29

مر وقت طويل ثواني ثقيلة حل مكانها صمت رهيب، استغربته روح ولكن إستغرابها لم يدوم مده طويلة،فقد شعرت فجأة بحرقة شديدة في كتفها الأيمن، وسعت عينيها بصدمة، لقد كان ما حدث الأن اخر شيء تتوقع أن يحدث هذا اليوم.

إلتفت الجميع إلى ادهم الذي كان يقف مكانه بلا حركة، ببطء شديد رفعت روح رأسها وهي تنظر إليه بغير تصديق.

تلك النظرة التي رسمتها على وجهها وذالك الألم في عينيها جعلته يتمنى الموت الف مرة،لم تكن تتوقع أبدا أنه من الممكن أن ياذيها وأن يطلق النار عليها بهذه السهولة.

نضرتها كلها حزن كما لو أنها تعاتبه بعينيها، وهذا الأمر جعله يفقد أعصابه أكثر ،بدون تفكير أو إدراك منه وجد نفسه يضغط مجددا على زناد ويطلق الرصاص مرة تلو الاخرى على جسدها.

ماريا تسمرت في مكانها بصدمة وهي غير قادرة على الاستيعاب أنه قد اطلق النار عليها مجددا.

بحق خالق الجحيم لقد كانت ترى الحب والعشق الخالص في عينيه، على الرغم من أنه لم يدرك ذلك ولكنها إستطاعت أن ترى ذلك الحب الذي بدا ينبض داخله، كان من سابع المستحيلات أن يسمح الأي شخص أن يؤذي روحه ،ولكنه كان هو من كسرها وأذاها.



ظل جبل يقف في مكانه وهو يضع يده على صدره وهو يتنفس بالإضطراب، يعلم أن صديقه يمتلك مشاعرة لهذه الفتاة ولكنه مهما بلغت قوة وعمق مشاعره،من المستحيل أن تغيره تلك المشاعر ان وحوش مثلهم من المستحيل أن يتغيرهم قوة الحب بل تزيد في وحشيتهم وجنونهم،الوحش يبقى وحشا، والشيطان يبقى شيطانا ومن المستحيل أن يغير.



ظل ينظر إلى جسد روح الملقى على الارض بملامح غير مفهومة، لقد اخترقت لتو ثلاث رصاصات من مسدسه الكلوت البلاتيني.



هز جبل رأسه وعلى وجهه إبتسامة ساخرة، ونظر الى عهد التي كانت تقف في مكانها مصدومة تماما ،قبل أن تتراجع إلى الخلف عدة خطوات وهي تحرك رأسها ببطء شديد وتنظر الى وجهه المبتسم بفزع.


كانت تفكر بما يفكر إستطاع ان يقرا ذلك بوضوح على ملامح وجهها،إقترب جبل بخطوات هادئة من جسد روح الملقى امامه ، قبل أن ينظر إلى ادهم الذي كان لا يزال يقف في مكانه وهو ينظر إليها بصمت مرعب.



" يستحسن لك أن تخرج من هنا"




قالها جبل وهو ينظر إلى ادهم الذي ظل يقف في مكانه، قبل أن يستدير مغادر من مكان بصمت ،كما لو أن الأمر لم يهمه أبدا، كما لو أنه لم يعش أبدا أي مشاعر غريبه إتجاه تلك الفتاة التي ارضاها قتيلة قبل لحضات.


عندما إبتعد ركضت ماريا بسرعة ولهفت نحوها وهي تنظر اليها بعيون متسعة ودموع على وشك أن تنزل من عينيها اللتان كانت تنظران اليها بعدم تصديق.

لقد كانت تعرف أن هذه سوف تكون نهايتها، ولكن لم تتوقع أن تاتي هذه النهاية بسرعة هكذا.



" لا تزال حية لا داعي لقلق"


تحدث جبل وهو يتفحص نبضها،ليحملها بين ذراعيه ويدخل بها غرفتها ،انزلها بهدوء على سريرها ليبدأ في فحصها بدقة ومهارة.

إستطاع أن يخرج ثلاث رصاصات بخفة وسرعة رهببة،فعل ذالك فقط بواسطة السكين الرفيع الذي لا يفارقه،رمى الرصاصات الى جانبه بالاهمال، ليقف وينظر حوله ويسرع ناحية غطاء الطاولة التي بجانب السرير،ليقطعها وبضغط به على جروحها في محاولة منه لي ايقاف نزيفها.

زفر جبل أنفاس قوية من أنفه ليقول ببحة :

" لقد أتصلت بطبيب قبل أن يحدث هذا، هو في طريق سوف يأتي من أجل الاعتناء بها".




" لماذا؟ لماذا تساعدها وتهتم لي أمرها؟ولما هي هنا من الأساس ؟"

قالتها عهد التي كانت تقف عند راسه وقد توسعت عيني جبل الزرقاء بصدمة شديدة .


رفع راسه بسرعة حتى ينظر إليها،لقد كانت هذه المرة الاولى منذ أن عادت إلى القصر التي تتحدث إليه مباشرة وتوجه فيها كلاما إليه.

كانت المرة الاولى التي تتجرا وتنظر إلى عينيه بتلك الطريقة، لم يكن هنالك لا خوف ولا قلق،
كانت نظراتها هادئة ومن الواضح أن هذه الحادثة لن تكون حادثة عادية وسوف تشكل منعطفا كبيرا في حياهة الجميع هنا.


" لم أكن أعرف أن للقطة لسان"


قال جبل بسخرية شديدة هو يقف من مكانه ليتجه الى الخارج بعدما اقتربت منها ماريا،
وقفت عهد مكانها وهي تنظر إلى ما يجري وقد علمت أن هنالك الكثير من الأمور قد فاتها في هذا القصر.

" من الواضح أنك كنت مخطئة، فأخوك من المستحيل أن يصنع لنفسه نقطة ضعف "



قالها جابر وهو يقف أمامها بابتسامة ساخرو
قبل أن يلتفت ليغادر الغرفة غافل عن نظرات ذالك الطفل الصغير انيس،الذي كان يختبئ في أحد زوايا تلك الغرفة الضخمة دون أن ينتبه له أحد، ٱخفى وجهه بين يديه وادإختبى جيدا خلف تلك المزهرية.

ضلت عهد تنظر إلى الارض مدة طويلة قبل أن تشد على يديها لدرجة أن الدماء قد تجمدت في عروقها، وهي تعض شفتيها في محاولة يائسة منها أن تخفي ما تشعر به من ألم داخل قلبها.



في أحد زوايا ذالك القصر إختبأ ذالك الرجل خلف أحد الاسوار العالية وهو يضع هاتفه على أذنه ويقول بابتسامة خليثة :


" لقد كان الامر مجرد نزوة مثل ما كنت توقعين يا سيدتي لقد أطلق النار عليها هذا اليوم وهي في حالة حرجة".

قالها ذالك الرجال وهو يخفي فمه خلف يده بينما يضع الهاتف على أذنه .


على الجانب الآخر أنثى بملامح مخفية ولباس جلدي أحمر فاضح، يلتصق بها بشدة يكاد أن يكون جلدها الثاني، بالإضافة الى تلك ابتسامة الشيطانية مع أحمر شفاه باللون النبيذي واسنان لؤلؤية بيضاء، كما لو أنها أسنان مصاص دماء لا يريد شيئا في هذه الحياة سوى إمتصاص دم من حوله ليشبع رغبته المميتة.



نهضت لتمشي بالاغراء وتقول بينما تلاعب خصلة من شعرها بين اصابعها الطويلة :

" لقد اخبرتك هذا منذ البداية، أخبرتك أنك تتعب نفسك من أجل لا شيء ،لا داعي لأن تراقبه بعد اليوم فادهم لا يمتلك قلبا ليحب ،هو يمتلك عقلا فقط وعقله أنا من يتحكم به"

اكملت كلامها ثم بدأت تضحك بطريقة مجنونة كما لو أنها إحدى الساحرات من العصور الوسطى.



في القصر



إبتسامة جنونية كانت ترتسم على وجه جبل الذي يجلس في الظلام ،كان الجو من حوله مرعبا لدرجة أن أحدا لم يتجرأ على الاقتراب من الجناح الذي كان يقيم فيه.

كان الهواء من حوله مملوءا بالدخان والظلام ، لدرجة أنه لم يكن قادرا حتى على التنفس هواء نقي من الأجواء حوله، ومع ذلك لم يهمه الأمر ضل ينظر إلى الارض بصمت شديد، وتلك الابتسامة جنونية لا زالت ترتسم على وجهه الوسيم.


كان ينضر إلى الارض قبل أن يرفع وجهه ببطء شديد وقد إرتسمت تلك النظرة الشيطانية في وجهه، لعن بصوت عال وهو يضرب بقدمه الطاولة التي كانت أمامه، قبل أن يتوقف ويعدل بذلته السوداء ويتجه للباب ويفتحه متوجها نحو ضحيته.



تلك الصغيرة التي تحرق روحه وقلبه وتشعل به مشاعر لم يكن يعرف بوجودها ابدا من قبل،
تلك السخيفة القزمة التي كانت تعتقد أنها بإمكانها أن تهرب منه إذا تزوجت ولكنها كانت غبيه وبلهاء جدا.


لقد كان اللعين مجنونا بكل ما للكلمة من معنى، يستمتع حقا بجعل حياتها بائسة، حياتها معه جزء لا يتجزا من الألم والمعاناة والخوف الذي عاشت به منذ ان بلغت السادسة عشر من عمرها .

كان هنالك سبب خفي وراء كل تلك الكراهية والهوس المجنون الذي كان يشعره اتجاهها ،ولكن لم يستطع البوح به، لم يحن الوقت بعد لم يحن وقت إظهار الحقيقة.



كانت المرأة الوحيدة التي تجرأت على فعل الشيء الذي لم تستطع أي امرأة في هذا العالم أن تفعله، جعلت السفاح الدموي جبل يقع في عشقها كمجنون مريض.

وقع في عشق ملاك لا تعرف شيئا عن هذا العالم الذي يحيط بها، لا تعلم عما يمكن أن يفعله البشر في سبيل الوصول لي غايتهم.



في بعض الأحيان يضيق ذرعا بتلك التصرفات المجنونة التي كان يفعلها بها، ولكن درجة الجنون والهوس الذي كان يشعر به تجاهها قد فاقت كل شيء في هذا العالم،حتى صداقته القوية مع ادهم اخيها لم تكن تقف عائقا أمام هذا الحب والهوس المجنون.

كان يتمشى في أحد اروقة القصر ليفق أمام باب خشبي كبير، اطفا سجارته في الحائط
قبل أن يرفع يده ويطرق على الباب بطريقة هادئة، لقد كان مجنونا بكل ما للكلمة من معنى.



في بعض الأحيان كان يتصرف كما لو أنه رجل نبيل ينحذر من عائلة عريقة ،وفي أحيان أخرى يتصرف كما لو أنه مجنون ومختل عقليا، هذا هو حال جبل رجل بالألف وجه لم يطلقوا عليه لقب جوكر صاحب ألف قناع من فراغ.

بمجرد أن فتح باب تلك الغرفة جمدت انفاسه للحظة وهو يرى ذلك الرعب الذي ملئ عيناها وهي تنظر إلى وجهه،لقد اصبحت شاحبة للغاية إنقطعت أنفاسها وكأنها رأت شبحا أو ملك الموت.

بقيت واقفة في مكانها متجمدة غير قادرة على تحرك خطوة واحدة، تحدق بعينيه الزرقاء المضلمة دون أن ترمش حتى ،كما لو أن جسدها أصبح تمثالا من الشمع غير قادر على الحركة.



أما بالنسبة إليه هو فقط ضل يقف في مكانه مده طويلة وهو ينظر إليها بملامح جامدة بلا أي تعبير ،كان حقا قد نسي ذلك الشعور المميت الذي تسببه له كل ما نظر إلى عينيها العسلية تلك.


كانت تلك هي المرة الاولى التي يتقابلان بها وجها لوجه لوحدهما منذ أن عادت لعنته ،كانت دائما حريصة على أن لا تبقى معه في مكان واحد .

كانت دائما تحاول أن تبتعد عنه وحتى عندما تجبر على البقاء معه بمكان واحدكانت تتحاشا نظر له ،لم تتجرأ إطلاقا على رفع رأسها في حضرته ،كانت تشتت نظرها في كل شيء من حولها لكي لا يقع مجددا أسيرة لي عينيه الزرقاء.


لسبب غريب وجد نفسه يعذرها على كل تصرفاتها ويتغضى عن حماقتها امامه، ربما ذلك الجانب الإنساني الذي كان قد قتله منذ زمن طويل قد أحيته بحبها وجعلته يلتمس لها العذر من قلبه الاسود .



لم يكن يلومها على الاطلاق لكل ما تفعله به لأن، ما فعله بها كان أكثر من كاف ليجعلها دائما خائفة منه وترتجف بخوف بمجرد سماع صوته، ولكنه كان يريدها كان يريد أن يشعر بها مرة اخرى بين يديه.

كان يريد أن يشعر بانفاسها ونعومة جسدها، تبا كان حقا يريد أن يتذوقها مثلما كان يفعل دائما، لما لا يفعل ؟


فكر لوهلة قبل أن ترتسم إبتسامة غبية على وجهه ،ولم يكن أحد يستطيع أن يقف في طريقه، أراد حقا أن يضحك على نفسه بجنون في هذه اللحظة، وقد إرتسم ذلك على ملامحه بطريقة غريبة، والتي على الرغم من وسامتها ولكن كانت تعطي للشخص الذي امامه إحساسا غريبا بالرعب بمجرد أن ينظر إليها.


فذلك الإمتزاج الغريب بين تلك الإبتسامة المرعبة وتلك الملامح الوسيمة تجعلك ضائعا في مشاعر لا يمكن وصفها أبدا.





يتبع.....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي