الفصل الثالث صدمة

في عالم أحلامه، رأى هيركلين نفسه في مكان أبيض، المكان هادئًا ومشرقًا.

سأل نفسه:
هل هذه الجنة؟ إذًا أين الملائكة؟ أوه! لا هذه ليست السماء، وليست الجنة.

رد عليه صوت غريب:
لا، ليست الجنة.

التفت هيركلين خلفه، رأى رجلاً عجوزاً يقف أمامه مباشرة، كان العجوز يرتدي رداءً أبيض، شعره أبيض طويل.

سأله هيركلين:
من أنتَ؟

قال الرجل العجوز:
أنا روحك، لقد جئت لأساعدك.

سأله بخوف:
هل أنا مَيِّت؟

رد عليه الرجل:
لا، أنتَ حيٌّ تُرزَق، لكنكَ تعرضت لإصابة شديدة الْخَطَر. وستحتاج إلى بعض الوقت للتعافي.

-هل سأعيش؟

-نعم، ستعيش، لكنكَ لن تعود كما كنتَ من قبل.

-ماذا تقصد؟

-لقد فقدت الرؤية، ستضطر أن تتعلم على كيفية العيش في الظلام.

صرخ هيركلين:
لا، لا أريد أن أكون أعمى.

فجأة، سمع صوتًا ينادي باسمه، كان صوتًا ناعمًا ولطيفًا، وجعله يشعر بالأمان:
هيركلين؟ يا رجل، أهدأ، أنتَ بخير.

فتح عينيه، وحاول أن يتكيف مع الضوء الساطع، رأى وجه إيملي، ثم نظر حوله، فقال لها:
لماذا أنا هنا، في المستشفى؟

شعرت بالراحة عندما سمعت صوته، فقالت له:
هل تشعر بالتحسن الآن؟

رد عليها:
لا، أشعر بالألم الشديد، هذه المجنونة حاولت قتلي.

قالت له إيملي:
ولكني تمكنت من جعلها تفقد الوعي حتى تأتي الشرطة.

نظر هيركلين إلى الشاش المُلتف حول كتفه الأيمن المربوط بعظمة الترقوة، ثم قال:
تصرف جيد منكِ، هل أصابتي حقًا بهذا السوء؟ لهذا السبب أنا هنا؟ كم يوماً مر عليَّ وأنا فاقد الوعي؟ هل نزفت كثيرًا؟

قالت له:
لا، ليست بهذه السوء، ولكنكَ ظللت أكثر من عشر ساعات وأنتَ غائب عن الوعي، هل تعلم أن الأطباء اضطروا إلى تخديرك، بالرغم من أن جرحكَ لا يستحق.

وعندما حاول التحرك، أخرج صوت متألماً:
آه!

شعر بألم قوي في ظهره، وكلما حاول التحرك أكثر، ازداد شعوره بالألم.

أغمض عينيه، ثم قال بنبرة متألمة:
أعتقد أن إصابتي خطيرة، هذا يؤلمني كثيرًا.

ضحكت وهي تقول:
الأمر ليس بهذا السوء، أنظر إليَّ، أنتَ مصاب بجرح بسيط أخذت ثمان غرز فقط، ولكن رؤيتكَ لدمائك جعلتكَ تفقد الوعي، هذا كل شيء ولا يوجد بكَ شيء شديد الْخَطَر، وشعورك بالألم الشديد، مجرد شعور زائف.

سمع هيركلين صوت ضحكها، فرفع رأسه، وعندما نظر إلى وجهها رآها تبتسم، فقال لها:
أنتِ تضحكين، لا أستطيع أن أصدق ذلكَ، أليسَ لديكِ رحمة، منذ متى وأنتِ أصبحتِ بلا قلب؟

رغمًا عنها كانت تبتسم، فهو قال أشياء محرجة تحت تأثير المخدر، ولو علم بما قال لألقى نفسه من فوق تمثال الحرية، فقالت له:
أعتذر، لم أكن أقصد أن أضحك.

سألها هيركلين:
لماذا كنتِ تضحكين؟

-لأنك قلت شيئًا مضحكًا، وأنت غائب عن الوعي.

-ما الذي قلته؟

ابتسمت وهي تقول له:
قلت للممرضة، أنها فتاة جميلة وأنها تشبه الأميرات، وطلبت يدها للزواج، وتحرشت بها، وقمت بالغناء لها.

شعر بالإحراج؛ فقال لها:
أنا لم أفعل أي من ذلكَ، طيلة عمري وأنا أعامل الجنس اللطيف برقة وبكل احترام.

ضاق جبينها وهي تقول له:
كفَ نفاق، فأنتَ تعاملني دومًا بقلة ذوق وعجرفة، أيها البغيض، المتعجرف.

رد عليها بخبث:
قلت الجنس اللطيف، وأنتِ لا تقربِ لهم بشيء إلا بالاسم وهرمونات الأنوثة.

قامت إيملي من مكانها، واقتربت من هيركلين، وضعت يديها على كتفيه، ونظرت في عينيه وهي تقول بهدوء:
أنا لست فتاة، وأنا لست أميرة، وأنا لست شديدة الجمال، أنا امرأة قوية، ومستقلة.

علم أنه أغضبها، فقال له:
آسف لأنني قلتِ لكِ هذه الأشياء، أنا قلتها ولم أقصد أن أضايقك.

-بل تقصد، فأنا أصبحت أعلم طباعك جيدًا.

-لقد أعتذرت لكِ، ماذا تريدين أكثر من ذلك؟ تريدي أن أتوسل إليكِ.

تنفست بعمق وقالت بنبرة هادئة نوعًا ما:
لا بأس، أنا من بدأ في استفزازك، دعنا من الشجار، فهذا ليس الوقت المناسب.

ثم جلست على الكرسي المجاور للسرير، وقالت له:
لقد كنت على حق، وأعتقد أن روي بريئًا في نهاية الأمر، وأنتَ اليوم نجوت من خطر كبير.

قال لها بابتسامة:
طبعًا أنا دائمًا على حق، لقد كنت أشك في ميشيل منذ البداية، ولكن فيصل هذا الشك هو الأدلة التي تثبت إدانتها، أعتقد أن السكين التي كانت معها، هي السكين المستخدمة في الجريمة.

ردت عليه:
أعتقد أنها القاتلة وأن روي بريء.

ثم أكملت بنبرة ممتنة:
شكرًا لكَ على إنقاذ حياتي.

وهي تتحدث رن هاتف هيركلين فقال لها:
ردي على الهاتف.

ردت إيملي على المتصل:
نعم، آرثر، لقد اعترفت بكل شيء وظهرت نتيجة المعمل، وأن بقعة الدماء تعود إليها، إلى اللقاء.

ثم أغلقت الهاتف.

قال لها:
ماذا قال لكِ آرثر؟

ردت عليها إيملي بانفعال:
هذه ليست أم أبدًا.

فكر للحظات قبل أن يقول:
هل قالت الحقيقة، واعترفت أنها القاتلة؟

أومأت برأسها وقالت:
نعم، لقد طعنت ميشيل طفلتها، لقد قتلت جيسيكا، وليس روي، هي حاولت قتلي بالسكين نفسها التي قتلت بها ابنتها، هي اعترفت بذلك في التحقيق، وأنها كانت في المنزل للتخلص من سلاح الجريمة التي كانت تخفيه في الحمام.

لكن ظهورنا أمامها أصابها بالصدمة وحدث ما حدث، وحاولت قتلي ولكن بفضلكَ، فشلت محاولتها تلكَ، وفي النهاية سوف تحصل على ما تستحقه.

صمتت عدة ثوان قبل أن تقول:
لماذا قتلت طفلتها؟ من المؤكد أنها مريضة نفسية، أليس كذلك؟

حرك رأسه وقال بنبرة رافضة:
لا، أنها عاقلة جدًا.

قالت له إيملي بغضب:
كلما أتذكر ما حدث أشعر برعب شديد، لقد صفعت وجهي بقوة كبيرة، لدرجة إنني فقدت القدرة على التنفس، وعندما رأيتها تطعنكَ شعرت برعب شديد، وبالرغم من رعبِ هذا وقبل أن تنتبه رفعت المصباح وضربتها على رأسها حتى فقدت الوعي، واتصلت بالشرطة، لم أتخيل أن تفعل أم هذا بطفلتها.

قال لها هيركلين:
كم مرة قلتِ لكِ؟ هناك أشخاص مثل ميشيل يقتلون دون أي سبب يستحق، ليس كلهم مرضى، بعضهم مجردون من الإنسانية.

أكملت إيملي قائلة:
لقد قتلت ابنتها البالغة من العمر خمس سنوات حتى تتمكن من الهروب مع عشيقها والزواج به.

لقد كانت تخطط لقتل زوجها ولكن من حسن حظه أنه تأخر في هذا اليوم، وعندما قتلت الطفلة ولم يأتِ زوجها في ميعاده المعتاد، أوقعت نفسها من فوق الدرج على رأسها، لتبعد الشبهات عنها.

أنا أشفق على الزوج ، وأشفق على الطفلة التي لم تتمكن أبدًا من العيش، إنها مجرمة، وسوف تحصل على ما تستحقه في نهاية الأمر.

أمسك هيركلين يدها، وشعر ببرودة يديها، فعلم أنها متأثرة بسبب حدث، فقال لها بنبرة هادئة:
هذه عيوب وظيفتنا، سترين فيها مختلف الأنواع من البشر، الجيد والسيئ، والشرير والطيب، والعاقل والمجنون، وأنتِ ما زالتِ تتعلمين، ومازال أمامكِ الكثير في هذه المهنة.

أعلم أنكِ لا تحبين سماع ذلكَ، ولكني أريد أن أقول لكَ، إنني سأكون دائمًا بجوارك، ففي النهاية أنا بطلك.

تنهدت وهي تقول:
أعلم ذلك، ولكن حزني هذا رغمًا عني.

قال لها هيركلين بخفوت:
أنتِ رقيقة للغاية، ولا تعتقدين أبدًا أن هناك أشخاصًا غير سوية في هذا العالم، دون سبب، أنا وأنتِ ما زالنا مبتدئين في هذه الوظيفة.

ابتسمت وهي تقول:
لقد سمعتك جيدًا، وهذا ليس رأيك فقط، الجميع يقولون إنني لا أفكر كما ينبغي كمحققة في الشرطة.

قال لها هيركلين:
ليس أنتِ فقط، فأنا لا أرى الأسوأ في الناس، لا أرى كل هؤلاء الأشخاص في السجون كمجرمين عنيفين، لا أرى أنهم موجودين هناك لأنهم يستحقون ذلك.

فأنا متيقِّن أن هناك الكثير منهم مجرد ضحايا لموقف، جعلهم يكونون كذلك، لا أحد يفكر مثلي.

تنهدت وهي تقول:
وأنا أيضًا، كلانا غريب الأطوار، ولكن أنتَ أكثر غرابة مني، أنتَ فقدت الوعي عندما رأيت دماءكَ، كلما أتذكر ما حدث وصراعكَ مع الأطباء وأنتَ فاقد الوعي لا أصدق هذا، لم أتخيل أبدًا أنكَ جبان هكذا.

وأخذت تضحك بصوت عالي، وكادت أن تسقط على الأرض، فشعر هيركلين بالحرج الشديد.

قال لها ببعض الحدة:
توقفِ عن الضحك.

توقفت عن الضحك، ثم قالت له:
حسنًا، هيا انهض على قدميك، الطبيب قال إننا بإمكاننا المغادرة، سأوصلك إلى المنزل لترتاح جيدًا، أنتَ ستحتاج إلى الراحة عندما تقابل القائد فهو علم بكل ما حدث في منزل روي.

تنفس بعمق وهو يقول:
فعلا أنا بحاجة إلى الراحة.

وبالقرب من السيارة، ساعدته إيملي في الصعود إلى السيارة، وقادت السيارة بصمت طيلة الطريق إلى المنزل.

قال لها هيركلين:
هل يجب أن أستقيل من الشرطة؟ واعمل بمفردي

-هذا القرار يعود إليكَ.

-هيا إميلي.

تنفست بعمق ثم قالت:
تمسك بحلمك في أن تكون مفتش عظيم.

قطع حديثها صوت رنين هاتف هيركلين، وعندما انتهى من الحديث مع الطرف الآخر قال:
هناك أخبار جديدة!

قالت بفضول:
ما هذه الأخبار؟

قال لها فورًا:
لقد تلقيت مكالمة من آرثر، تم العثور على امرأة أخرى مقتولة في زقاق ميسي سيتي، مثلما حدث قبل شهر، جريمة قتل أخرى بنفس الطريقة، لذا أعتقد أنني كنت على حق، هناك قاتل متسلسل، للأسف هذه الجريمة أصبحت مشهورة؛ بسبب أن أحد الهكر نشرها على اليوتيوب، وعلى جميع وسائل التواصل الاجتماعي.

سألته إيملي:
هل علموا بهوية الجثة؟ هل علموا هوية الهكر؟

هز رأسه ثم قال بنفي:
لا، لا شيء، الجثة في حالة يرثى لها، إنهم يحاولون السيطرة على الوضع، سوف نتكلم غدًا في هذه القضية، تصبحين على خير.

دلف هيركلين إلى منزله، وانطلقت إيملي بالسيارة، وقالت لنفسها:
ليس هناك شيء جيد في هذه الليلة، لا شيء جيد.

اتصل هيركلين بوالدته خمس مكالمات، لكنها لم ترد عليه، وقال لنفسه:
بالطبع يجب أن أتصل بها مرة أخرى حتى ترد عليَّ، حتى لا تفترض إنني مفقود، أو أسوأ من ذلك، مَيْت.

بعد عدة محاولات منه، ردت عليه أمه.

-هيركلين، ماذا حدث لصوتك يا بني؟ لدي شعور سيئ، هل أنتَ بخير؟

-أنا بخير أمي.

لو كانت أمه هنا ونظرت إلى وجهه، لعلمت أنه يكذب، فهو ليس جيدًا حقًا في إخفاء مشاعره.

-كيف حال أبي؟ هل سامحني بعد؟

صمتت أمه، علم أنها تحاول العثور على الكلمات التي من شأنها لا تؤذيه أكثر، لقد قام والده بهذا الجزء بما فيه الكفاية.

-لا، فهو لا يزال غاضبًا لأنكَ غادرت بهذه الطريقة.

-أراهن أنه غاضب من جيري أيضًا، الغضب ليس مفيد له.

-لا تقلق على والدكَ، أنه في حالة صدمة قليلاً، لقد أراد منكما أن تتوليا عمله، هذا كل شيء، عندما يأتي، سأتحدث معه.

أخبره صوتها أنها ليس هناك أمل في المصالحة مع والده على الرغْم من مرور فترة طويلة.

قالت له:
بالمناسبة، لدي أخبار جيدة، لقد تمت خطوبة جيري وستيلا.

قال بنبرة مصدومة:
ماذا حقًا؟ هذا اللقيط، عندما كنت معه آخر مرة لم يخبرني بأي شيء، وهي أيضًا عندما تحدثت معها، لم تقل شيء.

في صباح اليوم التالي.

طوال الليل كان هيركلين يعاني الكوابيس، حلم بأنه يسير عبر أبواب المكاتب وكان الجميع يضحكون عليه ويسخرون منه؛ بسبب فقدانه للوعي عندما رأى دماءه.

في المكتب.

لقد ذهب هيركلين إلى مكتبه مباشرة وقبل الوقت المحدد.

جلس على مكتبه، فقالت له إيملي:
كيف حال كتفك؟

قال لها وهو يحرك كتفيه:
جيد، لقد أصبح الألم أقل بكثير من الليلة الماضية.

سألته إيملي بفضول:
وما كل هذه الأوراق التي في يدك؟

قال لها هيركلين:
هل نسيت كلام القائد لنا، وهي البحث في جريمة الفتاة التي وجدت مقتولة في الزقاق، في صمت ودون معرفة أحد.

أومأت إيملي برأسها، وقالت:
بالطبع لم أنسى.

ثم قال لنفسه:
"وطبعا هذه القضية أرسلت إلينا قبل أحداث الليلة الماضية، ومن المحتمل أن يأخذ تلكَ القضية منا إلى الأبد، وأيضًا يقوم بطردي."

نظر هيركلين إلى إيملي، ثم قال:
والآن أصبح لدينا جريمتان قتل بنفس الأسلوب، القاتل هنا واحد بلا شك.

قالت له إيملي:
كل هذه افتراضات، وأن القاتل هو شخص واحد.

قال لها هيركلين:
ليس نظرية، عزيزتي، ولكن الأدلة كلها تشير إلى أنهاعملية قتل متسلسلة.

-هل تجد رابطاً بين الحالات؟ وهل عرفت هوية كل جثة؟

-لا، ولكن وجوههم شبه محطمة، ولم يكن لديهم أصابع، ولم يكن هناك أي دم تقريبًا في أجسادهم، نفس طريقة القتل، وكانت توجد بجوار كل جثة رسالة واحدة.

-رسالة واحدة، وما محتوى هذه الرسالة؟

أومأ رأسه وهو يقول:
رسالة أشبه باللغز، بعض الأرقام لا تعبر عن شيء، لم أفهم المقصود من هذه الأرقام، حسنًا، لم يفهمه أحد في الواقع.

دخل كولمان إلى مكتب هيركلين:
القائد يريد رؤيتك، في الحال.

قال له هيركلين:
سوف أذهب خلفكَ مباشرة.

عندما انصرف كولمان، قالت إيملي بابتسامة:
لقد حان وقت الموت.

نظر إليها بضيق، ثم غادر دون النطق بأي كلمة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي