الفصل السابع

سافرت إسراء واهتمت بابنها وحيدةً، دون أن يعلم أي أحد أين تسكن، لكنها كانت تتواصل مع أهلها بالصوت والصورة فقط ودائماً تطلب منهم أن يخفوا أمر ابنها عن مروان.

حتى وصلها خبر صاعق أجبرها على العودة فوراً.

حياة:
_للأسف يا إسراء، هناك خبر سيء.

_ماذا هناك يا أمي؟ أقلقتني.

_كنان يا إسراء كنان

_ماذا به؟

بتأتأة:
_لقد، لقد

_ماذا جرى له يا امي؟

_لقد مات.

جن جنونها، حملت نفسها الذنب، صرخت بكت، كسرت كل شيء وقع في طريقها، لكن ما أوقفها وهي تلهث كان صوت طفلها الخائف الذي بلغ سنة ونصف من العمر وحجزت على أول طيارة وعادت إلى الوطن.

وفي المطار وجدت أهلها يقفون لاستقبالها كان بينهم أكرم ومعه رفيف وطفل عمره أشهر، سلمت عليهم جميعاً وهي تذرف الدموع.

يامن:
_لم أعتقد أنك جاحدة لهذه الدرجة، قاربتي على إنهاء السنة الثانية من الغياب، أولم تعلمي أن لك أبى يشتاق لك.

أتبعت حياة ودموعها تنزل على خديها:
_وأمٌّ تعتبرك ضوء عينيها.

أكرم:
_أخوكِ تزوج دون حضورك العرس، كان يتمنى أن تحضري زفافه مع عروسه، وفوق كل هذا رزق بطفل لم تباركيه له.

فقبلت رأس أبيها وقالت له:
_سامحني يا أبي، أرجوك سامحني.

وضعت بين يديه طفلها الذي راح يبكي مستغربا من حوله، واقتربت من أمها وقبلت رأسها وطلبت منه السماح:

_سامحيني أمي، لو كنت مكاني ربما كنت ستفعلين الأمر ذاته دون تخطيط.

والتفتت إلى أكرم ورفيف وقالت لهما:
_أنتما رائعين وجميلين وطفلكما جميل جداً.

تبسم لها أخوها وقبلها على رأسها، وهكذا عادوا إلى المنزل وهناك بعد أن جلست مع عائلتها وارتاحت قليلاً سألتها حياة:
_ماذا ستفعلين الآن يا إسراء، أنت تعلمين مدى سخطهم عليك يا ابنتي.

_أعلم ذلك لكن يجب أن أذهب بمفردي إلى هناك، مهما حصل يجب ان أحضر عزاء زوجي.

أكرم:
_بالله عليك أختي، هل جننت، ستطردين، خاصة أنهم يعتبرونك قد هربت بحفيدهم وتخليت عن ابنهم المريض.

رفيف بحزن وتعاطف مع إسراء:
_ للأسف عزيزتي السخط عليك موحود وخاصةً أن الأب غاضب جداً وقرر الانتقام منك منذ إصابة ابنه فهو يعتقد أنك سبب.

إسراء:
_اهتموا بأطلس ولن أخافهم.

وبالفعل تركت طفلها عند أهلها واتجهت إلى هناك لتجد الجميع في العزاء وكلهم يرتدون اللون الأسود، صدم الكل بمجيئها، وخاصةً مروان الذي تفاجأ بجرأتها وعندما تقدمت كارلا لطردها غاضبة وهي تقول:

_السافلة، سأقتلها، كيف تجرأت على المجيء.

منعها مروان قائلاً:
‏_اهدأي لاتتعجلي الأمور علينا احترام العزاء فالناس هنا، لا يجوز.

قال في نفسه:
_ها قد عدت، سأعاقبك على هروبك أيتها الحمقاء، ستندمين وتتمنين لو أنك لم تعودي.

اقتربت اسراء من جثمان كنان وراحت تبكي وتخبره:
_سامحني كنان سامحني، لم يكن باستطاعتي، لقد ظلمتك معي، آااه، آاااه.

وهنا تقدم إليها أبو كنان وجثا على ركبتيه وتظاهر أنه يواسيها أمام الناس وهمس لها قائلاً:
_اخرجي من بيتي، وانتظري عقابي يا مجرمة.

نظرت إليه بحزن وحاولت التكلم فقهمس ثانيةً:
_ولا كلمة، ارحلي من بيتي فقد دنسته، هيا وبهدوء هيا، ابدأي عد أيامك الأخيرة.

نزلت دموعها، ورحلت وهي تنظر إلى عمها تارةً وإلى جثمان زوجها المتوفي تارةً أخرى،وغادرت وهي في قمة الانهيار.

وبينما هي هكذا سمعت صوتاً يوقفها:
_انتظري إسراء.

فالتفتت؛ لتجد مروان خلفها فقالت له:
_هل جئت؛ لتشمت بي مروان؟

_لا طبعاً، أريد أن أعرف ما قاله لك عمي.

_لقد قال أنه سينتقم.

_لا تخافي، واهتمي بنفسك، مهما حدث لن أسمح لأحد غيري بتأديبك، ارحلي واختف عن الأنظار.

_تبا للحب كم هو كذبة حقيقية.

تبسم مروان بسمة الشماتة والتف إلى الوراء واتجه إلى الداخل، وعادت هي إلى أهلها وطلبت من أهلها التجهز للسفر معها.

حياة:
_لن أهرب، هناك قانونٌ يحمي البلد.

يامن:
_أنا لا أخافهم، لكن أخاف عليكم أنتم، خذي ابنك وأخوكِ وعائلته وسافروا، لا تخافي.

_إذاً سأبقى هنا ولن أهتم لتهديداتهم.

أكرم:
_أختي، لن أسمح لأحدٍ بإيذاءك، لن نهرب إلى أي مكان.

رفيق:
_مروان يكذب إنه لا يزال يحبك بجنون، لكنه غاضب فقط من تخليكِ عنه.

إسراء:
_لم يعد مهم فهو الآن لديه عائلة زوجة وطفلة عليه تربيتها والاهتمام بها.


ومن جهة أخرى اتصل أحدهم باسراء وحدثها بشيء لم تخبره لأهلها، حيث قالت له فقط:
_إن كنت صادقاً سوف أضاعف مكافئتك، وافني غداً إلى مقهى الورود.

وأقفلت والجميع لاحظ أن ملامحها تغيرت تماماً ولم يعد الخوف بادٍ على وجهها، ثم قبلت طفلها أطلس وأدخلته إلى غرفتها في بيت أهلها.

قال أكرم:
_ما الذي يحدث معها؟ من هو ذلك المتصل، وماذا قال لها حتى قلبت مئة وثمانون درجة.
يامن:
_لا أعلم ولكن أظنه خيراً.

حياة:
_يارب.

وفي تلك الليلة كانت ابتسامة إسراء لا تفارقها أبداً، وراحت تتذكر تلك الايام التي عاشتها مع مروان.

_هل تذكرين امي عندما أحرقت البقالية الخاصة بك، يومها رحتي تصرخين وتلطمين على وجهك، وأبي كان يؤنبك ويلومك، يومها طلبت مني أن لا أتزوج أبداً ولكن مروان طلب يدي يومها وأنا وافقت فوراً.

ضحكت حياة وراحت تهز برأسها وتستغرب وتسأل إسراء:
_أجل لقد كنت حمقاء مثل أمك ، لكن قولي لي ما الذي ذكرك بهذا يا ابنتي؟ أقصد ماذا خطر ببالك؟

_مروان، هو من ذكرني بهذا، أقارن بين مروان الآن وبين مروان زمان الذي كان يضع نظارت عريضة القالب ولا يهتم إلا بأفكار غبية، وأنا من كانت تعمل وتجلب المال وتقترح الأفكار لتطوير حياتنا، فملني وتخلى عني.

يامن:
_ لكنه اعتذر منك وحاول إعادة العلاقة معك وأنت رفضت يا ابنتي، أم أنك نسيت؟ هاه.

_لا أبي لم أنسى، لكن كان عليه تفهمي وتفهم طموحاتي.

أكرم:
_لن ينفع كل هذا الآن، ألن تخبريه عن أطلس.

إسراء:
_اخرس، قد تسمعك رفيف، لا أريد أن أخبر أحداً بهذا.

نظرت إلى أطلس الذي كان يلعب بألعابه وقد غفى على الأرض فقامت وحملته وقبل أن تدخل قالت:

_جهزوا أنفسكم لنعود إلى بيتنا الذي سكنت فيه مع كنان قبلاً.

ونظرت نظرة حزن، قاطعتها أمها:
_لا يا ابنتي، هل نسيت أنه قريب من بيت عارف بيك ابو كنان الذي لن يدعك وشأنك.

يامن مشجعاً للفكرة:
_لا لنذهب، هناك بيتها وستعود إلى مكتبها لتعاود نشاطها ثانية.

_لا تشجعها على ما يعرضها للخطر.

_اصمتي حياة ابنتي قوية ونحن في بلد فيه قانون، الأمر ليس شوربة خضار.

وهنا قالت إسراء:
_سنعود غداً جهزي كل شيء يا أمي.

ودخلت مع أطلس ووضعته على السرير ولكنه فتح عينيه وقال لها بصوته الطفولي:
_ ماما إحكِ لي حكاية ما قبل النوم.

راحت تقص له قصة الشاطر مروان والحالمة إسراء بطريقة أقرب لخيال طفل، حتى غفا.

وراحت تتذكر تلك اللحظات الجميلة التي قضتها معه في فترة حبهما لبعض.

وقالت مع تنهيدة:
_ياه، كم كانت أيام جميلة يا مروان، لكنك خربت كل شيء.


وفي بيت كارلا ومروان كان الحرب قد قامت بعد ان ناقشته بأمر اهتمامه لها:
_أنت لم تتغير، عليك أن تفهم إسراء تكرهك ولن تحبك، لطالما أخبرتني بهذا.

_ليس من شأنك ولا تتدخلي، كارلا علاقتي بك منفصلة عن حياة إسراء، أنت كاذبة كبيرة.

_كيف تجرؤ على نعتي بالكاذبة، سأخبر أبي.

_مغرورة بمال أبيك، لا تنسي لولا جهودي لما قامت شركة أبيكِ.

_ولا تنس لولاي أنا لما وصلت لمنصبك في شركة أبي.

_أتجرؤين يا كارلا؟

_أجل، وإن لم تتغير لن أتردد في إخبار أبي.

_حسناً سأترك لك البيت افعلي ما يحلو لك به.

_ماذا سأقول لابنتك غداً عندما تسأل عنك.

_لا تخافي، أستطيع فصل علاقتي بك عن علاقتي بالطفلة.

فصرخت به:
_توقف، لا تخرج، أنا التي ستخرج.

وأمسكت حقيبة يدها وخرجت إلى بيت أبيها، وقالت له:
_يحتاحني أبي، بعد وفاة أخي لم يعد على ما يرام، وبدلاً من أن تكون معه تقوم بتخريل أعصاب ابنته، تنح جانباً.

_انتبه للطفلة.

_اممم.

_اممم.

دخل بعدها وراح ينظر إلى تلك الطفلة ويلمس وجهها ويقول:
_ما ذنبك أنت؟ حتى تحصلين على هذه الأم.

أما كارلا فخرجت غاضبة وفجأة رن هاتفها وإذا به مارك.
‏_تعالي كارلا، أين أنت؟

‏_ماذا تريد مارك، لست بمزاج جيد.

‏_تعالي إلي وسأعدل مزاجك.

_حسناً أنا قادمة.

وقضت تلك الليلة معه ولم تذهب إلى بيت أبيها.

وفي بيت رفيف كان أكرم غاضبا جداً، يتشاجر مع رفيف.

_لم أتكلم مع أية فتاة ولكنك أنك لا تثقين بي رفيف.

_لا لن أثق بك، لقد رأيتك تنظر إليها وتكلمها، أليست هي نفسها الحب القديم هل حاولت استعادة الأيام الخوالي معها، أم ماذا تكلم.

_لن أدافع عن نفسي وإن لم تصدقي فأنت حرة.

_اخرج إلى الصالون ونم هناك، لن تنام هنا قبل أن أتأكد من صدق كلامك.

_لا تعذبي نفسك سأذهب إلى حياة وأنام عندها.

_تبا لك، ستذهب إلى حياة إذن، ولم علي أن أصدقك.

_أنت مجنونة وغبية ولا تحبيني.

_أجل أكرهك أكرم.

يخرج من البيت غاضباً ويتجه إلى بيت أهله وهناك، وعندما تراه حياة تحاول أن تتمالك نفسها من الضحك:
_لماذا عدت يا بني؟ منذ قليل كنت هنا مع زوجتك وطفلك.

فضحك يامن وقال له:
_يبدو أنك طردت يا بني، تعال إلى صدر أبيك.

أكرم بغضب:
_تباً لك يامن وتباً لك حياة، سأخرج الآن.

وخرج غاضباً وراحت أمه تضحك وتضحك وكذلك أبوه الذي راح يقول ضاحكا:
_لا بد أن زمرد طردته، ههههه.

_هههه، أعتقد أننا زدنا عليه قليلاً.

_لا تقلقي عليه سيعود ويتفاهم معها.

_أعلم أنه المخطئ، فرفيف فتاة عاقلة، لا أدري ماذا فعل لا بد أنه بلل الطين ماءً.

وبينما كان مروان نائماً استيقظ على بكاء الطفلة واكتشف أنه ساخنةٌ جداً.

_اهدأي حبيبتي، لا تقلقي أنت بخير.

_بابا أين ماما، أنا خائفة، هل سأموت.

_لا حبيبتي، انت بخير، إنه مجرد برد بسيط سأقلك إلى الطبيب لا تخافي، أحبك غاليتي.

_وأنا أحبك بابا، لكنني أريد ماما.

يرن مروان على جوال كارلا لكنه يكتشف أنه مقفل، فيرن على رقم عارف.

_ألو مساء الخير عمي، هل أستطيع أن اكلم كارلا، هاتفها خارج الشبكة.

_اهلا مروان، لا كارلا ليست هنا، ربما لم تصل بعد.

بصدمة يتكلم مروان ويحاول التظاهر بعدم الاهتمام:
_لا، لا ربما أنا فهمت الأمر خطأً، أوه أسف عمي ها هي قد وصلت، سمعت صوت سيارتها.

_حسناً بني قبل لي كارلا والصغيرة.

_تصبح على خير.

قال مروان لنفسه:
_هكذا إذاً يا كارلا أنت تكذبين مجدداً، ترى أين أنت الآن يا فاجرة.


وأخذ الطفلة بسرعة، وهي تزداد سوءا ونقلها إلى المشفى بعد اتصل بالطبيب، ونام معها هناك بعد أن اتصل برفيف وزمرد.

في تلك الأثناء كانت زينو قد تعرضت لألام الولادة واتصلت بإسراء لتلحق بها وموسى فوراً إلى المشفى، وهناك كانت.المفاجأة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي