8

نضرت له روح بنظرات مميتة لتصك أسنانها بغضب جحيمي وتقول بانفعال:

"لا شأن لك ولا تتدخل بيني وبين رئيسك أيها الخنزير الوغد".
للحظة ظهر على محياه الرجولي الوسيم معالم الدهشة، لا يكاد يصدق مدى جرأتها وقوتها.

حل الصمت لثواني بينهما، بينما أخذ أدهم ينظر إليها بملامح باردة، لم يصدق أُذناه وهو يسمعها؛ لقد ظن لوهلة أنه يحلم، لا يصدق، مستحيل أن هذه الحشرة اللعينة التي تجلس أمامه قد دعته بالخنزير الوغد للتو.

بينما هي قد رفعت رأسها إليه ناظرة له بتحدي،
لا تعلم لماذا في كل مرة وعلى الرغم من ذلك الخوف الذي كان يكاد يبتلع روحها تجد نفسها تقف امامه بجرأة وشجاعة.

بالإضافة إلى ذلك كانت غير قادرة على التحكم في لسانها اللعين، هي واثقة أنه سوف يلقيها في مصيبة عم قريب؛ فلا أحد حرفياً يسلم منه، لا حجر ولا بشر.

وعلى الرغم من كل ذلك الخوف والهلع الذي كان يسيطر على ذرات قلبها، إلا أنها كانت ترفع راسها بغرور أُنثوي آسر ، ناظرة نحوه بتحدي وجرأة.

لتتقابل عينيهما مجدداً، بالرغم من أنها كانت قد اقسمت أنها لن تنظر إليه وسوف تتجنبه قدر الامكان، ولكن لسبب غريب وجدت نفسها تقف في وجهه مرة أُخرى وتشتمه.

بينما كان هو ينظر إليها بملامح مظلمة، عيناها كانت ممتلئتام بالغضب والحقد والكراهية بالإضافة إلى شيء آخر لم يستطع ابداً أن يترجمه.

تلك كانت هي المرة الأولى التي تنظر فيها إلى عيون رجل غريب عنها.

كانت المرة الأولى لها في حياتها التي تفترس فيها ملامح رجل ذكوري مهيمن مثله، لا تنكر أنه كان شخصاً وسيما، ولكن يستحيل أن تنظر إليه أو تعجب به، لأنه مجرد وحش يستمتع بقتل البشر من المستحيل أن تشعر بالشفقة أو أي مشاعر أخرى نحو هذا الوغد اللعين.

هز رأسه بينما يزم شفتيه ليقول بغرور يليق به:
"بالمناسبة أنا هو الزعيم وليس جبل"

سكت لوهلة ليستشعر شيء ما ولكن لا ردة فعل صدرت منها، كان وجهها جامداً ليكمل :

"إذاً أنت تنوين شراء نفسك هااا؟"

قالها أدهم وهو يتحرك نحوها بخطوات هادئة، قبل أن يبدأ بالالتفاف حول كرسيها الذي تجلس عليه، كفهد مستعد الانقضاض على فريسته.

بينما كان جبل يجلس بعيداً على كرسي المكتب وهو ينظر إليهم باستمتاع شديد، لقد كانت المرة الأولى التي يحضر فيها شيئاً كهذا.

"هل أنت حقاً قادرة على دفع هذا المبلغ ؟"

قالها بغرور ليكمل :

" تؤتؤ، لا اتوقع هذا حتى لو عملت طوال حياتك لن تستطيعي توفير هذا المبلغ، ولكن لدي طريقة أخرى للدفع !"

ابتسم بخبث لينظر إليها من رأسها إلى اخمص قدميها ليكمل بهدوء:

"أنا واثق أنها سوف تجعلك تحررين نفسك في اسرع وقت وتغادرين القلعة إلى الأبد".

قالها أدهم وهو يقف أمامها اخيراً قبل أن ينحني ناظراً إلى وجهها مفترساً به.

العاهرة، لقد كانت اجمل شيء رآه في حياته، يقسم أنه لم يرى فتاة بهذا الجمال من قبل.


لذلك كانت تشغل باله وتفكيره، لأنها كانت تمتلك جمالاً لم يُرى مثله من قبل، هو واثق أنه إذا حصل عليها، واستمتع بها مثل ما يريد سوف ينساها ولن تسيطر عليه مثل هذه المشاعر الغبية التي تجعله يريد أن يقتلع رأسه من مكانه ويضربه بالأرض حتى ينفجر.

"امنحيني نفسك لليلة واحدة، وأعدك أنك سوف تكونين حرة مرة أخرى"

قالها أدهم وهو يبتسم بخبث ليقف أمامها مستمتعاً بتلك الرجفة التي صارت بأطرافها، ولكن مرة أخرى وبدون شعور، وجدت كفها بدون إرادة منها ينصدم بخده الملتحي لدرجة أنه ظل ينظر إليها بصدمة شديدة.

بينما هي قد توسعت عيناها وهي لا تصدق أمها قد تجرأت مرة أخرى على صفعه، بحق خالق الكون لماذا يدها تسبقها في كل مرة! ربما في هذه اللحظة، الصدمة هي التي كانت تتحكم بها .


والصدمة ليست شعورها فقط الأن، فالكل حرفياً تلقى صدمة كُبرى، حيث كان كل من في القاعة مصعوقا حقاّ.


ارادت أن تبكي وبشدة إلا أنها قد منعت نفسها عن ذلك بقوة شديدة، وظلت تنظر إليه في انتظار خطوته التالية، وكما توقعت فلقد جاءت بسرعة البرق.

عندما وجدته يضع يده خلف ظهره ليوجه مسدسه إلى راسها ويده مثبتة على الزناد مستعداً للإطلاق في أي لحضة.

"أنت لن تفعل ذلك صحيح؟ لن تطلق النار على فتاة لأنها صفعتك"

قالها جبل بسخرية شديدة، وهو يقف من مكانه ويتجه إليه، ليضع يده على كتفه وهو يحاول أن يثنيه عما يكاد أن يفعله.

"لا داعي لأن تقف في طريقه يا أشقر، فأشباه الرجال يحبون أن يظهروا قواهم على نساء ضعيفات مثلي"

كان جبل يعطيها بظهره وينظر مباشرة إلى أدهم، وقد توسعت عيناه بصدمة.

يقسم أن هذه الفتاة تتمنى الموت، وإلا ما كانت ستجرؤ على الكلام بهذه الطريقة مع هذا الوحش الذي يقف امامها.


بينما هي اكتفت بالنضر إليه، لتعض لسناها من الداخل وهي تتحسر، لا تعرف لماذا لا تستطيع أن تكبح لسانها امامه.


استدار جبل ببطيء لينظ إليها بغضب شديد، وهو يقسم أنها المرأة الأولى من نوعها التي تتجرأ عليهم وأن تخرجهم على اعصابهم ، ولو أنهم لم يكونوا قد اختطفوها خطأً بسبب اولئك الاوغاد الذين يقسم أنه سوف يسلخ جلودهم عن عظامهم لكان قد قتلها منذ زمن طويل.

"أنت تعلم أننا لا نؤذي شخصاً بريئاً"

قالها جبل وهو يشد صديقه محاولاً تجاهل ما تفعله تلك المجنونة، وقبل أن يتمكن أدهم من الإجابة، وجدها ودون سابق انغذار تنفجر من الضحك أمامهم .


"كانت تلك اظرف نكته سمعتها في حياتي اأها الأشقر، حقاً ....أنتم لا تؤذون الأبرياء! هل تريد أن تقنعني ان كل ما تفعلونه الأن فيه خير؟ أنتم في نظري لستم إلا مجموعة من المرتزقة التي تدمر حياة الناس سواء بمخدراتكم او تجارتكم بالبشر وكأنهم حيوانات، أنا حقاً اكرهكم".



انهت كلامها لتجد نفسها تقف وحيدة أمام وحشين يكادان أن ينقضا عليها ويمزقا جلدها عن عظمها، ولكن ماذا تفعل بحق خالق الجحيم؟


لقد كانت تحاول أن تمنع نفسها من الرد عليهم، و لكنها لم تستطع ذلك، خاصة وهم يتحدثون عن المبادئ والأخلاق أمامها .


على الرغم من أنها كانت تعلم أنهم سوف يقتلونها لم تكن خائفة من الموت، لكن رؤيتهم بهذا الشكل امامهم جعلها ترتجف حقا .

تغيرت ملامح جبل ليطغى عليها المرح والرضا، ولكن لم يكن ذلك المرح الذي من الممكن أن ترتاح له، لقد كان مرحاً مرعباً بالنسبة لها.

"أنا حقاً اريد هذه الفتاة يا ادهم"

قالها جبل وهو يقترب منها بالخطوات مدروسة، ولكن قبل أن يصل إليها كان ىدهم يقف بينهما وهو ينظر إليه بلا مبالاة.

"أنا اعرف هذا النوع من الفتيات جيداً، لا داعي لأن تشغل نفسك بها، سوف نرسلها إلى الملهى الخاص بنا في الجنوب"


قالها أدهم وهو ينظر إليها بطرف عينه بينما كانت هي تنظر إليه بهدوء شديد.

ظل جبل ينظر إليه لمدة قبل أن يرسم ابتسامة غامضة على وجهه، ويستدير حتى يغادر المكان تاركاً كل منهما في الداخل.

لا يعلم لماذا قد خالجه ذلك الشعور في أنه عندما يعود سوف يجد أن أحدهم قد قتل الآخر، وعلى الرغم من ذلك الصدام الذي كان واضحاً بينهما، وذلك الحقد والغضب الذي كان يحيط بهما، إلا أن تلك الشرارة الصغيرة التي تشتعل بينهما كانت واضحة جدا.


مما جعله يرسم ابتسامة جانبية على وجهه وهو يقسم أن المتعة التي سوف يحصل عليها في الأيام القادمة لن يحصل عليها ابداً في أي مكان آخر.

في مكان بعيد جداً عن تلك القلعة المرعبة، وسط حديقة كبيرة جلست امرأة في منتصف العشرينيات من عمرها، تنظر امامها بصمت.


بينما كانت تراقب بعيون قد طغى الآسى والحزن عليها، كان هناك فتى صغير لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات يلعب هنا وهناك، يقفز بلخفة كأنه فراشة جميلة، ظلت تراقبه بصمت، وقد عادت ذاكرتها إلى الخلف لأكثر من ثلاث سنوات.

كانت تقف في المطبخ تحاول تجهيز طعام الغداء، لتلهي نفسها كي لا تخرج وتقتل تلك الأفعى، التي كانت تلتف حول ذلك اللعين الذي يجلس في الصالة المقابلة للمطبخ.

لا تصدق أنها قد تركتهم يبقون معاً، ولكنه هو من طلب منها الخروج، وكرامتها لا تسمح لها بالبقاء إلى جانبه، وهو قد أهانها بهذه الطريقة أمام تلك اللعينة،
لذلك رفعت رأسها بكبرياء شديد وخرجت تراكةً المكان لهم.

شعرت بيدين تحضنانها من الخلف، وعلى الرغم من تلك المشاعر التي قد احاطتها ما إن تسللت رائحته إلى انفها..

يا إلهي كم أحبت كل شيء به، لولا وجوده معها ما كانت لتعرف طعم لحياتها.

تعلم أن ما تفعله معه من وراء الجميع سوف يدمر حياتها، ولكنها لا تستطيع أن تتوقف عن حبه، لم تكن تعرف بماذا يفكر أو ماذا يخطط.

ولكنها كانت تثق به ثقة عمياء وعلى الرغم من أنها كانت دائماً ترى الموت في عينيه، وقسوة لا يمكن وصفها ابداً، إلا أنه بمجرد أن تقع عيناه عليها تتحول كل تلك القسوة والكراهية إلى حب.

حب مطلق لا يمكن حده ابداً، وهذا لوحده كان يجعلها اسعد مخلوق بالوجود، على الرغم من أن هنالك جزءاً كبيراً منها كان خائفاً من المستقبل، لكن بمجرد أن يبتسم لها أو يلمسها يتبخر كل شيء .

كانت دائماً تخشى أن تستيقظ في يوم من الأيام وتجد أن كل هذا مجرد حلم ولا تستطيع أن تبقى إلى جواره كما هي الان.

دفن وجهه في تجويف عنقها ليقبله ببطء، بينما يداه تتسللان إلى اسفل ملابسها، ابعدت يده بغضب عنها والتفت إليه وهي ترفع السكين بوجهه لتصيح به بغضب:

" كيف تتجرأ على لمسي أيها اللعين؟"

نظر إليها وهو يرسم تلك الابتسامة الآسرة التي تجعلها تسقط صريعة له، حتى لو كانت تكرهه منذ آلاف السنين؛ اقترب منها إلى درجة أنها أصبحت تتنفس انفاسه، لترتجف كل خلية بجسدها.

شعر بها وكأنها على وشك أن تسقط بين احضانه غير قادرة على أن تتماسك اكثر من هذا، ابتسم في مكر ويداه تتلمسان ببطء شديد جداً صدرها الحساس:

"ما بها حبيبتي غاضبة مني؟"


كان يتحدث كأنه رجل قد فقد عقله، قبل أن يقترب منها اكثر من ذلك خاطفاً منها قبلة متوحشة ومجنونة مثله.

لقد قطع انفاسها بقبلته المحمومة ليقول:

"ليس لديك فكرة عما أُفكر فيه الأن من اجلك"

شعرت بوجنتيها تشتغلان من شده الخجل، وكم تمنت في هذه اللحظة أن تصرخ في وجهه لكي يصمت، ولكنها لم تكن قادرة على فعل ذلك.

فقد اكتفت بابتلاع ريقها بوجه مُحمَر مبعدةً يده عنها بأنفاس منقطعة، قبل ان تلتفت ناظرة اليه بوجه يحترق من شده الغضب،اما بالنسبة اليه هو فقط كان يحدق اليها بملامح مليئة بالرغبة.

جاعلة إياه يبتسم بسخرية شديدة، إنها تشبه القطط الشرسة عندما تتحدث بهذه الطريقة كم يحبها حقاً.

"هل تعلمين أمراً؟ اعتقدُ أنني عرفتُ ماذا سوف اتناول كتحليه بعد الغداء هذا اليوم"

قالها وهو يقترب منها اكثر، وعلى الرغم من أنها كانت تشعر بمشاعر لا يمكن أن يتم وصفها، ولكنها امسكت يده وابعدتها عنه وهي تضم يدها إلى صدرها محاولةً أن تتمالك أنفاسها.

"لماذا جئت إلي؟ هل انتهيت من عاهرتك الان؟"

توسعت ابتسامته وهو ينظر إليها بابتسامة مختلة، يقسم أن افضل شيء فيها هو غيرتها، يفعل كل ذلك عن عمداً، فقط حتى يرى هذه الحال، كم يعشق أن يراها وهي تموت من غيرتها عليه.

"تباً لك أيتها الصغيرة، أنت لا تعلمين كم افتقدتك!"

قال وهو يسحبها نحو احضانه ضاماً إياها بقوة، بينما بقيت هي تحاول إبعاده عنها حتى همس في أُذنها بشيء جعلها تحترق من شدة الخجل.

فتوقفت عن الحراك وقد عضت شفتيها من الداخل من شدة خجلها، كان وجهها مدفوناً بصدره الحجري وبالكاد استطاعت أن تتكلم.

"هل أنت تحبني حقا؟"
قالت وهي تنظر إليه بأمل، تخشى أن تكون مجرد لعبة من بين ألعابه التي يتسلى بها كما هو الحال دائماً، تغير كل شيء في وجهه وابعدها عنه.

"ما دمتي تشكين في مشاعري اتجاهك يفضل لك أن لا تبقي معي"

قال وهو يدفعها بقوة إلى أن اصطدمت بالحائط الذي كان خلفها، ثم غادر المكان تاركاً إياها تقف هناك وهي تنظر إليه بينما الدموع قد ملأت عينيها.

كانت تعرف هذا من البداية، ولكنها لا تستطيع أن تتوقف عن حبه، تباً لهذه الحياة.


يتبع ......
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي