29

رأى رقماً لم يحفظه في هاتفه، لم يكن يريد الرد فقد كُسِر قلبه، ولم يعد يهتم لشيء، كان يخطر على باله شكل ابنته وهي غاضبة وكلماتها الموجعة رغم انه يعرف انها على حق لا تترك مسمعه، ولكن ورغم كل هذا، رن الجوال من نفس الرقم عدة مرات فاضطر للرد:

_ألو نعم، من المتصل رجاءً، كيف أستطيع أن أخدمكم.

صمت صاحب الاتصال قليلاً ثم أصدر صوتاً:
_أاء، أاء ألو بابا.

هزته الكلمة(بابا) هزاً
_بابا أحتاجك، أنا أسفة جرحتك، لكنني كنت مقهورةً جداً، أرجوك تعال إلي.

دمعت عين عارف بيك وحشرج صوته في حنجرته ثم قال بصوت مبحوح:
_حبيبتي، أنا متعب، تعالي إلي أنت وزوجك وطفليك، سرني اتصالك وسماع صوتك، لكنني لست على ما يرام.

_أبي، ما خطبك؟ هل انت بخير، ابي سامحني أرجوك سامحني.
وتجهش بالبكاء فبحيبها:

_سأرسل لك العنوان في رسالة تعالي رجاءً.

وبعد قليل تصل بحوالي أقل من ساعة تصل مع زوجها وأولادها وتطرق باب البيت الذي سجل في العنوان.

تأخر عارف بيك بفتح الباب فقد كان وضعه النفسي قد اثر على وضع جسمه فثقلت حركته، ثم اتجه ببطء حتى وصل إلى الباب وفتحه.

_بابا
_حبيبة بابا، سامحيني أرجوكِ.

قال زوجها:
_لا تقل هذا يا عم، بك البركة.

_تفضلوا، تفضلوا نورتم بيتي، وحياتي.
دخلوا وقام زوجها سالم بسنده من يده وفعلت هي نفس الأمر من يده الأخرى.

وأجلسوه على الكنبة وهو يلهث تعباً، ولكنه راح ينظر إليه بحب وفرح ويبتسم ويقول:
_كنت اظن ان هذه اللحظة لن تتحقق، وسأموت وحيداً يا حبيبتي.

ابتسم سالم ودموع زوجته تهطل مع ابتسامة خفيفة على وجهها ثم قال:
_ أطال الله في عمرك يا أبتي، وأدام عليك الصحة والعافية.

_شكراً لك يا بني، شكراً جزيلاً لتفهمك.

قالت ابنته:
_سامح قلباً كان يحتاج عطفك كثيراً في وقتٍ أنتَ تخليت عنه، أقسم انني لم أستطع أن أكرهك أبداً.

_أنا من يكرر اعتذاري وأسفي، سامحيني على قسوتي، لكن فليغفر لي عندك القصاص الذي وصلني من الله سبحانه، لقد فقدت اخوكِ كنان، وأختك كارلا في فترة ليست متباعدة، اما بنان فقد كان عاقاً تبع الإجرام وخذلني وهاهو يقبع في السجن الآن.

أجهش بالبكاء وقال:
_فهمت خطأي متأخراً لكنني سأعوضك كل هذا، لقد سجلت لك ولابنيكِ كل املاكي من بعد وفاتي.

قالت بتوتر:
_لا يا أبي لا، لا أحتاج مالاً ولا جاه، اريد أبي وقلبه الحنون ليعوضني عن مل ما مضى من حرمان.

تنحنخ الزوج وقال:
_احم، احم.

ضحكت وقالت له:
_أنت حبيبي يا سالم وضوء العين، لا أتحمل الدنيا دونك.

ثم نظرت إلى وجه أبيها وقالت له:
_اتعلم يا أبي، لولا وجود سالم في حياتي لكنت بلا معنى، لقد عوضني عن كل ما فقدت في هذه الدنيا.

_في حماية الله كلكم، لدي طلب.

_ما هو؟

_أريدكم أن تعيشوا معي هنا، و يستلم زوجك أعمالي ويشرف عليها؛ لأنها صارت أملاككما.

فوجئت بالطلب ونظرت إلى زوجها الذي قال:
_يا عم كما تعلم انا ابن أكبر منافسيك في عملك فلا يمكن ان أستلم شركتك، أليس كذلك.

_لن يكون بعد اليوم منافساً لي فأنا حانت راحتي، إسأله وأخبرني الرد بناءً عليه، لأنني لا أريد أن أترك أعمالي بيد المحامي مهما وثقت به.

اقتربت من ابيها مع زوجها وقالت:
‏_دعها للظروف يا أبي، أنا فقك أرين أن أكون معك، لماذا لا تذهب انت وتعيش معي.

ضحك وقال:
_تعودت المكان هنا ولا أستطيع تركه وهنا اقرب لعملي.

وبينما شغلهم النقاش، نظروا حولهم فوجدوا البنين نائمين دون أن ينتبهوا لهم.

_أرأيتم، هذا ما أراده القدر أن تمضوا هذا اليوم بكامله برفقتي؛ لتملوا علي حياتي، أليس صحيحاً.

الزوج:
_ابقِ أنت هنا اليوم وأنا سأذهب للبيت، فلدي عمل مهم.

وفعلاً استأذن بالخروج وأمضت أجمل ليلةٍ كانت تحلم بها مع أبيها وفي تلك الليلة حلم عارف بيك بماتيلدا وهي ترتدي ثوياً أبيضاً ثمرآها تقترب منه وهو ينظر إليها وهي تقول:

_عارف لقد سامحتك، انتبه لابنتنا وأولادها

ثم اختفت، ليستيقظ فرحاً جداً برؤياه.


أما في بيت رفيف وأكرم كانت قد انطلقت زمرد للقائها العاطفي وهي في قمة السعادة وفي قمة الأناقة، اما رفيف وأكرم فالتوتر يزيد راح بينهما؛ لأنها تغيرت جداً وأصبحت عصبية للغاية وتصرفاتها غامضة.

_لماذا تخفين عني جوالك رفيف، لطالما كنتِ تكشفين لي كل ما يتعلق بك، هل نسيتني بعد دخولي السجن.

_اخرس أكرم، هل وصلت فيك الوقاحة للشك بي، احذر.

_من تلفظ بكلمة شك، هل تتهمينني بنا لم أقل.

تبكي هنا رفيف وتصرخ فيترك أكرم المنزل ويخبرها:
_لقد فهمت كل شيء، لن تري وجعي بعد الآن، إن احتجت اي شيء يخصك ويخص الطفل فأرسلي لي ما يكون برسالة.


تلطم رفيف على وجهها ثم تقول:
_تباً، تباً، يا إلهي ماذا أفعل، ساعدني أرجوك.

وعاد أكرم إلى بيت محاسن ويامن وهو جداً حزين؛ لدرجة انه لم يسمع صوت أمه وهي تكلمه وهو متجه إلى غرفته.
محاسن ليامن:
_ما به أكرم لمَ يبدو عليه الحزن هكذا؟

_لاحظت هذا، ما خطبه؟ سأدخل إليه حالاً.

دخل يامن إلى أكرم ثم حدثه قليلاً بأشياء ثانوية، لكن أكرم كان شارداً ومتكئاً على سريره.

_ما بك يا أكرم، هل تحتاج نقوداً، هل تشاجرت مع زوجتك رفيف؟

تنهد أكرم ثم أجابه:
_آه يا ابي، رفيف لم تعد رفيف.

وراح يقص عليه تصرفاتها وتفاصيلاً أخرى.

يامن بتعقل:
_ربما هناك امر يزعجها ولا تستطيع الإفثاح لك به بعد، نحن الرحال لا نفهم عقول النساء يا بني.
_ربما يا أبي، ولكن لن أنتظر حتى تفصح، سأتركها ترتاح، فوجودي أصبح يزيدها توتراً، الافضل ان نترك بعضنا، فإن راق لها الأمر سننفضل تماماً، وإن لم يكن، سنعود كما كنا، إن شاء الله.

_تماماً، ابق هنا وأنا سأحاول ان أفهم، او ربما سأكلف إسراء بذلك.

أما إسراء فقد كانت عند المحقق عندما اتصل بها مروان، وسألها:
_أين أنتِ، لا تنسي، اليوم الخفلة المخصصة لأكرم في بيتنا.

_طيب حبيبي أنا قادمة فوراً وسأمر لأجلب له هدية.

_تمام.

اعتذرت إسراء من المحقق وانطلقت وهي مسرعة لتشتري هديةً لأخوها أكرم، فاتصلت برفيف:
_ماذا اشتريت لأكرم؛ تهيئاً لحفلة اليوم؟

_أنا لست بخير ولا أستطيع الحضور حبيبتي، افرحوا قدر استطاعتكم.

_ارتاحي حبيبتي، صحتك أهم من أي شيء.

وفي المساء اجتمع الجميع في بيت مروان وإسراء، وتوافد الزائرون من رفاق وزملاء وجيران واهل وكان تنظيم الحفلة جميلاً جداً.

إسراء:
_هيا اكرم رحب بالضيوف.
اكرم تقدم من المنصة ولم يكن مرتاحاً لعدم حضور رفيف وقال للحضور:
_شكراً لحضوركم، من اجلي، تفضلوا وافرحوا وارقصوا ففرحكم يسعدني، رغم أنني كنت اتمنى ان تكون المناسبة غير هذا لكن هذا ما حصل،

ضحك وضحك الحضور ثم صفقوا له وراح بعضهم يرقصون وبعضهم يتناول الحديث مع اخرون .

سأل مروان إسراء:
_اين هي رفيف، وأين أمي.
_امك لا أعرف، لكن رفيف متعبة ولن تستطيع الحضور.

في تلك اللحظة وصل موسى وزينو فاتجها للترحيب بهما.

ورقصت إسراء مع مروان وكانا كعادتهما مميزين جداً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي