقريبا جدا بسببها.

ابتسمت ابتسامة جانبية وهو يضع يده على المكتب ويتكئ عليه، ثم نظرا إليها باستمتاع شديد ليقول بخبث:
"كما تعلمين، الدخول إلى قلعه الموت ليس أمرا سهلا، وأنت قد دخلت إلى هنا ولا أعتقد أنني قادر على مساعدتك من أجل الخروج من هذا المكان".

رسمت ابتسامة هادئة، هي تعلم أنها بمجرد أن أصبحت داخل هذا المكان، يستحيل أن تخرج منة مرة أخرى، أخرجت أنفاسها وهي تتكئ على الطاولة أمامه:

"دون لفٍ ودوران أخبرني ما الذي تريده مني يا سيد؟ "
قالت ببرود، وهي تنظر إلى جبل بعيون ميتة، ليبتلع الآخر ريقه قبل أن يأخذ مفاتيحه وهو يتلاعب بها بيده المرتجفة مسيطرا على مشاعره التي كانت تتحكم بها هذه اللعينة.

"لديك اختياران إما أن أقتلك هنا والآن، وأدفنك في مكان لا يستطيع أحد أن يجدك فيه، مما سيكون خسارة في جمالك الأخاذ هذا وشبابك، وإما أن تذهبي إلى مكان أنا واثق أنك سوف تستمتعين به وبشدة "



يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي