الفصل الخامس عشر

أغمض آرثر عينيه باستسلام تام، شعر وكأن أحدهم قد أمسك جفنيه رغمًا عنه، فاستسلما جفنيه له، ابتسم كرام بخبث ثم قال:
-  اشتعلت حرب طاحنة بين الإنس والجن بعد رحيل آدم أبا البشر، فقد جمع عزازيل جموعه لملاقاة مهلاييل حفيد آدم في الأرض الوسطى، حقًا لقد كانت أول حرب يشهدها التاريخ البشري، انتصر فيها بنو آدم، وقتل فيها من قتل من بني الجان، واختطف البشر عزازيل (إبليس) أسيرًا بين يدي مهلاييل. ‏الآن قد سمعتني، ولكني سأصطحبك معي في جولة صغيرة، وكأنك تشاهد ما حدث عبر شاشة التلفاز.. هيا بنا.
شعر آرثر بأن روحه تنخلع عن جسده لتتطاير خارج نطاق الأرض لأعلى نقطة في السماء، ثم تهبط سريعا، ما زال مغمض العينين، وهو لا يثق بكلام كرام، ولكنه أحس باستقرار نفسي، فتح عينيه ليجد نفسه واقفًا في مكان لم يعهده من قبل، لقد كان مثل النفق، مظلم، معتم، وبلا تهوية، كان كالطيف يمشي فوق الأرض بلا أي قيود، سار قليلًا عبر النفق ليجد غرفة بها أشخاص يصرخون، قاده الفضول لاكتشاف ما يحدث بالداخل ليجد بابًا حديديًا أمامه مصنوع كالقفص، مد يده متحسسًا الباب، فتعجب من عبور جسده للداخل، فإذا هي غرفة ضيقة الحجم، سوداء الهيئة، جدرانها مملوءة بنقوشات بدائية الفن، ‏تتدلى من سقفها سلاسل مزينة برسومات ربما تكون بابلية، يكاد لا يرى المقيدين بها لما تظهر عليه من الظلام القاتم، صراخهم يملأ الصدور رعبًا، ‏يحاولون فك سلاسلهم ولكن بلا جدوى.. يتوعدون مَن أسرهم وقيدهم بأشد العذاب. يدخل الغرفة رجل يرتدي سترة تكاد تخفي عورته، ممسكًا بيديه فتى صغيرًا، وخلفه الكثير من الرجال، صرخ الرجل في المقيدين قائلًا:
-  أتظنون أني سأترككم تنعمون بالحرية ليوم آخر؟ أتعلمون؟ بكاؤكم ونحيبكم يشعرني وكأني كائن خرافي، أيعقل أني احتسبتكم أذلاء؟ ‏كنتم تقولون بأنكم سادات الأرض الأولين، ‏عزازيل اللعين، وعراس آخر ملوك الغيلان، ‏أما أنت يا مركوت فقد كنت أسهلهم حين وقعت في أسري.. ‏أكنتم فاقدي العقل حين ظننتم أن الأرض ستؤول يوما تحت سطوتكم؟! ‏ستظل لعنة الله تلاحقكم أينما ثقفتم، ستظل المذلة درب لكم، ستبقون هاربين بالكهوف والخلاء، تأكلون من روثنا ومخلفاتنا مادامت القيامة لم تقم.
أخيرا تكلم عزازيل بنرجسيته المعهودة:
-  الآن قد فزت يا مهلاييل، ولكنك نسيت بأنني مخلد فيها، أنسيت وعدي لكم؟ فوالذي خلقني من نار السموم، وخلقك من الطين لأجعلن عاليها سافلها، حفيدك هذا سيكون تابعا لي يوما ما، لا تتعجب، لا تكون أبلها وتتوهم بالقوة لأنك فزت علينا، قريبا سيأتي الضعفاء من بني جنسك، سيسجدون لنا، سيتوهمون بقوتنا، سيكفرون كما كفرنا فنتبرأ منهم، لن نجعل فيها بشريًا مؤمنا، سنخلد في الجحيم أجمعين.
نظر إليه مهلاييل بسخرية، ثم هتف في رجاله قائلا: ‏
-  لمن الملك اليوم؟
فأجابه كل من حوله بصوت مرتفع:
-  لله الواحد القهار.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي