24

استغرب مروان وإسراء كلامها عندما قالت:
_أنا لا أشتري حبيبتي بام، إنها ابنتي.


إسراء بلطف:
_لكن الرجل جدها وهذا حقها، ولا يجوز أن تمنعيه من أن يساعد حفيدته.

مروان:
_لا تكسري قلب جد ابنته بين الحياة والموت، أعدك ان أشرح له وجهة نظرك.

_حسنٌ، سأضع كل ما يرسله لها في مصرف باسمها حتى تكبر.

تبسمت إسراء:
_فكرةٌ جيدة وصائبة.

جلسا معهما وتناولا فنجان قهوة، ولاعبت إسراء الطفلة وحدثتها ثم انصرفا.

في تلك الأثناء كان عارف بيك في لندن يبكي ابنته التي صعدت روحها أخيراً إلى السماء والكادر الطبي يقوم بالإجراءات اللازمة لتخريجها إلى مثواها الأخير.

كان يبكي ويقول لصديقه:
_آه، لقد فقدت كنان وكارلا وابني سجين، لقد فقدت كل شيء لم يعد لدي سبب لأعيش من أجله.

_فليكن الله بعونك.

تمت إجراءات الدفن ورجع عارف إلى بيته وحيداً يتذكر أبناءه، ويتذكر ماضيه السيء عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره...

كان شاباً معتداً بنفسه ووحيداً لأمه وأبيه، مغروراً لا يهتم لمشاعر أحد، يرى نفسه مصدر إعجاب العذارى من كل الاصناف، إلى أن وقع نظره على فتاة عشرينية في أحد الأيام، فقرر أن يتلاعب بعواطفها؛ بسبب غروره، كان اسم الفتاة ماتيلدا التي لاحظت نظراته.

فقالت ماتيلدا لصاحبتها:

_ذلك الشاب يرمقني بنظراتٍ غريبةٍ،ماذا عساه يقصد؟

فردت الصاحبة واسمها ليزا:
_هل تتغابين؟ يبدو أن الصنارة قد غمزت وها هو يريد إخبارك بأنه قد وقع في حبك.

_لا، ليزا ليس لهذه الدرجة.

_سأتفق معك على شيء، سأتظاهر بأني سأتركك مودعةً وتمهلي بالمشي وراقبي ما سيفعل.

وفعلاً فعلت فاقترب بعد لحظات منها وقال لها:
_مرحباً هل يمكنني المشي قربك؟

_أجل تفضل.

_ما اسمك؟

_ماتيلدا.

_أوه، اسمٌ جميلٌ فعلاً.

_شكرا لك، وأنت؟

_عارف.

_أهلاً بك.

وتكرر موقف اللقاءات كثيراً حتى راحت تحبه وتعلقت به، لدرجة أن ليزا بدأت تسخر منها:
_لا لا ليس لهذه الدرجة قلت لي.


_أجل، أحببته جداً، وهو يحبني كثيراً واتفقنا على الزواج.

_لكن هل نسيت الفارق الطبقي بينكما؟ انتبهي يا فتاة.

لم تهتم ماتيلدا لكلام ليزا وراحت تخرج باستمرار معه حتى وثقت به في مرة وحصل ما حصل بينهما.

وذات يوم، طلبته على نطاق السرعة، وعندما وصل ركضت إليه، وضمته من عنقه وحملها وراح يدور وهي لا تزال متشبثة برقبته وقالت له:

_حبيبي عارف، انا حامل بثمرو حبنا علينا أن نعجل زواجنا.

صعق عارف:
_ماذا؟ هل تهذين؟.

شعرت بغرابته وكأنه ليس هو.
وهنا تخلى عنها، وتركها وحملت أمام والديها الفضيحة، وكلام الناس فهربت
لتنجب طفلها بعيداً عن عيون الناس.

وهناك وهي تنجب كانت تدعو عليه مع كل طلقة ولادة، حتى أنجبت بنتاً وماتت.
تلك البنت وضعت في ملجأ الأيتام، وبقيت فيه حتى صارت شابة، بعدها خرحت إلى الحياة وهي لا تعلم من هو أبوها الذي غافل أمها.

تلك الفتاة كان يراقبها عارف، ويشعر أنها خطرٌ عليه فقرر التخلص منها، أرسلها مع رجاله إلى لندن، ليبعدها عن عالمه ووضعها في مكان منعزل عليه حراس، كان يهتم بها مادياً فقط، لكنه لم يعلم أن لعنة ماتيلدا ستلاحقه.

عادت بعارف بيك كل تلك الذكرى السيئة له مع ظلم ماتيلدا وابنته الغير شرعية فقال لنفسه:

"الآن فهمت معنى ما يحصل لي، يعاقبني الله بذنب ماتيلدا التي ظلمتها وظلمت ابنتها، لذلك أنا الآن ليس لدي أولاد، وابنتي كارلا تعرضت لظرف مشابه لظرف ماتيلدا، للأسف أنا أدفع ثمن ما ارتكبت يداي من إساءة.

للحظة تخيل ماتيلدا تقول له :
_ذق عذابي، لقد فقدت أولادك واحدا تلو الآخر.


هنا شعر عارف بيك بأنه أذنب مع تلك الفتاه ذنباً شديدا.

وقال لنفسه:
" بعد أن أنتهي من دفن كارلا مع الله سأصحح خطأي."



عودة إلى عالم مروان وإسراء
فبعد عودتهما إلى البيت كان أطلس قد عاد إلى البيت من الحضانة، فهجم عليهم وهو ينادي بكفولة:
_هييي، ماما، بابا.

مروان:
_أهلا شريكي البطل وحمله على أكتافه.

إسراء:
_ما شاء الله حبيبي الحلو.

وبعد ذلك دخلوا وتناول ا كعام الغداء.

مروان:
_إسراء أين هو أطلس.

_لقد نام في غرفته بعد أن أهلكني.

_جميل تعالي ننام نحن أيضاً، ألم تشتاقي لي.

_تأدب مروان.

_ماذا؟ ها، ألست عِشقي وجنوني.

_أجل حبيبي، ارتح الآن، فأنا أحتاجك بعد القيلولة لأمر نناقشه.

_حسنٌ يا حبي، وددت لو أستطيع الآن لكنني نعِس جداً، أحبك.

_وأنا أيضاً.

هنا نامت جنبه على السرير وغفلا بسبب التعب،

وبعد ذلك استيقظ مروان، فوجد إسراء وقد غلت له دلة القهوة، وراحت تسرد له ما لاحظت في العمل:

_لقد اكتشفت أن أحداً متطفلاً يحاول أن يخترق موقع الشركة وقد حاول عدة مرات، لكنني كشفت ذلك.

_وما اسمه.

_اسمه كما قال لي موسى إياس.

_إياس، لم أعرفه مسبقاً من يكون.

_لا أعرف ما أعرفه هو أنه يشكل خطراً على الشركة.

_سأنظر في أمره، غداً.

ويخرج مروان من البيت باتجاه أمه؛ ليطمئن عليها، وهنا تقرر إسراء أن تبحث عن إياس وتعرف عنه أكثر.

وفي اليوم التالي تخرج مبكرةً وقد تركت باقة ورد بيضاء ورسالة كتبت فيها:
(سبقتك إلى الشركة، أحبك كتيرا، صباح الورد حبيبي).

واتجهت إلى الشركة بالاتفاق مع موسى وزينو حيث وصلوا جميعاً بوقت مبكر على غير عادة.

موسى:
_كل المعلومات التي استطعت الحصول عليها موجودة أمامك.

زينو:
_عرفت مع من يتكلم حتى، هههه.

إسراء:
_تمام.

ولكن وفجأة دخل رجلٌ أشقر طويل القامة، قال لها:
_صباح الخير سيدة إسراء، قيل لي انك تيحثين عني، فقلت أنا بنفسي آتي إليكِ.

_عفواً، من أنت.

_بإمكانك مناداتي إياس.

صعقها الاسم:
_إياس، اممم، ولماذا أراك هنا، خيراً.

فقال لها بوقاحة:
_سمعت عن جمالك فاتيت لاراه بنفسي.

صرخت إسراء:
_نعم، نعم، ماذا تقول؟ هل تجرؤ؟

_تمام انا سأنتظر وصولك إلى مكتبي غداً، وسنر إن كان أمر مروان يهمك.
ساترك لك العنوان برسالة.

_وكيف تعرف رقمي؟

_أعرف عنك كل شيء، حتى ما تحبين وما تكرهين.

_من أنت يا إياس بيك؟

_بانتظارك غداً، باي.

جن جنون إسراء وراح تقول لنفسها
"من هذا هل يعقل أن له علاقة بالماضي الذي لا أتذكر ننه شيئاً، هل أذهب، أم أنني سأتعرض للخطر، هل أخبر مروان، أم لا."

هنا دخل موسى وزينو ووجداها بحالة سيئة.

زينو تتساءل:
_هل عرفت من يكون؟

_لا لا ابداً، شخص وقح جداً.

موسى:
_متذا قال لك زوجة اخي، أخبريني بكل تفصيل.

حكت لهما كل شيء، وعيناهما تتسعان بسبب ما كانا يسمعاه.

موسى:
_وماذا قررت؟ هل ستذهببن؟

زينو بثقة:
_بالتأكيد لا لن تعرض نفسها للخطر، ستخبر مروان وهو من سيتصرف.

_لا زينو، لا ساذهب مضطرة يحب ان أعرف مبتعاه، لا اريد لمروان أن يتأذى.

قاطعها موسى:
_رغم كل شيء ما يسعدني هو أنك تحبين مروان، رغم كل فقدانك للتفاصيل.

تبسمت إسراء ولكن زينو الحشرية قالت:
_إنه الحب يا عزيزي موسى.

وأطلقت ضحكة طويلة أضحكت موسى وإسراء؛ نتيجة لسماعها


ثم عادت إسراء وقالت لهما:

_يكفي، موسى أريد مساعدتك غدا بشكل جدي، لا اريد لمروان أن يعرف حتى نتقصى الحقيقة.

_تمام، ولكن ماذا عن اخي مروان؟

_لن يغضب؛ لأننا سنجمع التفاصيل ونضع له حداً قبل أن يعرف مروان.

_حاضر، تمام.

_لكن فعلاً لا تقلقينا عليك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي