الفلص السادس والعشرين

اقترب قائدهم واسمه "كوش" ثم سجد أمامه وتعالا صوته قائلا:
-  يحيا عالي المقام الموحد لأرجاء الأرض، يحيا المخلص العظيم مبعوث شور الجليل، يحيا من يأتي من مملكة الجان ليوحد راية الأرض تحت اسمه، يحيا ملك الأرض وعزيز السماء.
وقف الكائن الغريب ونظر لطيف آرثر نظرة ذات معنى، ثم قال:
-  اليوم ستتحد ممالك الجان والهوجيمو تحت راية الفتى العظيم عزازيل، ستكون أول حرب تشهدها الأرض، ستسفق الدماء ويسقط عالم الجن، حتى يأتي القدير بجنس جديد يعيثون في الأرض الفساد فيتحد الأقدمون والآخرون، ينسون قدرة القدير فيكفرون، حينها يأتينا نذير من الأقدمين، فنظهر ثانية من جديد لتبدل الأرض غير الأرض، فذلك يوم الوعيد.
أشاح نظره عن آرثر ثم وجه كلامه نحو الفتى:
-  أي طلب مجاب من الفتى المغوار؟
قال الفتى:
-  أريد أن أرى تلك القلعة من الداخل، لقد ظننت فيما مضى أن مملكة الجان شيء عظيم، ولكني اليوم رأيت مدينتكم فلم أرَ في جمالها قط.
دخلها الفتى وطيف آرثر يتبعه، فكانت من الداخل بمساحة دولة القلعة مقسمة إلى مائة طابق، كل طابق مقسم إلى منازل لجنود وقادة الهوجيمو، وفي أعلاها بهو آخر عظيم الهيئة، به سرائر قوائمها من الذهب، مبطنة ومفروشة بالحرير.
انبهر الفتى من القلعة، وسألهم عن مالك تلك القلعة، فأجابه "كوش" قائلا:
-  من اليوم هي ملك لك وحدك ونحن تابعوك، وسنحقق كل ما تريد أيا كان، حتى لو كنت تعتقد أنه أمرا مستحيلًا.
نظر له الفتى بتعال، ثم قال:
-  أنا من الحن الخلق الأول على الأرض، اسمي عزازيل، لم يكن بالأرض غير نسلنا، حتى خلق الله سوميا أبا الجان، تقاتلوا على حكم الأرض فانتصر الجن، وأبيد كافة نسلي ولم يتبقَّ غيري، أنا المستعبد الوحيد هنا، أُهنت واُستعبدت، بل استحقرت، أريد استعادة مملكة الأرض تحت قدمي، ولتعينوني على محاربة السماء، لا أريد ملكا فقط، أريدهم جميعًا في الجحيم، أريدهم أن ينصبوني إلها عليهم، حتى يهانوا في الدنيا ولا يكون لهم في الآخرة من نعيم.
هتف "كوش" عظيم الشأن ليصل صوته عنان السماء:
-  من اليوم ستشهد الأرض ميلاد ملك جديد، من اليوم سيصير عزازيل قائدا على الأرض وجنة الحياة الدنيا.
نظر عزازيل إلى القائد "كوش" بعدم بفهم، فأكمل "كوش" قائلا:
-  أنت في جنة الحياة الدنيا، لقد عبرت من الكهف العظيم، وقطعت الخيط البنفسجي لتصل إلى عالم الأحلام، إنه البرزخ يا عالي المقام، من هنا تستطيع ملك الدنيا وما عليها، ومن من أهل الأرض لم يحلم بالقوة داخل جنبات البرزخ، ولكنك وصلت بجسدك المادي لترزح قوتك ويعلو شأنك، وهذا إنجاز لم يصل إليه من قبل سوى أهل النور.
سأله عزازيل بلهفة:
-  ومن هم أهل النور؟
فأجابه قائلا:
-  سبعة من أهل السماء أكثرهم قوة هو جبريل، والأخوان عزًا وعزايا وآخرهم عزرائيل، جبريل وبأجنحته الستمائة يستطيع أن يهلك أهل الأرض جميعا، عزا وعزايا الأخوان يستطيعان تغيير المناخ وشحن النفوس، عزرائيل يستطيع قتل كل نفس تسعى، لا أعلم إلى أي مدى تصل قوته.
شعر عزازيل بأن أحلامه تسقط في بئر سحيق من الفشل، تجهم وجهه ثم قال:
-  كيف سنتغلب عليهم إن كانوا بتلك القوة؟ أنت لم تذكر حتى بأننا نستطيع أن نقهرهم.
ضحك القائد كوش ثم رفرف بجناحيه ليتعظم جسده ويرتفع عاليا ثم قال:
-  ليس لهم قوة في عالمنا، ربما سندخل الأرض وأنت معنا غازين، ولكننا سنفتح المعبر بين العالمين، ولكن إياك وخلع خاتمك فإن خلعته فلا طاعة لك عندنا، أعدك بأننا لا نُغلب أعاهدك على النصر فلا تقلق، ولكننا الآن سنردد عهدا وسيوثق بالدم "بسم الذي له الملكوت وإليه نرجع، خالق الكون وكل من هنا بحكمه يفتل ويخشع، سنريك أننا قد ظُلمنا والكون تحت حكمنا سيخضع، أيا كائنات النور قد سطع نوركم فليأتِ الناريون والمجنحون فينطفئ نوركم، حينها حكمنا سيُسمع".
ردد الفتى عزازيل كلمات قائد الهوجيمو، فانطلق نفير بصوت مريع من أعلى القلعة.
اختفت الشمس بفضل ظهور آلاف مؤلفة من الكائنات تطير فوق رؤوسهم، لتبسط أجنحتها ولتستقر بالأرض خلف قائد الهوجيمو. نظر عزازيل إليهم والانبهار يعلو محياه متسائلا كم عددهم، فأجابه كوش بفخر:
-  مائة ألف أو يزيدون، كلهم تحت رايتك، إن أردت إسقاط عالم الجن اليوم فلن يقف أمامك أحد.
تقدم عزازيل نحو الجيش العظيم ليتفحص وجوههم، كائنات سوداء البشرة، كلهم عرايا يلمع جسدهم، وجوههم دائرية كثمرة البطيخ، ليس لهم أُذن ولا أنف، إلا من فتحات ضيقه فوق أفواههم، أفواههم كبيرة بها أسنان مدببة صفراء بالية، وكأنهم وحوش برية، يمسك كل منهم مطرقة من حديد، لم يرى مثيل لها في حياته، وفي يدهم الأخرى سيوف، طول السيف منهم ثلاثة أذرع.
هتف فيهم عزازيل قائلا:
-  من اليوم سينفتح العالمان ليكونا كيانا واحدا، لتظهر مملكة الهوجيمو، فتنير الأرض الحمراء، سيتعجبون من ظهورنا المفاجئ، سيطمعون في تملك تلك الأرض كما طمعوا في تملك كافة الأرض الحمراء، فلنتأهب ولنستعد لهم فالغلبة لنا والحكم لنا، الموت لن يأتينا مادامت رؤيتنا الأقوى.
نظر عزازيل إلى خاتمه بابتسامة، ثم أشار بيده إلى الكهف البعيد الذي خرج منه وهتف قائلا:
-  فلتتوسع مملكتنا ولتتحد بالأرض الحمراء لتصبح أرض واحدة.
خرج شعاع من الخاتم تجاه الكهف، اهتزت الأرض تحت أقدامهم، اندثر الكهف واختفى، لتتوسع الأرض ولتظهر مملكة الجان من الجهة الأخرى. كانت أرض الهوجيمو كقارورة من العسل المصفى موضوعة، والأرض من حولها كالذبابة التي تجعل القارورة كالجنة في منتصف مستنقع مقيت، أو كطعام شهي مرصوص داخل آنية مقززة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي