27

٢٧
وفي الداخل جلس ينتظرها وهو لا يعرف كيف يبدأ وماذا سيقول وقبل وصولها دخل أحد أبنائها وراح يحدثه وطلب عارف منه أن يجلس قربه.

_ما اسمك؟

_سام.

_اسم جميل.

_شكرا يا جدي.

_كم هو جميلٌ أن تناديني بحدي.

تبسم الطفل و ابتعد عنه خجلاً، ودخلت امه هنا وهي تمسك صينية القهوة وقدمتها له:
_تفضل سيدي، أهلاً وسهلاً بك.

رشف القهوة وقال لها مجاملاً:
_الله، كم هي لذيذة قهوتك!

_بالهناء يا سيدي.

_شكراً لكِ يا ابنتي.

_تفضل يا عم قلت لي أنك تريدني بأمر، ما هو؟

تغيرت ملامح وجهه، ولفت انتباهها هذا التلون فنظرت إليه بقلق وقالت:
‏_هل من خطبٍ يا عم؟

استجمع قواه وقال لها:
_نادني أبي.

فاجأها طلبه وتبسمت ثم ردت بكل لطف:
‏_بالطبع أنت كأبي.

‏_انظري يا بنتي، ساقص عليك قصة رجلٍ كان ظالماً في شبابه وعاقبه الله وتعلم الدرس وعاد ليصحح خطأه مع من ظلمهم.

_لم أفهم، ولكن لا بأس تفضل.

كانت تنظر إلى الباب وتعاود النظر إليه وتقول في نفسها:
"لا يبدو عليه الخرف، بل الهيبة والوقار، ماذا به؟ لماذا يكلمني بهذه التفاصيل التي لا علاقة لي بها، غريبٌ أمره"

وراح يسرد لها قصة الشاب الظالم وهي تستمع له بكل لطف حتى انتهى.

قالت له:
_قصةٌ مؤثرة جداً.

_هل تعديني أن تتقبلي كلامي دون اي تعصيب أو نفور.

_اممم، رغم أني لا أفهم، لكن أجل أعدك يا سيدي.

تململ وازدادت نبضات قلبه ثم قال لها:
‏_أنااا، أنااا، انا هو نفس الشخص الذي حدثتك عنه.

‏جحظت عيناها وقالت له:
‏_المهم أنك أصلحت الأمر.

‏_لكن، لكن..
‏_لكن ماذا يا عم انا لا افهم ما المكلوب مني حتى الآن، ما دخلي انا بهذه التفاصيل التي حدثتني عنها، أعتذر منك ولكن..

‏قاطعها:
‏_ولكن انت هي الفتاة التي ظلمتها يا ابنتي، أنت ابنتي، وماتيلدا كانت زوجتي.

قامت على طولها فقد صعقها كلامه:
_ماذا ، ماذا تقول؟ أنت أبي الذي تخلى عني.

_سامحيني يا ابنتي.

ذرفت الدموع بقهر، وصارت تهتز وترتجف ولم تعد تعرف
ماذا تقول:
_أسامحك على ماذا، على الخرمان الذي عشته طول هذا العنر بلا أب او أم.

كانت كلماتها تقتل مشاعره وتشعره بالحزن ، وخاصةّ عندما صار الطفل يبكي خاىفاً منه وعلى أمه.

_ماما، من هذا الرجل.

_لا تخف حبيبي ، سيرحل.
_لماذا سميت النك باسمي لوكنت تكرهيني.

صارت تبكي وتصرخ:
_ارجوك ارحل.

عارف متوسلاً:
_أرجوك يا ابنتي، جئت لأصحح خطأي أعطني فرصة لتنفيذ ذلك، أقسم أني نادمٌ جداً.

لكنها كلمته بقسوة:
_لو سمحت اخرح، سيأتي زوجي بعد.لحظات ولا أريده أن يعرف أي شيء عن هذا.

شعر بالقهر وقام ليذهب يائساً، فأحست أن قلبها يكاد يخرج معه، وضع يده على صدره، شعر بضغطٍ كبير، وراح يخرج بهدوء متثاقل المشية.

"للمرة الأولى، أشعر أنني ضعيف، ولا أستطيع الحصول على ما أريد، أين هو عارف بيك الذي كانت ترتجف الأرض من تحت قدميه عندما كان يتكلم مع أحد أو يطلب منه طلب."

قال عارف بك لنفسه ثم خرج ودخلت هي إلى غرفتها وأغلقت بابها على نفسها، وصار الكفل يصرخ خائفاً:

_ماما افتحي الباب، أرجوك.

_ابني حبيبي أرجوك اتركني واذهب ألى غرفتك أريد أن أنام.

_حاضر ماما.


كانت التوتر يسيطر عليها، فراحت تبكي وتبكي، تكسر كل ما حولها، وتصرخ:
_ لماذا الان، لماذا الآن، لماذا يا أبي، أقسم اني أحبك رغم كل ما فعلته بنا.

وانهارت أعصابها، وجمدت دون كلام.

بقيت هكذا حتى أصبح كل ما تريد فعله هو الراحة وحسب.

وعند وصول زوجها سأل عنها فعلم من الطفل أنها في غرفتها، وراح يطرق الباب عليها حتى فتحت له وعينيها متفلختين، محمرتين...
_ماذا بك حبيبتي؟ خيراً إن شاء الله.

تبكي على صدره وتخبره بكل شيء.


_متفاحئٌ بسلوكيتك للأمور كيف تفعلين هذا؟ هل طردت والدك؟

_آاااه يا سالم، أرجوك ساعدني، حائرة تماماً، أشعر أنني أحتاجه بقوة، ماذا علي أن أفعل، لكن عندما عرفني بنفسه شعرت بغضب العالم.

_صححي خطأكِ رغم، كل شء يبقى والد وقد اعترف بخطأهِ معكِ وجاء يمد لكِ يده من جديد، برأيي لا تتصرفي بأنانية أولادنا بحاجة جد.

نظرت إليه بعينين حائرتين، فضمها مجدداً إلى صدره، وكبكب على ظهرها ..

_اهدأي، اهدأي حبيبتي، ششش.

نامت المسكينة في تلك الليلة وفزعت من نومها عدة مرات.

قال زوجها في عقله:
"لم أستطع إخباركً بأن هذا الرجل هو المنافس الأكبر لأبي في السوق، صمت من أجلك، ولأنني أعلم أنك بحاجته من جهة، وأنه أب محتاج لابنته من جهة أخرى، فلا أستطيع أن أخلط الأمور ببعضها."



وفي تلك الليلة في اتجاه آخر استيقظ مروان ليجد إسراء تنام قربه فمسح على شعرها وقال لها:
_حبيبة قلبي إسراء.

فزعت إسراء وقالت له بعد ان فتحت عينيها:

_حبيبي مروان، لقد استيقظت وأنا جاهزة وحمدا لله أنت بخير.

_إسراء، إسراء حياتي، ظنتت أنني ان لن أراك ثانيةً.

_بَعُد الشر عنك حبيبي، هل تود قتلي؟

_كم أنا خجل منك ومن الخالة
زمرد، وعدت بمساعدة أكرم.

_لاال هناك وقت كاف بعد، أنا واثقة أنك ستفعلها.

في هذه اللحظة دخل الطبيب، نظر إى مروان ثم أمسك بإضبارته الطبية وقال:
_هيا مروان بيك، حان وقت الانصراف من المشفى، أنا فقط تتدلل على زوجتك.

ضحك مروان وإسراء ثم حدثا الطبيب عن وضعه وانصرفا بعد وصول موسى الذي أقلهما إلى البيت.

موسى وهو يقود:
_لم أكن أعلم يا أخي أن الحب يفعل المستحيل.

مروان وهو يحدق بشعره الأصلع:
_ماذا، ماذا تقصد؟

_رأيت القلق والخوف في عيني زوجة أخي،
عندما رأتك ممدا في المشفى وها أنا ذا أرى الحب والفرح بدلا؟ عنهما الآن، أحل إنه الحب.

كانت إسراء تضع رأسها على كتف مروان وتبتسم لكلام موسى وتنظر إلى وجه مروان طيلة الوقت.

مروان:
_سعيد لهذا وسعيدٌ أكثر أن ذاكرتها حمداً لله قد عادت.

_حمدا لله على سلامتكما، حهزا نفسيكما غداً فعمل الشركة متراكم يحتاج إليكما.


قالت إسراء:
_هل جننت موسى؟ تريده أن يلتحق بالعمل وهو لا يزال متعباً.

ضحك موسى وقال:
_إنه يتظاهر بالمرض لير الحب في عينيك.


اقترب مروان من رأس موسى وضربه من الخلف وقال:
_يبدو أن خفة الدم قد زادت لديك خلال غيابي، أيها الصديق العزيز، سترى كيف سأقللها لك عندما أعود إلى الشركة.

تظاهر موسى بأنه يبتلع لعابه ثم اسنتجد بإسراء:
_أرأيت يا زوحة أخي حجم العنف المطبق علي، النجدة.

ضحكت إسراء وساندت مروان:
_من يهاجم الحب ويسخر منه موسى، عليه أن يعاقب.

ضحك الثلاثة وقام موسى بتوصيلهم إلى بيتهم،حيث ساعد إسراء في توصيله إلى سريره.

_هل تحتاجين مني شيئاً أخر إسراء.

_شكراً موسى، سأدعه ينام، وأرى وضع طعامه والدواء.

لكن وقبل أن يخرج موسى نادى عليه مروان وقال:
_هناك رقم يجب أن تتصل به، اقترب مني؛ لأخبرك ماذا تفعل؟

هز له موسى رأسه وهو يستمع ثم قال:
_تمام، فوراً، فوراً، لا تقلق سيتم هذا كما تشاء.

سألته إسراء:
_هل من خطب؟
قال لها موسى بتكتم:
_لا أبداً، أمر يتعلق بالشركة.

وانصرف فورا، وعادت إسراء إلى مروان لتعتني به بعد أن اتصلت بزمرد لتطمئنها عنه وكذلك أهلها.

في بيت محاسن ويامن، كانت محاسن تتحدث إلى زوجها والحارة منار:
_حمداً لله، صهري مروان قد نجا وابنتي قد استعادت الذاكرة كاملةً، كم أشعر ان حظ إسراء حبيبتي غير متوازن، دائماً مشاكل وهموم، يلرب احفظها لي.

يامن:
_لا تقولي هذا اختبارات الله للإنسان كثيرة ليختبر إيمانه وصبره.

منار:
_صدقت، فليحمِ الله لنا أولادنا.

وبعد انصراف الجارة أنهيا عملهما ورافقا زمرد ورفيف إلى بيت مروان وهناك..

مروان بانزعاج:
_من الذي يطرق الباب في هذه الساعة من الظهيرة، ألا يعلم الطارق بأني مشتاق لزوجتي حبيبتي، وخاصة أنها تتذكر مروان والتفاصيل الجميلة، لا تفتحي لأحد إسراء

_مروان، لا يجوز.

قامت وفتحت الباب ورحبت بالجميع:
_ماما، بابا، اهلا بمنا، اهلا خالة زمرد، رفيف حبيبتي، تفضلوا.

قالوا تباعاً:
_حمداً لله على السلامة.

_شكرا لكم، تفضلوا، سأنادي على مروان.

رحب مروان بالجميع، وشاركهم احاديثهم وهو ينظر إلى إسراء نظرة تفهمها أنه ليس مرتاحأ لوجودهم.

تبسمت إسراء:
_أهلاً وسهلاً بكم جميعاً،

زمرد:
حبيبي، يا ولدي، سلمك الله من كل شر.

_ماما حبيبة قلبي.

اقترب وقبل يديها وضمها ملتصقاً بها.

زمرد بحب:
_انظري محاسن، تذكرت مروان عندما كان صغيراً، لم يكن يفارقني ويلتصق بي دائماً.

يامن وهو يبتسم:
_يبدو ان صهري قد حافظ على هذه العادة في الكبر.

فضحك الجميع، ودخلت إسراء إلى المطبخ، وتبعتها رفيف وهي لم تنطق بالداخل بولا كلمة.

نظرت إليها إسراء وقالت لها:
_ما بك؟ تبدين شاحبة جداً.
تبكي رفيف. تقول لها:
_يبدو انك نسيت رسائلي لك قبل حادث مروان.

طرقت إسراء على رأسها وقالت معتذرةً:
_أقسم أني قد شغلت بمروان ونسيت تماماً أنا أسفة، هيا تكلمي، ماذا كنت تريدين مني؟

راحت تسرد لها رفيف بقلق وخوف ما حصل معها وعن الشخص الذي يهددها وما يمسكه عليها وبما يهددها.

حدقت إسراء بها وردت لها بلوم:
_أأنتِ حمقاء يا زوجة أخي، لديك كل هذه المعلومات وتسكتين، وفوق هذا تعرضين نفسك للخطر، انت مخطئة، هناك قانون في البلد يحمي البشر.
_كنت خائفة من تهديداته، حتى انني قصرت بحق أكرم ولم أستطع زيارته خجلاً مما يفعله بي ذلك السافل، إسراء أنا خائفة وخجلة، ساعديني أرجوك.

_غداً نذهب معاً إلى المحقق وتخبريه بكل شيء وهو سيتصرف، لا تخافي.

_أرجوكِ لا تخبري أحداً وخاصةً أخب مروان وأمي، لا أستطيع النظر بعينيهم.

_انت حمقاء، إنه مجرم وسيعاقب، سترين.
_شكراً إسراء طمأنت قلبي
_هيا خذي القهوة وتظاهري بأنك طبيعية، ولا تشعريهم بأي شيء.
_حسناً.

دخلتا إليهما وكان الجميع فرحاً يتحدث عن ما مر به مروان وإسراء من مغامرات في حبهما.

زمرد:
_الحمدلله، لقد عادا كما كانا.
محاسن:
_أجل، الله معهما.

وفي اليوم التالي أصر مروان على الذهاب إلى الشركة بعد اتصالٍ جاءه من موسى، دون إخبار إسراء بالسبب الحقيقي، واتجهت هي إلى رفيف لاصطحابها.

قال مروان في سره:
"لا أريد ان أزعجها في تفاصيل جديدة قد تقلقها."

وفي نفس اللحظة فعلت هي وقالت لنفسها:
"أخشى ان أقلقه ووضعه الصحي لا زال غير مستقر، سأخبره لاحقاً."

شدها من ذراعها إلى صدره وقبلها بشدة ثم ودعها وانطلق.


لم يكن يعرف أنها ستفعل أيضاً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي