الفصل الخامس شائعة في القسم

وهو نائم على سريره فكر هيركلين في ميشيل التي قتلت ابنتها من أجل عشيقها، فهي أتت له ليلة الأمس في الحلم، فقال بصوت خافت:
النفس البشرية غريبة للغاية ومهما حاول الإنسان من إيجاد تفسير لها، لن يجد.

نظر إلى الساعة، فوجدها السابعة، أخذ يتحدث إلى نفسه:
"دائمًا تنتهي محاولتي في تغيير ميعاد نومي إلى الفشل."

نهض هيركلين من على الفراش ودلف إلى الحمام، وقام بتغيير ملابسه، وذهب للجري، وبعد انتهائه من الركض، ذهب إلى المخبز المقابل لشقته، وقال بابتسامة للخباز:
أريد كعكة حليب مليئة بالجبنة.

رد عليه براك:
في الحال، عزيزي هيركلين.

في المنزل عندما انتهى من تناول الإفطار، ذهب إلى مكان عمله، دون أن يدركَ ما فعلَ إلا عندما أصبح هناك في مبنى قسم التحقيقات، قال لنفسه بضيق:
"كيف نسيت أنه لا يُسمح لكَ بالتواجد هنا لمدة أسبوع، وما دمت أنتَ هنا، حاول الابتعاد عن عيون القائد."

سمع هيركلين هذا الصوت المألوف يخترق أفكاره.

قالت له إيملي:
لقد تم إيقافك عن العمل، ماذا تفعل هنا؟

رد عليها هيركلين بابتسامة:
كنت أفكر أنني سأكون ماهراً في التمويه ولن يلاحظني أحد.

ضحكت إيملي وهي تقول:
البنطال نفسه، والقميص نفسه، ولن يلاحظكَ أحد، هذه فكرة فاشلة.

قال هيركلين:
الصراحة، أنا لم أكن أنوي المجيء إلى هنا، ورغمًا عني ودون تفكير مني وجدت نفسي هنا، وكنت مخطئاً عندما قلت لنفسي لن يراني أحد، كنت مخطئاً، فأنتِ لاحظتني.

قالت له:
حسنًا، تعال وساعدني قليلاً، دعني استغل وجودك هنا في القسم.

وفي داخل مكتبها.

قالت إيملي له:
أجلس بالقرب مني، ودقق معي في كومة الملفات تلك، المغطاة بالغبار، وخاصة هذا الملف الذي أعطاني القائد إياه.

نظر هيركلين إلى مكتبها، المكتب كان عبارة عن فوضى عارمة، قال لنفسه:
"هذه شخصية إيملي وطريقة عملها، لا تعرف شيئاً يسمى بالنظام والترتيب، لكنها تعرف دائمًا كيف تجعل عملها لا غبار عليه وتكون نتيجته مبهرة في النهاية."

دون أن تنظر إليه، قالت له:
هيا، دقق في الملفات.

عبست ملامحه وهو يقول:
الآن، لدي وظيفتان، واحدة للاختباء من الضباط الآخرين، وواحدة للبحث في تلكَ الملفات.

ابتسمت وهي تقول له:
لا داعِ للتبرم، وهيا بنا إلى العمل.

قال لها هيركلين
ما الذي نبحث عنه في هذه الملفات؟

ردت عليه إيملي بنبرة خافتة:
أي شيء تعتقده يمكن أن يساعدني على معرفة القاتل، هذه الأوراق خاصة بجريمة قتل وانتحار حدثت منذ مدة.

سألها هيركلين:
ماذا؟ قتل، وانتحار في نفس المكان.

أومأت برأسها، ثم قالت له:
نعم.

وعندما فتح الملف وجد أنه نسخة مطابقة للملف الذي أعطاه إياه القائد عندما غادر مكتبه.

تحدث مع نفسه:
"هل القائد تراجع عن تكليفِ في تلكَ القضية؟ أنا أفقد الوظيفة الوحيدة التي أملكها، هذا هو الحال دائمًا في الحياة، ليس هناك شيء دائم."

رفعت يديها في هزيمة وحركت جسدها كله، ثم قالت:
أنتَ التزمت الصمت ولم تقل كل ما حدث في مكتب القائد.

تنهد وهو يقول لها:
هل علمتِ؟

-نعم، وبالطبع توسلت له لكي يبقيني في القسم، وبعد عدة محاولات مني، غير قراره وسوف أبقى، وأعطني ملف تلكَ القضية.

التزم هيركلين الصمت ولم يقل لها أن القائد أعطى له نفس النسخة.

قال لها:
هل أصبحت مسؤولة عن قضية جديدة؟ هل إنتهت شراكتنا؟

-نعم، ولكنها ليست قضية جديدة، بل قديمة حدثت منذ فترة طويلة، الآن أصبحت أتولى القضايا القديمة وكل هذا بسبب ضعفك وخوفك من شيء تافه، هل رأيت مفتش يفقد وعيه عند رؤيته للدم؟ بالطبع لا، سوف تطرد من وظيفتك إذا لم تتخلص من خوفكَ.

تحدث هيركلين مع نفسه:
"أعلم أن إيملي صادقة، ولا تعرف الخبث، حديثها صادق، لا أعرف إذا كان ذلك يؤلمني أو يحفزني، لأن كل ما أشعر به الآن هو خيبة الأمل، وهذا يعني أنني لا أحب الأشخاص الصادقين."

ثم قال لها بصوت عال:
أستطيع أن أفعل أي شيء، أي شيء.

ابتسمت وقالت له:
أنا فخورة بكَ، هيركلين.

رد عليها بابتسامة شاحبة:
أنا أيضًا فخور بنفسي نوعًا ما، لأنني أرغب حقًا في البقاء هنا، أشعر بأن لي قيمة، كل ما فعلته قبل أتعين في هذه الوظيفة هو الهروب من حياتي، أهرب من والدي والمسؤوليات التي جاءت مع كوني الابن الأكبر.

هذه هي الوظيفة الوحيدة التي لدي، أريد أن أثبت لنفسي بأنني مفيد، ولست عديم الفائدة، خسارة هذه الوظيفة سوف تثبت أن أبي على حق، أنا لست عديم الفائدة، لا يمكن أن يكون على حق في كلامه، جيري ليس الوحيد الذي يستحق اهتمامه.

لا أستطيع تحمل خسارة هذه الوظيفة، لقد وعدت أمي بأنني لن أخذلها، لن أهرب، أنا بحاجة إلى هذه الوظيفة، أنا أعترف بذلك.

اقتربت منه إيملي جدًا، قريبة جدًا لدرجة أنه استطاع رؤية الشامة التي على خدها الأيسر.

قالت له إيملي:
انظر إليَّ، أنا لا أعرف ما الذي يحدث معكَ ومع عائلتك، كل ما يمكنني قوله لكَ هو أن الكابتن غاضب وبشدة؛ بسبب ما حدث بالأمس، لو وسائل الإعلام علمت أن ضابطاً من قسم التحقيقات فقد وعيه أثناء تأديته لواجبه بسبب رهابه، سوف نخسر هذه القضية، سمعتنا، وحتى وظيفتنا.

واحتمال أن يفقد الجميع سمعتهم التي عملوا بها بجد في خلال مسيرتهم المهنية، القائد لن يجعل ما حدث يمر بهذه السهولة هذه المرة، وسوف تضطر إلى التغلب على رهابك، وتثبت للجميع أنكَ تستحق أن تكون هنا.

أطلقت إيملي تنهيدة، ثم قالت:
هيا بنا، أريدك في موضوع هام.

ثم نظرت إلى كل الاتجاهات كلها قبل أن تتحرك وتسحب هيركلين ورائها، ثم قالت بخفوت:
أسرع.

تحدث هيركلين بصوت خافت مثلها:
لماذا نحن نتسلل هكذا؟

ردت عليه بنفس الصوت الخافت:
نحن لا نتسلل.

-بلا، نحن نتسلل.

-نحن نتحدث فقط على انفراد.

قال لها هيركلين:
حسنًا، أنا في حيرة من أمري، فأنتِ الشخص الأكثر صراحةً الذي أعرفه في حياتي، ولا أعتقد أنكِ تتصرفين بهذه الطريقة دون سبب محدد.

نظرت حولها من جديد للتأكد من عدم وجود أحد يستمع، ثم أطلقت تنهيدة وهي تقول:
لا نتسلل، ولكنِ أريد التحدث معكَ في أمر مهم، ولا أريد أن يسمع أي شخص كلامي هذا.

قال لها:
إذًا، ما هذا الأمر المهم؟

همست بالقرب منه أذنه:
لقد سمعت شائعة.

همس هو الآخر:
شائعة؟ أنتِ لست طبيعية اليوم، هل هذا الوقت من الشهر؟ أعتقد أنه شيء من هذا القبيل؟ أنت تخيفني حقًا.

نفضت شعرها، وهي تقول بنبرة مشمئزة:
أنتَ شخص مقرف، توقف عن تحريف كل ما أقوله واستمع لي بجدية، لمرة واحدة فقط.

ثم دفعته إلى الأسفل للجلوس على المقعد بالقرب من موزع المياه وآلة صنع القهوة، وهمست قائلة:
القائد يبحث عن شخص لمساعدته على قضايا القتل الجديدة.

قاطعها هيركلين:
لكن مكتبنا كان مسؤول عن هذه القضية.

ضاق جبينها وهي تقول بضيق:
كنا فعل ماض، بسببكَ أنتَ تراجع عن كلامه معنا، والوضع حاليًا أصبح مختلفاً؛ بسبب تدخل وسائل الإعلام، والحديث عن وجود قاتل متسلسل.

والآن القائد يبحث عن مفتشين قادرين على العمل معه في قضية القاتل المتسلسل هذه، بجانب الفريق الرئيسي، هل تعتقد أنه يمكننا العودة إلى هذه القضية؟

ضحك من سخافة كلامها هذا، وقال لها:
من المستحيل أن نعود إلى هذه القضية، هو كلفنا في البداية في جريمة قتل عادية قبل أن تتطور وتصبح قضية رأي عام، بالطبع لن يسمح لاثنين من المبتدئين بالعمل معه، أحدهم أعطى له إنذاراً بالطرد، أنسى حلمك بتولي التحقيق في هذه الجريمة.

ابتسمت ثم قالت بنبرة ماكرة:
نعم، أنتَ محق في كلامكَ، ولكن هذه القضية يمكن أن تجعلنا مشهورين، إذا تمكنا من حل هذه القضية، ستفتح لنا أبواب السماء بالخير الكثير، وسوف تعود إلى وظيفتك مرفوع الرأس.

نقرت إيملي بأصابعها على كتفه، ثم قالت بنبرة مترجية:
ساعدني في حل هذه القضية وأنا أضمن لك هذه الوظيفة، سوف يتوسل إلينا للعمل معه.

نظر إلى وجهها المتحمس وفي هذه اللحظة، أجبرها حماسها وثقتها، على إخراج تلك الكلمات منه، فقال لها:
إذًا، فلنجعل الأمر رهانًا.

صفقت بكلتا يديها وهي تقول بنبرة متحمسة:
حسنا، وأنا موافقة.

ثم أضاف هيركلين:
إذا خسرتِ، ستخبريني بقصة حياتكِ، أنا أموت لمعرفة تفاصيل حياتك الخاصة.

فأجابت بالحماس نفسه:
وإذا فزت أنا، ستكون عبدي لمدة أسبوع.

-لا يمكنكِ أن تكونِ جادة، عبدك، هل نحن مراهقون؟

-أنا جادة، أحتاج إلى بعض المساعدة في أعمال المنزل، كما تعلم، أنا فوضوية نوعًا ما.

-فعلًا أنتِ أكثر شخص فوضوي عرفته في حياتي، الصفقة محسومة.

-إذن هل نعود الآن إلى العمل؟ هيا بنا.

-السيدات أولا.

ثم اتصل بجيري وقام بإلغاء العشاء معه، ثم أمسك بيدها، وقال:
هيا بنا إلى المكتب.

وفي داخل المكتب، قالت إيملي:
نحن الآن لدينا أولويات في العمل، سوف نبحث في الملف الذي أعطاني إياه القائد الذي يتحدث عن قضية قتل آري، وعندما ننتهي سوف ننتقل لقضية القاتل المتسلسل.

قال لها هيركلين:
ولكن نحن اتفقنا على قضية واحدة وليس أثنين.

قالت إيملي بنبرة متوسلة:
أرجوك.

وافق هيركلين على الفور، فهو أيضًا له مصلحة في تلكَ القضية.

قاموا بالتنقيب في جميع الأوراق الخاصة بالقضية.

تنهدت إيملي بقوة وهي تقول:
لا أستطيع أن أصدق أن الأمر استغرق منا خمس ساعات من البحث الشامل والقراءة التي لا نهاية لها، وفي النهاية لم نتوصل إلى شيء.

قال لها هيركلين:
لأنه لم يهتم أحد بجمع ما يكفي من الأدلة للقضية، وكأن لا أحد يهتم بالبحث عن القاتل الحقيقي، ولكن فقط يبحث عن الشخص الأكثر ضعفًا لإلقاء اللوم عليه، ومن الواضح أكثر من أي شيء آخر أن هذه القضية كانت عبارة عن غطاء.

القاتل الحقيقي لم يكن المراهق الذي تم إلقاء اللوم عليه، لقد وجدوه الأكثر ضعفًا لأنه مات، ولم يعد هناك داعِ لتحقيق العدالة أو إثبات هوية الجاني الحقيقي.

قالت إيملي بانفعال:
لن تحل القضية هكذا.

قال لها هيركلين بهدوء:
بل توصلنا إلى معلومة.

-معلومة لن توصلنا إلى القاتل.

لم يرد عليها وفتح دفتره الخاص وقام بالكتابة، سألته إيملي:
ماذا تفعل؟

رد عليها:
أدون ما توصلنا إليه.

وبدأ في الكتابة وهو يقول بصوت مسموع:
انتهى اليوم، وهذا ملخص ما توصلنا إليه، هو أن تلك الفتاة التي تعرضت للتحرش والقتل بوحشية لم تُقتل حقًا على يد صديقها نيك البالغ من العمر خمسة عشر عامًا.

قاطعته قائلة:
لا أعتقد أن هذا كان كافيًا لحل القضية، هذا شيء يستطيع تخمينه أي شخص في جميع أنحاء المدينة الآن.

قال لها هيركلين:
كل معلومة مهما كانت بسيطة، أكيد في وقت من الأوقات ستكون لها أهمية.

بعد مرور عدة دقائق، قالت له:
لقد تعبت واحتاج إلى الراحة.

-وأنا أيضًا، كل ما أريده الآن العودة إلى المنزل، والإستماع إلى الموسيقى، وتناول شطيرة برغر، وقراءة كتابي المفضل.

سألته بفضول:
عن ماذا يتكلم الكتاب؟

رد عليها:
هو كتاب خيالي، في الواقع لا، بل غير خيالي، يتحدث عن القتلة المتسلسلون الأمريكيون في الخمسين العام الماضية وحتى وقتنا هذا، أريد أن أتعلم المزيد عن الجانب الأسوأ من النفس البشرية تمامًا.

وفجأة قامت إيملي بجذبه أسفل المكتب، وأصبح كلاهما في الأسفل وقالت له بخفوت:
لا تتحدث.

ابتسم وقال بخفوت:
أنا أحب التحرش.

قالت له وهي تشعر بالصدمة:
أنتَ فعلًا مجنون.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي