18

توسعت عيناها الخضراء بخوف وهي تعقد حاجبيها بشك تجهل سبب قوله هذا الكلام أمامها.

كان لديها الكثير من الامور التي تخفيها وهي واثقة من خلال كلامه الغامض هذا، انه أستطاع أن يكشف أحد اسرارها ولكنها قلقها الاكبر هو ان يكشف سرها الخطير.

أكمل تدخين سيجارته ببرود، بينما ينظر أليها بطريقة تقسم أنها قد رأت الموت فيها، ومع ذلك ظلت تنظر اليه بجمود و بتحدي وهي تشرب كأس عصيرها وهي تضع احدى قدميها على الاخرى.

هز راسه بلا مبالاة ليقول بعد صمت طويل:


" ليس من السهل أن تقنع ماريا أن تكون احد داعميك، اتساءل ما هي الخطة التي إتبعتها من أجل أن تكون تحت أمرتك وتسمع لكل أوامرك "

تبا تبا تبا لهذا كانت تقصد سرا خطيرا، لا تعرف كيف استطاع أن يكشف مثل هذا الامر؟

لقد كانت مصرة على ان تجعل علاقتها بماريا متوترة ودائمة الشجار لدرجة انهم لم يكونوا يتكلمون امام احد حتى، كل كلامهم وخططهم كانت تكتب على ورقة .

ولقد كانت تتاكد أن تقطعها وتحرقها حتى لا تترك دليلا ورأها بحق خالق الجحيم كيف أستطاع أن يعرف هذا؟

شعر باستمتاع حقيقي وهو ينظر تلك النضرة الخائرة في عينيها، لقد شعر بنشوة ورضا لا يمكن ان يوصف.

المتعة الشديدة التي وجدها في تلك النظرات جعلته يتمنى دائما ان يهزمها ،في هذه اللحظة بضبط كان حقا راضيا ان صبره عليها طوال الاسابيع الماضية لم يذهب سدا.

أقترب منها بطريقة جعلت أنفاسها تتصارع من شدة الرعب ،لتنظر أليه بقلب يوشك ان يتوقف ليقول بينما هو يفترس ملامحها الفاتنة:

" أتساءل حقا، إن كنت جيدة في السرير الى درجة ان الجميع اصبح يطلبك بالاسم، عندما ارسلتك الى هنا ضننت انك لن تتأقلمي مع زبناء الملهى وأنك لن تندمجي معهم حتى، كيف أستطعت أن تصبحي شخصا مطلوبا ومشهورا عند جميع الرجال بهذا الضرف الوجيز"

أبتلعت ريقها وهي لا تعرف بماذا تجيبه يكفي صدمة انه يعرف علاقتها بماريا بالاضافة الى هذا ،أنها متأكدة أنه يراقبها عن كثب ولا بد لها أن تأخذ حذرها منه قبل أن يكتشف باقي الاشياء التي تحاول أن تخفيها.

تنهد بملل وهو يعود ألى الخلف في حقيقة الامر هي لا تكون ممتعة عندما تكون هادئة بهذه الطريقة، ربما هو إعتاد عليها وهي جامحة ومشاغبة وشرسة.

ايقضه من شروده بها صوت رجولي عميق يقول بسخرية لاذعة:

" أنظروا من هنا لم اتوقع أبدا اني سوف اقابلك يا صديقي القديم"




كانت روح تجلس على كرسيها بهدوء ولم تكلف نفسها عناء النظر إلى من كان يقف خلفها، ولكن من خلال ملامح ذلك الشخص الذي كان يجلس امامها، استطاعت أن تعرف أن ذلك الشخص الذي يقف خلفها في هذه اللحظة هو عدو لا يمكن الاستهانة به بالنسبة لهذا الوحش الذي امامها.

ابتسمت بجانبية وهي تفكر بخبث ربما هي تستطيع ان تستغله في خطتها من اجل ان تخرج من هذا المكان، وعلى الرغم من أنها كادت تموت من الفضول حتى تلتفت لترى هذا الشخص الذي غير ملامح ادهم الجالس امامها.


إلا أنها حاولت ان تدعي البرود ولا مبالاة لانها واثقة أن تجاهلها لمن يقف خلفها سوف يجعله يشعر بالفضول ليطلبها، وربما تستطيع ان تستميله ويساعدها من أجل الهروب


ولقد.كان لها ما أرادت نجحت في هذا الى مدى ما، لان ذلك الشخص الذي كان يقف خلفها وهو ينظر الى أدهم بإبتسامة.

كان حقا مستغربا أن تلك الفتاة التي مع ادهم لم تلتفت اليه حتى الان ،وهي لا تزال تشرب كاس عصيرها غير مبالية لما يجري من حولها على الاطلاق.

" لقد سمعت ان لديك لعبة جديدة هنا في الملهى هل تسمح لي ان أجربها يا صديقي؟ انت تعلم بما أننا اصدقاء وبالاضافة الى كل هذا انا أعتبر زبونا عندك وعليك أن ترضيني "

نظر إليه أدهم ببرود ولا مبالاة قبل ان يعود ويشرب كاسه وهو يقول :


" لسوء الحظ الخنازير التي تلائمك ليست موجودة لدي، انت تعلم انني اتاجر في العاهرات أما الخنازير والابقار فأنت تستطيع أن تجدهم في المكان الذي تنتمي اليه أنت وأمثالك حظيرة الحيوانات"



ظل ذلك الشخص ينظر اليه ببرود لثواني طويلة لدرجة ان روح التي كانت لا تزال محافظة على هدوئها، ظنت انه قد غادر وتركها.


ولكن توسعت عينيها بصدمة عندما وجدت ذالك الشخص ينفجر في الضحك هستيري وهو يجلس بينها وبين أدهم بعدما أحضر له احد رجاله كرسيا.

واخيرا أستطاعت ان تكسر ذلك الفضول الذي كان عندها وتنظر أليه نظرة خاطفة كانت كافية بالنسبة اليها ان تعرف كل شيء.


لم يكن ذلك الشخص مثل باقي الناس الذين عرفتهم خلال الايام الماضية، لقد كان شخصا خطيرا وهذا كان واضحا من خلال ملامحه المظلمو والوسيمة في نفس الوقت.

لم يكن بدرجو ذلك الوحش الذي كان يجلس امامها، ولكنه كان وسيما حقا بعضلاته البارزة وعيونه القاتلة المظلمة.
نظرة واحدة بالنسبة اليها جعلتها تعلم انه من أصل أيطالي كان وسيما بحق.

ولكنه كان خطيرا ولم يكن من السهل أن تتلاعب به ،علمت أن خطتها في إعطائه ذلك المخدر لن تجدي نفعا معه وسوف يكشفها منذ اللحظة الاولى.
لذلك كان لابد لها أن تلتجئ الى خطة بديلة من أجل أن تثير إنتباهه وتحاول أن تستفيد منه دون أن تخسر نفسها.

هي لم تكن تعلم أنها قد استحوذت على انتباهه منذ اللحظة الاولى التي دخل فيها الى هذا الملهى.
فجاة وجدت نفسها تنظر بسخرية الى موقفها وهي تجد نفسها تجلس مع اثنين من اقوى رجال المافيا في هذا العالم.
تجلس وتشرب معهم كأس عصير كما لو أنها كانت تاخذ دروس في تعلم كيفية تكوين المافيا الافضل؟

تمتمت تحت أنفاسها وهي تقف من المكان الذي كانت تجلس فيه، قبل أن تنظر الى ادهم ببرود وهي تقول:

" من الواضح أن لديك أجتماع عمل سيدي، سوف نكمل كلامنا فيما بعد عن اذنك"


قالت بلا مبالاة وهي تعيد الكاس ألى صاحبه قبل ان تمشي أمامهم وهي تتمايل بخطى مغرية للغاية ،جعلت كلا الرجلين يشتمان تحت انفاسها.
كان ادهم يقسم أنها لن يطلع عليها ضوء نهار وانه سوف يقتلها ويقطع جسدها ذاك ...
هو واثق أنه سوف يفعل هذا في يوم من الايام

نظر اليه سيزار ليقول ودون مقدمات :

" اريد ان العب معك لعبة''

ظلت عيونه باردة ومظلمة قبل ان يضع كاسه بقوة على الطاولة أمامه وهو ينهض معدلا سترته وهو يتجه الى الخارج وهو يقول :


" لسوء حظك انني لست في مزاج جيد من أجل أن ألعب معك وانت تعلم انني لا العب مع الاطفال "

على الرغم من الاهانة التي تعرض اليها قائد المافيا العقرب السوداء سيزار، ولكنه مع ذلك ظل يرسم تلك الابتسامة الهادئة على وجهه وهو يراقب ادهم بعيون صقرية متوعدة،
يقسم في داخله انه سوف يأتي يوم ويجعله يركع أمامه ليتوسله عندها سوف ياخذ منه كل ما هو غالي ونفيس في حياته.


في مكان اخر.


جلس عمر أمام صديقه ياسر في مبنى ضخم جدا وهو يرسم إبتسامة جانبية على وجهه مستمتعا بالملف الذي يدرسه.
نظر الى صديقه الذي كان يدخن سيجارته وهو يتلاعب بحاجبيه بإستمتاع شديد ليقول بتسلية :

" لا أصدق أنك قد خسرت مرة أخرى"

نظر اليه ياسر بغضب شديد قبل أن يضرب الطاولة أمامه محطما إياها بينما ضل عمر ينظر اليها بلا مبالاة.

لقد كان ياسر يمتلك مشاكل مع الغضب على الرغم من أنه كان واحد من افضل ضابط الشرطة الفيدرالية، هو واحد من نخبة العملاء المكلفين من أجل محاربة زعماء المافيا، ولكنه كان سريع الغضب ولم يكن يستطيع أن يتحكم فيه لسوء الحظ، وهذا ما جعل لديه مشاكل حقيقية مع الجميع الا ذلك اللعين الذي كان يجلس امامه بلا مبالاة ليقول:

" ليس عليك ان تخرج احباطك وفشلك بي او بالطاوله المسكينة التي امامك، انت تعلم أن الوصول إلى هؤلاء الناس شيء من المستحيل ان يحدث في ظرف شهر واحد "

وقفا ياسر وهو يحاول ان يهدئ انفاسه، وعندما شعر انه يستطيع ان يتنفس بدون ان يقتل احدهم استدار الى عمر ليقول وهو يصك اسنانه :


" تبا انهم كالاشباح لا يتركون اي دليل وراءهم وهذا ما يجعلني أكاد ان أفقد صوابي إن هذا شيء مستحيل حقا من المستحيل أن يتمكن هؤلاء المجرمين من الهروب بكل هذه الشحنات وأمام اعيننا"

" يا لك من غبي، إن الامر واضح وضوح الشمس هذا لانهم من أكبر تجار وأثرياء الدولة "

توسعت ابتسامة ياسر كما لو انه كان يستمتع بهذا الامر، وغمز صديقه الذي كان ينظر اليه بطريقة يقسم انه قد رأى الاستمتاع بعينيه ليقول :

" وأنت بطبيعه الحال يا سيد عمر تخطط من أجل ان توقع بهم"

نهض عمر ليقف بجوار صديقه الذي كان ينظر الى الخارج :


" سوف يكون سبقا صحفيا لم يسبقنا اليه احد يا صديقي وانا أعرف تماما من أين نبدا؟"

انهى كلامه وهو يبتسم لصديقه الذي ٱقسم انه على وشك ان يدخلا معا في مغامرة لم يقوم بها من قبل.
بينما كان عمر ينظر بثبات وعزم أمامه وهو يقسم انه سوف يكون كل شيء مثل ما يتمنى وسوف يتخلص هذا البلد الجميل من كل لعين فاسد

..
توقفت سيارة سوداء رباعية الدفع امام باب الرئيسي لذالك القصر الفخم ،نزل سائق كي يفتح الباب لي سيدته بهدوء.
ترجلت عهد من تلك السيارة الفخمة لتقف امام بيتها القديم بعد عودتها من تسوق، لتنظر اليه بخليط من الخزن ولأسى وهي تنظر الى كل ما حولها.


هذا المكان هو حرفيا مستنقع الالم والمعاناة الذي كانت تعيشه في الماضي  هذا المكان هو نقطة سوداء في حياتها لن تتخطاها ابدا.

" كل شيء اصبح من الماضي حبيبتي"


قالها جابر الذي احس بالاضطراب مشاعرها ليقترب منها ويضمها الى صدره وهو يبث فيها القوة والعزم، بينما اندست بين احضانه وهي تشد على صدره بقوة، لم تكن خائفة من تلك الذكريات بقدر ما هي خائفة من مقابلة ذلك الوحش.
كل خلية في جسدها ترتجف برعب شديد وهي تتذكر أنها بعض لحظات قليلة من الممكن أن تقف امامه وتواجهه وجها لوجه.

ولكن خوفها لم يكن لديه أي داعي فلقد مضى على تواجدها في القصر اكثر من اسبوعين ولم يأتي أحد منهما لاستقبالها.

لا اخوها ادهم ولا حتى ذالك الجبل وهذا جعلها تتنهد براحة لم تكن مستعدة لمقابلة اي واحد منهما في هذه اللحظة، على الرغم الاشتياق الخفي الذي كاد أن يقتلها من أجل رؤية أخيها وضمه الى صدرها.

دخلت ألى القصر ومن خلفها زوجها وأبنها الذي كان يجري بشقاوة في كل مكان

  في الحقيقة عهد كانت غافلة ومخطئة تماما فمنذ تلك اللحظة التي حطت  قدمها داخل هذا  القصر، كان هو يراقبها من بعيد بصمت وهدوء وعيون متلهفة.

للقتل لدرجة انه كان يعرف كل نفس تخرجه كل شيء كان يحدث أمام عينيه ،وكما هي العادة معه ،لقد كانت مخطئة في شانه هذه المرة أيضا.

" امي امي هيا تعالي "


قالها انيس بحماس وهو يحاول ان يوقض والدته من شرودها، نظرت اليه بإنتباه قبل ان تتوسع عينيها بصدمة شديدة وهي تجده يركض باتجاه ممر مظلم
هزت راسها بنفي وهي تراه يتجه ناحية غرفة ذلك الوحش، وبالرغم من أنها كانت خائفة من الاقتراب من ذلك المكان، ولكن غريزة الامومة هي من كانت تتحكم بها هذه اللحظة.
دون تفكير وجدت نفسها تسرعةخطاها من اجل ان تنقذ ولدها حتى ولو من أطياف مجهولة تحاول أن تأكل حاضره ومستقبله.

بمجرد ان وجدت نفسها داخل ذلك الممر، حتى بدات تشعر نفسها تغوص في ماضي لم يمنحها ألا الألم والمعاناة والذكريات التي تأبى أن تفارق ذاكرتها.

ذلك الحائط...اجل ذلك الحائط قبل اربع سنوات بالضبط أصطدم ظهرها بقوة به عندما دفعها جبل نحوه تألمت كثيرا، ولكنه لم يكن يأبه باي شيء في تلك اللحظة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي