الفصل السادس عشر

كانت تفكر زمرد بالحال الذي وصلت إليه عائلتها، وقلقها أصبح أكبر ولم يعد لديها إلا الدعاء.


أما كارلا فلا تزال غائبةً عن الوعي وطفلتها مفقودة، لم تستطع الشرطة العثور عليها.
وبقيت تحت إشراف السيدة التي اهتمت بها وتبنتها حيث كانت تعاملها كأمها وأصبحت الطفلة تناديها ماما وتنادي زوجها بابا.

وأطلقت عليها اسم (بام) وصارت بام أجمل ما في حياتها، فلم تضيع أي وقت بتعويضها عن فقدها لحياتها، حيث اشترت لها الهدايا والملابس الجديدة وأخذتها إلى الملاهي وعوضتها عن فقدها لأمها كارلا، حتى ان الطفلة لم تعد تفكر بأمها.

بام:
_ماما، لا أريد مفارقتك أبداً، أنا أحبك كثيراً.

السيدة:
_وأنا أحبك يا أغلى ما في الدنيا.

وبالغت السيدة في اهتمامها لدرجة أنها أهملت زوجها فصار يغار عليها وبدأت المشاكل تدخل حياتهما.

_لم تعودي تحبينني كالسابق فبام أخذتك مني.

_لا تقل هذا، بام هي ابنتك أيضاً.

شعر بالمقت والغضب وكتم غيظه وقال في نفسه:
"ليست ابنتنا، لها أهل وأنت تعدين خاكفة في قانون البشر، ولكنني أحاول أن أتفهم مشاعرك."

تركها ودخل غرفته، وبدأ يهملها ويخرج كثيراً من البيت، فبدأت تغضب بسبب هذا.


أما عن رفيف فقد ذهبت لحضور الحفل في مساء اليوم المقرر حيث رافقها مروان وأطلس الذي ارتدى بزة رسميةً جميلةً، وكذلك مروان ارتدى نفس البزة.

ورفيف كانت مميزة ترتدي فستاناً فصيرا؟ جميلاً زهري اللون.


وبينما كانوا يسلمون على رفيقة رفيف وأختها التي كانت سعيدةً جداً لحضورهم.
_أهلاً رفيف، هل هؤلاء عائلتك؟

_إنه أخي مروان، وهذا ابنه أطلس.

_أهلاً بك رفيف، أهلاً بك سيد مروان، أهلا يا أطلس الحلو.

مروان بكل تهذيب:
_أهلا بك، تشرفت بمعرفتك، مبارك، قل للجميلة أنك مسرورٌ للقائها يا أطلس.

أطلس بخجل:
_أنا مسرورٌ جداً بلقائك يا خالة.

_شكرا لكم تفضلوا.

ووجهتهم إلى الطاولة التي حجزت لهم، وراحوا يراقبون تنظيم الحفلة الجميل، فقال أطلس:
_جميلةٌ هذه الحفلة، هل سترقص معي يا أبي.

مروان:

_إهدأ حبيبي، ليس الآن فنحن ضيوف.

رفيف:
_أنا سأرقص معك أيضاً حبيبي ولكن ليس الآن يا شاطر.

_حسنا يا عمة، سنستمتع كثيراً.

تاهت ذكريات مروان في إسراء والليالي الجميلة التي قضوها معاً متنقلين من حفلٍ إلى أخر، ومن سينما إلى مسرح.

رفيف:
_أين ذهبت بك الذكريات يا أخي.

_آهٍ يا زينو، لا حبيبة قلبي، انسي، هيا قومي إلى الرقص مع أطلس.

_لعلمك اتصلت بزينو وموسى وطلبت منهم اللحاق بنا لنستمتع جميعاً.

شهق أطلس بفرح:
_هييي، سألعب مع طفلتهم الجميلة.

رفيف:
_أخشى أنهم لن يحضروها معهم يا أطلس، ولكنني سأستمتع معك

وبدأت الموسيقا والرقص، واستمتع الجميع، واستمر الحال هكذا حتى اتصلت زينو برفيف وأخبرتها:
_لن نستطيع القدوم حبيبتي رفيف، فقد ارتفعت حرارة طفلتنا.

_عليها العافية والشفاء العاجل إن شاء الله.

وبينما كانت تخبر مروان بهذا ركض أطلس بسرعة وهو يصرخ:
_ماما، ماما، لقد جاءت ماما.

نظرت إليه رفيف ومروان، وعندما حاولا منعه من الركض وارجاعه إلى الطاولة، فاجأهم عندما احتضن إحداهن من الخلف ولما نادى عليه مروان كانت الصدمة.


مروان:
_ مستحيل، لا أصدق، أهذه أنت، أين كنت إسراء.

هرعت رفيف وشل تفكيرها عندما رأت إسراء فقالت له:
_إسراء، حمداً لله على السلامة


كان جواب إسراء التي رافقت الطبيب جاك، مفاجئاً لهما:
_عفواً هل أعرفكما، من أنتما؟

نظر إليهما الطبيب وحار في أمره وقال لنفسه:
_هل يعقل أنهم من أهلها، ووجدوها، هل أساعدهم وأخسرها، أم أتجاهل، أمرهم، لا، لا أنا بالنهاية طبيب، لن أقوم إلا بواجبي.

ثم استفاق من شروده وقال لمروان:
_من تكونون ، وما علاقتكم بها؟

_أنا حبيبها وأبو ابنها، وهذا ابننا أطلس.

أطلس بحب:
_ماما، ألا تريدين ضمي، لقد استقت لك.

جلست إسراء على ركبتيها واقتربت من أطلس وهي شبه مغيبة عن كل صواب وقالت له بحب:

_ما اسمك يا شاطر، وهل دخلت المدرسة.

كانت ابتسامة مروان ورفيف قد تلاشت بعد أن سمعا الجواب من إسراء...

نظر مروان إلى رفيف وقال لها:
_ لا أصدق، إنها ليست هي، يستحيل هذا.

_لا أصدق يا أخي إنها هي.

فقال الطبيب:
_هل نستطيع الجلوس، معاً على نفس الطاولة، لنتحدث في التفاصيل.

مروان بقهر وهو ينظر إلى إسراء غير مصدق:

_بالطبع، تفضلا.

الطبيب بعد أن جلسوا:
_هلّا أخبرتني، من انت وعمن تبحث ولم تكلمتم معها هكذا.

_أجل.

وراح يسرد له القصة بشكل مختصر وشرح له بأن إسراء هي أم أطلس.

فكر الطبيب جاك مطولاً، وحزن لأنه مضطرٌ لفراق سارة، وعرف أن أمه ستحزن وترجع وحيدة ملولة، لكن واجبه الطبي قد تقدم على كل هذا فقال لمروان:
_أريد منكما البشارة، فهذه هي بالفعل يا مروان.

شهق مروان وقام بسرعة وراح يضمها ويقبل جبينها ويحمد الله على عودتها.

وسعدت رفيف وأطلس الذي راح يناديها:
_ماما.

لكنهم فوجئوا بردة فعلها فهي لم تعطِ أي علامات فرحٍ بلقائهم، بل راحت تنظر إليهم باستغراب واختبأت خلف جاك الطبيب قال:

_اهدأي سارة، اقصد إسراء.

ثم تابع كلامه موجهاً لمروان:
_لقد دخلت المشفى وهي في حالة إغماء،وبعد استيقاظها تبين أنها فاقدة للذاكرة.

تنهد مروان تنهيدةً طويلة ثم أمسك يد رفيف التي بدا عليها الارتياح، وراحت تقول:
_الحمدلله، يا أخي، الحمد لله.

سأل مروان الطبيب:
_ولكن قلي أيها الطبيب، هل ستعود لها الذاكرة.

جاك:
_لا ندرِ، لكنها تحتاج الوقت، وربما هي بحاجة لصدمة، والآن عليكم أن تكونوا حذرين في التعامل مع وضعها.

مروان:
_تمام، إذاً سنأخذها معنا إلى البيت لنفرح بقية الأسرة.

نظر جاك بحزن وقال:
_ولكن، ولكن، هل لي بطلب؟

مروان:
_تفضل.

رفيف:
_أنت تستطيع طلب أي شيء، لأنك ساعدت إسراء واعتنيت بها.

جاك:
_هل تسمحان لي بمرافقتها إلى بيت أمي؛ لتودعها فقد سكنت معها فترة وتعلقت بها وكذلك سارة أقصد سراء أحبتها ولا أريدها أن تحزن.

قال مروان بتفهم:
_لك كل الحق، سنرافقك أيضاً؛ لنشكرها معكم.

رفيف:
_طبعاً، سوف نطلب منها زيارتنا لاحقاً.

وشارك الجميع في فرحة الحفل حتى انتهى، فاتجهوا مع الطبيب إلى بيت أمه، وهناك شرح لها جاك الأمر.

الأم:
_أنا أشعر بحالتين متناقضتين من المشاعر.

جاك:
_وكيف هذا يا أمي.

الأم:
_فرحتُ؛ لأنها وجدت عائلتها، وحزينة؛ لأنها ستغادرني بعد أن تعودت وجودها.

جاك:
_سأقلك دائماً لزيارتها.

هنا فقط نطقت إسراء التي بقيت هادئة ومصدومة تراقب الجميع :
_سأشتاق لك، لا تتأخري علي يا أمي، أرجوك جاك لا تتأخر علي بها، وأعدكم أن أزوركم دائماً.

وبعدها ودعوا الطبيب وأمه التي تمنت السعادة لإسراء، وعادوا إلى البيت وفي طريقهم إلى البيت، اتصلت رفيف بأمها وقالت لها:
_لا تنامي فهناك مفاجأة جميلة ستسعدك كثيراً.

واتصل مروان بيامن ومحاسن:
_لا تناما واتجهوا فوراً إلى بيت أمي زمرد لتستقبلوا المفاجأة معاً.

ورغم إصرارهم على معرفة نوع المفاجأة إلا أنه لم يخبرهم.

وهناك بعد وصولهم كان أطلس قد نام، فحملته رفيف، وأمسك مروان بيد إسراء التي كانت تشعر بالغرابة فهي لا تتذكر أي شيء.

وعندما دخلت رفيف ومعها الطفل قالت لزمرد والبقية:
_مستعدين، سأضع اطلس في سريره وأعود لتبدأ المفاجأة.

محاسن:
_يالغلاظة أسلوبكم، هيا تكلموا، هل ربحتم اليانصيب.

ضحك أكرم:
وهل وجهنا وجه يربح اليانصيب؟

ضحك يامن وقال:
_فعلا أنت تعرف نفسك يا أكرم، ههه.
وما هي إلا لحظات ودخل مروان وبرفقته إسراء التي راحت تراقب الجميع بانبهات.

فصرخ الجميع بلهفة:
_إسراء.

مروان:
_هل اعجبتكم المفاجأة.
هرعت محاسن إليها:
_أحلى مفاجأة، يا حبيبة قلبي يا إسراء، اشتقت لك يا بنتي، تعالي إلى قلبي يا غالية.

ضمتها وراحت تقبلها بحنان وشوق،، والجميع كان فرحاً وراحوا يسلمون عليها فرداً فرداً.

لكنهم تفاجؤوا بردة فعلها، فقد كانت صامتة تراقبهم فقط مع ابتسامة خفيفة.

فسأل يامن الذي كان يضمها:
_ما بها إسراء يا مروان؟ لمَ هي صامتة هكذا.

مروان:
_هلا تفضلتم بالجلوس فإسراء متعبة وستدخل؛ لتنام.

زمرد:
_ماذا؟ نحن هنا للترحيب بها وهي تتركنا؛ لتدخل وتنام.

مروان:
_يكفي يا أمي.
وغمز لها
فلفت شفتيها على بعض وأبعدت وجهها إلى جهة أخرى، أما هو فطلب من رفيف أن ترافقها إلى الداخل.

وهنا سألته محاسن بخوف:
_ما بها إسراء يا مروان؟ ما الذي جرى لها,؟ أين وجدتها؟ تكلم.

أكرم:
_بالله عليك تحدث.
يامن:
_ابنتنا لا تشبه نفسها، أين هي إسراء المرحة اللطيفة.

فهدأ مروان الجميع وشرح لهم الامر والقصة التي حصلت معهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي