الفصل السادس والعشرون شخص من العائلة

ساد صمت مميت بينهم، عندما ألقت إيملي بشكوكها تلكَ، وأن مرسل الرسائل من المحتمل أن يكون شخص من عائلته.

أغمض هيركلين عينيه بشدة، وأخذ يتنفس عدة مرات، قبل أن يفتح عينيه من جديد ويقول:
أنا أستبعد أي فرد من عائلتي، ومن الأكيد أن هذا الشخص بحث بدقة في حياتي، وتوصل إلى تلكَ التفاصيل الخاصة بي.

أومأت رأسها، ثم قالت:
الاحتمالات كلها يجب التفكير بها.

ثم قامت إيملي بتغيير الحديث:
أنا أشعر بالجوع، يوجد مطعم على مسافة قريبة من هنا، هيا نذهب إليه.

قال هيركلين:
ولكني لا أشعر بالجوع في الوقت الحاضر.

نظرت إليه ببراءة وهي تقول:
ولكني جائعة وسأفقد الوعي إذا لم أتناول أي طعام الآن، أرجوك فلنذهب إلى المطعم.

-حسنًا، هيا بنا، فأنا أعلم جيدًا أنكِ لن تتوقفِ عن الكلام حتى تنالي ما تريدين.

في وقت لاحق، تناول هيركلين الطعام في هذا المطعم، كره أنه كان مجبراً على المجيء هنا.

عندما خرجوا من المطعم، قالت إيملي له:
أنتَ ستأتي معي إلى منزلي.

-سأذهب إلى منزلي، أريد النوم، فأنا أكاد أنام على نفسي.

-إذهب إلى منزلكَ لاحقًا، أنا لدي بعض الملفات أريد فرزها، نحن لم نقم حتى الآن بإجراء بحثنا حول القاتل المتسلسل في مدينة أتلانتا، نحن نريد الإنتهاء من هذا البحث في أسرع وقت، أليس هذا ما تريده أيضًا.

قال بخفوت:
أنا أكره ما تفعلين.

سألته بحدة:
نعم، تكره ماذا؟

نظر إليها وهو يقول:
أكره تمسكك برأيك، وإصرارك على جعلي أفعل كل ما تريدين، سأطلب من لينكولن تغيير شريكي في القضية.

-لا تستطيع أن تفعل ذلك.

-بل أستطيع.

قالت له بحدة:
وأنا لن أسمح لكَ بفعل هذا.

لم يدرك هيركلين حقيقة ما يحدث في اللحظة التالية، جذبته إيملي على حين غفلة من وجهه وقبلته، ثم انسحبت على الفور.

قال لها هيركلين بصدمة:
هذا يسمى تحرش.

نظرت إليه وابتسمت، ثم قالت له وكأنه تعرف الإجابة دون أن يقولها:
ألم تعجبكَ القبلة؟

عندما لم يرد عليها، قلصت إيملي المسافة التي كانت بينهم، حتى أصبحت ملتصقة به.

أصبح هيركلين سجين نظراتها، شعر أنه منوم مغناطيسي أو مشلول.

ضغطت إيملي بيديها على يد هيركلين، فقال لها بهمس:
ماذا تفعلين؟

قالت له بنبرة مغرية:
أحاول إثبات نقطة ما.

سألها هيركلين بخفوت:
وما هي؟

ابتسمت وهي تقول له:
أنتَ لا تكره تقبيلي، أنتَ فقط تتظاهر بصعوبة الحصول عليكَ.

صمت عدة ثوان، ثم قال لها:
حسنًا، أنا لا أكره ذلك، ولكن ما المغزى من سلوكك هذا؟

سألت بخفوت:
ماذا تقصد؟

-أشياء مثل هذه لا تقودنا إلى أي مكان.

-هل تعني ذلك؟

-نعم أقصد ذلك.

-أنت تقول هذا لأنني آذيتك.

-نعم! وأنا نادراً ما أؤمن بالفرص الثانية، فالناس يتغيرون من الخارج ولكن داخلهم يظل كما هو.

-كم يجب أن أعتذر منكَ حتى تسامحني؟ أخبرني، سأفعل أي شيء من أجل عفوك.

-لا أعرف ما الذي يمكنكِ فعله، أشعر بالفراغ الشديد، لا أريد أن أفعل أي شيء، لقد اهتممت بعائلتي، اهتممت بك، ولكن كلاكما قام بخيانتي، لا أعرف ماذا أفعل؟ ولكن سأسعى جاهداً لإثبات أنني بريء.

بكت إيملي، فقال لها هيركلين:
لا تبكي بسببي، لقد فعلت ما أمرتك به غريزتك، أنا لا ألومك، لكن ألوم نفسي.

قالت له بنبرة متوسلة:
ثق بي من جديد.

أخذ نفس عميق ثم قال لها:
لا أعرف إذا كان بإمكاني ذلك.

شعرت بالألم بسبب كلامه هذا، فقالت له ببكاء:
سأخبركَ بكل شيء عني، ربما ستثق بي بعد ذلك.

نظرت إليه بعينين تتسرب منهما قطرات صغيرة من اللؤلؤ، عينيها أصبحت حمراء، يبدو عليها الخوف، عارية، هناك الكثير من التعابير على وجهها ولا يستطيع هيركلين قراءتها كلها مرة واحدة.

أخفضت إيملي عينيها للأسفل، وأخذت يداه ووضعتها على صدرها، ثم قالت له بنبرة متألمة:
عندما يكون والدك هو الشخص الذي يؤذيك أكثر من غيره، كيف يمكنكَ أن تتعلم الثقة؟

ارتفعت عيناها نحو عينيه، شعر هيركلين أنه سجين تلكَ النظرات، ضائع جدًا، ومدمر من أجلها.

اقترب منها حتى أصبح لا يفصل شيئاً بينهم، سوى يديه التي ما زالت تمسك بها، وأصبحت الحائل بين التصاق أجسادهم.

وضعت رأسها على صدره، دفنت نفسها في حضنه، ورغم أن بكاءها كان مكتوماً يكاد لا يسمع، إلا أن صوت بكائها هذا كان كصوت الرعد داخل أذنيه.

تراجعت إيملي إلى الخلف قليلًا، ثم رفعت يديها وبظهر كفها مسحت تلك الدموع الضالة من عينيها.

نظرت إليه بعينين دامعة، ثم قالت له بنبرة حزينة:
لقد قام والدي بإقامة عَلاقة مع والدتي، كانت وقتها لم تتجاوز السادسة عشرة، استطاع خداعها بسهولة باسم الحب.

وعندما حملت بي، أجبر أبي على الزواج بها، وبسبب إجباره على تلكَ الزيجة؛ أصبح يعاملها بطريقة مهينة للغاية ويضربها باستمرار، حتى بعد ولادتي استمر في ضربها، ظل ذلكَ الوحش.

طوال حياتي الاثني عشر، طوال حياتي رأيته يعامل أمي وكأنها أقل من حيوان، كان يعاملني مثل أمي، هي ظلت تشاهد في صمت، لم تستطع الدفاع عني.

قال هيركلين في خفوت
هل كرهتها لذلك؟

قالت له وهي تبكي:
أنا أكره كلاهما، لقد أنجبوا طفلة لم يعتنوا بها أو يهتموا بها يومًا ما، لقد ضربني طوال حياتي، وكل ذكرياتي عنه هو أنني كنت أخاف منه بشدة.

احتضنها هيركلين، ثم قال لها:
لا تبكي، كل هذا أصبح من الماضي.

أكملت إيملي وكأنه لا تسمعه:
أتذكر أمي كانت تقول لي باستمرار أن أذهب إلى غرفتي، كلما جاء أبي إلى المنزل، كانت تحبسني بداخل غرفتي، وتطلب مني أن أختبئ تحت السرير، كانت تطلب مني أن أحمي نفسي إذا فعل أبي أي شيء.

سأل لينكولن بخفوت:
لماذا كانت أمك تطلب منكِ؟ هل حاول أن يفعل شيئاً غير لائق؟

قالت وهي تبكي:
حدث ذلكَ مرة واحدة فقط، كان عيد ميلادي الثاني عشر، لم أحصل على كعكة من قبل في حياتي، لقد حصلت عليها في هذا اليوم، بمناسبة يوم ميلادي وفستان جديد، عندما علمت صديقتي بأن اليوم عيد ميلادي، أعطت لي فستاناً.

الفستان كان لونه أحمر لامعاً، أجمل فستان رأيته في حياتي، لقد بدوت مثل حورية البحر فيه، لقد بدا مظهري رائعًا.

صمتت عن الكلام، فقال لها هيركلين:
ماذا حدث بعد ذلك؟

مسحت دموعها وهي تقول:
لقد كان في حالة سكر شديدة تلك الليلة، حبسني في غرفتي، وأصبحنا أنا وهو بمفردنا في تلك الليلة، وأمي في الخارج تصرخ من خلف الباب، هجم عليَّ، شعرت وكأنني سأفقد الوعي، فقدت إحساسي بالوقت، فقدت الوعي.

كتم هيركلين صرخته، ثم قال:
يا للهول، أنه حيوان يستحق القتل.

شهقت إيملي وهي تكمل قائلة:
وعندما استيقظت وجدت نفسي وحيدة في الغرفة، كنت ملطخة بالدماء، لقد فقدت كل شيء في ذلك اليوم، خرجت بسرعة من الغرفة لكي استنجد بأمي، لكنها كانت ميتة على الأرض، بجوار كعكة عيد ميلادي حيث تركتها الليلة الماضية.

كانت الكعكة منتشرة في كل مكان، وكان أبي على الأرض، ورأسه ينزف، ويداه ملطختان بالدماء، اتصلت بالشرطة، أخبرتهم أن والدي قتل أمي لأنها كانت تحاول إبعاده عني، لأنها حاولت الاتصال بالشرطة.

كان والدي شخص ذا نفوذ، استطاع بسهولة الهرب إلى الخارج، وأنا تم تسليمي إلى الدولة، لقد عشت في العديد من دور الرعايا، لكنني لم أجعل أياً منها بيتي، حتى التقيت السيدة صبرا، كنت في السادسة عشرة من عمري، وكانت في الأربعين.

شعر هيركلين بالصدمة عندما سمع حديث إيملي، يحاول استيعاب ما حدث لها.

قال لها هيركلين:
أتمنى أن تكون هذه آخر محطة في رحلة شقائك، وأن تكون السيدة صبرا عوضتك عن سنوات الحزن.

تنهدت بعمق وهي تقول:
لقد كانت من ذلك النوع من النساء المحب، علمتني الكثير، علمتني ما لم تستطع أمي أن تعلمه لي، هي أحبتني بشدة، أحبتني مثل ابنها المتوفى، حاولت أن أكون ابنتها حقًا ونجحت.

عندما أخبرتني الشرطة أنها قُتلت، انهارت حياتي تمامًا، لقد قُتلت من أجل المال على يد زوجها السابق، اعتقدت أنه من العدل أن يموت أيضًا، لذلك ذهبت إلى منزله وقتلته، ثم قمت بتسليم نفسي إلى الشرطة، واعترفت بالجريمة.

تم إرسالي إلى الأحداث، وهناك تم تشخيص إصابتي هناك بالاكتئاب الشديد، كنت ألحق الأذى بنفسي، ولم أستطع النوم، ولم أكن آكل، تم إرسالي إلى المستشفى لتلقي العلاج، لقد وخذوني بالإبر في جميع أنحاء جسدي.

عشت في المستشفى لمدة عام قبل عودتي إلى السجن، حصلت على كل هذه الوشوم من هناك، وقيل لي إنها يمكن أن تخفف آلامي، وقيل لي إنها ستساعدني على تجاوز الماضي، ولقد حدث ذلك، ولكن هناك جزءًا صغيرًا مني ما زال يتألم.

شعر هيركلين بالحزن الشديد من أجلها، ولكنه تساءل كيف عملت في الشرطة ولديها سجل إجرامي؟

قال هيركلين بعد لحظات من التفكير:
كيف أصبحت محققة في الشرطة؟

نظرت إليه بحزن وهي تقول:
عندما بلغت الثامنة عشرة عقد معي مأمور السجن هذه الصفقة، سوف يمسح سجلي الإجرامي، ويمنحني هوية جديدة، إذا تبرعت بكل ما ورثته من السيدة صبرا إلى منظمة من شأنها أن تساعد الأشخاص مثلي.

وبالطبع قبلت هذا العرض، والآن أنا هنا معكَ، لأخبرك لماذا أنا على ما أنا عليه الآن، حتى عندما أحاول جاهدة الهروب من الماضي، فإنه يلحق بي في كل مكان، أنا آسفة لأنني أستطيع تجاوز الماضي، أنا آسفة لأنني لا أستطيع الثقة في البشر.

قال لها هيركلين بنبرة معتذرة:
أنا آسف على كل ما حدث، أنا آسف لأنني أجبرتك على إخباري بذلك، أعلم أن تلكَ الذكريات من المؤلم تذكرها.

-أنا تحدثت معكَ عن الماضي، لأنكَ مهم بالنسبة لي، لأنني أريدكَ أن تفهمني أيضًا، لم أخبر هذا أبدًا لأي شخص غيرك.

-سأفعل أي شيء لكِ، لكي أجعلكِ تنسين تلكَ الذكريات البشعة.

همست إيملي وهي تقترب منه:
قبلني، أنا أريد النسيان.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي