الفصل١٥

الفصل١٥:
قال الرجل لزوجته:
_أخشى عليك من تلك العاطفة، قلت لك ألف مرة، إن الله لم يرزقنا بالأطفال، لكننا نحب بعض ونثق ببعض، لكن أنت مصرة أن توقعينا بالمشاكل.

_أرجوك حبيبي، إن هذه الطفلة قد أرسلت لي وهي خائفة ترى لماذا، أنا لا اراها مجرد صدفة أبوها وأمها مجهولين، لقد أرسلها الله لتصبح لي أنا.

دار نقاش مطول لكن السيدة قررت ان تتبناها وتهتم بها كابنة.


_لك ذلك لكن، أتمنى أن لا يظهر لها أهل بشكل مفاجئ.

_مهما حدث لن أتخلى عنها، لقد دخلت قلبي من أول لحظة.

ثم نظرت إلى الطفلة بحنان وقالت لها:
_منذ اليوم أنا ماما، هلا رافقتي ماما إلى السوق، لتشتري لك ثوبا جديداً ولعبة.

قالت الطفلة بفرح:
_وحلوبات.

_وكل ما ترغبين، قولي لي ماما.

نظرت أليها الطفلة وقالت:
_ماما.

هرعت إليها واحتضنتها وبكل حنان وقالت لها:
_يا روح ماما.

نظر زوجها بحزن شديد وتأثر لدرجة ان دمعة هربت من عينه.


وفي تلك اللحظة في المشفى لاحظ الطبيب أن كارلا ساء وضعها وراحت تصرخ باسم ابنتها ثم تغيب عنزالوعي ثانيةً.

هنا سأله الأب عن حالتها:
_طمئن قلبي أيها الطبيب، هل ستنجو؟

_لا نستطيع الجزم، فحالها ليس بالسهل.فكر عارف في نفسه وقال:

"المصيبة إن نجت من المرض، فلن تنجو من قبضة الشرطة فقد قتلت مارك."

فاتصل ببنان وقال له:
_إياك أن تظهر في الوقت الحالي، الشرطة في كل مكان.

_حسنا يا ابي، لكن لاتنس إرسال النقود لي.

_تباً لك.

أما إسراء فقد كانت تتحسن من الناحية الجسدية بسبب اعتناء الطبيب، ولكن عندما تقدم منها الطبيب في اليوم الخامس من علاجها وسألها:
_مااسمك، يا صبية؟

لكنها نظرت إليه، وقالت ببلاهة:
_قلت اسمي.

_أجل، ما هو؟

ضغطت بإصبعها عل رأسه وقالت:
_أنا، أنا لا أتذكر شيئاً.

_ولا أي شيء.

_امممم، لا، أشعر أني لا أنذكر أي شيء.

نظر الطبيب إلى الممرضة وقال:
_المسكينة يبدو أنها قد فقدت الذاكرة بسبب تعرضها لصدمة.

يبدو أن الظروف القاسية قررت أن تغزو عالم إسراء فقد تفرقت عن عائلتها، وطفلها وحتى من يحبها.

الممرضة:
_مسكينة جداً، هل هناك أملٌ بالشفاء، يا ترى.

الطبيب:
_نحتاج الوقت للحكم على حالتها، فنحن لا ندرك أية ظروفٍ تعرضت لها.

كان الطبيب شاباً وسيماً جداً ومشهور في نطاق عمله، يدعى جاك، وراح ينظر لها بإعجاب:
"جمال تلك السيدة يلفت نظري، وحرك مشاعري."


الوضع كان سيئاً جداً، فإسراء في واقع أهلها مفقودة، لا يعلمون عنها شيئاً، ومروان تواصل مع عارف مهدداً..

_أحذرك، لو جرى لإسراء أي شيء سأقتلك، وسأخرب تلشركة رأساً على عقب وأنت تعلم أني أستطيع ذلك.

امتعض مروان بك ثم قال بغضب:
_قلت لك لقد أرسلتها وفككت وثاقها، وكارلا بين الحياة والموت، أيها الزوج الصالح.

_هل جننت؟ كيف تتركها دون إخباري، هي لم تصل حتى الآن، تباً لك، ادعو أن لا يحصل لها مكروه.


وهكذا مضى على اختفائها فترة من الزمن والأهل مع مروان سيجن جنونهم..

يامن:
_افعل أي شيء يا بني، أرجوك أن تحد لنا إسراء، يا مروان.

محاسن:
_أجل أجل، أرجوك فقد اشتقت لها كثيراً.

مروان:.
_سأجدها أقسم سأفعل.

وشعر بالعجز أمام مشاعرهم، وخاصةً عندما نظر إلى أطلس وهو ينادي:
_ماما، أريد ماما يا أبي

_حبيبي، أطلس القوي الحلو، ماما مسافرة لعمل اضطراري ولن تتأخر.

أطلس ببراءة:
_وعدتني أن تجلب لي لعبة سبايدر مان ولم تفعل.

فنزل إليه مروان وقلبه يعتصر ألماً لمشاعر هذا الطفل وقال له:
_أتعرف ماذا، انا المخطئ.

_لماذا يا شريكي.

_لأن ماما إسراء طلبت مني ذلك وقالت أن أخذك معي لأشتري لك اللعبة وأنا نسيت.

فرح أطلس وقال بطفولة:
_هيييي، وستشنري علبة بوظة أيضاً.

_وبوظة أيضاً.

حمله في حضنه وقال له:
_هيا بنا ننفذ طلب ماما يا أطلس.

_هيييي، أحبك ماما.

كانت محاسن تراقب كل هذا وهي في غاية الحزن، وفجأة أحست بدوار، فتهاوت وأسرع يامن الذي لاحظ هذا وساعدها للجلوس قائلاً:
_ارتاحي، ولا ترهقي نفسك.

_كيف تطلب مني هذا وابنتي لا نعرف عنها شيئاً.

_تعالي وهدأي من روعك، ولنكثر الدعاء.
دخل اكرم ورفيف ومعهم زمرد التي تغيرت تماما في هذا الظرف.

‏زمرد:
‏_فليطمئنا الله عنها، وليكن جلالته معك يا صديقتي.

‏_شكرا زمرد، يا صديقتي شكراً.

‏_هل أنت مجنونة محاسن، صحيح أنني أراك حمقاء وجاهلة وفقيرة، لكنني أحبك وأحزن لحزنك، أجل.

كلماتها رغم حزن العائلة رسمت ابتسامة على وجه محاسن وعائلتها.

في تلك اللحظة شعرت محاسن بانقباض فقالت لأكرم:
_أدخلني أكرم إلى سريري، أشعر بالقلق.

رفيف:
_اهدأي يا خالة محاسن، لابد أن نجدها وستكون بخير.


وفي المشفى حيث إسراء قرر الطبيب أن يأخذ إسراء إلى بيت أمه.

_ما رأيك يا حلوة ستعيشين مع أمي في بيتها حتى ترجع ذاكرتك.

_حسناً.

_سأطلق عليك اسما جديداً، اممم وليكن سارة.

شعرت بشيءٍ غريب في داخلها تسرب من الذاكرة لكنها لم تعرف كيف فقالت لجاك:

_أشعر أنه اسم قريب من اسمي، حسناً موافقة أحببت الاسم.

_حسناً هيا يا سارة إلى البيت.

نقلها الطبيب جاك إلى بيت أمه التي سرت لرؤيتها وتقبلتها كمؤنس لها.

وبقيت الأمور هكذا، إسراء تحت اسم سارة لاتتذكر شيئاً ومروان يكاد أن يفقد عقله.

وفي بيت زينو..

_صعب جداً يا موسى أن أعيش الحياة بدون إسراء، لا أستطيع التحمل، حياتي ناقصة.

_معك حق، لكن انظر إلى الأمر من منظورٍ آخر.

_منظور يا موسى! بالله عليك اسمعي زوجك ماذا يقول يا زينو.

تضحك زينو وتخفي ضحكتها فوراً وتقول لموسى:
_بالله عليك يا زوجي أن تصمت مبتعداً عن فلسفتك.

_تباً لإصغائكما، أقصد ان الله وضع حبكما تحت الاختبار؛ لتكتشفا مدى هذا الحب، بعد كل ما تعرض للمشاكل والفراقات.


نظر إليه مروان وهز رأسه، وأمسك كأس
النبيذ وكرر الشرب لعدة مرات حتى ثمل تماماً.

فنقله موسى إلى إخدى غرف منزله وهو ينادي:
_إسراء حبيبتي، أين أنت لا أستطيع الحياة دونك.

كان منظره يقطع القلب، فقالت زينو:
_يا إلهي كم هذا موجع.

_أعلم هذا يا زينو ولكن ليس ياليد حيلة ليس هناك إلا الانتظار.

_آخ وآخ.

أما كارلا فقد كانت لا تزال حبيسة غيبوبتها وأبوها يكاد يجن وراح يشعر بالندم ويحدث نفسه بحزن:

_هل يعاقبني الله بابنتي، على ما فعلته مع إسراء.

واتصل ببنان وتأكد منه عن موقع تركه لاسراء وقرر:
"سأصلح خطأي، وأحاول إيجادها، عل الله يسامحني، ويعيد لي كارلا كما كانت في السابق."

دمعت عيناه ومسحها ثم اتجه إلى بيت مروان،
وهناك قابل عائلة إسراء وبينهم مروا فقال له:
_أرجوك سامحني، لم اكن أفهم معنى أن تهتم بمشاعر ابنتك، وراح يجهش بالبكاء ويقول:
_كارلا تلك القطة اللطيفة، هاهي الآن راقدة على السرير لا كلام ولا غنج.

محاسن:
_فليكن الله معك ، ومعنا تفضل بالدخول.

ركض أطلس بسرعة إليه وقال بفرح:
_جدي عارف، اشتقت لك، أين هي خالة كارلا وأين ابنتها، اتعلم لقد أصبحنا صديقين
_حقا تعال واجلس على ركبي يا صغير.

فاقترب مروان من عارف وهو غاضب جداً
_عليك إخباري بأدق التفاصيل.

_لقد تركها رجالي في مكان قريب من مشفى العناية في مدينة أخرى.

_أعطني العنوان بسرعة سأقلب الدنيا عليها.

وراح مروان يبحث عنها كالمجنون ولكن عبثاً، تواصل مع الشرطة.

وتوجه مساء إلى بيت موسى وكان حاله سيئاً جداً، وهناك تبكي زينةعلى صديقة عمرها وتتمنى بسرعة أن تعود.

مرت بها الذكريات سريعاً إلى أيام الصبا، حيث أمضت معها أجمل الأيام، في الابتدائية والإعدادية والثانوية وحتى عندما دخلتا الجامعة، وفي العمل أيضاً.

‏ ثم تمسح دموعها وتتجه باتجاه طفلتها التي بكت مصدرة أمر الجوع، فقالت في نفسها:
"حتى أنها لم ترى طفلتي الصغيرة ولم تلاعبها كخالة، آه يا حبيبة قلبي يا إسراء."

وهكذا تمر الأيام، ويمضي حوالي الشهر ولا توجد أخبار عن إسراء، ومروان أصبح يائساً جدا.

وفي أحد الأيام دعيت رفيف من أحد أصدقائها لحضور حفلة تخرج أختها في مدينه اخرى.

رفيف وهي تقرا الدعوه لأكرم وأمها:
_ لا لا يجب أن أذهب، عارٌ علي.

أكرم:
_ أوف، لماذا؟

رفيف:
_ لا تزال أختك مختفيه والحزن يملأ العائلة، فكيف لي أن أذهب لأشارك الأخرين فرحهم قل لي.

ضحك أكرم وقال لزمرد:
_ كلميها يا حماتي يبدو أنها جنت.

زمرد:
_ لا يا بنيتي، اذهبي واحضري الحفلة وحاولي أن تبحثي عن لحظه فرحٍ، فكما يقولون لحظة الفرح لا يجب أن نفوتها.

رفيف:
_ سأحرج من خالتي محاسن.

زمرد:
_ صحيح أنها لا تستوعب، لكنها لطيفةٌ وطيبةٌ، وستتمنى لكم جميعاً الفرح.

فرد أكرم وهو يضحك:
_ اذهبي بسرعة، قبل أن تجعل أمك أمي بلهاء يا رفيف.

ثم أمسك بيدي رفيف وقال لها:
_ أريد الفرحة دائما أن تزين حياتك وحياة عائلتي أفهمتي؟

قبلته رفيف وحضنته ثم خرجا معنا، أما زمرد فراحت تدعو لهما ولعائلتها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي