الفصل الثالث

لم ينم يومها، وهو يخطط لذلك وفي اليوم التالي عاد لعمله بشكل طبيعي، وكأن شيئاً لم يكن وراح بحدث موسى عن تصرفها.

موسى:
_زوجة أخي فعلت هذا، لا أصدق.

_لم تعد زوجة أخيك، اصمت.

_لن تستطيع الانكار أنت لا تزال تحبها.

_اخرس موسى، انتهى كل شيء وخاصة بعد ما فعلته أمس، وأنا كالأحمق كنت أظنها تحاول الاعتذار.

كان موسى ينظر إليه بأطراف عينيه ويمنع الصحكة ان تخرج منه فقال له مروان:
_أنا اراك، كرشك الذي يتحرك فضح ضحكتك.

فالتف إليه موسى وراح يضحك ومروان يهاجمه بكلمات الاستهجان.

_تذكر موسى ما فعلته يوم سمعت أنها تريد مقابلتي، لقد ادعيت المرض أمام مديري، فقط لأستطيع لقاءها.

_لا تهتم مروان.


وفي اليوم التالي اتجه مروان باتجاه الشركة وقدم على الوظيفة وانتظر دور اختباره، وهناك التقى بكارلا المسؤولة عن تنظيم المسابقة، حيث اتجهت نحوه وقالت:
_أنت.

_أجل، جئت للتقدم للمسابقة كغيري.

_تمام، اهلا وسهلا بك.

راحت تراقبه كارلا بانجذاب واضح، وبهذه اللحظة مرت إسراء لكنها لم تنتبه لوجود مروان بين المتقدمين، وتابعت باتجاه مكتبها ونادت على كارلا.

دخلت كارلا وقالت:
_اخترت الأجدر بينهم.

_تمام، المهم أن يثبتوا جدارتهم بشكل عملي.

_تمام.

_غداً أريد نموذج من كل منهم عن إعلاننا الجديد عن بضاعتنا في السوق، وسأرى من سيكون الأكفأ بينهم بنفسي.

_هل أخبرهم؟

_لا تخبريهم بأنني سأجتمع بهم، حتى لا يأخذوا احتياطاتهم.

_إن شاء الله.

ذهب مروان وهو سعيد لأنه حقق أول خطوة في طريق انتقامه، وهي الدخول إلى عالم إسراء، وفي البيت راح يسرد لأمه ما حصل معه.

_لا يا بني، ابتعد عنها ولا تقترب من ماضيك؟

_لماذا يا أمي؟

_لأنها نار الماضي يا ولدي.

نظر مروان بحزن وراح يتذكر أيامه في الماضي مع إسراء.

"لقد كنت أحبها كثيراً ولكنها هي من أهانتني وتخلت عني، وكم كانت أنانية لكنني سأعلمها معنى أن تهين مروان، سنرى."


ونام يومها ولكن بعد أن تقلب عشرات المرات على سريره،وفي نومه رآها جميلةً جداً وتقترب منه وهي ترتدي فستاناً أحمر اللون مكشوف الذراعين فتبسم لها ولكنها صرخت به وقالت له:
_ابتعد، اخرج من حياتي، لقد مللت رؤيتك في طريقي.

فزمجر مروان غاضباً، وقرر أن يضربها وهجم عليها لكنه تعثر بحجر فتهاوى، ليصحو فجأةً وهو يسقط عن السرير.

ويصرخ:
_أكرهك إسراء، حتى في نومي.

وقام إلى الحمام، وغسل وجهه ثم تناول طعامه مع والدته وأخته، وأخبرهما بأن لديه اجتماع في عمله الجديد مع كادرهم الإداري.

رفيف أشارت له وقالت:
_لا تنسَ ما تحدثنا عنه، فكر بالأمر.

_اخرسي رفيف، أنت مزعجة جداً.

واتجه إلى عمله الجديد في شركة إسراء وهو يحمل المصنف الذي أبرز فيه اقتراحاته الجديدة.

وبما أن كارلا كانت معجبةً به، اختارت مصنفه كأفضل عمل قدم للشركة عندما قابلت إسراء.

_المتقدم الجديد مميز جداً.

_حقاً، لكثرة ما أشدتِ بعمله صار عندي رغبة للقائه.

_أتوقع أنه سيعجبك، وبعد قليل ستلتقين به وبباقي الموظفين الجدد، جهزي نفسك.

_تمام كارلا، جهزي المطلوب وسأكون معكم بالتأكيد.

وعند حلول الوقت المناسب للاجتماع، كان الجميع يجلس خلف طاولة مستديرة جمعتهم مع كارلا، وهنا دخلت إسراء ولم تكن تعرف أن مروان هناك، وعندما جلست بين المجتمعين؛ لترحب بهم وتشجعهم، وتبدأ النقاش معهم، وقع نظرها على مروان الذي نظر إليها باعتدادٍ واضحٍ بالنفس فتوقفت عن الكلام الذي بدأت به.

كارلا:
_إسراء، هل من خطب؟

إسراء بعد أن انتفضت:
_لا، لا شيء، لنتابع.

ثم تابعت وقالت:
_أهلا وسهلا بكم، وأتمنى أن تبذلوا قصارى جهدكم، لإنجاح شركتنا وأهدافها.

قال الموظفين تتابعا:
_إن شاء الله، لن نخيب ظنكِ.

فأيدتهم كارلا بقولها:
_كلهم على قدر المسؤولية كما لاحظت، أفكارهم جميلة، وأشجعهم جميعا.

فعلق هنا مروان بثقة:
_سنكون عند حسن الظن، أستاذة كارلا.

رمقته كارلا بنظرة إعجاب ثم ردت:
_الأستاذ مروان لديه فكرة مميزة إن أحببت الاطلاع عليها إسراء، ويمكننا مناقشتها معه.

فقالت إسراء بتوتر حاولت أن تخفيه:
_أجل، ولمَ لا.

ثم شكرت الموظفين بعد مناقشة أفكارهم، وانصرفت ومعها كارلا التي كانت تشيد بمقترح مروان بطريقة ملفتة للانتباه.
فنظرت إليها إسراء وقالت لها مازحة:
_ماذا أرى كارلا؟ أهذا إعجاب أم ماذا؟

فضحكت كارلا واحمر وجهها وقالت:
_لا، لا
_احذري الرجال، إنهم كاذبون.

وتابعتا طريقهما وفي هذه الأثناء جلس مروان خلف مكتبه وقرر أن يبذل جهده ليحقق غايته في تعليم إسراء درساً لن تنساه.

وفي غرفة إسراء كان قد وصل كنان، الذي كان معجباً جداً بإسراء وطلب منها:
_ ما رأيك إسراء أن تخرج سويا هذا اليوم؟

في البداية فوراً رفضت إسراء وراحت تعتذر:
_لا كنان، يستحيل فلدي عمل كثير.

ولكن وفي هذه اللحظة مر مروان بالقرب من غرفة مكتبها، وراح ينظر باتجاهها فاقتربت فجأة من كنان ووضعت يدها بغنج على كتفه وقالت:
_أتعلم، لمَ لا، فكرة جيدة، قرر الوقت وانا جاهزة.

فرح كنان كثيراً وضمها وقبلها على خدها، وهي تنظر إلى مروان باستهجان وتحاول إغاظته.

ما أثار غيرة مروان في اللحظة التي وصلت بها كارلا فقال لها مروام:
_ما رأيكِ أن نخرح لشرب القهوة معاً، إن لم يكن هذا سيزعجك.

فاجأها طلبه، ولكنها سعدت وابتسمت له وقالت:
_بكل سرور، متى؟

_الآن، إن لم تكوني مشغولة.

_لا، نهائياً، ستبدأ الآن فترة الغداء في الشركة، هيا بنا.

فأمسكت بيده ثم تابعت:
_تعال نخرح فوراً؛ لتناول الغداء معاً.

فوضع يده على خدها ولمسه وحركها ثم قال وهو ينظر بطرف عينه إلى ملامح إسراء:
_هيا بنا.

وبالفعل خرجا معاً وللمصادفة جعلته كارلا يدخل إلى نفس المطعم الذي قرر كنان أن يصطحب إسراء إليه.

وهناك قال لأخته كارلا:
_ماذا أرى؟ أختي والموظف الجديد معاً في جلسة غداء مشتركة.

قالت له وهي تضحك:
_اخرس كنان، ها أنذا أراك مع شريكة أبيك في العمل.

فسخرت إسراء قائلةً:
_ لا تتشاجرا، سيهزء بكما الموظف الجديد.

فرد عليها مروان بغضب:
_وهل هذه إهانة؟ الموظف الجديد.

إسراء بامتعاض:
_لا، مجرد مزحة أيها الموظف الجديد.

وراحت تنظر له وينظر لها ضمن استغراب كارلا وكنان مما جعل كارلا توجه لهما السؤال:
_يبدو أنكما تعرفان بعضكما مسبقاً.

فرد مروان:
_إطلاقاً.

وأكدت هي:
_إطلاقاً.

كانت نظرات الحقد تتطاير بينهما مع محاولات فاشلة؛ لإخفائها أمام البقية.

وهنا راح كل منهما، وجلس مع شريكه على طاولة وراح يغيظ كل منهما الأخر.

كارلا:
_أنت جدُ وسيم، وأنا يعجبني هذا الصنف من الرجال.

مروان وهو يراقب بطرف عينه إسراء:
_وأنت أيضاً فائقة الجمال، ويسعدني أن أتواجد معك الآن في هذه الجلسة اللطيفة.

_لا أنكر أنني بت دون سابق إنذار أحمل لك مشاعر خاصة تجاهك، فهل يزعجك هذا مروان؟

واحمرت خدودها خجلاً، فرد عليها بعد ان وضع يده على يدها متعمداً ويتابع مراقبة إسراء التي كانت ستجن من المنظر:

_على العكس تماما، يعجبني هذا كثيراً، وإن كنتِ لا تمانعين سنتعرف على بعضنا بشكل جديٍّ أكثر.

تبسمت كارلا، وشعرت بالفرح لدرجة أنها قامت وقبلته عل خده، فنظر باتجاه إسراء وتبسم، ما جعلها تثير اهتمام كنان حيث وجهت له نظراتها التي جعلته يقول لها:

ـ إسراء هل أستطيع إخبارك بأمر؟

ـ هاه، أخبرني كنان.

...قالت هذا بكل غيظ وهي تنظر الى مروان.

فقال بخجل:
أحبك ولا أستطيع الا التفكير بك.

فتظاهرت بالخجل ومدت يدها بشكل مقصود بالقرب من كنان، وكأنها تطلب منه أن يضع يده عليها.

_فاجأتني حقاً.

فقام مروان:
_فجأة وقال هيا كارلا، علينا أن نعود إلى الشركة.

كارلا:
_بهذه السرعة، فلنبق قليلاً بعد
يا مروان.

ـ لا أستطيع، وصلني مسج من أمي ولا بد لي أن أقصد الشركة؛ لأخذ أشياءي ثم ألتحق للبيت.

_ حسناً هيا بنا.

وقبل أن ينصرفا قالت إسراء لكنان:
- أشعر بسعادة تجعلني لا أريد الذهاب يا كنان.

فرح كنان وقال لها:
_ وأنا أيضاً.

لكنها ردت له بدهاء:
_لكن لا بد أن نعود إلى العمل فلدينا الكثير؛ لنعمله، ألا تريد أن تكون جزءاً من شركتي يا كنان؟

_بكل سرور يا حلوتي.

وانصرف مروان ومعه كارلا، وكذلك إسراء وكنان، وكلاهما مغتاظ من الأخر.

ولتزيده غيظاً تواعدت مع كنان:
_ما رايك لو نلتقي في المساء.

_بكل سرور، سآتي لاصطحابك في الساعة الثامنة مساءً.

_تمام.

قال مروان لنفسه:
"لماذا تشعر بهذه المشاعر، أنت تكرهها، وكل ما تفكر به هو طريقة الانتقام منها، انسى أمرها وأمره."
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي