9

استيقظت من شرودها بالماضي على وشاح خفيف يوضع على كتفيها،لتنظر إلى من وضعه عليها وهي تمنحه ابتسامة هادئة وجميلة مثلها:

"ما الذي حدث لشمسي حتى تبكي بهذه الطريقة؟"

قالها ذلك الرجل وهو يجلس إلى جوارها بينما مسحت دموعها وهي تنظر إلى طفلها:

"جابر!... لا شيء يا عزيزي فقد تذكرت شيء ما كان يجب أن أتذكره"


في البداية تفاجأت من وجوده هنا، ثم عادت ملامحها إلى الطبيعية، لتنظر بشرود أمامها .

بينما شد هو على يده بغضب شديد بطبيعة الحال هي تفكر به مرة أخرى، لا يعلم لماذا لا يستطيع أن يمحو ذلك الوغد من حياتها؟.

وعلى الرغم من أنه قد تزوجها وأنها أصبحت ملكا له وان لديهم طفل منها، إلا أنه لحد الساعة لم يستطع أن يجعلها تنسى، هو مستعد لأن يقدم أي شيء من أجل أن تنسى ذلك اللعين.


ولكن هذا الأمر غير ممكن وخير دليل على ذلك هو تلك القلادة التي لا تزال تضعها على رقبتها على الرغم من مضي كل هذه السنوات طويلة.


ابتسم بسخرية على نفسه وهو لا يصدق أن الفتاة الوحيدة التي قد أحبها بصدق لا تزال متعلقة برجل من ماضيها، ولكن لا يهمه كل هذه الأمور فيكفيه أنها إلى جواره في هذه اللحظة، وما دام ذلك الوغد بعيداً عنها وعن عائلتهم الصغيرة، هو مكتف بهذا القدر فحبه لها يكفي كليهما.

..



أغمضت روح عينيها بغضب شديد وهي لا تصدق أن ذلك الوحش الخسيس قد فعل بها هذا الأمر.

كانت روح جالسة على أريكة مخملية حمراء اللون في مكان جميل يشبه القصر بتصميمه وفخامته.


ظلت تنظر حولها إلى النساء الشبه عاريات المنتشرات في كل ركن من تلك الصالة الضخمة، والمناظر والتحف الخلابة التي كانت تحيط بها من كل جانب بتقزز، في هذه اللحظة أرادت وبشدة أن تفجر قنبلة في وسط هذا المكان، ولكنها تراجعت عن ذلك في آخر لحظة وحتى ولو أرادت أن تفعل ذلك فأين هي القنبلة يا ذكية؟

لذلك كانت هذه مجرد فكرة غبية من بُنات افكارها المجنونة التي تراودها من حين إلى آخر .

"هل الآنسة تحتاج أن أوضح لها مهمتها هنا ام ماذا ؟"


قالتها تلك الفتاة ذات الشعر الأحمر النحيلة الأشبه بعارضات الأزياء، والتي كانت ترتدي ملابس فاضحة، أو لنقل ربع ثياب لا تستر إلا عورتها وجزء صغير من صدرها السليكوني، الذي كان نصفه خارج عن حمالات الصدر التي ترتديها.


كانت تشبه الدمية أكثر من البشر بسبب كمية المكياج الذي تضعه على وجهها، حرفياً لقد كانت تضع أطنان من مواد التجميل لدرجة أن النظر إليها يؤلم العين الحساسة، ومع ذلك كله اجبرت روح نفسها على النظر إليها ببرود، وعلى الرغم من صعوبة الموقف الذي هي فيه بسبب حساسية المكان.


وعلى الرغم من أن ذلك الوحش اللعين قد رماها في هذا المكان المقزز الذي يشبه السجن اكثر من كونه ملهى ليلي ووكر لدعارة، ولكنها لم تكن تستطيع أن تصمت اكثر أمام الاستفزاز المستمر لهذه العاهرة الوضيعة.

لذلك وجدت نفسها تفعل ما تجيده في مثل هذه المواقف، وقفت بقامتها لتظهر منحنياتها الأنثوية الجميلة وتضع يدها في وسطها وهي ترفع احد حاجبيها وتقول بثقة:


"هل يمكنك الإهتمام بأمورك الخاصة يا حمراء وتدعيني وشأني؟"

نظرت لها الأخرى بغضب شديد قبل أن تتحرك بتمايل كأفعى سامة وتتجه نحوها وهي تقف أمامها مباشرة لتقول بعهر:

"حمراء ؟ هل تعلمين من أنا أيتها الرخيصة ؟"

رفعت اصبعها المطلي باللون الأحمر الفاقع ووضعته على كتف روح لتنكزها به وهي تكمل بغرور:

"أنا الكل في الكل هنا يا جميلة...أنا سيدة المكان وحاكمته أيضاً، الرجال يتمنون نظرة مني وبمجرد أن ادخل الجميع يلتف حولي"


ابتسمت روح بخبث لتقول لها بكل ثقة وهدوء وهي تبعد اصبع تلك الحمراء عن كتفها:

"طبعاً… أنت سيدة هذه القذارة والرجال سوف يحومون حولك ففي النهاية الذباب لا ينجذب إلا للقمامة العفنة مثلك".

شعرت تلك الفتاة الصهباء بالبركان يتصاعد داخلها في هذه اللحظة، كانت تشعر وكأنها على وشك أن تنفجر وتفقد صوابها حرفياً.

فلأول مرة في حياتها تتجرأ فتاة جديدة على الكلام معها بهذه الطريقة ....

مدت يدها ذات الأظافر الصناعية الطويلة لتمسك شعر روح من الخلف، إلا أن الىمر لم يستغرق من روح إلا ثانية واحدة، هو كل ما احتاجه الأمر لتكون تلك الفتاة الحمراء ممددة على الأرض تصرخ وتتلوى من الألم.

بينما أصبحت يدها اليسرى خرقة بالية لا فائدة منها.

نظر إليها الجميع بصدمة وقد جذبت أنظار كل من حولها، بينما ظلت روح واقفة بمكانها بشموخ وكأنها لم تفعل أي شيء يُذكر.

نظرت لهم ببرود ولا مبالاة كما لو أنها تهددهم بصمت، بأن هذه سوف تكون نتيجة لكل من يتجرأ على الاقتراب منها أو أذيتها.

سمع صوت خطوات مسرعة في بهو ذلك المكان، وكانت صاحبته امرأة ضخمة تشبه البرميل، وقفت متصنمة في مكانها وهي تنظر إلى واحدة من أفضل وأشهر نساء هذا الملهى الليلي الذي تديره طريحة على الارض، وهي تمسك يدها المكسورة وتصرخ من الألم.

على الرغم من أن هذا الملهى يعود ملكية لذلك الأدهم، ولكنها المسؤولة هنا عن كل العاهرات وعن تنظيم زيارات الزبناء وأي تقصير أو سهو منها سوف يرسلها أدهم إلى قبرها مباشرةً.

"هل تعرفين مالذي فعلته الأن ايتها المعتوهة؟؟؟"

قالتها تلك المرأة السمينة وهي تنظر إلى روح بغضب شديد، بينما الأخرى اكتفت برفع أحد حاجبيها بلا مبالاة وتنظر بتشفي بطرف عينيها الخضراء الواسعة إلى الفتاة التي كانت تتلوى في الارض من شدة الألم.

رفعت كتفيها بلا مبالاة ونظرت إلى المرأة التي تبادلها النظر وهي تستشيط من شدة الغضب منتظرة تفسير منها!

"لم أفعل أي شيء يا سيدة، أنا فقط كسرت يدها!! "

أنهت كلامها ببساطة وهي ترسم معالم البراءة على وجهها الأبيض الفاتن.

فتوسعت عيون الجميع بصدمة جديدة ،بينما رسمت روح ابتسامة جانبية على وجهها لتمشي بثقة وتقترب من المرأة السمينة التي تقف امامها.

لترفع يدها بهدوء وتربت بها بلطف على خدها الأحمر السمين وهي تقول بثقة:

"هيا يا سيدة، لنكن واضحتين مع بعض من البداية... لا داعي لأن تستعرضي قوتك علي، فعلى كل حال أنا لن ابقى في هذا المكان المقزز مدة طويلة لذلك لا داعي لأن تظهري قوتك ىو تفكري في ذلك حتى لأنني لن اسكت لكم".


انهت روح كلامها بابتسامة واثقة وهي تنظر إلى الجميع بتهديد، قبل أن تذهب وتترك الكل في صدمة.

تحركت روح وهي تمشي ناحية المكان الذي من المفترض أن يكون غرفتها في دار الدعارة هذه، تركت المكان دون مبالاة ودون ان تنظر خلفها حتى.

وقفت تلك المرأة هناك متصنمة تنظر إلى ظهر روح التي تصعد الدرج بصدمة شديدة.

صكت اسنانها وكورت يديها على شكل قبضة وهي تتنفس بعنف، تلك الصغيرة فتحت أبواب الجحيم على نفسها دون أن تدري.

فتلك المرأة لم يجعلها ادهم مسؤولة هنا من دون سبب، هي لا تنسى أو تسامح بسهولة والجميع واثقٌ أنها تتوعد لها بالشر والانتقام الشديد.

استيقظت من شرودها على صوت نواح وبكاء تلك الصهباء، فنظرت إلى الفتاة التي كانت تجلس على الارضية الرخامية السوداء، وهي تبكي وتنوح بشدة من أجل ذراعها التي كُسرت قبل قليل ، نظرت تلك السمينة إلى احد الحراس ضخام البنية لتشير لهم بعينيها أن يقتربوا نحوها....

بينما في الطابق العلوي من ذلك المكان المقرف فتحت روح باب أحد الغرف لتسير دون أن تعير لشكل المكان أية لعنة، وتجلس على السرير الأبيض الضخم الذي من المفترض أن يكون سريرها، وهي تضرب الأرض بغضب شديد بقدمها اليمنى، وتشتم بعصبية، لا بد لها أن تتخلص من هذا السجن الذي وضعت فيه في اسرع وقت ممكن.


يُتبع..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي