الفصل العشرون

ارتفع صوته، بل تحول إلى صراخ هيستيري، فتلاشى كل شيء من أمامه. فجأة أحس بأن قوة جبارة تغلق عينيه وتقيد جسده، حاول تحريك جسده فلم يستطع، فتح عينيه بتثاقل ليرى سماء بيضاء فوقه، جاهد كثيرا حتى استطاع تحريك رأسه، نظر حوله فوجد طبيبة شابة تبتسم له، قال بصوت مهزوز:
-  أين أنا؟
فأجابته بابتسامة ودية:
-  أنت في مستشفى النيل، أخبرني لمَ كنت تصرخ.
قال:
- لا أعرف، ولكني كنت في مجموعة أحلام لا متناهية، أفكار بلا نهاية، لا أعرف كيف أصفها، كنت أبحث عن ذاتي ونفسي.
- كيف؟ أخبرني.
- لا أعرف شيئًا، لا أعرف من أكون، فهل باستطاعتك الإجابة؟
- اسمك مراد.
نظر لها والصدمة تعتري وجهه:
- مراد؟! معذرة أين أنا؟ ولمَ أشعر بأني مقيد؟
- حاول تحريك جسدك؛ فأنت لست مقيدا، ولكنك تبدو مشوشا يا سيد مراد.
- أنا لست مرادًا، أعرف ذلك، فلا تحاولي خداعي، معنى كلامك أن نفيسة زوجتي أنا؟
قالت بتأكيد:
-  نعم، لقد كنت زوجا لها قبلما تقتلها وتصاب بالصدمة.
قال بنفاذ صبر:
-  لم أقتلها، لقد رأيتها وهي تموت في أحلامي، ولكني لم أكن أعلم أنها زوجتي، لقد رأيت ماجد وحسنة ومراد أمامها، وحسنة تقتلها ثم تفر، لقد كنت معهم، فكيف أكون أنا مراد؟
ظل يهتز بقوة حتى شعر بأن روحه تتطاير مرة أخرى لتعود ثانية لبيت نفيسة.. كل شيء كما كان مرتبًا؛ الجرامافون الذي يصدح بأغنية "يا مسافر وحدك لعبد الوهاب" الأنتيكات التي تملأ المكان، رقصات رومانسية بين ماجد ونفيسة، غيرته المفاجئة، صوت دقات عالية على الباب، كل شيء يمر سريعا وكأن عجلة الزمن تحولت إلى صاروخ روسي الصنع، يرى عقارب الساعة تسرع خطواتها وكأنها في سباق مع الزمن، صوت انكسار الباب، دخول حسنة ومراد ليجدوا ماجد يحتضن نفيسة، العراك الدامي بينهم، منظر السكين وهي تلمع في يد حسنة وتدخلها في قلب نفيسة، هروب ماجد بلا هدى.. الظلام!
فتح عينيه وهو لا يكاد يلتقط أنفاسه، يغمغم بلهاث:
-  شيء شنيع، لقد رأيتهم، رأيتها وهي تقتلها أمام عيني، لقد قتلتها حسنة، لست أنا القاتل.
قالت:
-  اهدأ فقط، أنت ما زلت تحت تأثير الصدمة يا مراد و..
قاطعها قائلا:
-  أي صدمة تتحدثين عنها، أنا بالأساس أشك بأنني مراد، لقد رأيت كل شيء أمام ناظري، لقد قتلتها حسنة ثم وضعت السكين داخل كتاب أنتيكي، إنه شيء مثل الصندوق، كان به مصوغات فانتشلتها ووضعت السكين مكانها، لقد رأيت كل شيء، وإن كنت مرادًا كما تقولين فمعي دليل براءتي.
فجأة اختفت الطبيبة من أمام ناظريه، ليجد بدلا عنها طبيبًا شابًا ينظر له، فغر مراد فاهه، وسأله:
-  من أين أتيت؟ وأين الطبيبة الشابة؟
نظر له الطبيب بتؤدة ثم قال:
-  ألم أقل لك أنك ما زلت تحت تأثير الصدمة، أي طبيبة؟ لا يوجد أحد هنا غيري.. ولكني سأخبرك كل شيء، يقول الشهود أنك في يوم (.../.../...) رجعت إلى بيتك مبكرا، وكان الشرر يتطاير من عينك، ثم سمعوا مشادة بينك وبين زوجتك وصلت للتطاول باليد، كل ذلك عرفوه من صوت الصراخ الهيستيري لنفيسة زوجتك، لا أحد يعلم لماذا تمت المشدة، ولكنهم تفاجأوا حين أسقطت زوجتك من نافذة شقتك إلى الشارع، لم تمت بالسكين كما تقول، لقد ماتت بالسكتة القلبية قبلما تقع جثة هامدة.
أغمض عينيه، فمازال عقله لا يستوعب ما حدث، أحس آرثر بأن جسده يتعرق بغزارة، ثم عاد كما كان حيث مكتبه الخشبي.
-  الحكاية لم تنتهِ بعد؛ فالنهاية شيء أخر يا عزيزي.
قالها كرام وهو يبتسم بخبث، ثم أكمل:
-  الليلة ليلة المفاجآت يا صديقي، لقد كنت أنتظرها منذ قديم الأذل.
وقف كرام أمام آرثر، ثم أخرج من جيبه مرآة كبيرة الحجم، تعجب آرثر وسأله:
-  كيف دخلت إلى جيبك؟ أهي شيء مطاطي! إن كل ما أرى أو أسمع به منك يعد في محض الخيال.
ضحك ثم رد قائلا:
-  انظر وسترى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي