الفصل التاسع والعشرون

تنهد آرثر ثم قال:
-  لقد وفيت بالأمانة في تلك الأرض أيها الحكيم، فليصفح عنك القدير، أما الباقي فأنا عرفت ما علي فعله، اذهب في سلام.
ابتسم هاروت وتنفس هواء الحرية ليختفي من أمام آرثر وما زال البشر ينظرون له في ذهول.
ابتسم لهم آرثر ثم قال:
-  إذا كان مقدرا لنا أن نموت فلن نموت بغير الشهادة، لن يكفر أحد منا، حين سجدتم لإبليس لم يكن أحد منكم كامل الأهلية، لقد غيبكم حتى أسقطكم في الظلام، والآن حان دورنا لنريه قدرنا.
هتف فيهم آرثر بصوت مريع:
-  من يريد أن يتبعني بكلمة لا إله إلا الله؟ من سيتحالف معي لإسقاط أهل الظلام في الجحيم؟
تحسس بيده الخاتم الأفعواني الذي بيده، ثم أعطاهم ظهره وترجل عنهم، فتبعوه وهم يرددون كلمة لا إله إلا الله. كانت الرياح تسير عكسهم والظلال تحاوطهم، أيام وأيام، يسيرون في الأرض بكلمة لا إله إلا الله، حتى وصلوا إلى بحيرة لم يعهدها أحد منهم من قبل. نظر آرثر إلى الموضع الذي جلس فيه عزازيل وابتسم. كانت الأرض تختلف كثيرا عما رآها من قبل فقد تبدلت الأرض بعد اندثار عالم الجان وخلق البشر، ترجل وخلفه أناس كثر يتبعونه حتى وصل إلى كهف الأمنيات، لمس الباب بيده فانفتح له، وعلا صوت من الداخل بأن الدخول مسموح لشخص واحد. دخل الكهف والناس ينتظرون بالخارج فانغلق الباب عليه، نظر إلى كل شبر داخل الكهف، كانت الجدران كما رآها من قبل، حجر من ذهب وحجر من فضة، الأرض مفروشة بتراب من الذهب، وموضوع عليها البلورة العجيبة وبجانبها التمثال الحجري. ما إن اقترب من التمثال "شور" حتى أشار إليه بخاتمه فتعظم جسد التمثال كما عهده من قبل، ثم قال بصوت جهوري:
-  في هذه الأرض كما تشاء ستفعل ما تريد بلا قيد، ستطّلع على كل ما كان يخفى عليك وما تريد معرفته، بإشارةٍ منك تنصاع لأمنياتك الرجال وتنحني هاماتهم أمام سطوتك، تركع أمامك النساء طالبةً رضاك، كل ما تتمناه مجاب، حتى الوحوش الضارية بأمرك تحنو على من أردت، فقط اجعل الخاتم في يدك وأقصد في قلبك ما تتمناه قصد الموقن تجده أمام عينيك، أنظر لوجه سيدك " شور " واقبل العهد، وامسح بكفك جسد التمثال المخملي، قد لا تكون أفضل من في العالم قبل اليوم، لكنك اليوم سيدهم.
قال آرثر بتحدي:
-  لست كالفتى كي أطمع بالقوة أيها العظيم شور، أنا أريد أن أخلص عالم البشر من الظلام.
ابتسم التمثال ثم قال:
-  لم ينفتح الكهف سوى لك، لقد انفتح مرتين على يديك، رسالتي الأولى لم تكن للفتى لقد كانت لك أنت، ولذلك لم يفهمها، ولم يدرِ لها بالا، أظن أنك فهمتها ولهذا رجعت إلي ثانية، ماذا يريد المخلص العظيم؟
قال آرثر:
-  أريد السلام للبشر، ولكني أعرف أن السلام لا يأني سوى بالحرب، لا أريد أن أطغي على أحد أو أظلمه، ستدخلني عالم البرزخ من جديد، وبعدها سنبعث في المدائن حاشرين لكي نستحضر آصف بن برخيا، لنوحد راية الأرض قبلما تولد فتنة الدجال ذو العين الواحدة.
ابتسم له شور ثم قال:
-  أمرك مطاع أيها المخلص الشريف، فلتنفتح لك أبواب الخير، ولكن احذر أن تفقد الخاتم، الهوجيمو خونة غدارين، لا يساقون إلا من حامل الخاتم، ليس لهم عهد، فحاكمهم هو الخاتم وليس أنت.
ترجل آرثر من أمام التمثال واقترب من الحائط ووضع يديه على الحائط فانفتحت له أبواب البرزخ، سمع نفير القلعة من بعيد فلم يعيرها أية انتباه، سار وكأنه عالمه الخاص يحفظه عن ظهر قلب حتى وصل إلى القلعة العظيمة ورأى التماثيل عظيمة الهيئة. انتظر حتى سمع صوت النفير الثاني، لينفتح باب القلعة، ويخرج قائدها ليركع أمامه يحييه، ويقول:
-  يحيا عالي المقام الموحد لأرجاء الأرض، يحيا المخلص العظيم مبعوث شور الجليل، يحيا من يأتي من مملكة الإنس ليوحد راية الأرض تحت اسمه، يحيا المخلص العظيم آرثر.
نظر له آرثر نظرة ذات معنى فأكمل القائد كوش قائلا:
-  أعرف أنها ليست المرة الأولى لك، فلقد رأيتك مثلما رأيتني، أنت أساس اللعبة من البداية للنهاية، أعرف إنك مشتت ولكن أستطيع فهم ما يحيرك، تتساءل بداخلك كيف تحكمت باللعبة حتى قبلما تولد، سأخبرك أمرا، الحرب كانت ستقام وكانت الغلبة للملائكة ولكنك كنت مجرد سبب من الأسباب، ولكنها كانت ستحدث حتى لو لم تتدخل فيها، وجودك جعل لها نهاية مختلفة، وهذا يرجع لمحاولة المخلوقات في التدخل في مشيئة الخالق، والآن ماذا يريد المخلص منا لتحقيقه؟ لو أردت تدمير الأرض لن نتأخر عنك يا مبعوث شور.
قال آرثر:
-  أريدكم في ظهري فقط، لن أحارب ما داموا لن يقتربوا ولكن إن اعتدى أحدهم فسنعتدي عليه مثل ما اعتدى علينا.
ابتسم له القائد كوش ثم قال:
-  لم أكن أعرف أن البشر بمثل ذلك النبل، إننا نراكم دائما زائرين إلى عالمنا، ونرى الطمع في القوة يزداد يوما بعد يوم، ولكنك لست مثلهم، لك ما سألت أيها الشريف.
قال له آثر بنبرة واثقة:
-  البشر ليسوا كما تظنون؛ فنحن بنا الصالح وبنا الطالح، ولكن الخير سيظل فينا ما دامت القيامة لم تقم.
تحسس آرثر الخاتم ثم همس ببضع كلمات غير مسموعة فاهتزت الأرض تحت أقدامهم، لتظهر دوامة من حلزونية وتظل تقترب منهم حتى تختطف آرثر من بينهم وتختفي. يظل آرثر داخل الدوامة حتى يظهر كالطيف فوق صرح ممهد فوق سطح الماء بمثلث برمودا، وقف فوق الصرح فكان كلوح زجاج فوق المكان يكشف الماء تحت قدميه فكأنه يمشي على الماء، ابتسم آرثر ثم تذكر أن ذلك الصرح يشبه الصرح الذي صنعه سليمان النبي ليبهر الملكة بلقيس. نظر آرثر حيث عرش عزازيل فوجده يجلس وحوله ستة من "العزازلة " يشبهونه، وأمامه تجلس عشيرته من الشياطين، ولكن ما أدهشه هو وجود الآلاف من البشر، وجوههم شاحبة مرسوم على جبهاتهم مثلثات، يحتفون بعزازيل وقومه، ظل يفكر في ذلك الوشم قليلا، ابتسم ابتسامة صفراء فقد كان الوشم هو نجمة داوود السداسية. اقترب آرثر ليسمع ما يقال.
عزازيل:
-  لقد استفاق البشر من غفوتهم على يد هاروت، إن قوة آرثر الآن لا يستهان بها، فهو الوحيد الذي لم نستطع أن نسيطر عليه ونسقطه في الظلام.
كان الأبيض يجلس عن يمينه كما كان من قبل، نظر إلى وليه عزازيل ثم قال:
-  إذا سمحت يا عالي المقام فإن لي رأي قد يغير كثيرا من مخططاتنا.
أذن له عزازيل بأن يكمل كلامه، فأكمل قائلا:
-  سنستخدم معه تلك الطرق التي يستخدمها البشر، هناك حكاية سمعتها من قبل من بني آدم عن تلك الخراف التي حبسها الراعي لكي يحميهم من الذئاب، فلما يئست الذئاب من الفتك بهم، دبروا خطة بأن يتظاهروا بحبهم للخراف، وأن يتجمهروا لينادوا بتحرير الخراف، وبالفعل فعلت الذئاب ذلك، وظلوا ينادون بتحرير القطيع، فتمرد القطيع على راعيهم، وظلوا ينطحون البوابة حتى انكسر الباب وخرجوا من البوابة ليلاقوا مصيرهم المحتوم بين أنياب الذئاب.
نظر له عزازيل مستفهما ثم قال:
-  ماذا تريد أن تقول؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي