الفصل السابع والعشرون اليشم

إنه الظلام مرة أخرى، الظلام نفسه الذي كان يحاول محاربته طوال حياته، ولكن عندما أعتقد أنه اقترب من السعادة التي يتمناها، يعود هذا الظلام أقوى من السابق، ويزحف ببطء نحوه يحاول ابتلاعه.

يتجول في القبو، خائفًا، ويبكي، يبحث حوله عن مخرج، لكنه لا يرى أي منفذ للخروج، لا يرى أي ضوء، المكان مظلم، كل ما يسمعه هو بعض الصرخات المكبوتة.

همس بخوف:
يبدو أن هناك شخصًا ما هنا معي، في هذا المكان.

كان الصوت خافتًا تقريبًا، كما لو كان يحاول خفض صراخه خوفًا من وجود شخص ما هنا.

يحاول تتبع هذا الصوت، وقال بصوت شبه مرتفع:
مرحبًا، هل من أحدًا هنا؟

تردد صدى الصوت في المكان، إنه أمر مخيف أن يشعر بهذا الشعور، يحاول رؤية أي شيء، لكن بقدر ما يحاول، لا يستطيع رؤية شيء.

همس بألم:
معدتي تؤلمني، ربما بسبب نقص الماء، أو نقص الطعام، أنا جائع، أتضور جوعًا، إذا لم آكل أو أشرب أعتقد أنني سأموت.

وبالرغم من ألمه هذا، حاول مناداة الغريب مجددًا، قال بقوة أكبر:
أعرف أن هناك شخصًا معي، علينا أن نساعد بعضنا البعض، علينا أن نهرب قبل أن يعود ذلك الوحش، يجب أن نساعد بعضًا، لا أستطيع أن أفعل هذا وحدي، أتوسل إليكَ.

لكنه لم يحصل على إجابة، توسل إليه مرة أخرى:
أرجوك، قل أي كلمة.

ولكن هذا الشخص التزم الصمت، فقال لنفسه:
"ماذا حدث له؟ هل فمه مكمم، هل هذا هو السبب في أنه لا يستطيع التحدث؟ يجب أن أجده."

مشى نحو الحائط، المكان رطب ولزج، وذو رائحة بشعة، لقد شم رائحة كريهة لشيء فظيع، فقال وهو يشعر بالذعر:
الأمر لا يطاق، الجو خانق للغاية، وليس ذلك فحسب فقد بدأت أشعر بوجود رنين حاد في أذني.

وهو يمشي في الظلام علقت قدمه في الأرض، ولم يستطع تحريكها، حاول تحريك قدمه مرة أخرى، ولكنه لم يقدر على تحريرها.

وهو عالق في مكانه، سمع صوت هذا الغريب يناديه:
اليشم! اليشم! ساعدني، من فضلك لا تتركني وحدي، من فضلكَ لا تذهب.

حاول سحب قدمه من بين شبكة الأسلاك، وفي النهاية تمكن من تحرير نفسه، وهو يمشي لمست يده شيئاً قاسياً، يبدو مثل الصندوق، وفي الأعلى مكبر صوت، حاول النقر عليه.

سقط على الأرض من شدة فزعة؛ عندما سمع تلكَ الأصوات الصادرة من الصندوق.

قال لنفسه بصدمة:
هذه قصيدتي، قصيدتي تُعزف هنا، أنها لي.

نهض هيركلين من نومه مفزوعًا، وجلس على سريره، يتنفس بحدة، غارقًا في العرق البارد، كان يرتجف من الخوف، تذكر الحلم بكل تفاصيله، حاول أن يهدأ نفسه، لكنه لم يستطع، ظل قلبه ينبض بسرعة، ورأسه ينبض، نهض من السرير وذهب إلى النافذة فتحها، وأخذ نفسًا عميقًا من الهواء البارد.

بعد بضع دقائق، بدأ يشعر بتحسن قليل، وقال لنفسه:
"لقد كان مجرد كابوس آخر، لكنه يبدو حقيقيًا للغاية، تلكَ الكوابيس ظلت دفينة داخل عقلي لعدة سنوات، لماذا ظهرت الآن، ولماذا سمعت اسم اليشم في الحلم؟ ما عَلاقة هذا الاسم بي؟"

أخذ عدة أنفاس، ثم قال:
أشعر بوجود صلة بيني وبين هذا الاسم، ولكن ما الصلة التي تجمعني بهذا الاسم الغريب؟

تملكه شعور حاد بالغثيان عندما أحس أن هذا الاسم ليس غريباً على أذنه، ذهب إلى المطبخ وابتلع طنًا من الماء.

حدث نفسه:
أنا لست عطشان، لكني أريد فقط التخلص من هذا الشعور في معدتي، لا شيء يساعد، يجب أن أستعيد هدوئي، إميلي ستشعر بذلك وستبدأ بطرح الأسئلة، حتى تحصل على ما تريد في نهاية الأمر، وأنا لا أريد ذلكَ.

لحسن الحظ أنها لا تزل نائمة، بينما هي نائمة، سأقوم بطهي شيئاً لها، شيء بسيط، ربما شطيرة، أي شيء يمكن أن يساعدني على نسيان ذلك الكابوس.

أعد هيركلين شطيرتين لكلاهما، وعاد إلى غرفة النوم؛ هي لا تزل غير مستيقظة.

قال بخفوت وهي يتأمل وجهها المستغرق في النوم:
إنها تستحق بعض الراحة، لقد بكت كثيرًا ليلة، لقد كنا حميمين جدًا، قريبين جدًا ليلة الأمس، لقد قبلتها وكانت القبلة ستتحول إلى شيء أعمق، لولا تعرضها للإغماء.

لم أرد أي عَلاقة بيننا وهي في تلك الحالة الضعيفة، لا أريد استغلالها بأي طريقة غير مناسبة، أتمنى ألا تفكر بي بطريقة سيئة عندما تستيقظ، وتجدني قد بدلت لها ملابسها.

وعندما تذكر الكابوس شعر بالغضب، وأخذ يلوم نفسه:
بالرغم من سنوات عمري تلكَ، إلا أنني لا أزال أخاف من كابوس واحد فقط، ولكن هي عاشت واقعًا أسوأ بكثير مني، أنا بمجرد استيقاظي وانشغالي في حياتي، أنسى ذلكَ الكابوس.

لكن بالنسبة لها، الأمر ليس بهذه السهولة، إنها تتذكر كل ما حدث لها في كل مرة تنظر فيها إلى تلك الندوب، إلى والدتها التي لم تستطع إنقاذها، وإلى والدها الذي كان أسوأ من وحش.

اقترب منها، ثم مرر إصبعه بهدوء على خدها، لم تتزحزح من مكانها وهذا أخبره أنها كانت نائمة.

حدق بإصبعه الذي يضعه على شفتيها، كانت جافة، وستحتاج إلى الماء عندما تستيقظ، ذهب إلى المطبخ وجهز كوب من الماء وعندما عاد إلى الغرفة، وجدها تنقلب بجسدها على الجانب الآخر.

تمتم هيركلين بخفوت:
هل أنتِ مستيقظة؟

ردت عليه بصوت ناعس:
نعم.

ابتسم لها وهو يشعر بالإحراج:
لقد أعددت لكِ شطيرة.

قالت له بصوت رقيق:
متيقِّنة أنها ستكون ألذ شطيرة سأتناولها في حياتي.

قال هيركلين لنفسه:
"من الغريب أن نتحدث معًا بهذه الطريقة، نتحدث كما لو أننا لم نتقاتل من قبل، ولم نتجادل أبدًا، ولم تكن لدينا ثقة أبدًا، نحن نتصرف وكأن كل شيء كان دائمًا رائعًا بيننا."

جلست على السرير، وقالت له بنبرة ناعمة:
ولكن قبل تناول أي الطعام، يجب عليَّ أن أنظف أسناني أولاً.

رن جرس الباب، فقال لها:
سأذهب لرؤية من الطارق.

رآها هيركلين تخرج من السرير قبل أن يغادر غرفة النوم، وسار عبر الردهة للرد على الباب.

فتح الباب، فوجد أمام قدميه طرد موضوع على الأرض، التقطه هيركلين، فأحدث صوت خلخلة من الداخل.

شعر بالارتباك، وقال:
أنا لم أطلب أي شيء.

ثم تحقق من العنوان ليتأكد أنه لا يوجد خطأ في العنوان، وبالفعل العنوان كان صحيحاً.

وفجأة لفت انتباهه اسم الشخص المرسل إليه، قال هيركلين بصدمة:
اليشم من جديد، لقد سمعته اليوم في كابوسي، من أنتَ، اليشم؟

قالت إيملي وهي تقف خلف هيركلين:
من كان هذا؟

حمل الصندوق إلى الداخل ووضعه على الطاولة، وقال لها:
لا أعلم، الطرد كان موجوداً على الأرض ولا أحد بجواره.

ثم حدث نفسه وهو يقرأ الاسم مرة أخرى:
"لقد سمعت هذا الاسم كثيرا."

مزق هيركلين الشريط اللاصق، وفتح الصندوق، وعندما رأى ما بداخله، قال بدهشة:
ما هذا؟ الصندوق يحتوي على سيارة حمراء، تعمل بالتحكم عن بعد، مثل واحدة كان ألعب بيها وأنا صغير.

قالت إيملي:
سيارة؟ هل تعتقد أنها مزحة أخرى؟

رد عليها بنبرة رافضة:
لا، ليست مزحة بعد الآن، أعتقد أن شخصًا ما يحاول أن يخبرني بشيء ما.

-لماذا تقول هذا؟

-لأن كلا الصندوقين يحتويان على شيء مرتبط بطفولتي.

-تحقق من وجود أية ملاحظات، داخل الصندوق.

-سأرى.

لقد كانت هناك فعلًا ملاحظة هناك، فتحها وبدأ في قراءته:
أخشى أنكَ أخذت هديتي الأخيرة، هذه الهدية ليست للمزاح كالهدية السابقة، ولكن هذه الهدية تعني العمل.

هناك مبنى قديم مهجور من أربعة طوابق في الحارة الخامسة، شارع رويترز، قابلني هناك، على السطح، ربما سأخبرك عنكَ قليلاً، ربما ستكتشف لماذا يجب أن تموت كل هؤلاء النساء؟

وما عَلاقة هؤلاء النساء بكَ؟ أعلم أنكَ تريد إجابات، وأنا لدي تلك الإجابات، تعال بمفردك، بطلنا هيركلين.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي