23

في اليوم التالي كان كل شيء هادئا عكس الليلة السابقة، النيران الملتهبة التي كانت قد أخمدت من مبنى الخاص بالملهى الليلي ،تركت خلفها الرماد فقط.

كل شيء عاد إلى طبيعته، ولم يستطع أي أحد أن يتدخل ، حتى رجال الشرطة لم ياتوا إلى ذلك المكان، بما أن الملهى ملك للادهم
فلا أحد تجرأ أو فكر حتى في الاقتراب منه، فهم ببساطة لا يريدون أن يقعوا في مشاكل مع الوحش ،كانت الأمور تسير بهدوء وسلاسة، كما لو أنه لم يكن هنالك حريق بالأمس كاد أن يقتل ويدمر نصف المدينة.

ببطء وهدوء تسللت اشعة الشمس بخجل شديد من سحب التي تحجبها ،قبل أن ترسل اشعتها الذهبية إلى وجه تلك الفتاة الجميلة النائمة على ذالك السرير الملكي .

في هذه اللحظات كانت ترى حلما جميلا، كانت على شاطئ البحر مع والدها وهو يضع يده على شعرها يلمسه بحنان بينما هما على رمال الذهبية يراقبان إرتفاع الأمواج وتضاربها مع بعضها البعض.

" الحياة يا روحي مثل هذا المكان، عبارة عن مد وجزر، مرة تعطينا الحياة من حلوها، ومرة اخرى تذيقونا من مرها، لذالك طفلتي الصغيرة أريد منك يا روحي إلا تستسلمي أبدا تحت أي ضرف ".

روح في تلك لحظة كانت تنظر إلى والدها بغير فهم غير قادرة على فهم ما يريد أن يخبرها به، وفجأة سمعت صوت قوي، وعندما نظرت إلى مصدره ،وجدت موجة عالية جدا تضرب الشاطئ الذي كان تجلس عليه مع والدها.

دفعتها الموجة بعيدا وفرقتها عن بعضهما، وعندما انتهت تلك الموجة وعاد كل شيء كما كان، لم يكن والدها إلى جوارها لقد اختفى وبلحضات واحدة.
وقفت من مكانها برعب شديد لتدأ بصراخ بجنون بينما هي تبحث عنه في كل مكان من حولها.

فتحت روح عينيها الخضراء الفريدة وهي تنظر حولها برعب شديد ، كانت أنفاسها مضطربة من شدة الخوف، أخذت بعض الوقت لتدرك فجاة واقعها.

ضلت تنظر الى السقف مده طويلة وهي تشعر بان جسدها منهك تماما، تنهدت بارهاق شديد وهي تضع يدها على عينيها، قبل أن تشعر بذلك الثقل الخفيف الذي يتوسط جسدها في البداية لم تنتبه له على الإطلاق.
كانت هناك يد فوق بطنها مباشرة نزعتها ببطء شديد وهي تنظر بالاستغراب شديد إلى ذلك الطفل الصغير الذي كان يجلس على بطنها وهو ينظر اليها كما لو انها اغرب مخلوق يراه في هذه الحياة.

بمجرد أن نظرت الى عينيه تذكرت أخاها، لا شك في انه قد أشتاق إليها أيضا كما تفعل هي، هذا الطفل يبدو أنه في نفس عمره تماما
إبتسمت بسعادة فهي تعشق الاطفال وتحبهم بجنون، رفعته من على بطنها نحو السماء ليطلق ضحكات مستمتعة.
اعتدلت في جلستها واتكئت بظهرها على السرير وهي تنظر اليه ،بينما توقف هو عن ذلك الضحك وحرك رأسه الى الجانب في منظر لطيف لينظر إليها باعجاب ويقول بانبهار طفولي:

" وااااو لديك عيون ملونة جميلة "

قالها بعفوية شديدة، ثم مد يده يلعب بشعرها الاسود الطويل قائلا بصدق :

" متى سوف نذهب من أجل استعاده الكنز الذي تخبئنه في قلعتك؟"

نظرت له بالاستغراب لم تكن تفهم كلمة واحدة مما يقول، ومع ذلك وجدت نفسها تجاريه وهي تدعي الاهتمام امامه :

" لابد لي في البداية من استعادت طاقتي، ثم بعد ذالك لابد لي أن اجد الصولجان السحري الخاص بي فلقد سرقه مني ذلك الوحش الشرير "

عقد الطفل الصغير يديه أمام صدره وهو يفكر بعمق وجدية قبل أن ينظر اليها ويقول:

" في البداية لابد لنا من ان نجد مقر الوحش ثم بعد ذالك نسترجع ما هو لك ثم ننطلق نحو وجهتنا "

بعدها هذا الحوار البسيط الذي دار بينهما لم يحتاج الأمر الى الكثير من الوقت، وكانت روح تقفز حول المكان مع ذلك الطفل بسعادة لقد اعاد اليها الحياة والابتسامة في نفس الوقت

" انيس ؟ يا الهي !"

صوت انثوي رقيق قاطع تلك المتعة التي كانت تشعر بها روح وهي مع ذلك الطفل الصغير، رفع كل منهما عينيه الى الصوت وما هي إلا ثواني قليله وكان ذلك الطفل يختفي من بين يديها راكضا الى المرأة التي كانت تقف هنالك عند باب الغرفة ليهتف هو بسعادة :"

" هيييي اشتقت اليك"

نظرت روح الى المراة التي كانت تضم ذالك الطفل بحنان غامر، قبل أن تنظر اليها هذه الاخيرة وعلى وجهها ابتسامة جميلة وهي تقول بالاهتمام:

" لقد استيقظت اخيرا، لقد كنت خائفة عليك"

نظرت اليها روح مده طويلة قبل أن تنظر حولها بحذر شديد ،على الرغم من أنها كانت قد نسيت مكانها وكل شيء مع ذلك الطفل ،ولكنها تذكرت الان كل شيء لم تكن قادرة على أن تقول اي شيء ،فتلك المراة كانت تقف أمامها وهي تنظر إليها بالاهتمام.

كان من الواضح انها امراة طيبة ومع ذلك لم تكن قادرة أن تقول أي شيء، فقد ظلت تنظر اليها بصمت إلى ان كسرته مره اخرى وهي تقول :

" انا اسمي عهد، وهذا إبني أنيس لقد احضرك رجال أخي لقد كنت متعبة جدا"

" رجال اخيك؟!"

قالت روح وهي تنظر إلى عهد باستغراب ، هل يعقل أن ذلك الوحش لديه عائلة؟


هذا غريب جدا فلقد كانت تتوقع أنه لا يملك أحدا في هذا العالم ، ولكن اتضح أن اللعين لديه عائله مثله مثل باقي البشر.

" ليس من عادت أخي أن يحضر امراة الى القصر لا شك في أنك مميزة ومختلفة عن الكل ".

قالتها عهد وهي تضع أنيس على الارض وتتجه إليها ،لقد كانت هذه الاخيرة تريد أن تضحك حقا ولكنها حاولت أن تكبح نفسها لتقول بتهكم :

" فهمت شكرا لك، منذ متى وأنا نائمة؟"

قالتها روح بلا مبالاة وهي تتجه ناحية نافذة، بينما كانت عهد تنظر إليها باستغراب شديد.


هذه الفتاة كانت مختلفة عن كل الفتيات التي قابلتهن من قبل من نساء اخيها زير نساء ذاك،
جمعت أفكارها لتركز مع روح وتقول لها :"

" منذ ستة أيام تقريبا "

استدارت لتنظر إليها روح وهي لا تصدق أنها قد نامت كل هذا الوقت، حتى لو كانت متعبة وقد تعرضت الى حادث خطير فمن غير المعقول أن تنام كل هذا الوقت.
نظرت إلى عهد مرة أخرى وهي تبتسم اليها إبتسامة هادئة، لا يجب عليها أن تثق باي شخص مهما كان يبدو طيبا أمامها.

بل كان يجب أن تأخذ الحذر لا يبدو الشر على وجهها كاخيها، ولكنها لم تكن قادرة على أن تتعامل مع أي شخص وهي في هذا الوضع.

" علي الذهاب الان، أراك في ما بعد أرجوك خذي راحتك في المكان"

قالتها عهد بسرعة وهي تحمل ابنها وتهرب من المكان كما لو أن هنالك شيطانا كان يتبعها.


ظلت روح تقف في مكانها وهي تنظر إليها باستغراب شديد، تبدد استغرابها وهي ترى ضل جبل يدخل عليها بابتسامته المعتادة ويقول بمرح :

" استيقظتي أخيرا، في الحقيقة لم أكن أتوقع أنك سوف تستيقظين بهذه السرعة ،كان من المفترض أن تنامي لاكثر من خمسة عشر يوم ، تعلمين فالمفعول الدواء الذي أعطيتك إياه كان من المفترض أن يجعلك تنامين وقتا طويلا ، هل اخطات في الجرعة يا ترى؟"

انهى جبل كلامه وهو يذهب بأتجاه السرير ليجلس عليه ببرود شديد وهو ينظر اليها كما لو أنه يحاول ان يحل معضلة ما.

" ربما السبب يعود لكوني قد تناولت جرعة من مضاد ما قبل أن التقيك ".

قالتها روح وهي تجاريه في الهبل الذي كان يدعيه أمامها، ضرب يدا بأخرى وهو ينظر إليها ليقول وهو يشير عليها كطفل :

" رأيت كنت متأكدا من ذلك لقد أخبرت الاوغاد بهذا ولكنهم لم يصدقوني "

" إلا تشعر أنك مدين لي بشيء ما مثلا"

قالت روح وهي تنظر اليه بسخرية، قبل ان تتجه نحو النافذة لتنظر الى الخارج غير مهتمة بوجوده، بقي جبل يتابعها بإستمتاع وهو يخرج سيجارته مدخنا إياها ببرود ليقول :

" طبعا اشعر بذلك، ولكنني أعتقد أنك لا تحتاجين للتعويض، هل تعلمين أنه لم تستطيع أي امرأة مهما كانت مؤهلاتها وثقافتها أن تدخل هذا القصر من قبل ؟ بصراحة أعتقد أننا عوضناك بكل شيء عندما أحضرناك إلى هنا "

" أنت وغد كبير، وأرهنك أنك سوف تطلب نفس المبلغ مرة اخرى "

قالتها وهي تلتفت اليه لتنظر إلى عينيه اللتان كانت تلمعان بمكر شديد ليقول وعلى وجهه الوسيم ابتسامة ساخرة :

" بطبيعة الحال أنا لا زلت أنتظر المبلغ المطلوب من أجل ان احررك "

" لقد أنقذت صديقك"

قالتها روح بتهكم وهي تتجه نحو طاولة التي كانت بجانب سريرها الملكي ذاك، لتمد يدها وتأخذ كأس الماء الذي كان فوق تلك الطاولة بينما هز جبل كتفيه بلا مبالاة ليجيبها بخبث:

" ومن أجبرك على انقاذه ؟"

في هذه اللحظة بحق ، أرادت أن تهجم عليه وتخرج قلبه من مكانه ،ولكنها بقيت في مكانها تنظر إليه ببرود شديد، أما هو فقط كان يدخن سيجارته بإستمتاع اشد.

لا شيء في هذا العالم أكثر متعة بالنسبة اليه من أستفزاز هذه الفتاة يشعر حقا كما لو أنه يلاعب طفلا صغيرا ويستمتع بي أثارت غضبه


نظرت له روح مطولا لتقول بغضب :

" أنت وغد"

أستقام جبل بطوله ليعيد ترتيب بذلته بهدوء أمامها وهو يقول :

" شكرا لك يا انسة ، أنا افتخر بذلك، حسنا ارتاحي قليلا لدي الكثير من الأمور لاحلها اراك في ما بعد يا جميل "
انهى جبل كلامه وهو يغمزها بشقاوة ليخرج من الغرفة ،بينما ترك خلفه أحد رجاله حتى يراقبها على مدار الساعة وان لا يغفل عليها.

رمى سيجارته على الأرض بلا مبالات وهو يرسم تلك الابتسامة الواسعة على وجهه

" لابد لي من رؤية شخص ما"

قالها بإستمتاع مجنون وهو يتجه ناحية جناحها
لقد كان يعرف أنها تهرب منه منذ أن دخل ابواب هذا القصر اللعين، الغبية كانت تعتقد أنها إستطاعت أن تهرب منه كل تلك المدة التي فاتت، ولكنها الأسف لم تكن تعرف أنه يراقبها طوال الوقت، في كل لحظة في كل ثانية في كل نفس تتنفسه.

تنهدت بتعب شديد وهي تضع طفلها في سريره بعدما أرهقها وهو يركض بحماس داخل أروقة القصر، لا تصدق كمية النشاط الذي كان يمتلكه هذا الطفل، حاولت أن تخرج من غرفته ببطء شديد ودون إصدار أي صوت وهي تغلق الباب،
قبل أن تستدير لتغادر، ولكنها تجمدت في مكانها وتجمد الدم في عروقها ، وهكذا وبدون أي مقدمات وجدت نفسها تقف أمام الرجل الذي سلبها كل شيء.

الرجل الذي كان يزور كل ليلة كوابيسها بابتسامته اللعينة، التي لا تزال ترتسم على وجهه حتى هذه اللحظة، يا الهي كم تخيلت هذه اللحظة وكم كانت تخاف منها.
الشخص الذي دمرها وأطلق نار الخيانة مباشرة على قلبها، الشخص الذي كلما تذكرته كانت تتنفس جرح روحها ويدمى قلبها من الألم.

هو هنا الآن كان يقف هنا أمامها بهدوء وهو ينظر إليها باستمتاع شديد وعلى وجهه الوسيم ابتسامته المجنونة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي