28

هناك في الشركة يدخل مروان، ويلاقي ترحيب موظفيه
_أهلا سيد مروان، حمداً لله على السلامة.

_نورت الشركة مروان بيك.

_أشرقت الأنوار مروان بيك.

هكذا كانت العبارات التي رحب بها الموظفين..

أما مروان فقد التقى بموسى في مكتبه بسرية، حيث أغلقا الباب خلفهما تحسباً، فأخبره موسى فوراً:
_لقد فعلت ما أمرتني به يا أخي، تماماً كما طلبت.

_تمام موسى، وماذا عن النتيجة؟

_خاف الرجل، واعترف للشرطة بكل شيء، وهو الآن في قسم الشرطة يتم التحقيق معه.

_وماذا عن أكرم؟

_أبشر، سيتم إطلاق سراحه غداً لأنه يحتاج بعض الإجراءات الاعتيادية كما تعلم.
_تمام، عظيم جداً شكراً لك موسى، لا اعرف لولا وجودك معي كيف اتعامل مع المواقف الصعبة.

_لا تقل هذا، انت اخي.

يضمه مروان بحب ثم يطلب منه:
_لا تخبر العائلة الآن فلنجعل الامر مفاجئاً لهم، تحسباً لأي ردة فعل من الطرف المعادي.

_تمام أخي، هل نعود إلى مهام الشركة الآن فقد أهملت بعض الامور التي تحتاج توقيعك الخاص.

_تمام هيا بنا.

يضع موسى يده على كتف وقال له:
_هيا بنا.

ومن جهة اخرى كانت قد مرت إسراء إلى رفيف؛ لتصطحبها معها..

_هيا رفيف.
_أنا خائفة جداً يا زوجة أخي، خائفة من ذلك السافل، انظري ماذا أرسل إلي البارحة، إنها صورٌ جديدة مع خطيبي السابق.

_الوغد الثاني سأتصرف معه عندما يحين الوقت، أما عن الوغد إياس فهو يدرك انك خائفة منه.

تبكي رفيف:
_إنه يهددني بأكرم ومروان وأكد لي بأنه السبب بما حصل معهم، دخول أكرم السجن، وحادث مروان، وأخبرني بأنه كان نفس الرجل الذي دلني على ذلك الفندق؛ ليوقع بنا.

_كم هو قذر إياس هذا! سأجعله يندم؛ لأنه فكر بإيذاء عائلتي، هيا تعالي معي.


_لكن..

_هيا رفيف، لا تكوني جبانة.

وهناك عندما قابلتا المحقق، شرحت له إسراء القصة بشكل عام وشعر المحقق بأن رفيف خائفة فتحدث معها بشكلٍ مباشر:

_لا تخافي يا رفيف، هذا النوع يستخدم أسلوباً حقيراً مع الضحية؛ لتخويفها واستغلالها لتحقيق مآربه.

_سيادة المحقق كان يهددني بصور لا ادري كيف وصلت ليده، يبدو انه يعرف خطيبي السابق.

_هو يختار الشخص الذي يراه مناسباً لتحقيق شره، لكن اهداي الآن ولا تخافي، لقد وقع الآن إياس في شر أعماله والشرك الذي صنعه بغباء لنفسه.

تتدخل هنا إسراء:
_ماذا تتصرف هي الآن؟ سيتعرض لها بالتأكيد.

المحقق:
_طبعاً، وربما يراقبها وسيهددها مجدداً.

ترتجف رفيف وتقول بخوف:
_أنا خاىفة على عائلتي منه.

فيرد المحقق بثقة:
_سأخبرك كيف تتصرفين معه، وتأكدي سيقع.

فيشرح لهما ماذا ستفعل في حال اتصل بها وسألها عن سبب تواجدها في المقسم، وفي حال هددها او طلب منها مجدداً.

حيث قال:
_لقد أصبح الآن تحت عين الشرطة لا تقلقي، لكن إياكِ أن يشعر بأنك لست خائفة أوهميه بأنك لا زلت تلك الضحية المرتعبة منه، تمام.

رفيف:
_تمام.

إسراء:
_شكرا سيادة المحقق سنبق على تواصل.

_بالتأكيد.

وبعد خروج رفيف وإسراء، كانت رفيف لا تزال تشعر بالتوتر، لكن إياس لم يتصل بها بعد إلى ان انفصلت عن إسراء ودخلت إلى بيتها، فأرسل لها رسالة واتس:
_هكذا إذاً.

ردت له:
_ما بك، ماذا تقصد؟

_أتحدث عن الخيانة.

_لا أفهمك، عن أية خيانة تتحدث؟ ماذا تريد ان ترسل لي هذه المرة.

_اوووه، يبدو ان سيادة المحقق قد جعل ردودك قوية هذه المرة.

تصرفت بذكاء وارسلت له إيماءات لوجه يضحك وقالت له:
_هلتظن أنني بهذه الشجاعة لأذهب إلى الشرطة واشكوك، هل كنت خائفاً، يسعدني انك شعرت بما تشعرني به كل يوم.

_اخرسي ماذا كنت تفعلين هناك؟

_كنت ارافق زوجة أخي لأن المحقق طلبها بما يخص حادث مروان كشاهدة.

تذكر إياس أن إسراء كانت شاهدة على الحادث وقال في نفسه:
"هل يعقل أنها حددت هويتي يومئذٍ."

لاحظت رفيف انه توقف قليلاً عن مضايقتهت ثم بعث برسالة:
_هيا أخبريني ماذا دار بينهما من حديث؟
_قالت إسراء للمحقق أنها بسبب الصدمة لم ترَ وجه الفاعل.

نفخ إياس نفساً عميقاً؛ لشعوره بالراحة، ثم قال:
_تمام، لا تنسي ما أستطيع فعله وأتمنى أن لا تكوني كاذبة.


تواصلت رفيف فوراً مع إسراء وأخبرتها بما حدث معها بالضبط، وإسراء بدورها تواصلت مع المحقق وشرحت له الامر فقال له:

_جيد جداً، فلتكن حذرة منه واننبهي انت أيضاً، فكما فهمت أنه هددك من قبل، وبنفس الوقت انت شاهد عيان بالنسبة له، سيحاول التأكد من عدم تذكرك لوجهه.

_إن شاء الله.

وبعد أن أقفلت بلحظات وصل مروان ونادى عليها:
_إسراء، إسراء أين أنت حبيبتي؟

_انا أغير ملابسي مروان، قادمة.

دخل عليها وقال لها بانبهار:
_واو، منذ متى وانت تمتلكين هذا الثوب الجميل.

كلمته باستهجان لطريقته المكشوفة:
_اخرس مروان، طريقتك مكشوفة لنواياك، أنا لست مرتاحة ولدي عمل في المكبخ هلا حئت وساعدتني لو سمحت.

_أوو يبدو أنك في وضع لا يسمح بالمخاطرة إسراء، هل من خطب، ماذا هناك؟أين كنت؟ لم تأتِ إلى الشركة اليوم.

_اممم، لقد كنت برفقة رفيف في السوق.

رفع لها بحاجبه إلى أعلى:
_ وماذا اشترت حبيبتي؟

_مروان، ركز معي، لم أشتر شيئاً، فقط رافقت رفيف، اصمت وتعال لمساعدتي في المطبخ.

_أمرك يا ضابط الشرطة.

ضحكت إسراء وردت عليه:
_مخادع.

وفي اليوم التالي اتصل مروان بالعائلة كاملةً وقرر جمعهم لأمر طارئ، وبعد حوالي الساعة تقريباً تجمعوا في بيت يامن ومحاسن ومعهم رفيف وطفلها.

محاسن توجه كلامها لإسراء:
_خيراً يا ابنتي، ماذا يريد زوجك منا لماذا جمعنا هنا.

_لا أعلم يا أمي، حاولت ان أعرف لكنه قال لي بأن أمون معكم وسأفهم لاحقاً.

يوجه يامن السؤال إلى زمرد:
_وأنت زمرد خانم، لا بد أنك تعلمين السبب.

قالت زمرد بتذمر:
_وما أدراني، إذا كانت زوجته لا تدري انا سأعلم، هذا الجيل يخبر زوجته وليس امه.

ومالت وجهها على جنب، فرد يامن:
_خذينا بلطفك سيدة زمرد، كان مجرد سؤال.

ووسط إنشغال الجميع بأحاديثهم ومناقشاتهم وتساؤلاتهم دخل مروان من الباب وقال:
_هل أنتم جاهزون، لتعرفوا سبب اجتماعكم هنا.

رد الجميع:
_جاهزون.

قالت زمرد:
_هيا ابني، أخبرنا ابني بسرعة.

مروان:
١_٢_٣_ جاهزوووون ، ادخل واظهر يا مفاحأتي.

دخل هنا أكرم سعيداً وقال:
_مرحبا يا جماعة، لقد جئت.
وقف الجميع وشهقوا:
_أكرررم.

محاسن ركضت إليه وراحت تشتم رائحته فرحا ثم قالت له ممازحةً:
_تباً لك اكرم تحتاج إلى حمام وتغيير ملابسك، رائحتك مقززة، نزعت علي لحظة الحنان خاصتي.

ضحك الجميع وباركوا له كلٌ بدوره، وكان هو في تلك اللحظة ينظر إلى رفيف بحب وشوق، لكنه لم يلاحظ الشيء ذاته في عينيها، قال لنفسه:
"ما بها رفيف، لمً لم تقترب مني، كالبقية، هل تغيرت في غيابي."

أشاحت بنظرها عنه ثم عاودت النظر إليه وقالت له:
_هيا أكرم خذ حماماً ساخناً وأنا سأجلب لك بدلاً من البيت، تمام.

قال له والحيرة تبدو في عينيه:
_تمام.

وصار الجميع يحدثه عن مغامراته في السجن، وراح هو يتفاخر ممازحاً بعلاقاته في السجن ووعدهم ان يخبرهم عن كل مجرم عرفه بعد الاستحمام.

ضحك الجميع وكانوا سعداء جداً إلا زمرد فقد قالت لتزعج محاسن كعادتها:
_أخٍ منك يا مروان، كان عليك ابقاؤه في السجن، يبدو انه كان سعيداً هناك كما أرى.

ردت لها محاسن:
_يستحسن أن تغلقي فمك زمرد خانم.
بعد قليل عادت رفيف وهي تحمل البدل لكنها كانت متوترة فاقتربت منها إسراء:
_ما بك رفيف لا يحوز ان تتعاملي مع اكرم بهذا الجفاف، المسكين عانى ما عاناه بسببك ام نسيتِ انك من أخذته إلى الفندق بسبب إياس، كوني عادلة.

_إسراء لا تظلميني، لقد أرسل لي إياس منذ لحظات رسالة تهديد جديدة.
_ماذا؟! ذلك السافل ماذا قال لك؟
_قال لي:
"لا تفرحي كثيراً بخروجه سأعيده إن لم ترضخي لي، وربما سيسعد هو بما سيشاهد من صور قد أرسلها له فتصبح الفرحة عنده فرحتين."

إسراء بغضب:
_لا بد من وضع حدٍ له، سأتواصل فوراً مع المحقق صوري لي المحادثة وأرسليها لي على جوالي وأنا سأتصرف، لكن الآن اهدأي وتصرفي بطبيعتك حتى لا تلفتي انتباه البقية.

_تمام، سأعطي اكرم البدل وأتصرف بهدوء، سأحاول.

_أحسنت حبيبتي، سأظل بجانبك مهنا حدث، انا متعاطفة معك وأفهم شعورك.

امسكت رفيف بيدها وقبلتها وقالت لها:
_شكراً إسراء، بالفعل شكراً.

بعد أن أخذ أكرم حماماً ساخنا في بيت محاسن قال لها:
_ما هذا يا ماما، احساس النظافة إحساسٌ آخر.
_نعيما يا بني.
_حبيبتي ماما اشتقت لك كثيراً، اشتقت لتوبيخاتك لي.

_ولد مشاكس، لا تتغير.

ضحك الجميع ورد عليه يامن:
_تشتاق أمك محاسن فقط اما يامن لا اهمية له، اها.

ضمه أكرم ودمعت عيناه وقال له:
_أجمل يامن في العالم، اشتقت لك كثيراً، اشتقت لكم جميعاً، اين ابني.

قالت له رفيف:
_إنه نائم في الداخل، لم ينم بسهولة.
_فقط أريد أن أراه، لن أزعجه أبداً .

تبسمت رفيف بصعوبة وقالت له:
_تمام، تعال إليه.

دخلا الغرفة التي فيها الطفل وراح ينظر إليه بكل حب وحنان، قبل يده وقال له بهدوء:
_يا حياتي، ملاك ناىم، كم اشتقت له.

نظر إلى رفيف واقترب منها، وضع يده على خصرها، وضمها بشوق وقال لها:
_حبيبتي، اشتقت لك.
تظاهرت باللطف لكنها ابتعدت عنه وقالت:
_نحن هنا والجميع في الخارج من أجلك، لا يجوز هيا بنا اكرم، سأسبقك.


شعر اكرم أنها ليست على عادتها وتتهرب منه، حدث نفسه:
"لا ادري لم شعرت باختلاف، هل البعد كما يقولون يسبب الجفاء في العلاقة."

قبل ابنه ثم خرح إلى البقيو ولاحظ السعادة على وجوههم، أما مروان فرفع صوته وهو يحتسي كأساً من الشراب قائلاً:
غداً سنحتفل بخروجك اكرم في بيتي والكل مدعو إلى الحفلة، وسأدعو الرفاق والأصدقاء، ماذا قلتم.

صاحوا جميعاً:
_موافقين.

يومها جهزت محاسن أطيب الأطعمة التي تعرف ان أكرم يفضلها والكل شاركهم الغداء ثم انصرفوا إلى بيوتهم بما فيهم أكرم ورفيف وابنهم.


كانت تفكر رفيف بشرود طوال الطريق:
"أخشى ان يلاحظ أكرم رسائل الواتس التي يرسلها لي إياس، وأخشى أيضاً أن يلاحظ تحفظي على عدم وقوع الجوال في يده او تغيير الرمز الخاص بي، فيشك بي.

كان يراقبها أكرم هو الأخر بقلق وراح يسألها:
_ألم تفرحي لعودتي.

_لماذا تسال هكذا سؤال.
_لا ادري ملامح وجهك لا تدل على فرحتك، ام انني مخطئ.

تغضب رفيف، وتنسى ما قالته اسراء فتقول له:
_تباً لي، كان علي ان أدخل السجن أنت، يا ربي أي ذنب فعلته حتى تعاقبني هكذا.

شعر اكرم بالحزن وقال لها:
_أسف، يبدو انني أزعجتك.
وبقيا صامتين طوال الطريق.

اما في بيت إسراء فقد كانت إسراء سعيدةً جداً، حيث قالت لمروان:

_شكراً حبيبي، لقد منحتني ومنحت العائلة فرحة في هذا اليوم بعد كل المعاناة التي مرت بنا.

رفع له حاجبه مجدداً فتبسمت وقال لها:

_كيف تتجرأين؟ هل نسيت أنك عشقي وجنوني، ألن تتراجعي عن هذه التصرفات؟

_أية تصرفات؟
_الشكر والاعتذار.

ضمها إلى صدره وراح يقبلها بشوق وهي تشعر بأنها ملكة في عرشه.


اما زمرد فقد اتصل بها جارها صاحب محل الألبسة القريبة وهنأها:
_مبارك، مبارك زمرد خانم.

_شكراً للطفك عزيزي.

_هل أستطيع أن أتجرأ وأدعوك على فنجان من القهوة زمرد.
تظاهرت بالخجل ثم قالت له:
_تمام، موافقة، حدد المكان والوقت ومر بي.

_عند الساعة الخامسة عصراً، ما رأيك؟

_اتغقنا.

شعرت زمرد بالسعادة وفهمت قصد الرجل ومعنى اهتمامه، وراحت تنظر إلى مرآتها وتحدث نفسها بغرور:

_ طبيعي فأنا جميلةٌ ظريفة، طبيعي ان يعجب بي كل الرجال، غنية ولدي ذهب وجمال وجاه، لا استغرب أي شيء من هذا.

راحت تعتني بمكياجها ورونقها ومظهرها؛ لتستعد للخروج معه فتسحره أكثر.


ومن جهةٍ أخرى كان عارف بيك قد وصل إلى درجة من الانحطاط النفسي بسبب تصرف ابنته، وبينما هو هكذا رن جواله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي