الفصل الثاني عشر

باتت الأيام تمر سريعًا، تنام أكثر سويعات اليوم وكأن الزمن يعاد من جديد لتصبح الرفيق التاسع لأهل الكهف! مر على ذلك الحادث شهران متتابعان، أصبح ينتابها شعور بالغثيان المصاحب للقيء، ‏صحبتها أمها لطبيب العائلة فأخبرهم بأمر صعب عليهما تصديقه؛ فسيرين البكر ذات الأربعة عشر عامًا بداخلها جنين! هي تعرف بأنها ليست في زمن المعجزات لتظن بأن ابنتها مريم البتول وستأتي للعالم بغلام دون أن يمسسها بشر! هل أخطأ الطبيب في الفحص؟ أعاد الطبيب الفحص ليثبت لهم بأنه صحيح، صدمة جديدة تقع فوق عاتقيهما، كانت سماح تعرف بأن سيرين لم تكن لتفعلها، ولكن ما السبب؟ مر ذلك اليوم العصيب عليهما كسنوات فلكية، كانا في حالة يرثى لها وهما يفترشان الأرض في بهو منزلهما، إلى أن أخرجهما من صمتهما صوت صفارات عالية تخرج من فم راجح، نظر لهما بتشفٍ واضح، ثم قال موجهًا حديثه إلى سماح:
-  لا عليكِ.. سأحل لكِ اللغز، ابنتك في أحشائها طفل ولا تعرفون كيف حدث هذا.
فغرا فاهيهما من الصدمة، كيف علم بأمر الجنين؟ أيُعقل أن يكون هو الفاعل؟! مئات من التساؤلات تدور في عقليهما إلى أن ‏قطع تفكيرهما بصوته وهو يقول:
-  الحقيقة أنني أعلم كل شيء، ولكن يصعب عليّ أن أعرف من صاحب البصمة، فلقد انتهك عرض ابنتك أكثر من عشرة أشخاص، لقد صورتهم جميعًا وهم يتلذذون بهتك براءتها وهي لا حول لها ولا قوة، كانوا كالكلاب حين تتلذذ بالإحاطة بهرة في مهدها، يفترسونها دون تفكير أو رحمة، ولكنكم تستحقون ذلك العقاب.
ضحك بخبث ثم أكمل:
-  لقد كانت نائمة كالنعجة الحالمة، حتى أتى الجلاد فاستهل جسدها.
صرختا فيه والدنيا تدور أمام أعينهما، تكاد الصدمة أن تفتك بعقليهما قبل قلبيهما، سماح لا تدري ماذا تفعل، كانت متخبطة، كيف خدعها كل ذلك الوقت! كيف أقنعها بحبه لها، لماذا تزوجها بالأساس؟ إن كان يريد مالًا فقد وضعت كل ما تملك أمامه، لماذا طمع في ابنتها؟ لمَ قام باستحلال جسدها له ولغيره، كادت أن تجن لولا أن تكلم أخيرًا ليفهمها ما لم تكن تفهمه، جلس أمامهما وهو ينظر لهما باستحقار، ثم قال:
-  لقد كنت صغيرًا جدًا حين جاءت الشرطة لتأخذ أبي وأمي، والتهمة لا أعلمها، وتم حرماني منهما لثلاث سنوات، ليخرج أبي ويخبرني بالحقيقة الكاملة.
وجه نظره للفتاة، ثم أكمل قائلًا وهو يشير لها بإصبعه:
-  أبوكِ يا سيرين كان قريبًا لأمي، لا تتعجبي، أمي وأبوكِ كانا أولاد عم، لقد قام أبوكِ بتسميم عقل جدي، وأخبره بأن أمي تعمل بالدعارة، وحتى يثبت ذلك جعل أشخاصًا يقتحمون بيتنا، ويخدروا أبي وأمي، وقام بإبلاغ الشرطة بتهمة تسهيل الدعارة، وتم إثبات ذلك، لم تتحمل أمي ما حدث وماتت بالقهر، لقد قام جدي بحرمانهم من الإرث، ومن الذي ورث كل شيء؟
نظر لهما وكأنه يسألهما حقًا، ثم أجاب من جديد:
-  نعم كما فهمتِ، لم يكن قتله بالأمر السهل، تتساءلين الآن ما علاقتك بكل هذا؟ ألستِ ابنته، ألم تعيشا حياة الرغد بأموال أمي؟ كان عليكما إذا أن تنالا الشر الذي زرعه أباكِ.
أدار وجهه ليتقابل مع أمها ثم قال:
-  أنتِ أحقر مما ظننت، لقد اتبعتِ شهوتك بدلًا من عقلك، كان سهلًا عليكِ أن تبيعي ابنتك، لقد ساعدتني في تحقيق هدفي.
نظرا إلى بعضهما البعض في شرود، أيعقل أن يكون هذا بشر! حين يغوي الشيطان البشر فهو فقط يوسوس لهم، وهم من يختارون طريق الشر بأيديهم، ولكن شياطين الإنس تظل أحقر وأشرس من شياطين الجان، فالبشر لهم دائمًا نصيب الأسد في الغواية، يقال أن كيد النساء عظيم ولكن نسوا أن مكر الرجال قويم.
نظرت له سماح شذرا وهي تحاول أن تتمالك نفسها؛ فقد كاد عقلها أن يجن، ‏حاولت مهاجمته، ولكنه كان أقوى بكثير، فبضربة واحدة أسقطها أرضًا، الصورة أصبحت ضبابية في نظر الفتاة، الدنيا تدور بها لتجد نفسها ثانية في الحديقة أمام الحكيم، نظرت له نظرة منكسرة، فقد وصلت لتلك اللحظة التي أخبرها فيها راجح بمخططه، سألت الحكيم قائلة:
-  لمَ أعدتني الآن؟ لم يكن يتبقى سوى القليل في حكايتي.
فأجابها قائًلا:
-  أريدك أن تقصى علينا أنتِ كيف حققتِ انتقامك، أريد أن أرى قوتك وأنتِ تخبرينا، أمستعدة أن تكملي ما بدأناه؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي