20

ابتسم ياسر ابتسامة جانبية وهو يأخذ الملف من أمام مديره وهو يقول بثقة كبيرة :

" لا تقلق يا سيدي أعدك أنك لن تندم أبدا، وشكرا على ثقتك بي"

أنهى ياسر كلامه مع ابتسامة وهو يؤدي التحية، قبل أن يمشي الى مكتبه وهو يكاد ان يطير من الفرح.
فتح الباب وهو ينظر إلى عمر الذي كان يقف إلى جوار النافذة ينظر من خلالها الى المعسكر الضخم، بينما كان عقله يفكر في ذلك الرجل الذي قابله منذ خمسة اسابيع.

إذا إستطاع ياسر أن يقنع مديره بهذه القضية هو واثق تمام الثقة انهم سوف يصلون إلى ابنته تلك المسمى ب روح وينقذونها، هو واثق أنه سوف ينجح في جمع بين الأب وابنته.

إبتسم بحزن وهو يتذكر أخته ،وقبل ان تجرفه امواج الماضي وجد ياسر يقفز عليه كطفل ويظمه من الخلف بسعادة وهو يقول بحماس :

" ابشر يا اب مشاكل، لقد وافق المارشال على القضية التي طرحتها "

إستدار عمر بغير تصديق وهو يكاد يطير من الفرح ليقول بحماس وعينيه تلمع بالاصرار:

" حقا هل تتحدث بجد يا ياسر؟ أنت لا تعرف ما الذي كان يعيشه ذلك الرجل المسكين، لا شك في انه سوف يطير من السعادة الان اذا اكتشف ان شرطة الإنتربول العالمية سوف تساعده من اجل ان يستعيد ابنته سوف يشعر بالفرح ،اه واخيرا يا رجل سوف نمسك بهؤلاء المجرمين وننهي عالمهم الاسود "
قالها عمر وهو يضم ياسر وقد كان كل منهما سعيدا حقا بما وصلوا اليه
فليس من السهل أن تقنع الشرطة فالفيدرالية بقضيه مثل هذه، ولكن بفضل اصرارهم ودعمهم وبفضل المكانة العالية التي يحتلها ياسر في المنظمة، إستطاع أخيرا ان يقنعهم وان يتم فتح تحقيق مدقق من أجل انقذ روح.

لم يتردد للحظة واحدة وهو يأخذ مفاتيحه من فوق مكتب ياسر ويخرج راكضا الى الخارج، ورغم انه كان يستغرب ما يفعله صديقه ولكنه علم انه ذاهب الان من اجل ان يخبر الرجل انه إستطاع أن يقنع العالم بان يساعده، ولقد أحب ان يشاركه تلك السعادة ايضا، فذهب خلفه وقبل ان يركب عمر سيارته ويشعل محركها وجد ياسر يركب لجواره وهو يغمزه بشقوة...

ابتسم عمر وقد كانت سعادته في هذه اللحظة لا يمكن ان يضاهيها شيئا في هذا العالم الواسع.



نظر الى العنوان الذي كان قد منحه له والد روح عندما التقاه أول مرة امام فيلا الخاصة بجمال، وبعد مضي ربع ساعة تقريبا، وجد نفسه يقف امام زقاق حارة شعبية قديمة.

كان يحاول ان يدخل بسيارته ولكنه لم يستطع ان يفعل ذلك، لان كان هنالك تجمهورا اللناس تلك المنطقة بسبب حادث سيارة منعه.

تنهد ياسر بغضب وهو يشد على يده ليقول بقلة صبر :

" لهذا السبب أكره القدوم الى مثل هذه الأماكن دائما ما ترى مأسي وأوجاع الناس"

تنهد عمر وهو ينزل من سيارته من أجل أن يذهب ليتفقد ما يحدث، بينما كان ياسر يمشي خلفه يدخن سيجارته بغضب.

لقد كان يعاني مشاكل حقيقية مع الغضب ولا يستطيع ان يتحكم فيه ابدا، وقد كان الشيء الوحيد الذي يهدئ هذا الغضب قليلا هو التدخين.

(" الغضب والحقد لا يستطيعان أن يغيرا مجتمعنا إذا اردنا أن نغير المجتمع علينا أن نعمل على ذلك")

سار عمر من مكان الحادث وهو يمشي بين الناس المتجمهرة هناك، إقترب أكثر وهو ينظر الى الجثة التي كانت تستلقي وسط ذالك الطريق ورجل ما ينزع دشداشه ويضعه كغطاء على وجه تلك الجثة وهو يقول بحزن واسى:

" لقد ماتت المسكينة"

توسعت عيون عمر بصدمة شديدة ونظر الى تجمهر الناس ليصرخ بهم :


" منذ متى حدثت الحادثة لما لم تصل الاسعاف ألا الآن ؟؟"

ردت إحدى النساء والتي كانت تضع غطاء البرقع على وجهها وهي تقول بشفقة:

" انها هنا منذ العاشرة صباحا ولا أحد إستجاب لندائنا "

توسعت عيون ياسر وهو ينظر الى ساعته بينما لم يكن عمر قادر على ان يتحكم في غضبه ليصرخ في المرأة المسكينة بقوة ارجفت اوصالها :

" منذ العاشرة انها الثانية بعد الظهر لماذا لم تأخذوها للمشفى"

تنهدت المرأة وعلى ما يبدو أن الغضب الذي اخرجه عمر عليها لم يهمها لتقول :


" يا بني لقد حاول أبناء الحارة ان يتصلوا بالشرطة والاسعاف ولكن بدون فائدة كانوا في كل مرة يقطعون الخط هذا دائما ما يحدث عندما نتصل بهم لا يستجبون الا بعد ساعات طويلة رحمتك يارب"

امتلات عيون عمر بالدموع وهو ينظر الى جثة تلك المرأة التي كانت دماءها تملأ المكان.


اكثر من أربع ساعات بقيت هنا تصارع الموت ولم يستطع أحد أن يقدم يد المساعدة،
نظر الى زجاجات المياه وضمادات التي كانت حولها ،يبدو انهم كانوا يحاولون إسعفاها دون جدوى.

ياسر يعرف ما يشعر به صديقه في هذه اللحظة ،لقد كان يعلم أيضا أن أي عبارات لن توقف ذلك الألم الذي يشعر به الان.

حل صمت طويل بين الناس الذين يتهامسون فيما بينهم، قبل أن تتنهد تلك المرأة التي كانت تقف الى جوار كل منهما وهي تقول وقد كانت الدموع تملأ عينيها بعدما رأت عمر في تلك الحالة وهو ينظر باسى الى المراة :


" هذا حال البلد ولكن رؤية مثل هذه الامور امامك تقتلك من الداخل ببطء،لا داعي لأن تحزن عليها يا بني لا شك في إنها سعيدة بموتها وجنتها "

نظر إليها كل من ياسر وعمر باستغراب من كلامها، فأي شخص عاقل من الممكن أن يقول مثل هذا الكلام.

نظرت تلك المرأة اليهما ومن خلال هيئتهما من الواضح أنهم ليسوا من هذا المكان.


تتنهد بأسا شديد وهي تنظر الى الجثة التي كانت هامدة امامها وتقول بالالم :


" لقد خطفت ابنتها قبل اسابيع وإكتشف زوجها ان سيده في العمل هو من خطفها أو الاحرى هو من دفعها إلى ذلك عوض ابنته، وعندما ذهب المسكين من اجل أن يستعيدها أو يطالب بمعلومات عن مكانها قتله ذلك الوحش، وبعدها فقدت هذه المرأة المسكينة عقلها فليس من السهل ان تفقد إبنتها وزوجها في شهر واحد لينتهي بها الامر هكذا "

كان ياسر ينظر إليها بحزن بينما توسعت عيون عمر بصدمة شديدة.

اقترب من المرأة ليمسكها من كتفها وهو يهزها بجنون بينما كان عقله يرفض أن يستوعب هذه الحقيقة ويقول وقلبه ينقبض بقوة :


" اخبريني ما إسم ذلك الرجل أخبريني بالله عليك يا خالة ما اسمه"

اقترب منه ياسر ليبعده عن تلك المرأة وهو يقول بدهشة من تصرفات صديقه:

" يا الهي..عمر هل فقدت عقلك أترك المرأة وشأنها"

كانت تلك المرأة قد بدات في الارتجاف بين يديه بخوف شديد، عندما أدرك عمر ما يفعله تركها ببطئ وهو ينظر إليها وهو يدعوا من قلبه أن لا تخرج ذلك الاسم من فمها ولكنها حطمت كل أماله عندما قالت :

" حسن رفعت مصطفى"

تراجع عمر بضع خطوات إلى الخلف بينما ضل ياسر ينظر إليها بصدمة شديدة،لا يصدق ما سمعه باذنيه قبل قليل.

هذا الإسم هو نفسه الإسم الذي أخبره به عمر قبل أيام، هو نفس الاسم الذي جعلهما يفعلان المستحيل من أجل أن يساعداه وينقذان تلك الفتاة.
سقط عمر على ركبتيه بوهن وهو لا يصدق أنه قد فشل مرة اخرى في انقاذ عائلة من الدمار .


لقد فعل كل ذلك من أجل أن يمنع ما حدث معه ومع عائلته، ولكن للاسف لم يستطيع،الان هذا كان نتيجة الفساد الذي نعيشه الان.

تنهدت المرأة بحزن وهي تنظر الى الجثة مرة اخرى لتكمل :


" انا حزينة ليس عليها او على زوجها فهما عند الله سبحانه وتعالى، أنا حزينة على الطفل الصغير الذي تركاه خلفهما ليكون الله في عونه المسكين "

نظر إليها عمر وقد إمتلات عينيه بالدموع
عمر آخر سوف ياتي إلى هذه الحياة وهو لا يعرف شيئا.

كان ياسر ينظر الى صديقه وهو يعرف ما الذي يشعر به في هذه اللحظة ،يعلم أن هذه القضية سوف تلعب دورا مهما في حياته وسوف تغير الكثير لانها تشبه قضيته وقضية عائلته، وعمر الذي يعرفه لن يترك هؤلاء المجرمين يهربون من بين يديه حتى يكشفهم جميعا.

نهض ليقف بطوله وهو يشد على يده بقوة، لينظر الى جثة المرأة قبل ان يهمس لنفسه دون ان يسمعه اي شخص:

" اريد في سلام ولا داعي للقلق يا عم حسن .. فان موتك وموت زوجتك لن يذهبوا أدراج الرياح لقد أرسل الله من ياخذ بثاركم "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي