الفصل العاشر

تنهدت بحرقة ثم قالت:
-  أتريدين بأن أتزوج من رجل يكبرني بعشرة أعوام لكي نقضي أيامنا أمام التلفاز، وأشكو حالي على الملأ من الملل! لن تفهمي، فكما أخبرتك بأنكِ ما زلت صغيرة لا تعي شيئا عن احتياجاتي كأنثى ناضجة لها متطلبات.
اقترب منهما راجح بخطوات واثقة مقررًا أن يقطع خلوتهما، تكلم بصوت هادئ:
-  لقد رحل المأذون وكافة المدعوين، وأخيرًا انفردت بك يا حبيبتي.
نظرتا سيرين وسماح حولهما فلم يجدا سوى راجح، لقد رحل الجميع فجأة وكأنهم تبخروا، نظرت له بتحدٍ ثم قالت:
-  انفردت بمن؟ ألا ترى وجودي؟!
‏قال ‏راجح ملطفًا الجو:
-  كيف لا أراكِ وأنتِ شمس البيت التي ستُنير حياتنا! من يراكما سويًا يظن أن الشمس والقمر قررا التصالح دون كسوف أو خسوف.
ابتسمت على مضض، وأدارت وجهها بعيدًا عنه، ‏أمسك راجح بيدي سماح وأوقفها ليتسنى له تقبيلها، ‏احتضنها أمام ناظري ابنتها دون خجل، قبلها من شفتيها، ثم حملها إلى غرفة نومهما متجاهلًا مشاعر الصغيرة، شعرت بالتقزز من تصرف أمها المتصابية وزوجها، تساءلت في نفسها أيعقل أن تكون أمها بهذا الشكل؟ أيعقل أن تتصرف بصبيانية أمام ناظريها؟! نفضت أفكارها ودخلت غرفتها، وهي تستمع تنهدات أمها اللامتناهية، وضعت الوسادة فوق رأسها كي تتحاشى السمع إلى أن همد جسدها وعقلها وراحت في نوم عميق.
وفي اليوم التالي.. نزلا من مخدعهما للإفطار، أجلس راجح سماح على فخذيه، وظل يدللها وكأنهما لم يسمعا من قبل بشيء يسمى بالحياء، وظلت الأمور تسير على هذا المنوال، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان.
كان طيف سيرين يتحرك في المكان بحرية، ترى نفسها وهي صغيرة، لا حسبان في تحركها، عقارب الساعة تتحرك بسرعة رهيبة، والزمن يمر أمام عينيها بلا حسبان.. ليتوقف عند تلك الليلة؛ لقد رأت نفسها وهي تدلف إلى دورة المياه لتقضي حاجتها، دق الباب فأخبرت الطارق كونها بالداخل، ولكنه لا ينفك عما يفعل، بل ‏استمر الدق على الباب مما أفزعها، فتحت الباب على عجل بعدما سترت جسدها ببشكير، وجدت راجح يقف أمامها عاري الجزع، يتأمل مفاتنها الصغيرة، علامات الأنوثة كانت قد طبعت على جسدها رغم أنها لم تكن أكملت حتى الخامسة عشر، فقد كانت فاتنة ذات ملامح أوروبية، وجسد فرنسي، ‏تراجعت للخلف خوفًا من زوج أمها الذي ظل يتفحص جسدها بنهم ورغبة واضحة، اقترب منها، حاولت أن تصرخ فوضع يده على فمها، حاولت الابتعاد فأمسكها بقوة مهددًا إياها بنبرة محذرة:
-  أمكِ خارج البيت، لا أريد أن أغضب منكِ، لذلك فعليكِ أن تفعلي ما أطلبه منك وإلا..
نظرت له سيرين بخوف، ثم قالت بتلعثم:
-  أجننت؟! كيف تجرؤ أن تنظر لي بتلك النظرة! ماذا تريد من ابنة زوجتك!
تحسس راجح ظهرها برقة، فانكمشت على نفسها، قرب فمه من أذنها وهمس قائلا:
-  ربما ما زلتِ صغيرة، ولكن منذ ولوجي إلى هذا البيت وأنا أريدكِ أنتِ، لقد ولى زمان أمك، والأيام القادمة لي ولكِ، فلنستمتع سويًا، ولا تخبري والدتك!
ازداد خوفها منه، حاولت أن تبث فيه النخوة، فارتفع صوتها قليلا وهي تحدثه:
-  ربما تكون شابًا صغيرًا.. ولكنك تكبرني باثني عشرة سنة، أترضى أن يعتدى أحدهم على أختك! أترضاها لعرضك وشرفك؟! إذا كنت ترضاها على شرفك، ونسيت دينك وأني من محارمك فها أنا أمامك.
ضحكات راجح كانت دليلًا على عدم مبالاته بكلامها، فأكملت قائلة محاولة بث الخوف من الله فيه:
-  أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ لقد مَنّ الله عليك بالزواج من أمي، فلماذا تريد تلويث ذاتك بالزنا واغتصاب ابنتها؟ ألا تعرف أن هذا يُسمى بزنا المحارم؟
-  حقا! تلك فلسفة فارغة، وأنا لا أحب الفلسفة، تعالي لنكمل ما أريده، ولا أريدك أن تعكري عليّ صفو ليلتي؛ فلقد سكرت اليوم سكرة لم أسكر مثلها أبدًا.
‏اقترب منها، وظل يلوثها بلمساته الناعمة كنعومة احتكاك جلد الأفعى، ظلت تبكي وهي لا تقوى على دفعه بعيدًا عنها، اقترب أكثر، حاول أن يقبل شفتيها وهي تحاول جاهدة أن تبعده عنها، ولكن بلا جدوى، حتى أغمي عليها، ‏خلع عنها بشكيرها فظهر أمامه جسدها عاريًا كما ولدتها أمها، حينها فتحت سماح باب البيت، فأغلق راجح على سيرين دورة المياه، وصعد سريعًا إلى غرفته، صعدت سماح إلى غرفتها لتجد راجح نائمًا، حاولت أن توقظه ولكنه تداعى عدم الإفاقة فتركته، مر نصف ساعة أو أكثر حتى استفاقت الفتاة، وصرخت بصوت عالٍ، هرولا سريعًا لمعرفة سبب الصراخ، دخلت سماح دورة المياه لتجد ابنتها جالسة وهي عارية تمامًا، تبكي بحرقة، لتسألها قائلة:
-  ماذا حدث يا سيرين، لمَ تبكين هكذا؟!
لم تنفك عن البكاء، فأخبرتها قائلة:
-  ألم أُخبرك أن هذا الرجل سيئ؟ لقد أراد بي السوء، لقد حاول الاعتداء عليّ!
ربتت سماح على رأسها برفق حتى تطمئنها، ثم قالت:
-  اهدئي يا ابنتي ربما كنتِ تحلمين، ولكن كيف تنامين في دورة المياه؟ ألا تعلمين أن هذا شيء خاطئ!
قالت بتوسل:
-  لم أكن نائمة يا أمي، زوجك رجل سيئ كما أخبرتك، لقد تحرش بي، أخبرني بأنه شرب الكحول، وأنه لن يتركني.
‏- لم أعتد منكٍ أن تكوني كاذبة، لقد ربيتك على الصدق، لقد كنتِ وحدك حين أتيت، وأنا أعلم أنه كان نائمًا؛ فلقد رأيته بأم عيني، وأنا أثق به كثيرًا، وأثق في حبه لي، كما أثق تمام الثقة أنه لن يتركني لينظر لفتاة لم تبلغ الحلم.
أنهت سماح كلماتها وحاولت أن تساعد ابنتها في لباسها، ولكنها أبعدت يديها عنها.. خرجت سماح لتجد راجح جالسًا أمام دورة المياه، فعرفت أنه قد سمع كل ما دار بينهما، اقترب راجح من سماح، أمسكها من يديها وتوجه بها إلى أقرب أريكة، أجلسها على فخذيه واحتضنها دون أن يتفوه ببنت شفة، كانت سيرين تبكي بلا صوت، لا تعرف كيف تجعل أمها تصدق ما حدث، تساءلت بداخلها هل كل ما تمر به مجرد اختبار؟! كيف لأمها أن تكذبها وتصدق رجلًا ليس من دمها؟ فقط لأنه زوجها، هل احتياجها لزوج جعل عينيها تتغاضى عن عيوبه؟! جعلها حتى لا تفكر إلا في نفسها! ارتدت ملابسها، وخرجت لتجد سماح تحتضن راجح وهو يهمس لها قائلا:
-  ابنتك لا تحبني منذ أن دخلت هذا البيت رغم أني أحبها وأعتبرها ابنة لي.
أنهى جملته ثم نظر لسيرين نظرة تشفٍ وأكمل:
-  أنا مستعد لأن أرحل عن هنا إذا كان هذا يرضيكِ.
احتضننه سماح بكلتا يديها، ثم قالت:
-  من يرحل! أنا مستعدة أن أرحل أنا وابنتي، أما أنت فلا؛ فأنت رجل البيت.
ظل راجح عابس الوجه حتى أخرجته سماح من عبوسه قائلة:
-  ولكي أثبت لك كلامي، سأوثق هذا البيت غدا باسمك.
ضربت سيرين كفيها كفًا على كف إثر كلمات أمها، نظرت لها والدهشة وعدم التصديق يرتسمان على قسمات وجهها، زفرت بضيق ثم أردفت قائلة:
-  كيف تكتبين البيت باسمه وهو ملك لأبي وأنا وريثته يا أمي؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي