الفصل السابع والعشرون

شعر آرثر بأن الكون يتلاشى من حوله ليجد نفسه ثانية في الأرض الحمراء أمام قلعة كبيرة الحجم ولكنها ليست بعظمة قلعة الهوجيمو، فقد كانت تتكون قلعة سوميا من مبنى مربع الشكل بأطوال أقل ارتفاعا من القلعة الأخرى. في المنتصف فناء كفناء القلعة الأخرى ولكنه أيضا محاط بالأسوار من جميع الجوانب، وتتضمن القلعة برجاً قصيراً في الزاوية الشمالية، وبرجا في الزاوية الغربية مستطيل الشكل وبارتفاع حوالي ثلاثة عشر مترا، ويحتوي البرج على فتحات ضيقة في اتجاهات وزوايا مختلفة لإطلاق الأسهم منها، كما يحتوي المبنى على بوابة ضخمة سميكة من خشب البلوط، وقد بنيت من صخور صفراء تشبه تلك التي بنى بها الفراعنة قبورهم، دخل آرثر إلى بهو القلعة بكل انسيابية ليجد رجلا ذو وجه أسود اللون حليق الرأس، عيناه مشقوقة بالطول ووجهه عريض مختلف كثيرا عن باقي الكائنات يجلس على عرش ممرد من الياقوت، وحوله إناث يحتفون به ويعظمونه ويوقرونه، يمسكون برفارف مصنوعة من ريش الطاووس ويحفونه بها، وجوههم بلا ملامح أجسادهم عارية إلا من قطع بالية تخفي عورتهن، يدخل الغرفة جندي عاري الجزع يرتدي حزاما موضوعا فيه سيف حديدي ذو مقبض من الخشب، يقترب من العرش، ثم يركع أمام الجالس فوقه ويقول:
-  يحيا الأب سوميا العظيم، يحيا من خلق من النار وامتلك الأرض، يحيا من فضله الله على باقي المخلوقين، هناك شيء غريب لم نعهده يا عالي المقام.
اعتدل سوميا في جلسته ثم قال:
-  أخبرني ماذا حدث؟
قال الجندي:
-  شعرنا بهزة عنيفة في الأرض، وكأنها الأرض ستنشق وتبتلع ما فوقها، ولكن ما هي سوى لحظات حتى ظهر من بعيد مدينة عظيمة الشأن، لها قلعة لؤلؤية ولا نعلم من أين أتت وما سبب ظهورها، أيعقل أن يكون القدير قد خلق نسلا جديد؟
فجأة وقف سوميا وأمره أن يحضر قائد الجيوش. خرج الجندي مسرعا ليلبي أمر سيده، وما هي إلا دقائق معدودة حتى دخل ومعه جندي هيئته أقوى منه، يرتدي خوذة سوداء تغطي وجهه ورداء من الحديد، ولا يظهر من وجهه سوى عينيه. اقترب قائد الجيوش من سوميا، ثم ركع أمامه وقال:
-  يحيا عالي المقام الأب سوميا، لقد أخبرني سيرام بأن أحضر أمامك لأمر هام.
ظل سوميا يتحرك في بهو القلعة ذهابا ومجيئا متفكراً، ثم وقف أمام قائد جيوشه والطمع يرتسم على عينيه وهو يقول:
-  أهلا بك يا كهلان، يقال أن هناك مدينة أنيقة خاطفة للأذهان ظهرت في الأفق البعيد، ولا ندري لها بالا من أين أتت؟
فابعث كشافتك وجواسيسك إلى السماء ليعرفوا ما كتب باللوح المحفوظ، حتى نعرف عنهم كل شيء، فإن كانوا يضاهوننا قوة فلنتحالف معهم ولنوحد مملكتنا معهم لكي ينولنا من عزهم حتى نرتوي، وإن كانوا ضعفاء فلنجهز عليهم حتى تستعظم مدينتنا ويعم علينا الرخاء وحدنا.
ركع كهلان تجليلا له، ثم قال:
-  أمرك مطاع يا عالي المقام أبا الجان.
شعر آرثر بأن قوة جبارة تسحبه لتعيده أمام الحكيم هاروت مرة أخرى، نظر عن يمينه وعن يساره ليجد نفسه يقف كما كان أمامه، وحوله حشد كثيف من البشر.
ابتسم له هاروت ابتسامة صفراء ثم قال:
-  ألم أقل لك لا يدفعنك غرورك على ارتكاب أية حماقة، لمَ أمسكت التمثال؟ لم يكن الباب سيفتح أبداً لولاك.
شعر آرثر بالندم والحسرة ثم قال:
-  لقد سمعت من عزازيل أن الباب لن يفتح إلا عن طريق البشر، ولكن لم أفهم، فلم يكن البشر خلقوا حينها، فكيف تم فتحه على يدي،
قال الحكيم:
-  الحرب حدثت وكانت مكتوبة شئت أم أبيت كانت ستحدث، ولكن ما فعلته أنت فتح باب البرزخ أمام عزازيل ليستحضر جيوش جرارة من الهوجيمو، دائما ما يحدث لك أمر ثم تقول لقد رأيت هذا في منامي، إنها حياتك الحقيقية، لقد عُرضت عليك قبلما تولد واخترتها، وهذا ما حدث أيها المخلص، لقد أراك القدير حياتك وعرفت كل شيء عن نفسك قبلما تولد، فاخترت قدرك واخترت أن تخوض الاختبار، لقد أعدتك ثانية حتى أخيرك مرة أخرى في أن تمضي قدما أو أن ترى ما حدث، فهل تريد أن ترى كيف انتهت الحرب ومن فاز؟
أجابه آرثر:
-  نعم، لدي فضول كبير لأعرف ماذا حدث؟
قال الحكيم:
-  سأرجعك إلى أرض المعركة وإياك أن تلمس شيئا بيديك، إياك أن تأخذ شيئا، أخشى عليك من الهلاك. فمصير البشر ومصيري مرتبط بذهابك وعودتك، إياك وأن ترتكب أية حماقة
قال آرثر بثقة:
-  لا تقلق فلن يجرني الفضول لارتكاب أية حماقة ثانية.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي