رحيل

AmrAli`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-07-24ضع على الرف
  • 26.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأول

المقدمة
يتكور حول نفسه وكأنه جالس على مقعدٍ غير مرئي، هسيس يتسلل إلى دهاليز عقله:
-  الوحدة يا صديقي هي علتك، كلكم تعانون من إثرها، إله وحيد يعاني الملل، هل تظن بأن مخلوقاته ستنعم بالسكينة؟!
أغمض عينيه وهو لا يفقه شيئًا، ليتردد الهسيس إلى مسامعه مرة ثانية:
-  الموت هو النهاية الحتمية التي خلقكم لأجلها، تُرى لماذا! أما زلت تتفكر بداخلك؟ حسنًا.. سأخبرك لكي لا تسخط عليه بعد أن خلقك دون إرادتك، يلقيك في اختبار بحياة فانية، حتى يدخلك عالمه وأنت راضٍ تمام الرضا، يغريك بجنةٍ عرضها السماوات والأرض ويلقي إياك في جحيم لا تدري له بالًا فتكفر به؛ فيلقيك في السعير، وتعاد الكرة من جديد، فلا أنت الكائن الأول الذي يدخل النار.. ولن تكون الأخير.
"وكأني عالقٌ في منتصف الطريق إلى الأبد.. حتى انتهت رغبتي وغلف اليأس أحلامي، فليت كل الأحلام يسهل تحقيقها".
شروق محمد
(الفصل الأول)
صحراء جرداء بلا حياة إلا من بيت صغير، يلتف حوله أُناس كُثر، يدورون حول البيت كدورانهم حول الكعبة! يمسكون بأيديهم أعلامًا خضراء وهم يرددون:
-لا إله إلا الله، سيدنا الأبيض حبيب الله.
يقف شابٌ بعباءة مغبرة، وكأنه جاء من عالم آخر؛ فملامحه غريبة، وملابسه غير مهندمة بالمرة، ولحيته نامية، وهو ساكن لا يتحرك أمام الضريح داخل البيت، يردد بصوتٍ خافتٍ:
-  الله حي.. الله.
شعر بأن يدًا ناعمة تلمس يده، فتح عينيه العسليتين بفزع، فلم يرَ أحدًا، أغمضهما ثانية، لتُعاد الكرّة من جديد، ظل مقفلًا جفنيه ليسمع صوتًا وكأنه هسيس يتسلل إلى عقله عبر أذنيه:
-  الآن تعرف، لطالما بحثت عن نفسك ولكن بلا جدوى، أردت أن تعرف مَن أنت ومَن أبوك، ولكنك لم توفق، افتح جوهرتيك، وابحث بالجانب الأيسر من المقام وأنت تردد كلمات التبجيل والتعويذة البرهتية التي حفظناك إياها لثلاث مرات، حينها سيزداد الدخان، وستجد مجموعة من الوريقات، اقرأها جيدًا، ولكن لا تنسى.. فالدم لا يجلب سوى الدم، عليك فقط بإيقاف المنبع، وإلا ستنهمر بحور حمراء كافية بأن تغرقك.
دون تفكير وجد نفسه يرددها وكأنما أحد يُقرئه إياها، حتى ازدادت كثافة الدخان، سمع صوتَ طقطقة خفيفة بالمقام، اتجه لجانبه الأيسر، فإذا بكتاب أسود يظهر أمامه، ظل جسده يرتعش وهو ممسكٌ بالكتاب، فتح عينيه ليجد نفسه نائمًا على مضجع مصنوع من القش، والكتاب بجانبه، تعجب مما رآه! وتساءل: هل كان يحلم؟ أم أنه أُسريّ بجسده من موقعه الغريب إلى الضريح الغامض في غمضة عين! تنحنح وهو ما زال ممسكًا به، تحسس مكانه حتى وصل إلى دورة المياه ليغسل وجهه، ظنًا منه بأنه ما زال يحلم، ولكنه كان قابضًا عليه كطفل أمسك بيد أُمه خوفًا من الضياع. أتم ما كان يفعله، وولج إلى غرفة المكتبة ليجلس خلف مكتب خشبي متهالك كان في منتصف الغرفة، فتح الكتاب ذا الجلد اللؤلؤي والوريقات الجلدية العتيقة، وبدأ في قراءة كلماته:
"بني.. نعم أنت ابني، أهلا بك أينما تكون، إذا كنت تقرأ تلك الوريقات الآن فقد وصلت لمنتصف الطريق، تلك الوريقات أخفيتها بين السحاب، عبر طيات النجوم، مكتوبة على جلد الذئاب، وغلافها من اللؤلؤ المكنون، محفور عليه اسمك، إيجادك لها مقدرًا في وقت معلوم، لا يعلمه سوى العلويون، فاقرأ ولا تخف؛ فسنقرئك وليردد خلفك المرددون، الآن ترى الوريقات أصبحت بيضاء، وكأنها طبقة غمامية، العبارات تظهر أمامك كلمة بكلمة وحرف بحرف.. ردد معي ولا تخف شر لائم، ولا مكر مارد، فأنت محمي من السماء محمود في الأرض" انزلقت الأوراق من يده لتنفتح غرفة بجوار المكتبة لم يكن يراها، ويشع منها ضوء آخر، قاده فضوله لدخول الغرفة، فوجدها خاوية على عروشها، وكأنها بوابة لمكانٍ آخر، تساءل كيف أنه لم يرها! تسلل خاطر عبر عقله مخبرًا إياه بأن الغرفة هي البوابة الخفية لعالمه الحقيقي، وحان وقت ظهورها، وأنه لن يرى سوى ما يريده أن يراه... تلونت جدران الغرفة بالأبيض، وبدأت الحروف تُكتب على الحائط وكأنها نافذة على عالم خفي:
"اخلع عنك هلعك، فإنك معنا غير مأذي أو ملام، اسبح معنا فلنريك ما لم تسطع عليه فهمًا، لسنوات وأنت تريد أن تعرف من أنت، ولكنك لا تتذكر سوى وجودك بجانب الضريح، حتى بيتك هذا لا تعرف كيف تنام به، وكأنه ليس بالملجأ والملاذ، لقد أسكناك به رحمة منا عليك، فأنت معنا كاِبن وشريك، توسلت لسيدك بأن يريك الحقيقة، ولكن هل ستستطيع تقبلها؟ إذا كنت ترى بأنك قوي الهمة فاسجد لذلك الدخان المنبعث من النافذة، واتلُ معنا العهد؛ ليتفتح لك النعيم، ولتسقط الآخرين في جحيم حتى تقوم الساعة"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي