الفصل التاسع والعشرون صدمة العمر

بعد يوم طويل من البحث في قضية القاتل المتسلسل سكاي، قررت إيملي وهيركلين الذهاب إلى منزله لدراسة الملف بمزيد من التفصيل.

جلسوا في غرفة المعيشة وبدأ كلاهما في مراجعة الملف، كان الملف مليئًا بالمعلومات، بما في ذلك تقارير الشرطة وسجلات الجريمة.

أخذ هيركلين يقرأ الملف، وإيملي تدون خلفه النقاط الرئيسية:
كان سكاي معروفًا بأنه طفل خجول من قبل زملائه ومعلميه، وبالرغم من خجله إلا أنه كان فائق الذكاء.

درس الفن على الرغْم معارضة والديه، مما جعل والده في النهاية يتبرأ منه، عاد إلى منزله بعد وفاة الأب، ورث ثروة قدرها خمسون مليون دولار، وفي ذلكَ الوقت كان عمره خمسة وعشرين عامًا فقط، وكان لديه الكثير من المال في متناول اليد.

قام ببيع كل الأملاك وترك والدته، وبدلاً من استخدام المال للحصول على مشروعه الفني الخاص، بدأ يغرق في بريق وسحر الثراء لسنوات عدّة، عاش حياته ببذخ شديد.

زوجته كانت أول ضحاياه، قتلها عندما طلبت منه الطلاق والابتعاد عنه بسبب إدمانه على لعب القمار.

بعد قتل زوجته، قتل خمسة عشر آخرين قبل أن يتم القبض عليه، بسبب خطأ واحد ارتكبه بشكل متكرر، وهو سيارته التي كان يستخدمها في كل جرائمه.

ابتلعت إيميلي جرعة من الكولا، وهي تقول:
أنتَ تقول إنه كان أحمق بما فيه الكفاية ليتجول في المدينة ويتخلص من الفتيات وهو يقود سيارته الباهظة الثمن؟

قال هيركلين وهو يفكر:
نعم، وربما كانت هذه هي طريقته في إظهار مدى قوته التي لا تقهر، وقد يكون ذلك أيضًا لأنه أراد الاهتمام، والتجول في المدينة، والتباهي بسيارته الفاخرة.

أومأت إيملي برأسها، وهي تقول بعبوس:
لقد كانت سيارة غريبة لكي يمتلكها شخص في ذلك الوقت، لم يكن هناك الكثير من الأغنياء الذين يفضلون تلكَ السيارة، لقد شاهدها الناس مرات عدّة حول مسرح الجريمة.

قال هيركلين بضيق:
أعتقد أنه كان يعتقد أنه مثل الإله، لا يمكن المساس به.

-ألا تظن أن القاتل الأشقر يتقن كل جرائمه مثل سكاي، لم تتمكن الشرطة من تعقب سكاي قبل ذبح تلك الفتيات الستة عشر، الشرطة قبضت على سكاي بسبب سيارته التي أصر على استعمالها في كل جريمة واعتقاده أنه لا يقهر.

زفر بقوة وهو يقول:
أتمنى أن يصل القاتل الأشقر إلى مرحلة الغرور الذي وصل إليها سكاي في ارتكاب جرائمه، وينتهي به الأمر إلى القبض عليه.

إيملي بانفعال:
ولكنه حتى هذه اللحظة لا يترك أي شيء خلفه، أنا أسأل نفسي باستمرار، كيف تمكن شخص مثله من إلقاء تلكَ الجثث في جميع أنحاء المدينة، دون أن يتم اكتشافه أبدًا، هو في حد ذاته أمر مستحيل بسبب تقنية اليوم، الكاميرات موجودة في كل مكان حرفيًا ولم يتم التعرف عليه حتى الآن.


صمت هيركلين عدة ثوان يفكر، ثم قال:
أنا متيقِّن أنه قضى وقته في التعرف على هذه المدينة وكل جزء فيها بدقة، وكيف يبتعد عن الكاميرات الموجودة في كل مكان.

وضعت إيملي كلا مرفقيها على الطاولة، ونظرت إلى هيركلين بتمعن، فقال لها هيركلين:
لماذا تنظرين إليَّ هكذا؟

ردت عليه إيملي:
يبدو أنه يفعل كل هذا ليعبث معكَ، لسبب ما.

تنهد هيركلين وهو يقول:
هذا نفس إحساسي، هو يريد العبث معي.

شعر بدافع داخلي ليخبرها بشكوكه تلكَ، قال بعض لحظات من الصمت:
أشعر أنه يعرفني فعلًا، أنا أصبحت متأكداً.

طوت ذراعيها على صدرها، ثم قالت:
ماذا تقصد؟

تنهد وهو يقول:
كنت أتعلم التايكوندو عندما كنت في السادسة من عمري، وكتبت تلكَ القصيدة أيضًا، لا يعرف الكثير من الناس بهذه الأشياء، لأنني توقفت عن ممارسة التايكوندو بعد تعرضي لحادث، وتلكَ القصيدة وضعتها أمي في كتابها لكنها لم تذكر أبدًا من كتبها.

ضمت شفتيها وهي تقول:
لكن هذا ليس بالأمر المهم، أليس كذلك؟ أعني أنه من السهل على الناس معرفة أشياء كهذه، ربما ذكرت والدتك ذلك لشخص ما.

هز رأسه بالنفي، ثم قال:
أشك في ذلك، لم تقل أمي أبدًا أنني كتبت هذه القصيدة.

بعد لحظات من التفكير، قالت:
هل تعرف ماذا يعني اليشم؟ لقد كنت أبحث عن هذا الاسم، فهو يستمر في الظهور، ربما كنت تعرف شخصًا بهذا الاسم.

رد هيركلين:
لقد اعتقدت ذلك أيضًا وأنه شخص أعرفه، لكنني لست متأكدًا من ذلك، أنا لم أقابل أبدًا أي شخص بهذا الاسم منذ ست وعشرين سنة.

شعرت بالحيرة من كلامه، فسألته:
ماذا تقصد؟

التقط هيركلين أنفاسه ليحكي قصته:
عندما كنت في السادسة من عمري، تعرضت لحادث، ودخلت في غيبوبة لمدة شهر، ولم أتمكن من تذكر أي شيء بعد استيقاظي، ولم أتذكر حتى نفسي، أعرف فقط الأشياء التي قيلت لي عن حياتي.

كل شيء تغير بالنسبة لي، الأشياء التي أحببتها أصبحت لا أحبها، قال الطبيب إن فقداني للذاكرة؛ كان بسبب صدمة في رأسي، لقد تناولت الدواء لمدة حوالي عشر سنوات، ولم ينجح شيء، لأزال حتى هذه اللحظة لا تذكر أي شيء.

تنهدت إيملي وهي تقول:
هذا شيء مؤسف بالنسبة لطفل.

أومأ برأسه وقال:
-فعلًا.

صمت إيملي عدة ثوان مفكرة، ثم قالت:
أنتَ فقدت ذكريات سنوات عمركَ الأولى، لذلك لا يوجد حل سوى أن تسأل والديك، ربما يمكنهم مساعدتكَ على تذكر ما إذا كان هناك شخص تعرفه اسمه اليشم.

-لقد فكرت في الأمر من قبل، لكن أمي تبكي في كل مرة أذكر فيها تلكَ الحادثة، أخشى أن أسألها أشياء عن الماضي، لكنني أعتقد أنها سوف تريد المساعدة إذا علمت أن الأمر مرتبط بمقتل ستيلا.

-أنتَ على حق، يجب أن تفعل ذلكَ على الأقل.

وقف هيركلين ثم قال:
يجب أن أذهب لرؤية أمي، ولكني أشعر بالخوف من مقابلة العائلة، لم تكن لدي الشجاعة للذهاب إليهم منذ وفاة ستيلا.

أمسكت إيملي بيد هيركلين، ونظرت إليها، وابتسمت إحدى ابتسامتها المشجعة وهي تقول:
يمكنني الذهاب معكَ إذا أردت.

ابتسم ابتسامة شاحبة وهو يقول:
أود ذلك، أنا لا أستطيع مواجهتهم وحدي.

في منزل العائلة، وداخل غرفة المعيشة.

قال هيركلين:
أمي، أريد أن أسألك شيئا.

سألته والدته:
تسألني عن ماذا؟

قال لها فورا:
هل تعرفِ شخصًا يدعى اليشم؟

تغير سلوك والدة هيركلين تمًامًا عندما سمعت هذا اليشم، رأى ارتعاشه صغيرة في جانب فمها، ووميضًا في عينيها.

عندما لم ترد عليها، قال لها:
هذا الأمر مهم، أريد فقط أن أعرف ما إذا كان مرتبطًا بي بأي شكل من الأشكال، سوف يساعدني ذلكَ كثيرًا في القبض على قاتل ستيلا.

بعد لحظات من الصمت، قالت:
اليشم لم يكن شخص نعرفه، بل أنتَ.

ردد هيركلين بنبرة مصدومة:
أنا؟ ماذا؟

قالت وهي تضحك بتوتر:
نعم، اليشم هو أنت، أردت أن أسميك اليشم، وأن يكون لديكَ جزء من اسم والدتي، لكن والدك أراد هيركلين، على اسم والده، تجادلنا كثيرًا بخصوص الاسم، وفي النهاية قررنا أن يكون الاسم هيركلين في شهادة الميلاد، ومناداتك باسم اليشم بين الناس.

سألها هيركلين:
كنت اليشم؟ إلى متى؟

ردت والدته:
قبل أن تبدأ روضة الأطفال، وبعد الحادث الذي تعرضت له كنت تتذكر نفسك دائمًا باسم هيركلين، لذا قمنا بمنادتك باسم هيركلين، ولم نذكر لكَ هذا الاسم القديم أبدًا.

شعر هيركلين بالاختناق وقال لنفسه بعدم تصديق:
اليشم، هذا أنا.

أومأت رأسها بالإيجاب وقالت:
نعم، إنه أنتَ.

سألها هيركلين:
كم من الناس يعرفون أنني اليشم؟

رد والدته:
ليس كثيرًا، وأنتَ تعرف والدكَ ليس لديه أي أشقاء، فكان الاسم مقتصراً فقط علينا.

تملكه اليأس وهو يقول:
من الأشخاص الذين يعلمون بهذا الاسم؟

ردت عليه والدته:
أنا ووالدك وأخوك وستيلا، والسكرتيرة التي كانت تعمل مع والدك قديمًا، اسمها روز، هي أحبتكَ كثيرًا.

أخذ نفس عميق وهو يقول:
ربما أخبرت أحداً؟ الأمور أصبحت الآن أكثر خطورة، وليس مجرد مزحة.

-هذا غير ممكن بالنسبة لروز، لقد توفيت، لقد مرت سنوات.

-هل تركت أي عائلة؟

-ليس لدي أي فكرة.

-حسنا، هذا ما أردت أن أعرفه.

وقف هيركلين وعانق والدته، وقال لها:
أين أبي؟

قالت له وهي تبتسم بشحوب:
إنه يلتقي شخص ما في الخارج.

شعر بالضيق، فهو يعلم جيدًا أن والده لا يريد رؤيته، قال لها بنبرة كئيبة:
أراك لاحقًا، أمي.

مشى هيركلين إلى الباب ولكنه استدار مرة أخرى، وقال:
أمي، هل يمكنني رؤية شهادة ميلادي؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي