الفصل الثالث والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم
كان يونس يتربط أمام غرفة يوسف
كانت الأجهزة تحيطه من كل جانب حالته لم تتحسن أبداً فقرر أنه يجب أن يذهب إلى الصعيد ليخبر أهل مصطفى بتلك الحادثة كى تتم إجراءات الدفن ولكن قرر أن يطمئن على حالة يامن أولاً  فذهب إلى المشفى فوجد عائلته بأكملها تبكى فركض إليهم وقلبه يرجف
- فيه إيه يامن حصله  إيه قولولى 
تحدثت ملك وهى تبكى
- الدكتور بيقول حصله نزيف فى المخ بيحاولوا يقفوه
وضع يونس يده على رأسه بتعب لا يتحمل كل ما حدث لا يصدق أبداً فربت عمر على كتفه
- متقلقش إن شاء الله هيبقى كويس
- مقلقش إزاى مش عارف الاحقها منين ولا منين ، يامن حصله نزيف فى المخ ويوسف فى ضلعين مكسورين عنده وهو ف غيبوبة أصلا أعمل إيه
قامت ملك بإحتضان أخيها بشدة وربت على كتفه كى يهدأ
- المفروض دلوقتى أروح الصعيد عشان الحاج يعرف اللى حصل وإجراءات الدفن خلصتها
ثم وضع يده على وجهه
- هيدفنوا من غير وجود يامن ويوسف إلطف بينا ياارب
ثم تركهم وذهب كى يبلغ الحاج منصور الخلفاوى بموت إبنه وزوجته.
  إستغرقت العملية خمس ساعات متواصلة فخرج الطبيب وهو منهك فهرول إليه عمر قائلاً :
- طمنى يا دكتور على حالة إبنى
- إحنا عملنا كل اللى فى وسعنا عشان نوقف النزيف والباقى على ربنا  إدعوله كتير هو محتاج دعاكم
أجهش عمر فى البكاء فربت نادية على كتفه قائلة :
- إهدى يا عمر ربنا هيقومه منها الدكتور قال إدعوله ربنا يقومه منها بالسلامة .

فى المشفى الذى يمكث فيه يوسف كان يوسف قد إستفاق ونظر حوله بهرع ، ثم تذكر أخر شئ حدث وهو الحادثة
سقطت الدموع من مقلتيه هو هنا وبهذه الحالة أين والديه إذاً وما هى حالتهم ؟
قام بنزع الأجهزة من حوله وشعر بألم فى صدره فكان يتحرك بحذر إلى أن خرج من الغرفة.
كان يسير بتعب فرأته الممرضة
- إنت إيه خرجك من الأوضة مينفعش تتحرك لسه قايم من عملية كبيرة إنت محتاج إيه
تحدث يوسف معها بترجى
- أنا مكنتش جاى لوحدى صح
ترددت الممرضة فى إخباره فحالته ليست مستقرة بعد
فشعر يوسف بالقلق
- قوليلى إنهم كويسين هما كويسين صح قولى أى حاجة
ثم قررت إخباره فهو سيعرف منها أو من أى شخص هنا
- بص اللى بينكتب على الجبين لازم هتشوفه العين أهلك راحوا للأحسن منى ومنك يا أستاذ
نظر يوسف إليها بصدمة وكانت دموعه  تهبط بغزارة حتى كاد أن يسقط فأسندته
- إستهدى بالله ده عمر ومكتوب
- عايز أشوفهم أنا عايز أشوفهم 
قامت الممرضة بتوصيله الغرفة التى فيها جثث والديه
كان يوسف يقترب بخوف ثم تحدث بصوت مرتعش
- هما دول أهلى صح
أومأت الممرضة رأسها بشفقة
إقترب يوسف بحذر وقام بنزع الغطاء فكانت الجثة الأولى لوالده فإبتلع ريقه بصعوبة وقام بتغطيتها مرة أخرى ثم ذهب للجثة الثانية وقام بنزع الغطاء من عليها فكانت لوالدته قام بتغطية الجثث وإستدار إلى الممرضة التى تقف بإنتظاره فأجهش فى البكاء وتحدث قائلاً :
- دول مش أهلى أنا اا أهلى عايشين دول مش أهلى خالص
ثم تحدث بغضب وانهيار
- أهلى فين إنطقى أنا أهلى مستحيل يسبونى ويمشوا
ثم إقترب من الفراش الذى توجد عليه جثة والدته وكان يهزها بعنف
- ماما قومى إنت مموتيش ماما قومى عشان خاطرى جثة إيه وموت إيه ده أحنا جايين نزور يسر ومروحين هرجع لوحدى
ثم ذهب إلى جثة والده
- بابا يا بابا قوم إنتم بتهزروا صح
ثم أجهش فى البكاء
- بابا متسبونيش فى الدنيا لوحدى وتمشوا كدا أنا معرفش أعيش من غيركم والله طيب ليه أنا أعيش طيب ليه مأخدتونيش معاكم ليه بابا
كان يوسف يهز جثة والده ظناً أنه لم يمت
فإقترب منه ممرض يحمله من فوق جثة أبيه
- إهدى إهدى لا حول ولا قوة الا بالله
- سيبنى أنا أهلى مماتوش سيبنى بقولك أهلى عايشين
قامت الممرضة بإعطائه حقنة مخدر ففقد الوعى وحملوه خارج الغرفة بأكملها حتى لا يحدث له شئ أكثر من ذلك .

فى الصعيد كان منصور يجلس برفقة أولاده وأحفاده فى تجمع عائلى  يضحكون ويتسامرون فدخل يونس من الباب فأدخلته الخادمة فنظر إليه منصور بسعادة
- إيه النور ده إدخل يا ولدى نورت الصعيد
إبتسم يونس بكسرة وإقترب منه
- البلد منورة بأهلها
فإحتضنه منصور بشدة فأجهش يونس فى البكاء وكأنه كان ينتظر أن يحتضنه أحد حتى يرمى بما يثقل قلبه بعيداً
تعجب منصور بشدة وكذالك الجميع
- مالك يا ولدى إيه اللى حوصل عاد هيخليك تبكى إكده
هدأ يونس ونظر إلى منصور  وإلى باقى العائلة كان الجميع ينتظر حديثه فإقتربت فاطمة منه وربت على كتفه بحنان
- بت يا تهانى هاتى ماية لولدى خليه يهدى عاد
ثم نظرت إليه
- مفيش حاجة تستاهل دمعتك يا ضنايا
نظر إليها وتحدث قائلاً ووضع رأسه بين يديه
فعقد منصور حاجبيه متعجباً
ثم أتت تهانى بكوب الماء إرتشفه يونس دفعة واحدة وتنفس بعمق ثم تحدث دفعة واحدة :
- أنا عايزك تهدى يا حاج منصور
- فيه إيه يا ولدى قلقتنى عاد
تنهد يونس بتعب
- أستاذ مصطفى وماما ويوسف ويامن عملوا حادثة
ثم أجهش فى البكاء
- واتصلوا بيا أجى أستلم جثثهم يوسف ويامن عايشين بس يوسف فى غيبوبة ويامن جاله نزيف فى المخ وسايبه فى العمليات
قامت فاطمة باللطم على وجهها
- ولدى إنت هتقول إيه ولدى مات إنت متوكد من كلامك ده
أجهش فى البكاء
- والله يا حاجة مقهور عليهم
ثم قام منصور بإحتضان يونس وقلبه يقطر دماً على عائلة ولده أبنائه وزوجته فبكى وهو يحتضن يونس
- مش مصدق والله يا جدى مشبعتش منهم أنا مكسور قلبى واجعنى أوووى عليهم ياريت كان ربنا خادنى أنا ياريت كنت مكان يامن وكنت بسوق أنا
تحدث منصور بإنكسار
- مقدر ومكتوب يا ولدى مفيش هروب من المكتوب إسند حالك هما فين دلوقتى
- فى المستشفى جهزت إجراءات الدفنة وكل حاجة وجيت أقولكم
- كتر خيرك يا ولدى جهزوا حالكم عشان  الدفنة
فنظر إليه يونس بتعجب
- ليه مش الدفنة هتبقى هنا
- لا يا ولدى مصطفى موصينى مفرقوش عن بنته واصل وكلهم يدفنوا فى إسكندرية يومها قولتله وانا مالى تقولى ليه قول لولادك أنى هموت قبلك بإذن الله
ثم بكى بكسرة
- مكنتش أعرف إنى هدفن ولدى بيدى وهحضر جنازته

كانت جميع العائلة تبكى وتصرخ على ما حدث فقد كانت حادثة شنيعة لم يتوقعها أحد .

ذهب يونس برفقة منصور وفاطمة  معه فى السيارة  وكانت فاطمة تبكى بشدة
- يا عينى عليك يا  ولدى مفرحتش بولادك بدرى عليك يا ولدى متهنتش فى حياتك يا ولدى

ذهبت العائلة إلى المشفى ولكن لم يدخل سوى يونس ومنصور وفاطمة حتى لا يحدث حالة هياج فى المشفى
فهرولت الممرضة إلى يونس
- المريض فاق وعرف كل حاجة وخرب الدنيا وإديناه مخدر عشان ميأذيش نفسه ساعتين وهيفوق
شعر يونس ببصيص أمل
- الحمدلله الحمدلله ياما إنت كريم يارب
فتحدث منصور قائلاً
- بعد إذنك يا بتى فين ولدى ومرته اللى كانوا جايين معاه
- فى الأوضة دى يا حاج
وأشارت لهم بيدها إلى الغرفة فذهب منصور وفاطمة وكذالك يونس للغرفة
كان منصور ينظر للجثث وقلبه يكاد أن يخرج من موضعه فقام بنزع الغطاء الأول فكان لولده
- يااااه يا ولدى عمرى ما اتوقعت أحضر اللحظة دى ألف رحمة ونور عليك
أما فاطمة فقامت بإحتضان جثة ولدها
- آآآآه يا ضنايا يا جلب أمك كان يومى قبل يومك يا ضنايا كان يومى قبل يومك
ثم قام بنزع الغطاء الثانى فكان لإبنة شقيقه
- متهنتوش يا بتى الله يرحمكم برحمته يا بنت الغالى
ثم قام بتغطيتها فذهبت فاطمة وإحتضنتها وكانت تصرخ وتبكى فقام منصور بإسنادها.
- عايز أشوف أحفادى وأطمن عليهم
- يوسف لسه مفاقش يا جدى هتشوفه من برا ولو عايز تطمن على يامن هو فى مستشفى تانية ممكن نروحله لحد يوسف ما يفوق ونرجع هنا عشان الدفنة
أومأ منصور برأسه وقرر أن يذهب ليامن أولاً وبعدها يأتى ليوسف حتى يكون عاد لوعيه
ذهبوا ثلاثتهم فى السيارة مع يونس وباقى العائلة تنتظر أمام المشفى حتى يأتوا إليهم.

أتت باقى عائلة عمر إلى المشفى شقيقه وزوجته وأبنائه ولكن كانت الحالة لا تسمح أبداً بأى زيارة فقد تم وضعه فى العناية المركزة فيجب أن تمر 48 ساعة حتى تستقر الحالة وتكون مهيأة للزيارات .
آتى يونس وهرول إلى حيث توجد عائلته وتحدث قائلاً بقلق :
-  يامن بقى عامل إيه طمنونى
    تحدث عمر قائلاً :
- الدكتور بيقول هو تحت الملاحظة دلوقتى هيفضل فى العناية وقال لو عدى ال 48 ساعة دول هيتنقل أوضة عادية ، وإنت عملت إيه
تحدث يونس بإنكسار
- جيت أنا والحاج عشان الدفنة ويوسف فاق بس حالته وحشة إدعيله يا بابا
أجهش عمر فى البكاء وذهب إلى منصور وإحتضنه
- البقاء لله يا حاج من وقت ما عرفنا وإحنا مش عارفين نتلم على أعصابنا خالص الله يكون ف عونك ربنا يربط على قلبك
ربت منصور على كتفه
- أصيل يا إبن الأصول ، مش هنعرف نشوف يامن واصل
قام يونس بأخذه حتى يرى يامن من زجاج غرفة العناية
فوجد رأسه ملتفه بالشاش والأجهزة تحيطه من كل جانب
فبكى بحزن وكسرة على ما حدث لتلك العائلة
- جلبى واجعنى عليكم كان مستخبى ليكم كل ده فين بس
ثم إستغفر ربه قائلاً :
- اللهم إنى لا أسألك رد القضاء ولكنى أسألك اللطف فيه
فربت يونس على كتفه قائلاً :
- طيب يلا يا حاج هنيجى نشوفه لما يفوق ، إحنا يادوب نلحق يوسف قبل ما يفوق بربع ساعة
- يلا يا ولدى
إستوقفهم عمر قائلاً :
- إستنى يا يونس هاجى معاكم أطمن على يوسف وأحضر الدفنة ، ورحيم وياسين هياخدوا الباقى يروحوا مفيش داعى تفضلو هنا وأنا هبقى أرجع تانى
ذهب عمر معهم إلى المشفى فصعدوا إلى السيارة  وقام يونس بقيادتها إلى المشفى فى الأسكندرية  فوصلوا إلى المشفى وتبقى فقط عشر دقائق على إنتهاء مفعول المخدر فصعدوا إلى الغرفة حيث يمكث يوسف حتى يكونوا بجانبه عندما يستفيق .

كان يونس ينظر إلى جسد يوسف المسطح على الفراش بترقب هو لا ينكر أنه لم ينخلع قلبه عليه ك يامن ولكن يخاف عليه بشدة فهو أخاه أيضاً .
فتح يوسف عينيه بتثاقل فوجدهم حوله فاطمة ، منصور ، يونس ، وعمر
إقترب منصور منه وإحتضنه فأجهش يوسف فى البكاء ثم تحدث قائلاً وهو يبدو على نبرة صوته التعب 
- كويس إنك جيت يا جدو المستشفى هنا جايبين جثتين وبيقولولى أهلك دول اللى جم معاك فى الحادثة
ثم بكى وتحدث بإنهيار
- أنا شوفت الجثث مش هما أهلى بابا وماما مستحيل يسبونى لوحدى
فإحتضنه بشدة وهو يبكى أيضاً ثم إبتعد عنه قائلاً :
- ما أنا كنت معاهم فى العربية ماموتش معاهم ليه ماموتش ليه
إقترب منه يونس وهو يبكى
- عشان خاطرى إهدى يا حبيبى إهدى قدر الله وما شاء فعل
كان عمر ينظر إليه بشفقة فهو صغير على كل ما يحدث له  هذا
نظر يوسف إلى يونس وهو يبكى
- فين يامن أنا عايزه هو فين
أجهش يونس فى البكاء
- فى المستشفى عملنا حادثة وإحنا جايين ليكم وجاله فقدان ذاكرة ونزيف فى المخ وهو فى العناية لسه خارج من العمليات من نص ساعة
أجهش يوسف فى البكاء
- ليه بيحصل فينا كل ده ليه وإمتى فى يوم سنوية يسر يارب ألطف بينا يارب مش قادر أتحمل مش قادر
كمان يامن كان هيموت كمان
إقترب عمر منه وربت على كتفه
- إستغفر ربنا الحمدلله إنك وأخوك بخير دى أعمار يا حبيبى وربنا كاتبها متقولش ليه عشان ده أمر ربنا إهدى يا حبيبى إهدى دلوقتى إحنا هنسندك عشان يادوب نلحق ندفنهم النهاردة دول ميتين من إمبارح وإكرام الميت دفنه
ثم ربت على كتف يونس
- ساعد أخوك يا حبيبى يغير هدومه عشان عمليته كانت صعبة وأنا والحاج هنخليهم ينقلوا الجثتين بعربية الإسعاف على  المقابر يلا عشان منتأخرش
أومأ منصور برأسه وذهب معه .
قام يونس بمساعدة أخيه حتى يرتدى ثيابه.



فى أحد مساكن القاهرة الشعبية وفى شقة بسيطة كانت ندى تحاول مهاتفة سارة ولكن بلا جدوى فهى لا تجيب على الهاتف أبداً
فكانت قدر تطالعها وهو تقوم بإعداد العشاء
- بترنى على مين ومتضايقة كدا
كانت ندى تشعر بالملل فوجدت أن حديث قدر آتى بوقته
- برن على سارة صاحبتى ومش بترد خالص قلقانة عليها
قهقهت قدر بشدة
- والنبى لو عندى صاحبة زيك ما كنت أحس بفراغ زى اللى عيشاه دلوقتى
إقتربت منها ندى وتحدثت بمرح
- عندك فراغ عاطفي،  طب ليه مفيش حاجة كدا ولا كدا
- منين يا حسرة معرفتش حد عليه القيمة
قهقهت ندى بشدة
- كلامك بيضحكنى إنتِ إزاى كدا
تحدثت قدر بتأثر
- وحياتك أنا مبسوطة إنك عايشة معايا وبكلمك بدل ما كنت بكلم الحيطان مونسانى والله
إحتضنتها ندى بحب ولطف
- والله وأنا كمان ربنا اللى يعلم إرتحتلك أد إيه


وصلو جميعاً إلى المقابر وفتحوا المقبرة التى تم دفن يسر بها حتى يدفن والداها ووالدتها معها ولكن فى أثناء حملهم للجثث كى يدخلوها هرول يوسف وكان أولاد عمه يمسكون به وهو يبكى ويريد أن يدفن مع والديه
- إدفنونى معاهم مش هسيبهم  سيبونى سيبووووونى محدش ليه دعوة أنا مش هسيبهم ماليش غيرهم هعيش ليه وعشان مين سيبونى بقى
وظل يبكى إلى أن فقد وعيه .
تم الإنتهاء من الدفن وقراءة ما تيسر من القرآن على روحهم ثم غادروا المكان بالكامل ولكن كانت هناك أعين تراقب كل ما حدث بشماتة وحقد و.....
إلى اللقاء أحبتي فى البارت القادم
بقلمى / شيرين محمد الطيب ❤️
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي