5

شعرت في هذه اللحظة أن ذلك الشخص الذي يقف أمامها هو أكثر شخص خافته في هذا العالم، كل شيء فيه يخيفها، ضخامته شكله حتى صوته كان يرعبها بمجرد سماعه ولكنها لم تكن لتظهر ذلك أمامه بل فعلت العكس تماماً.

ابتسمت وهي تنظر إليهم بسخرية وتحدي، العاهرة اللعينة لا تعرف بما أوقعت نفسها، لقد كان كل منهما يحاول جاهداً إبقاء الوحش الدموي الذي في داخله سجيناً داخل روحه السوداء.

ملامحها وطريقة كلامها الاستفزازية جعلت كل منهما لا يريد أن يظهر طبيعته السوداء أمامها ولكن اللعينة كانت تدفعهم، لذلك اقترب منها الوحش كما اسمته ليمسك رأسها بقبضة واحدة وهو ينظر إلى عينيها بشر قائلاً بسخرية شديدة بينما ينظر إلى عينيها الغابوية بتمعن شديد:

"أنا أعرف أن خلف هاتين العينان سِرٌ كبير.. استطيع أن أرى كراهيتك، ولكن لا داعي لأن تكرهيني الآن وبدون سبب ...لأنني أقسم لك أني سأفعل بك أشياء لا يمكنك تخيلها ...أقسم لك أن الأشياء اللعينة التي سوف أفعلها بك ستجعل الجحيم تبكي دماً لحالتك، سوف أجعلك تعرفين لماذا العالم يدعوني بالذئب الدموي يا طفلة".


تراجعت عِدة خطوات للخلف بخوف وعلى الرغم من ذلك الفزع الذي تملكها وجعل عظامها ترتعد، ولكن لا فائدة منها فعوضاً عن أن تسكت وتهدأ الوضع كانت هي من أشعلته؛ فهي تقول في نفسها أنه هو من تهجم عليها واحضرها إلى هذا المكان من دون أن تعرف حتى السبب، وبدون أن يشرح لها أي شيء بدأ في ضربها ومهاجمتها والصراخ في وجهها ولعن والدها.


لذلك لقد تأخر الوقت كثيراً على التراجع بالنسبة إليها منذ أن دخلت من تلك البوابة العملاقة علمت أنها لن تخرج من هذا المكان وأنها سوف تموت في هذه اللعنة لقد كان الموت هو كل ما ينتظرها ومن المستحيل أن تموت ورأسها خاضع له.

لذلك وبدون سابق إنذار وجدت نفسها ترفع يديها وتصفعه طابعة يدها بقوة على خده الملتحي.

فتوسعت عيون الرجل المسمى بجبل بالرعب وهو الشخص الذي كان يجلس على المكتب منذ البداية ويراقبهما.

هو لا يصدق ما فعلته تلك المجنونة، كان يعلم أن ادهم يحاول جاهداً السيطرة على نفسه منذ دخوله لهذا المكتب للقائها وأن كل ما فعله بها مسبقاً يعتبر لا شيء.


لقد علم أن روحه الدموية كانت تزأر مطالبة بالخروج من أجل أن تنقض عليها وتفتك بها حد الموت هي بفعلتها هذه قد أطلقت سراح الوحش.

حقيقة الأمر هي لا تعرف كيف وصلت الأمور إلى هذه الحد.

لقد كان من المنطقي أن تجلس وتأخذ دور الضحية المرعوبة والهادئة لكي تعرف لماذا هي هنا وتبحث عن مخرج للهرب ولكن عوضًا عن ذلك دمرت كل شيء بفعلتها الحمقاء.

كيف استطاعت أن ترفع يدها وتضرب وحشاً مثله؟
لقد اختطفها أمام الملأ ولا أحد تدخل لمساعدتها وهذا يظهر مدى نفوذه وقوته، ما الذي جعلها ترفع يدها لتضربه وفي عقر داره أهي مجنونة؟

كان ادهم واقفاً مكانه متصنماً في مكانه من شدة الصدمة، هل هذه القزمة صفعته لتوها! لم يتجرأ عليه أي مخلوق طوال حياته، والآن تأتي هذه العاهرة الرخيصة بنسبة له وترفع يدها عليه لتصفعه بكل بساطة، لقد كان في قمة غضبه حرفيا، كان يغلي من الغضب شياطين الدنيا تتراقص الآن أمام عينيه.

رفع يده وصفعها لدرجة أنها عادت خطوتين إلى الخلف تقدم منها ليمسكها من يدها ويعيد تكرار صفعها مره تلو الاخرى بدون توقف.

الغضب حرفيا كان يعميه حيث صرخ بأعلى صوته بوجهها وهو يكيل لها صفعات واحدة تلوى أخرى، كان يضربها وكأنه يضرب رجلا.

ظل يضربها عده مرات بالقوة بينما هي استمرت تراقبه فقط لقد كانت تعلم أنها بفعلتها تلك قد أشعلت النيران الوحش في أعماقه؛ فليس هناك رجل في هذا الكون يرضى أن تهينه امرأة فما بالك بان تصفعه وأمام الملأ!

سعلت بقوة ودم ينزف من أنفها وفمها شعرت بدوار يداهمها بقوة بالإضافة إلى كل هذا الكم هائل من الألم، لم يكن لديها القدرة أو القوة من أجل أن تتحمل أكثر، لذلك أغمضت عينيها و استسلمت سامحةً لنفسها في أن تغرق في احضان الظلام.

سقطت على الارض مغمى عليها ليتركها ذالك الوحش الكاسر غارقة في دمائها بعدما استطاع أن يفرغ بعضا من غضبه.

تراجع عنها بضع خطوات إلى الخلف وهو ينظر إليها بطريقه مميته كان يتنفس بشكل هائج، وقبضته ملطخة بدمائها.

شعر بضيق شديد ليرفع يده ويمسك شعره بقوة وهو يسحبه إلى الخلف، نظر إلى جبل الذي كان يقف خلف مكتبه نضرة جحيمية بما معناه ولا كلمة

هذا الأخير كان ينضر لما يحدث أمامه بصدمة كبيرة لم يتوقع أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة كان يضع أحد يديه على فمه وينظر إليه بصمت شديد قبل أن يتنهد ويقترب من الفتاة الملقاة على الأرض ليقترب منها ليضع أصابعه على مكان معين في عنقها لكي يقيس نبضها وهو يقول:

"هل هدأت قليلا يا صاح؟ ما فعلته غير منطقي"

نضر إليه أدهم بغضب ليضرب الكرسي الذي أمامه بقدمه ليكسره ولا يعير أي لعنة لكلام جبل.

هز جبل رأسه بلا فائدة ليقول بعد ما تأكد أن تلك الفتاة لا تزال حية :

" اوف هذا جيد"

وقف منتصبا بقامته الطويلة ليضع يديه في جيب بنطاله ويقول بحزم:

" دعني أخبرك بما كان سيحدث لنا لو انها ماتت؟ لن نستطيع ان نساوم بها ولن نعيد شحنتنا المسروقة سوف تضيع وإلى الأبد"

قالها جبل بحزم وهو يتفحص بعينيه الخضراء الثاقبة الفتاة لقد كانت ملقاة على الأرض ونبضها ضعيف للغاية ولكنها لا تزال حية.

بينما ظل أدهم ينظر إليها مده طويله قبل أن يستدير متجها نحو الشرفة الخاصة بالمكتب، مخرجاً لنفسه سيجارة كوبية ليشعلها بهدوء ويرتشف دخانها وهو يقول ببرود قاتل:

"هي لا تهمني ، كل ما أريده هو ان أستعيد شحنتي التي سرقها والدها اللعين "

قالها بشر بينما يخرج دخان سيجارته من فمه ويطلق دخانها في الأرجاء بلا مبالات لكي يزيد ذالك الدخان هالة غريبة من حوله فوق هالته الوحشية
نضر له الآخر مطاولا بينما يضع يده على جبينه وهو يهز رأسه ناظرا له بقلة حيلة

"ألا تجد أن الأمر غريب بعض الشيء؟ أليس والدها هو أحد أهم التجار ورجال الاعمال في مصر؟ لماذا لم يحرك ساكنا من أجل البحث عنها ؟"

قالها جبل وهو ينظر إلى الفتاة مطولا قبل ان يتوجه ناحية الهاتف طالبا من أحد ما ان ياتي من أجل أخذها من أمامهم

لقد كانوا يعاملونها كما لو أنها مجرد حشره أو ذبابة كانت تطير حولهم في إزعاج وقد تم قتلها ببساطة.

نظر إليها أدهم باستحقار والخادمات يحملنها لخارج المكتب ليقول بلا مبالاة:

"ومن أخبرك أنه لا يبحث عنها، ذلك اللعين الخائن لا شك في أنه يفعل ذلك بالسر "

عقد جبل حاجبيه بشك ليتنهد وهو يخرج هاتفه المحمول متصلا بأحد أعوانه ليقول بحزم :

"سوف أرسل رجلا من رجالنا من أجل ان يتحرى في هذا الأمر"

تحرك ليخرج كن المكتب لكنه قبل ان يغادر تماما توقف عند باب ليستدير إلى أدهم الذي كان لا يزال ينظر من الشرفة بشرود، وهو لا يزال يفكر بنظرات تلك اللعينة التي ما زالت تلاحقه

"من الأفضل لك أن لا تقترب منها يا أدهم "

قالها جبل بتحذير وهو يضع الهاتف على أذنه ويخرج ،تاركا أدهم يقف في مكانه ينظر إلى الخارج بدون تعليق.

في مكان آخر بعيداً كل البعد عن ذلك القصر الموحش الذي كانت تلك المسكينة محبوسة بين جدرانه.

جلس الرجل الكبير بتعب على الرصيف الإسمنتي البارد عند طرف الشارع وهو يضع كلتا يده على رأسه بحزن شديد.

لقد بحث عنها في كل أنحاء المدينة ولم يجد لصغيرته الضائعة أي أثر، امتلات عيناه بالدموع وهو لا يعرف الى أين سوف يذهب؟ وبمن سوف يتصل؟ لقد تقطعت به كل السبل؟

يشعر بالعجز والضياع، حيث بدأت دموعه بالنزول ليمسحها بسرعة وهو يخفي قهره وضعفه، ليس هنالك ما هو أصعب من دموع الرجال!

اقتربت منه زوجته الخمسينية وهي تربت على ظهره بحزن شديد، وقد ظهر الألم جلياً على وجهها المتعب.


تشعر بالألم والحزن المميت، لقد اختفت طفلتهم منذ ليلة البارحة ولحد الساعة لا يعرفون اي طريق إليها.


لقد اتصلوا بالشرطة ولكن للأسف لم يقدموا لهم أي مساعدة؛ قالوا إنهم لن يتحركوا إلا بعد مرور ثلاثة أيام عن اختفاء الضحية.


"إلى أين تعتقد أنها ذهبت؟" قالت تلك المرأة العجوز وهي تحمل بين يديها صورة لطفلتها الصغيرة وتنظر إليها، بينما الدموع قد تجمعت في عينيها وتنزل لتشق ملامح وجهها الشاحب.




يُتبع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي