الفصل الأول مسرح الجريمة

كان الزقاق مظلمًا ومنعزلًا، محاطًا بالمباني العالية، تصطدم أشعة القمر المنعكسة على النوافذ الزجاجية العالية ببعضها البعض، تاركة خلفها بقعًا بيضاء صغيرة على الأرض المظلمة، الجو هادئًا للغاية، باستثناء صوت هدير السيارات البعيدة.

وفجأة، قطع سكون الليل صوت صرخات وعويل، الصوت عاليًا ومخيفًا، مما يجعل الدم يبرد في عروق أي شخص يسمعه.

اخترق صوت الصراخ، هذه الشَّقَّة في أحد المباني المجاورة حيث تعيش تلك السيدة العجوز، تجلس في غرفة المعيشة الخاصة بها، تشاهد التلفاز، عندما سمعت تلك الأصوات المستغيثة.

توقفت "ماجي" عن مشاهدة برنامجها المفضل، ورفعت رأسها في الاتجاه الذي أتى منه الصوت، وقالت وهي تجعد جبينها:
يا للهول، ما هذا الصراخ المرعب؟

ارتفعت حدة الصرخات، فشعرت ماجي بالقلق، نهضت من على الأريكة وتوجهت إلى النافذة، فتحت الستائر ونظرت إلى الخارج.

كان الزقاق مظلمًا للغاية، فقالت بتوتر:
لا أرى شيئًا، لا أرى سوى الظلام الدامس.

استمر الصراخ في الإرتفاع، قالت ماجي بخوف:
في الخارج، هناك شخص في ورطة، ويحتاج إلى المساعدة.

قررت الإتصال بالنجدة، قالت للطرف الآخر:
هناك شخص يستغيث بالقرب من منزلي، أرجوكم تعالوا فورًا.

وعندما أتت الشرطة إلى المكان، عثروا على جسد بارد هامد، لامرأة شابة بدا عليها أنها في أوائل العشرينيات من عمرها، الجسد كان مشوه وملطخاً بالدماء متكئًا على الجانب، ملقى بعيدًا مثل دمية بالية.

وقف المحقق "هيركلين" في منتصف الزقاق، يحدق إلى جسد المرأة الشابة، يشعر بالغثيان، وهو شاهد الكثير من جثث الضحايا عندما عمل في قسم التحقيقات، لكن هذه كانت مختلفة.

حدث هيركلين صديقه "آرثر":
هذه ليس مجرد جريمة قتل عادية، هناك شيء غريب ومثير للشك في هذه الجريمة.

نظر هيركلين إلى جسد المرأة مرة أخرى وهو يتكلم:
الفتاة ترتدي تنورة سوداء قصيرة وقميصًا أبيض، وهذا الوشم الغريب المنحوت في الجلد، أعتقد أنه سيكون بداية الخيط.

تدخلت "إيملي" شريكة هيركلين في قسم التحقيقات:
وأيضًا هناك الحذاء المكسور كعبه والأظافر المكسورة، بجانب الملابس المقطعة والجروح في وجهها، كل هذا يدل على أنها كافحت لإنقاذ حياتها، ولم تستسلم للقاتل بسهولة.

ابتسم هيركلين وهو يقول لها:
فعلًا تخمينكِ صحيح، وكل هذا يدل أنه حدثت مقاومة شديدة بينها وبين القاتل.

هو يتحدث لمح هيركلين بعينيه الحادة، شيء مختبئ بين الحطام، ذهب مباشرة إلى هناك، وتبعه كل من آرثر وإيملي، قال دون أن يلتفت:
إنها الأداة التي استخدمت لإنهاء حياة هذه الفتاة التعيسة.

ثم أكمل قائلًا بغضب:
هطول الأمطار المستمر بالطبع سيعقد التحقيق، قد يكون القاتل ترك وراءه أدلة، لكن المطر غسلها.

قالت إيملي فورًا:
سوف أبحث في كل شبر في الزقاق، عن أي أثر ربما تركه القاتل وراءه، ولم يغسله المطر.

قال لها آرثر:
سوف أذهب معكِ.

ورغم بحث الثلاثة في كل شبر، إلا أنهم لم يجدوا أي أثر تركه القاتل.

في وقت لاحق.

جلس هيركلين وإيملي في مكتب رئيس قسم التحقيقات، ينتظران وصوله، شعر هيركلين بالضيق والغضب، فهو لا يستطيع أن يصدق أن القائد يرفض السماح لهم بمتابعة التحقيق في جريمة قتل الفتاة.

أخيرًا، دخل القائد إلى مكتبه، نظر ويلسون إلى كلاهما، وقال:
جريمة القتل هذه سوف يتولاها قسم آخر، سوف تتركون هذه القضية.

اعترض هيركلين:
ولكن سيدي، لقد حققنا في هذه القضية من كثب، وأنا متيقِّن من أننا سنجد القاتل.

قال القائد ويلسون:
لا أهتم بما تعتقدون، لقد قيل لي أن هذه القضية حساسة للغاية، ويجب أن يتولاها فريق أكثر خبرة.

شعر هيركلين بالغضب، ولكن بالرغم من غضبه، قال بنبرة هادئة:
لا أطلب أن نكون فريق التحقيق الرئيسي في تلكَ القضية، ولكن على الأقل دعنا نساعد في حلها، تأكد أيها القائد أنكَ لن تندم على قراركَ هذا أبدًا.

نظر القائد إلى كلاهما وبعد لحظات من التفكير، قال:
حسنًا، ستتولان القضية بصفة غير رسمية، ولن يعلم أحد بأنكم تحققان فيها، سوى أنا.

نهض هيركلين وإيملي من كرسيهما وغادرا المكتب، يشعرون بالإحباط؛ بسبب تولي فريق آخر تلكَ القضية بصفة رسمية، وأنهم أصبحوا على الهامش.

في الممر خارج المكتب، قال هيركلين:
هذا ليس عدلًا، متى سنتولى قضايا مهمة؟

أشارت إميلي إلى مكتب القائد وقالت بغضب:
لا أعلم، إلى متى سيستمر تهميشنا في القضايا المهمة؟

ثم مشيا ببطء إلى مكتبهما، وكلاهما يفكر في ما حدث، وبالرغم من شعور هيركلين بالإحباط، إلا أنه كان مهتم بمعرفة سبب نقل القضية إلى قسم آخر.

بعد أسبوعين وحادثة قتل أخرى.

سار هيركلين وبجانبه أيملي عبر الأبواب الكريستالية، وشم تلك الرائحة الخفيفة للمطهر المرشوش حديثًا، الممزوج بروائح الأدوية، كل هذه الروائح ضربته كلكمة قوية في معدته.

في أثناء سيره في الممرات الممتدة من مكتب الإستقبال إلى غرفة أحد المرضى، أخذ يفكر كثيرًا، يفكر في كيفية تجنب الإغماء اليوم، وليس اكتشاف من القاتل؟

قال هيركلين لنفسه:
"تحكم في خوفك من المستشفيات، ولا تحاول استنفاد كل فرصكَ لدى القائد، المفتش هيركلين لديه رهاب من المستشفيات، هذه وصمة عار في قسم مفتشي الشرطة."

تنفس مرات عدّة؛ للتخلص من حالة الغثيان التي أصابته، وقال بخفوت:
حذار أن تفقد وعيكَ الآن.

عندما لاحظت إيملي حالته تلكَ، قالت له بهدوء:
أنا معكَ، هيركلين وسأساعدكَ.

ابتسم بصعوبة وهو يقول لها:
لذلك قمت بتقسيم المهام بيننا؛ تتولي تلكَ المهام التي لا أستطيع القيام بها.

ضمت شفتيها وقالت:
فقط بسبب رهابك من المستشفيات وليس بسبب كفاءتي.

حدث نفسه قائلًا: "الأنثى هي الأنثى لن تتغير مهما مرَ من زمن."

ضحك هيركلين وقال:
الحقيقة، من أجل الاثنين، عزيزتي إيملي.

قالت إيملي بنبرة ماكرة، وهي تمثل الضحك:
سأقول لك شيئًا، وعليكَ أن تخمن ما هو.

شعر بعدم الراحة من ضحكتها تلكَ، فقال لها:
حسنًا، اسألي.

حاولت كتم ضحكاتها وهي تقول:
هناك شيء أحمر، ولزج، ويجعلك تشعر بالدوخة إذا رأيته.

شعر هيركلين بالضيق، فقال لها:
أنه الدم يا خفيفة الظل، وتأكدي أنني سأرد إليكِ سخريتك تلكَ في يوم من الأيام، وهيا بنا إلى العمل.

وفي داخل الغرفة.

وقف كل من هيركلين وإيملي ينظران إلى والد الضحية، قال هيركلين :
مرحبًا سيد روي، أنا المحقق ، وهذه شريكتي، إيملي.

وهو ينظر إلى زوجته النائمة على الفراش، رد روي:
نعم، ماذا تريدان؟ ألن ننتهي من أسئلة الشرطة؟ أنتم جيدان فقط في إلقاء الأسئلة، ولكن العثور على القاتل، لا.

قال هيركلين:
ليس هناك أي تكاسل في العثور على القاتل، نحن نبذل أقصى جهودنا.

قال روي بصوت غاضب ولكن خافت في الوقت نفسه:
القاتل ما زال طليقًا، أنظر إلى زوجتي حتى الآن لم تتعافَ من مقتل طفلتنا الوحيدة.

رغمًا عنه نظر هيركلين إلى الزوجة، جسدها شاحب، وعيناها مغمضتان، وشفتاها مفتوحتان، كأنها تتنفس بصعوبة، والأنابيب مثبتة في جسدها في عدة أماكن.

أصبح وجه هيركلين قاتمًا، شعر بالغضب وعاد إليه شعوره بالقيء والغثيان مجددًا، تنفس بعمق قبل أن يقول:
تعازي سيدي على ما حدث.

رد روي بانفعال:
لا أريد أي تعازي، غادر أنتَ وشريكتك من هنا.

قال هيركلين دون ابتسامة:
هل يمكننا أن نطرح عليكَ بعض الأسئلة حول الحادث؟ ولا تقول غادرا، نحن نريد العثور على القاتل ومن خلال إجابتك قد نستطيع العثور عليه.

أطرق رأسه لإخفاء الدموع التي انهمرت من عينيه على نحو سريع، وتهرب بنظراته من هيركلين حتى لا يلاحظ الضعف الذي بدا جليًا على ملامح وجهه، ثم قال:
لو أنني عدت إلى المنزل مبكرًا، مثل كل يوم، لم يكن ليحدث شيء، كان بإمكاني إنقاذ طفلتي الصغيرة وزوجتي.

ثم أكمل روي بنشيج:
الحياة ليست عادلة، ابنتي لا تستحق هذه النهاية، العمر كله كان أمامها، مجرد طفلة صغيرة لم تتجاوز الخمس سنوات.

نظر إليه هيركلين، وقال له بنبرة مواسية:
أنا لا أعرف الألم الناتج عن فقدان أحد أفراد العائلة، أو الحبيب، لا أعرف، لكن بطريقة ما، أستطيع الشعور بألمك يمزق الهواء ويصل إليَّ.

أستطيع أن أرى معاناتكَ كأب، تحاول تحمل حالكَ كل اللوم والذنب، لذلك أوعدك، روي، أنني سأجد القاتل.

مسح روي دموعه بظهر يديه، ثم قال له:
يمكنكَ أن تسألني أي شيء، ولكن من فضلكَ لا توجه إلى زوجتي سؤال حين تستيقظ.

بكى روي أكثر وهو ينظر إلى زوجته، هامدة على سرير المستشفى، ثم قال بحزن:
قال الأطباء، أنها أصيبت بصدمة في رأسها نتيجة الهجوم عليها، لقد مرت خمس ساعات وهي لا تزل فاقدة الوعي.

صمت لعدة ثواني قبل أن يكمل قائلًا:
لقد كانت حياتنا، طفلتنا الوحيدة، كيف ستشعر زوجتي عندما تستيقظ، وتتذكر كل شيء حدث؟ من فضلك لا تقل أي شيء لها.

أنهار روي على ركبتيه وهو يراقب الجدران بلا حول ولا قوة، ولم يتوقف عن البكاء والنحيب.

عندما رأته إيملي بهذا الوضع الرث، ساعدته على الجلوس، ثم ذهبت لشراء العصير، ثم انتهزتها فرصة لمساعدة كلاهما، واشترت عصيراً أيضًا لهركلين، فهو يبدو على وجهه الشحوب.

نظر إليه هيرلكين وشعر أنه لا يفعل شيئًا للأب المسكين سوى تحويل تنهداته القاسية إلى دموع غزيرة.

أتت إيملي وهي تحمل علبتين من العصير، سلمت علبة لهيركلين، وقالت له:
تناول هذا العصير، فأنتَ أيضًا تحتاجه.

ثم أعطت روي العلبة الأخرى، وقالت له برقة:
اشرب العصير حتى تهدأ.

أخذ روي العلبة من إيملي وفتحها، شرب العصير ببطء، بينما كانت إيملي تنظر إليه بحزن.

بعد أن انتهى روي من شرب العصير نظر إلى إيملي، وقال لها بحزن:
شكرًا لكِ على لطفك، أنتِ فتاة طيبة القلب.

قالت له إيملي:
لا تشكرني، أنا سعيدة لمساعدتك، وسأكون سعيدة أكثر عندما ترد على أسئلتنا.

أومأ روي برأسه، ثم قال بنبرة حزينة:
اسألوا ما شئتم، فسوف أجيب.

سأله هيركلين :
هل لديكَ شبهات على أحد؟ هل هناك أعداء؟ أشخاص يريدون الانتقام من عائلتك؟

لمعت عيناه بالدموع وهو يقول:
لا، نحن ليس لدينا أي أعداء، جيس ألطف فتاة يمكن أن تعرفها إطلاقًا، من يريد أن يفعل ذلك بعائلتي، هي لم تؤذي أي مخلوق.

ورغمًا عنه تساقطت دموعه من جديد في صمت، وهو يقول:
لا أستطيع أن أتخيل من الذي يريد أن يفعل هذا بابنتي، إنها مجرد طفلة، لقد كانت مجرد طفلة.

ثم صمت روي عن الكلام ونظر إلى زوجته، ثم إلى نقطة في الفراغ، كانت عيناه حائرتين، ووجهه شاحبًا.

قالت له إيملي:
سنجد قاتل طفلتك، سيد روي.

ثم قال هيركلين:
إذا تذكرت أي شيء، فيرجى إخبارنا بذلك.

هز روي رأسه بالإيجاب دون النطق بأي كلمة.

ثم أعطاه هيركلين بطاقته، وغادر هو وإيملي المشفى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي