الفصل الثالث والعشرون

نظر له آرثر بشفقة:
-  أصابكم ذلك الكبر الذي أصاب عزازيل من قبلكم، عزازيل يكره كون أننا نخطئ ونتوب فيُغفر لنا، أكرهتم ما أكرمنا الله به رغم علمكم بأن بنا شهوة؟ أنتم كائنات النور ليس بكم شهوة، خلقتم للعبادة فقط، لقد قال أحد التابعين: "ركب الله في الملائكة العقل بلا شهوة، وفي البهائم الشهوة بلا عقل، وفي ابن آدم كليهما، فمن غلب عقله شهوتَه فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوتُه عقلَه، فهو شرٌّ من البهائم". فماذا دهاكم؟ لقد ذكرتني ببني إسرائيل حين استبدلا المن والسلوى بالفوم العدس والبصل؛ ''أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم".
فأكمل هاروت قائلا:
-  دائما ما علمنا أن النفس الأمارة بالسوء للبشر والجن فقط، وقد ظننا أن البشر ضعفاء إذ ينصاعون لها تاركين الجنة، الجنة مجانية وتركوها، أما النار فلا، ورغم ذلك يشترون النار بأثمان خرافية، ويتركون الجنة، لطالما سخرنا منهم.. ولكن عندما هبطنا إلى الأرض، علمنا ما نجهله، وما زلنا نتعلم من البشر مالم نحط به علما.
ابتسم آرثر ابتسامة صفراء، ثم قال:
-  وماذا تعلمت من البشر؟
قال ماروت بأسى:
-  لقد كان لنا قوة خرافية، ولكن الشيطان احتوانا، لقد استطاع عزازيل أن يسيطر علينا مثلكم، كنا فتنة ففتنا البشر، نزلنا إلى أرض بابل لنعلم الناس السحر الحقيقي، فقد كان البشر يستخدمون الشياطين لتمسس أعدائهم مثلما حدث في عهد برصيصا؛ ذلك الكاهن الذي كفر، كتبنا عهودا مع الشياطين لإيقاع البشر ظنا منا بأن البشر هم السبب الأوحد فيما حدث لنا، سكنا في كهف بأرض بابل، وأنشأنا مدرسة خاصة لتعليم الناس السحر، لقد ظهر لنا أن البشر يكرهون بعضهم البعض، من يحب امرأة فيأتينا لكي نجعلها كالخاتم في إصبعه فيتزوجها وهذا زنا مستتر، من تريد أن يتركها زوجها تأتينا فنسحره وتتزوج غيره، بعدها تتخلص منه وهذا زنا مستتر.. الكثير والكثير ماتوا بسببنا، لقد غلبنا البشر في فسادهم، وعِثنا في الأرض فسادا.
نظر له آرثر مشفقا:
-  لقد أخطأتم من قبل، ولكن أعتقد أن الله أعطاكم فرصة ثانية وسترجع السماء كما كانت، لقد ساعدتنا وأزلت عنا الظلام، الآن حان دوري الذي لا أعلم عنه شيئا، ولكني سأتلو عليك الخطاب الذي أوقعنا في الظلام. ذات يوم كنت أقرأ بجريدة نظامية عن أخبار العالم ومن المعروف أن النظام الحاكم يتبع العالم الأسود ويمجدون الشيطان، فوجدت ذلك الخطاب منشور بها:
"عزيزي القارئ.. إذا كنت تبحث عن المتعة والتشويق فلتذهب إلى الجحيم. أعلم أنك فضولي "6" والآن لقد توقف عقلك عند هذه النقطة، ستحاول فهم ما قلته، ولكنك مهما فعلت لن تصل للفهم المطلق، فاترك تلك الوريقات، واذهب إلى حال سبيلك؛ هذه الرواية تحتوي على عزائم تسخير استخدمها الشيطان قديمًا في تسخير أكبر قوة شهدتها الأرض، وعند ترديدها ستجد أن رؤيتك للأمور تغيرت، ولربما تتفتح بصيرتك لتُريك عالمًا موازيًا "1" قائده الإله عزازيل؛ إله الأرض الوسطى، الآن أشعر بسخطك ورفضك لكلماتي، وستتهمني بالإلحاد، ولكني سأريك إياها وكأنك أمام شاشة التلفاز.. أما زلت تمسك الوريقات "23" وتقبض عليها بيديك المتسختين؟! حسنا فكما قلت من قبل؛ الفضول هو عدو البشر الأول... أشعر بأن الخوف قد انتابك، ولكننا ما زلنا في البداية، الخوف لم يأتِ بعد.. حاول الرجوع والتأمل ثانية في كلماتي، هل حيرتك الأرقام ولم تفهم مغزاها؟ نعم كما فهمت؛ لقد قمت لتوك بقراءة عزيمة لإحياء أرواح (الهوجيمو) لا أحياء ولا أموات، لا يستطيع أي بشري قتلهم. هل تشعر بوخز في أطراف أناملك؟ تلك هي البداية.. أكمل تلك الوريقات، ولكن لا تنظر خلفك؛ فهم يقرأون معك الآن"
لم أشعر بنفسي بعدها، فلقد سبحت روحي في الظلام وذهب عقلي للاوعي، لقد كنت أمشي في الأرض بلا هدى، كالأموات الأحياء، التفكير كاد أن يفتك بي، لقد حدثني الشيطان من داخل رأسي وأخبرني أنه استولى على الأرض، لقد رأيت الجميع يسجدون له بلا حول ولا قوة، ولكني عاندت ولم أسجد، إنه ينتقم منا بسبب كرهه لأدم ثم لمهلاييل، لقد هبط من الجنة بعدما رفض السجود لآدم، ثم حاول أن يستولى على ملك الأرض فهزمه مهلاييل شر هزيمة، لقد مر بين العصور معتديًا ظالمًا لبني البشر أسقط أغلبهم في الظلام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي