وريث ثينيس

نرمين عادل`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2023-06-25ضع على الرف
  • 89.4K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

الفصل الأولِ مقيد بأغلالِ العشقِ

الفصل الأولِ : مقيد بأغلالِ العشقِ.

ما زالَ "لوقا "ينظرُ للقمرِ ويتحدثُ :
_ حبيبتي عندما ألقاكَ، سأحبكُ في كلِ مرةٍ، حتى وإنْ لقيتكَ مراتٌ كثيرةٌ في أحلامي، حتى أستطيعَ أنْ أشاهدكُ، وأنَ ألمسكَ.
ستكونُ النظرةُ الأولى التي لنْ تتكررَ، ولنْ تكونَ هناكَ نبضاتٌ خائنةٌ العهدِ، قدْ قطعتْ على نفسي في أنْ أسلكَ دروبُ عشقكَ، عندما أجدكُ يا رفيقةُ الروحِ.

وهناكَ في "الإسكندريةِ " تبكي " تمارا "، وهيَ تحدثُ نفسها ناظرةً إلى القمرِ، وقدْ تمَ تكبيلُ قدماها بسلسلةٍ حديديةٍ غليظةٍ، إلا أنَ ذلكَ لمْ يكنْ عائقا لها، في تحدثها معَ القمرِ :

_ يا حبيبيٌ متيمةٍ بكَ، متىْ تشرفُ سفينتيْ في مينائكَ، متى ستضمُ أشرعتي، أنا عالقةٌ هنا مكسورةً الجناحِ، بقلبٍ كسيحٍ، كعصفورةِ قدْ لعنتها الحياةُ، بأسوأ ما لديها، قدمَ لي في قاعِ البحرِ، وقدمَ على اليابسةِ، أصبحتْ عاجزةً،
هناكَ اسألهُ كثيرةً تنحرُ الرقبتينِ وتشدّ الخناقةُ على، لماذا تجيءُ في أحلامي؟ ومنْ أنتَ؟ أستطيعُ أنْ أشمَ رائحتكَ منْ هنا، وكأني أعرفكُ منْ ملايينِ السنينَ، منْ أنتَ يا منْ سلبتْ لبيُ، وأخذتْ عشقيٌ، هلْ منْ الممكنِ أنْ أتعثرَ بكَ في تلكَ الحياةِ ؟ وألقاكَ صدفةٍ، أمٌ انخرمَ منكَ طولِ حياتي.

وكأنَ البعيدينَ يتحدثانِ، معَ بعضهمْ البعضِ، وكأنهُ يردُ عليها كلماتها حرفا بحرفٍ :
" لوقا " :
_حبيبتي أشمُ رائحتكَ على ملابسي، كيفَ ذلكَ ؟ وكيفَ لوهم، أنْ يعبثَ في حياتي، ويبعثرَ كيانيٌ بهذهِ السهولةِ، وأنا مكبلٌ بتلكَ السلاسلِ الحديديةِ الغليظةِ التي تكبلني بها أمي، منذُ وقتِ بلوغي، أهيَ لعنةٍ قدْ أصابتني. وما ذنبي أنْ انحدرَ منْ تلكَ العشيرةِ، لوْ تعلمي طهرَ نيتي وبراءةَ موقفي، إني أتألمُ وكأنني أعيش، في عقرِ دارِ الحزنِ، يا إلهيٌ أريدُ أنْ أتحررَ منْ قيودِ تلكَ اللعنةِ، أريدُ أنْ أنسى منْ أنا، أريدُ الذهابُ إلى حبيبتي، تلكَ التي أشمُ رائحتها على ملابسي.

وهنا فتحَ بابُ الغرفةِ، ودخلتْ امرأةٌ جميلةٌ، ذاتَ شعرٍ أسودَ ناعمٍ الملمسِ طويلٍ، جميعُ ملامحها رقيقةً، حتى صوتها، لكنَ الشيءَ الظاهرَ عليها، هوَ حزنُ ملامحها.
- " لوقا " يا ولدي، أما زلتْ مستيقظا إلى الآنَ، لا تحزنُ لقدْ قيدتكُ بتلكَ السلاسلِ الحديديةِ لأنكَ، لا تريدُ أنْ تأخذَ ذلكَ الدواءِ الذي يصنعهُ لنا جدكَ، أنا أيضا أتناولهُ منذُ سنواتٍ طويلةٍ.

لمْ ينظرْ إلى والدتهِ بلْ بكى، جعلٌ يخفي رأسهُ يمينا ويسارا، لكنهُ لمْ يستطعْ وهوَ مكبلٌ.
- لماذا يا أميٌ وما ذنبي، أنا أريدُ أنْ أعيشَ حياةٌ طبيعيةٌ، مثلٌ جميعِ البشرِ، منذُ أنْ بلغتْ وأنتِ تقومينَ على تكبيلي، حتى عندما كنتُ أتناولُ ذلكَ الدواءِ، لذلكَ ما فائدتهُ ؟ وما هذهِ المعاملةِ التي تعامليني بها، وكأنني حيوانٍ وليسَ إنسانٌ.

جلستْ والدتهُ على تلكَ الأريكةِ، المغطاةَ بجلدِ النمرِ والمقابلةِ لذلكَ السريرِ، الذي قيدتْ فيهِ ابنها الوحيدَ.
- هوَ ليسَ ذنبكَ يا ولدي، ولا ذنبي، ولا حتى ذنبِ جدكَ، هذهِ كينونتنا، هذا ما نحنُ عليهِ، هكذا خلقنا اللهُ، ولأننا غادرنا موطننا، كانَ يجبُ أنْ أحضركَ إلى هنا، في تلكَ المنطقةِ في " حيِ الزبالينَ بالمقطمْ "، حتى لا يستطيعُ بقيةَ أفرادِ عشيرتنا،
أنْ يعثروا عليكَ، ويشمونَ رائحتكَ، منذُ بلغتْ يا ولدي، وقدْ أصبحتْ القائدَ بعدَ أبيكَ ستصلُ اليكْ، زوجتهُ الثانيةَ وابنةِ عمهِ " نونيا "، وتنتقمَ مني لقدْ تزوجنا أنا ووالدكَ في السرِ، قبلُ أنْ يتزوجها.

- إذا، هيَ لعنةُ الحبِ التي أصابتكَ أنتَ وأبي، هيَ سببُ شقائي، تهربينَ بي إلى " حيِ الزبالينَ "، في ذلكَ الحيِ شديدٍ الخصوصيةِ، داخلَ منزلنا أعيشُ في أجواءٍ مختلفةٍ عنْ خارجِ المنزلِ، تمنعينَ أنْ يحضرَ أصدقائي، أما جديٌ فلا فهوَ يحضرُ، صديقهُ القديمُ حافظَ الذي يحضرُ كلُ فترةٍ ويجلسُ معَ جديٍ.

- نعمْ يا ولدي لقدْ فكرَ جدكَ جيدا، عندما أتى بنا إلى هنا، ففي مدخلِ الحيِ، برجٌ هائلٌ للحمامِ، انظرْ إليهِ منْ هنا دائما، أجعلهُ أمامَ عيني، وأخافُ أنْ يأتيَ اليومَ، الذي يطيرُ فيهِ هذا الحمامِ هائلٍ العددِ مرةً واحدةً، في تلكَ الساعةِ سنهربُ سريعا، ستكونُ عشيرتكَ قدْ وصلتْ إلى هنا، هذا الحمامِ هوَ جرسُ الإنذارِ يا ولدي.
_فك قيودي يا أمي إلا سأعوي بصوتٍ مرتفعٍ، وأوقظ جميع منْ بالحيِ.

وهنا سمعَ الاثنينِ ضحكةٌ رزينةٌ، منْ رجلٍ هوَ حكيمٌ زمانهُ، وهوَ بالفعلِ كانَ حكيمٌ عشيرتهُ، جدهُ لأمهِ ذلكَ الرجلِ مهيبٍ الطلعةِ، أبيض شعرَ الرأسُ واللحيةُ، معَ أننا عندما نشاهدهُ لا نعتقدُ أنهُ قدْ تعدى الخامسةَ والخمسينَ منْ عمرهِ، إلا أنَ عمرهمْ لا يقاسُ كعمرِ البشرِ.

وكعادتهِ يسير في هدوءٍ ودخلَ الحجرةَ، ينظرَ إلى " لوقا " بتحدٍ.
- حفيدي، أتحداكُ أنَ تحطمَ تلكَ القيودِ، أوْ حتى أنْ تعويَ، أقولُ لكَ أعوي بصوتٍ مرتفعٍ لنْ يسمعكَ أحدُ، ألا تعرفنيَ أنا " محبٌ "، حكيم عشيرةٍ بأكملها انحدرتْ منْ عائلةٍ، جميعُ أفرادها منْ العلماءِ، والحكماءُ، وهذا القيدُ ليسَ قيدا حديديا عاديا، لقدْ تمَ مزجهُ بمعادنِ أخرى،
لا تعرفُ أنتَ عنها شيءٌ، كما تمَ تبطينُ جدرانِ المنزلِ، بأكملهِ بعازلٍ للصوتِ، فلتعوي أريد أنْ أسمعَ صوتكَ لعلَ صوتَ عوائكَ، أصبحَ قويٌ عنْ تلكَ المرةِ السابقةِ، التي أخذتْ فيها تعوي كجروٍ صغيرٍ.

- والدي أرجوكُ هكذا سيستشاطْ غضبا أكثر، ولا أريدُ أنْ تحدثَ أيُ مشكلةِ مرةِ ثانيةٍ.

ومعَ أنَ " لوقا " يحبُ جدهُ، حبا جما إلا أنهُ كانَ ينظرُ إليهِ الآنَ نظراتٍ مليئةً بالتحدي والإصرارِ، مثلهُ مثلٌ أيِ شابٍ في سنةٍ، تلكَ هيَ مرحلةُ المراهقةِ التي تقلقُ جميعَ الآباءِ. نظرُ لها والدها، وهوَ يبتسمُ وأدارَ رأسهُ بعدَ ذلكَ ناحيةَ حفيدهِ، وقالَ لهُ :

هلْ تريدُ أنْ إفكِ قيدكَ الآنِ، ونخرجُ قليلاً نتمشى في منطقةِ القلعةِ، أوْ حتى بجانبِ مسجدِ " محمدْ علي "، فالناسُ في تلكَ المنطقةِ لا ينامونَ في وقتٍ مبكرٍ.

وأقتربُ ليفكّ قيدهُ، فنهضتْ باهية فجأةً، ونظرتْ لوالدها باستغرابِ وتعجبَ :

- أبي لا أريدُ أيُ مشاكلَ، وكيفَ سيخرجُ، دونُ أنْ يأخذَ ذلكَ الدواءِ الذي تقومُ أنتَ على تركيبةٍ، جميعُ أبناءِ عشيرتنا يخرجونَ للعامةِ، وقدْ تناولوا ذلكَ الدواءِ، الذي لا يجعلُ هيئتنا تتبدلُ، ويشاهدونَ هيئتنا الحقيقيةَ.

- لقدْ تحدثتْ معكَ أكثرَ منْ مليونِ مرةٍ يا ابنتي، نتبدلَ عندما نستثارَ، تكون تلكَ هيئتنا الحقيقيةُ وبأيدينا نحنُ أنْ نغيرها، وقتما نشأَ، عندما نتحكمُ في انفعالاتنا. إلا أنَ ولدكَ هذا لمْ يتحكمْ في انفعالاتهِ بعد، وبالتأكيدِ لنْ نخرجَ، دونُ أنْ يأخذَ ذلكَ الدواءِ وأنا واثقٌ أنهُ سيستمعُ إلى حديثِ جدةَ، الذي يخافُ على أمنهِ.
تنهدُ " لوقا " بصوتٍ مرتفعٍ، وأبتسمُ وهوَ ينظرُ إلى أحبَ الأشخاصُ إلى قلبهِ والدتهُ وجدهُ:

- حسنا يا جديٌ فلتحضرِ الدواءِ، وساتناولهْ وبعدها نخرجُ مباشرةٌ، أريدُ أنْ أستنشقَ الهواءُ المعبأُ بالحضارةِ والأصالةِ، في أحياءِ القاهرةِ القديمةِ التي يختلطُ فيها جميعُ فئاتِ المجتمعِ، بجميعِ هيئاتهمْ وألوانِ بشرتهمْ، اعرفْ جيدا أنهُ لنْ يتمكنَ أحدٌ منْ العثورِ على وأنا في تلكَ المنطقةِ.

وكانَ لهُ ما أرادَ، وفي الخارجِ أخذا يستنشقُ رائحةَ الهواءِ المعبأةِ برائحةِ البشرِ، ضحكٌ " محبٌ " ونظرَ إليهِ وهوَ يسيرُ بجانبهِ، وقالَ لهُ :
- أستطيعُ أنْ أعرفَ، وأشعرُ أنكَ تريدُ أنْ تتحدثَ، ما هذا الشيءِ الذي يشغلُ بالكَ ؟ تلكَ الثورةِ، التي أحدثتها في المنزلِ، ما هيَ إلا ثورةَ مشاعرَ، ولا تعتقدني مثل والدتكَ، قدْ صدقتْ حديثكَ، قلَ لي ما في نفسكَ.
- جدي هلْ عرفتْ الحبَ يوما ؟
- عرفتهُ يا صغيري ! لا هذهِ كلمةٌ بسيطةٌ على الوصفِ الذي عايشتهُ سنواتٌ وسنواتٌ، أنتَ لا تعلمُ منْ أحببتُ، وستتعجبُ للأحداثِ التي تلتْ قصهُ حبي، أتريدُ أنْ تعرفَ منْ هيَ حبيبتي الأولى، والأخيرةَ.

- نعمْ يا جديٌ، أريدُ أنْ أعرفَ، وسأخبركُ بسري بعدها مباشرةٍ

- حسنا أيها الشابُ، لقدْ أحببتُ " نجمةٌ "، أتعلمُ منْ هيَ " نجمةٌ "، أنها والدةُ أبيكَ، تلكَ المرأةِ التي وشمَ حبها، دخلٌ قلبيٌ، وعندما تزوجتْ منْ جدكَ لأبيكَ، بعدُ رفضها وإصرارُ والدها، أقفلتْ قلبيٍ عليها، كنا نلتقي مرارا، وليسَ بيننا غيرَ حديثُ الأعينِ، حتى عندما أحبَ أبنها ابنتي قلتُ لها، أنهُ القدرُ الذي أرادَ أنْ تستكملَ تلكَ القصةِ، لكنْ بأشخاصِ آخرينَ، وها أنا ذا أنظرَ أنا أيضا للقمرِ، وأتحدثُ معهُ عنْ تلكَ الحبيبةِ الغاليةِ طيبةَ القلبُ.

- ما هذا الحديثِ العجيبِ يا جديٌ، وما زلتُ تحبها إلى الآنَ ؟

كلمة أحبها يا "لوقا" لا تصفُ ما أشعرُ بهِ، أنتَ لمْ تعرفها بعد، سمعتْ عنها حتى، والدتكَ لا تتحدثُ كثيرا عنها، هيَ أعجوبةٌ في رقةِ أحاسيسها وجمالها الأخاذُ، أتعلمُ لقدْ أخذتْ عنها عينيها العسليتينِ، عندَ هنا وكفى قلَ لي ماذا بكَ أنتَ ؟

- شيءٌ غريبٌ يا جديٌ، أشعرُ وكأنَ هناكَ أنثى، قدْ تغلغلتْ إلى روحيٍ، وسلبتْ لبيُ، الأمرُ وكأنهُ يشبهُ خفتَ نحلهُ صغيرةً، قدْ عانقتْ زهر قلبيٍ، فسلبتْ رحيقهُ، يا جديٌ، لكنها تعودُ دائما، لي برائحتها وكأنها محملةٌ بالعسلِ.

_لا تقلقُ أنهُ البلوغُ، أتعلمُ رائحةً منْ تلكَ ! أنها رائحةُ الأنثى الوليفة لكَ، هذهِ أولَ مشكلةٍ منْ مشاكلِ البلوغِ أيها الذئبُ الصغيرُ.
- لستِ صغيرا ياجدي.
- لكنَ أتعلمُ منْ هيَ ؟
- نعمْ.
- ولا تخبرني يا جديٌ.
- يجبَ أنْ تعلمَ بمفردكَ، وعندما تلتقيانِ لنْ يستطيعَ أيَ أحدٍ، أنْ يبعدكَ عنها صدقني.

وفي المنزلِ كانتْ أعاصيرُ رياحِ الذكرياتِ البائسةِ، المؤلمةَ تعصفُ ب باهية، وهيَ تجلسُ وحيدةً، تتذكرَ هيَ الأخرى زوجها، وتوليفها " أدمْ " والدُ " لوقا ".
- كنتَ عاهدتني يا " آدمْ "، أنَ لا أخشى منْ الفقدانِ والهجرِ، تعاهدنا على ذلكَ، لكنَ الفقدَ أتى سريعا، وكأنهُ قدْ لبى النداءُ، وكأنني كنتَ بخوفي منهُ، أحثهُ على أنْ ألقاهُ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي