24

في مكان آخر بعيد عن قصر ذالك الوحش الغائب عن الوعي ،وقف عمر أمام مدير الميتم حيث ادخلو بدر الطفل الصغير منذ أسبوع تقريبا.
كان الصغير المسكين ينظر بعيدا بشرود وهو حزين جداً وعينيه تترقرق بالدموع، على غير المتوقع فهو لم يندمج مع باقي الأطفال مثلما كان عمر يتأمل.

" لسوء الحظ أن حالته تسوء يوما بعد يوم يا سيد عمر "
قالها مدير ذالك الميتم باسف شديد وهو ينظر الى ذالك الطفل الصغير بحزن كبير،لقد كان هذا الرجل معروفا بتعاطفه وحبه الشديد للاطفال وخصوصا منهم الأيتام.

ماتت زوجته وهي تحاول أن تضع طفلها الاول ومن شدة حزنه على طفله وزوجته اللذان ذهبا ضحيه الاستهتار الاطباء، قرر أن ينشا هذا الميتم ويضم فيه كل الأطفال الذين فقدوا أباءهم، كان معروفا في جميع أنحاء البلاد، وبما أن عمر كان على علاقة قديمة بمدير هذا الميتم ويعرف قيمه واخلاقه،كان هذا هو السبب الذي دفعه لأن يحضر بدر الصغير إلى هنا، على أمل ان يحظى بطفوله طبيعيه ربما يستطيع ان ينسى قليلا ماضيه ولكن لسوء الحظ على ما يبدو أنه لم ينسى أي شيء.

" ماذا تريد منا أن نفعل؟"

قالها عمر وهو ينظر إلى المدير الذي تنهد بحزن شديد ليجيبه هو الاخير :

" أنه بحاجة الى عائلة، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع به أن يعود للحياة مجددا "

نظر إليه ياسر الذي كان يقف بعيدا وهو يدخن سيجارته بتوتر كما هي عادته ليقول:

" أنا اعرف لما تهدف ولكن إن كان هنالك شخص سوف يعتني بهذا الطفل جيدا فهو أنت أيها المدير لأنك الشخص الوحيد بيننا المؤهل لهذه المهمة "

نظر إليه المدير برعب شديد وهو يتراجع للخلف كما لو أنه طلب منه أن يموت بدلا عنه ليقول بهلع :

" أنا لا استطيع أن افعل ذلك، لا تنسى إني أعيش وحيدا"

نظر إليه عمر طويلا قبل أن يخرج نفسا طويلا كان يحاول أن يكتمه ،إنه يشعر بالألم كل ما نظر إلى ذلك الطفل يرى نفسه فيه :


" أنا اعلم جيدا ما الذي تفكر به؟ ولكن صدقني لا أنا ولا ياسر قادرين على أن نربيه، فبعيدا على أننا لا نمتلك عائلة ولكننا نحن دخلنا مهمة صعبة لا نستطيع فيها أن نعتني بطفل في مثل هذه الحالة "

أنهى عمر كلامه وهو ينظر إلى المدير بأسف شديد.

بينما نظر إليه ياسر بخبث وقد كان معروفا بأنه قادر على أن يقنع الشخص حتى لو كان رافضا للامر :


" لا اعتقد أنه سوف يوافق يا عمر، دعنا نعطيه لأي عائلة فقط وننهي الامر "

نظر إليه كل من عمر والمدير بغضب شديد قبل أن يتراجع عمر وهو يعرف ما يحاول صديقه أن يفعل هدأت ملامحه وهو يستدير من أجل ان يغادر قائلا :

" حسنا أعطيه لأي عائلة تجدها أمامك وخلصنا منه "

توسعت عيون المدير وقد عادت اليه ذكرى يكره أن يتذكرها ،فهو كان قد منح أحد اطفل الميتم الى امراءة وزوجها منذ ثلاث سنوات تقريبا، ولكن المصيبة أن تلك الأسرة كانت عبارة عن عصابة يأخذون الاطفال من الميتم، ثم يتاجرون بهم وعندما أكتشف ذلك الامر كاد ان يفقد صوابه، وقف المدير في مكانه بصمت وبعد تفكير طويل:

"حسنا سوف أخذه معي الى البيت، حتى تنهيان مهمتكما "

نظره كل من ياسر وعمر إلى بعضهم بخبث شديد ،وهما سعيدان أنهما استطاعا أن يقنعا المدير بتبنيه ولو لبعض الوقت.

لقد كان السيد حسام هو مدير الميتم رجل صالحا حقا، وعلى الرغم من أنه كان في بداية الاربعينيات من عمره، ولكنه كان يحب مساعدة الكل يحب الخير لبلاده واطفال بلاده ،لقد كان حقا الرجل المثالي للاعتناء بالصغير بدر.

نظر عمر للمرة الاخيرة ناحية بدر الذي كان لا يعرف شيئا مما يدور حوله ،كان مكتفي بالنظر الى خارج النافذة بشرود.

تنهد عمر قبل أن يعود وينظر إلى ياسر الذي كان يمشي إلى جواره وهو يغلق الملف الذي كان بين يديه قائلا بملل

: " لقد كنت متحمسا حقا لهذه القضية ولكن......."

تنهد بحسرة شديدة وهو يلقي الملف على سطح السيارة،اخذه عمر ليظر اليه بتمعن:

" سوف نجعلهم يدفعون الثمن"

أبتسم ياسر إبتسامة شريرة فقد كان يعلم أن هذا سوف يكون رد صديقه ولكن كان لابد له أن يتأكد:

" حسنا أخبرني يا فهيم من أين سوف نبدأ وكل الخيوط التي كانت بين يدينا قد تم تمزيقها"


قالها ياسر وهو ينظر إلى عمر الذي كان يركز في الملف الذي بين يديه بعمق، قبل أن يرسم إبتسامة هادئة وينظر إلى صديقه بنظرة كان يعرف معناها جيدا.

" سوف نبدأ من حيث بدأ كل شيء، قصر جمال"

قالها عمر بحزم وهو ينظر ناحية ذلك القصر. الذي نصب في وسط تلك المدينة وكان يضهر من على بعد أميال بسبب ضخامته وأيضا زخرفته الذي جعلته يعطي إنطباع على مدا ثراء ونفوذ أصحابه.

على الرغم من أن الأحداث لم تكن مشتعلة في قصر ادهم كما هي العادة، ولكن الهدوء الذي كان يحيط بهم جعل روح قلقة طوال الوقت
لقد إستطاعت أن تعرف من بعض الخدم أن ادهم لا يزال في غيبوبة منذ ذالك الحادث.

لقد حاولت الهروب مرارا وتكرارا،ولكنها كانت دائما ما تقع فريسة بين يدي الحرس الذين كانوا يحيطون القصر من كل جانب.


كانت تفكر جديا في محاولة أخرى، لذلك أبعدت هذه الفكرة تماما عن راسها، تنهدت وهي تستلقي على الأرضية العشبية في حديقة القصر
تنظر نحو السماء ،وقد كانت شاردة تفكر في عائلتها وتتسائل
( ترى هل هم قلقون عنها ويبحثون؟ ).

أي سؤال غبي هذا بطبيعة الحال هم قلقين عنها ويسالون عنها أكيد؟.


تنهدت بعمق لا شك في أن والدها المسكين يكاد أن يفقد عقله من أجل أن يجدها، لقد كانت العلاقة التي بينهما قوية جدا، لدرجة أن الجميع كان يعتقد أحيانا أنهم من المستحيل أن يعيشوا بعيدا عن بعضهم،أن الحياه صعبة بحق وتفاجئنا بمواقف لم نكن نتخيلها على الاطلاق.

" أنك تبدين محتارة "

قالتها ماريا وهي تجلس إلى جوارها على الارض قبل أن تشعل لنفسها سيجارة لتدخنها بهدوء:

" هل تعتقدين أنني ارتكبت خطا عندما أنقذته ذالك اليوم ؟ ".

سئلت روح فجاة عندما طال الصمت بينهما وهي تنظر إلى الارض بشرود شديد ، أن داخلها حزن وندم لا يمكن تصوره، هي حقا مستأة أنها لم تستطع أن تنقذ نفسها من هذا المستنقع الذي رميت فيه قصرا ، ولكنها من ناحية أخرى سعيدة أنها لم تترك أحدا يموت في ذلك المكان، وأنقذت عددا كبيرا من الفتيات وجعلتهم يهربون من ذالك المستنقع ،ولكن ادهم كان شخصا يستحق الموت لا تعلم لماذا أنقذته ربما لأنه إنسان مثلها في النهاية؟.

ابعدت كل هذه الافكار المتضاربة عن راسها ، وهي تنظر إلى ماريا التي كانت تدخن سجارتها لتبعدها عن فمها وتنثر دخانها في الهواء حولها وهي تقول :


" حسنا، في الحقيقة لقد ارتكبت خطا فادحا، ولكن من ناحية أخرى لو أنك لم تنقذيه ذلك اليوم لكنت أصبحتي مثلهم وحوش بلا رحمة ، عليك أن تفخري بما أنت عليه يا روح على الرغم من كل تلك المواقف التي تعرضت لها في ذلك الملهى ولكنك لم تفقدي برائتك بعد وهذا هو المطلوب"

قالت ماريا وهي تربت على كتف روح بهدوء شديد.

اما الأخرى كانت تنظر اليها بضياع وهي لا تعرف أن كان ما قالته ماريا يشجعها أم يحزنها.

وقبل أن تقول شيئا اخر سمعت كلاهما دوي صوت رصاص قريب منهم ،توقفت في مكانها وكانت على وشك أن تذهب لموقع الذي سمعت منه الصوت، ولكنها تفاجأت بماريا تمسك يدها وهي تقول بلا مبالاة :


" دعينا نتجاهل الامر، من الأفضل لنا أن لا نتدخل في هذه الامور، فلنبقى بعيدا عن كل شيء هنا يا روح حتى يستيقظ ذلك الوحش وعندها لنقرر ماذا سوف نفعل؟"

ولسبب غريب لم تعارضها هذه المرة بل على العكس تماما، عادت لتجلس في مكانها متجاهلة كل شيء من حولها وهي تقول :


" أتعتقدين أنه سوف يطلق سراحنا "

نظرت إلى ماريا التي لم تقل شيئا وإنما اكتفت بالنظر أمامها بصمت شديد ،فهي تعلم أن ادهم من المستحيل أن يتركهم يغادرون المكان.

وخاصة بعدما رأت تلك النظرات التي كان يعطيها الى روح طوال المدة الماضية وآخرها نضرته السودوية التي وجهها إليها قبل أن يسقط مغشيا عليه بسبب سم والرصاص.


يتبع .....
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي