الفصل الثاني جرائمَ غامضةً

الفصل الثاني
جرائمَ غامضةً

يقفُ الرائدُ حسامْ في الشرفةِ الكبيرةِ، بمنزلِ جدهِ لواءَ شرطةِ متقاعدٍ حافظَ مصطفى.
دخلَ الجدُ الشرفةَ ليطمئنَ على حفيدهِ، نظر إليه نظرة مطولة، فوجده مشغول البال فقال له:

- حسامْ، طمأنني عليكَ، منذُ أنْ أتيتُ وأنتَ تقفُ في الشرفةِ، أنظرْ إليكَ منْ بعيدٍ، وأجدكُ مشغولٌ البالِ حائرٍ، كلُ حينِ تتأففُ وكأنكَ تكلمَ نفسكَ، ما الأمرُ.

ألتفتَ حسامْ ناحيةَ جدهِ، وكأنهُ يتوقعُ أنْ يسألهُ جدةَ ما الأمرُ.
- صراحةٌ لا أعرفُ كيفَ ابتدئَ كلامي، لقدْ أتيتُ إليكَ وأنا في حيرةٍ منْ أمري يا جديٌ ،لأولِ مرةٍ لا أعرفُ كيفَ أرتبُ أفكاري، وليسَ أنا فقطْ بلْ أنا وزملائي ورؤسائي.

- ماذا حدثَ؟
_ أنتَ تعلمُ أنني لا أتحدثُ في مثلٌ هذهِ الأمورِ الخاصةِ بالعملِ معَ باقي الأسرةِ، هكذا تعودتْ منذُ التحاقي بالشرطةِ منذُ سنواتٍ طويلةٍ، وحتى الآنَ عندما تقاعدتْ منذُ فترةٍ واشتغلتْ بالمحاماةِ، لمْ أتحدثْ معَ أحدٍ عنْ خصوصياتِ عمليٍ.

- اجلسْ يا جديٌ لقدْ أتيتُ لك خصيصا، أريدُ أنْ أتحدثَ معكَ، أنْ ترشدنيَ، وأنا اعلمْ بالتأكيدِ أنكَ لن تخرجْ هذهِ المعلوماتِ لأحدِ، بلْ أثقُ في ذلكَ.

إذا فلتتحدثْ، ما الأمرُ؟
جلسا ليتحدثْ جانبا في الشرفةِ، التي تحتوي على منضدةِ وأربعةَ كراسيَ .

دخلتْ الجدةُ ليلى ،ووضعتْ لهمْ فنجالي منْ القهوةِ، ثم خرجت مباشرة.
- ها هيَ جدتكَ، قدْ انصرفتُ تحدثَ، لقدْ أقلقتني.

- منذُ عدةِ شهورِ يا جديٌ اكتشفنا جريمةُ قتلٍ، أعتقدُ أنها منْ أبشعِ الجرائمِ التي شاهدتها منذُ أنْ عملتْ بالمباحثِ.
- كيفَ ذلكَ؟
- نعمْ يا جديٌ، والشيءُ الغريبُ لمْ نعرفْ الجاني إلى الآنَ، تكاد لأنامَ أنا وزملائي بحثنا ودققنا في كلِ شيءِ، حتى أتفهَ الأمورَ نظرنا إليها لكنْ لمْ نجدْ حلا.
- ما هيَ تلكَ الجريمةِ؟
- اتصلتْ بالنجدةِ سيدةً وهيَ في حالةِ انهيارٍ، أبلغتْ النجدةُ أنها ذهبتْ للاطمئنانِ على أختها وأبنائها، فوجدتْ البابَ الداخليَ للفيلا القاطنينَ بها بابها لمْ يغلقْ جيدا.

- وبعد أكملَ لماذا توقفتْ؟
- قالتْ أنجدونيَ قدْ ذبحتْ أختي وأبنائها، ولمْ ننتظرْ ذهبنا على الفورِ هناكَ، وجدنا أنهمْ يقطنونَ فيما يسمى كومبوندْ الأمنُ على الأبوابِ والكاميراتِ في كلِ جزءٍ في المدينةِ بأكملهِ ، فقلنا لأنفسنا إذا القضية قدْ حلتْ.
- وماذا حدثَ؟

_دخلنا يا جديٌ، وقدْ استوقفتنا تلكَ الدماءِ التي تملأُ مكانا، وكانَ هناكَ شخصٌ قدْ علقَ الجثثَ على الجدرانِ وبعدها قامَ بجرهمْ أرضِ وضعهمْ جميعا في غرفةٍ واحدةٍ، وكأنهُ كانَ يلهثُ ويلعبُ بتلكَ الجثثِ، أسرةً بأكملها يا جديٌ قدْ ذبحتْ ومنْ منطقةٍ واحدةٍ عندَ الحنجرةِ .

- الحنجرةُ شيءً غريبٍ! عادهُ الذبحُ يكونُ أسفل بقليل في منطقةِ الرقبةِ.
- لا يا جديٌ، قدْ ذبحوا في أسفلِ الحنجرةِ وكانَ هناكَ شخصٌ قدْ أرادَ انتزاعها، لوْ كانَ للحنجرةِ ثمن في بيعِ الأعضاءِ البشريةِ لقلنا إنَ ذبحهمْ بتلكَ الطريقةِ ليأخذوا حنجرةَ كلِ شخصِ منهمْ، الغريبُ أنَ أجسادهمْ لمْ تخدشْ إنما قدْ ذبحتْ ونهشتْ في تلكَ المنطقةِ فقطْ الحنجرةُ.
- أنهُ أمرٌ غريبٌ، لا أعلمُ ماذا أقولُ لكَ؟ أكملَ لعلَ يكونُ ما في رأسٍ وما توقعتهُ قدْ حدثَ.

- ماذا هناكَ يا جديٌ؟
- أكملَ أولاً وسأخبركُ بكلِ شيءِ بعدها.
- أتعلمُ شعرتْ بالرهبةِ والخوفِ لأولِ مرةٍ، معَ أني قدْ اعتدتْ على مشاهدةِ الجثثِ إلا أنَ الأمرَ مختلفٌ هنا ، وكانَ هذهِ الجثثِ أصبحتْ لعبهُ في يدِ منْ لديهِ القوةُ لحملها والعبثِ بها هكذا على جدرانِ المنزلِ.

والطبُ الشرعيُ والكاميراتُ، التي قلتُ إنها تتواجدُ في كلِ مكانٍ في هذا الكومباوندْ.
- هذا هوَ ما يحيرني يا جديٌ، أتعلمُ لقدْ قمنا برفعِ البصماتِ في كلِ سنتيمترِ منْ هذا المنزلِ حتى الحديقةِ الملحقةِ بهِ، لمْ نتركْ سنتيْ واحدٍ لمْ نفتشْ بهِ حتى الملابسِ تمَ الكشفُ عليها وتحليلها كلَ شيءِ كلِ شيءٍ، أتعلمُ ماذا وجدنا في الكاميراتِ؟ لمْ نجدْ شيئا لمْ تتوقفْ الكاميراتُ دقيقةً واحدةً عن عملها وهذا ما يحيرني!
- صحيح يا حسامْ أنهُ شيءٌ محيرٌ.

- البعضَ قالَ إنها المافيا، والبعض قالَ إنَ القاتلَ قدْ هبطَ بطائرةٍ على سطحِ المنزلِ، لكنَ وبالرجوعِ إلى الرادارِ، لمْ تكنْ هناكَ أيُ طائرةِ ما بالقربِ حتى منْ المنطقةِ، حتى تلكَ الطائراتِ التي تقومُ برشِ المبيداتِ الحشريةِ ، لمْ تتواجدْ في تلكَ المنطقةِ في ذلكَ اليومِ أوْ حتى قبلها بالشهورِ.
- ماذا فعلتمْ؟
- فكرنا في كلِ شيءٍ نحنُ مجموعةٌ كبيرةٌ، حتى المنطادِ قدْ فكرنا بهِ أنَ القاتلَ قدْ هبطَ بالمنطادِ، لكنْ لمْ نجدْ أيُ شيءٍ لكنْ هناكَ شيءُ واحدا قدْ شغلَ لنا لعلي لمْ أقولهُ لكَ إلى الآنَ، هلْ هذا الشيءِ عبارةً عنْ علامةٍ وجدتها في تلكَ الجثثِ، وهنا هبَ حسامْ واقفا وهوَ ينظرُ إلى جدةَ، ولمْ تلاحقهُ الكلماتُ منْ شدةِ المفاجأةِ.

_نعمْ هيَ ما قلتُ كيفَ علمتْ بالأمرِ؟ لا يعلمُ بالأمرِ غيرِ رئيسيٍ وأنا والطبيبِ الشرعيِ لا أحدَ يعلمُ بذلكَ الأمرِ، كيفَ عرفتْ يا جديٌ.

- عرفتْ وعايشتْ مثل تلكَ الوقائعِ، ولمْ أتمنى يوما أنَ تحدثَ لقدْ اعتقدتْ في وفاتهِ أوْ لعلهُ ابنهُ أوْ قريبٍ لهُ، لكنْ يجبُ أولاً أنْ أشاهدَ ذلكَ الأثرِ الذي يوجدُ أسفل رقبةِ كلِ ضحيةٍ، لكنْ لنْ نتحدثَ هنا تعالٍ معي إلى الداخلِ وسنغلقُ حجرةَ المكتبِ، علينا لنتحدثَ في سريةٍ تامةٍ ،لديَ وثائقُ مهمةٌ أريدُ أنْ أريها لكَ.

دخلُ حسامْ وهوَ صامتٌ وورائهِ جدهُ يسيرُ ببطءٍ، وكأنَ جدتهُ اعتادتْ على أوقاتِ انشغالِ ذهنِ زوجها، فلمْ تحدثهم بلْ مضتْ إلى حجرةِ نومها واغلقتها ورائها .

فتحُ حسامْ بابِ غرفةِ المكتبِ وابتعدَ قليلاً، حتى يستطيعَ جدةَ أنْ يدخلَ الغرفةَ أولاً.
- تفضلَ يا جديٌ .
ذهبَ الجدُ إلى مكتبهِ الكبيرِ وجلسَ في انتظارِ أنْ يغلقَ حسامْ البابِ وراءهُ، وبالفعلِ دخلَ حسامْ واغلقْ البابَ مباشرةِ، واتجهَ إلى ذلكَ الكرسيِ الذي يقعُ أمامَ مكتبِ جدةَ وجلسَ عليهِ.

- صامت أنتَ يا حسامْ، لعلكَ الآنَ تفكرُ في أشياءَ كثيرةٍ.
- صحيح بالفعلِ أشياءَ كثيرةً، لكنكَ أوضحتْ أنَ هناكَ قاتلٌ ولهُ خليفةِ ما، وأنا كلِ آذانٍ صاغيةٍ حتى استمعَ ووقتها سأقررُ ما العملُ.

هلْ تؤمنُ يا حسامْ أنَ هناكَ عوالمُ أخرى متواجدةٌ معنا على ذلكَ الكوكبِ الذي نعيشُ فيهِ . - صراحةٌ لا أؤمنُ بمثلٍ هذا الحديثِ يا جديٌ، لا يوجدُ دليلٌ واحدٌ على وجودِ عوالمَ مختلفةٍ تعيشُ على نفسِ الكوكبِ، أوْ حتى على كواكبِ أخرى - هلْ تصدقني - نعمْ يا جديٌ - منذُ سنينَ طويلةٍ في بدايةِ الثمانينياتِ منْ القرنِ الماضي، كنتُ وصديقي عاصمْ كلفنا بحلِ قضيةٍ شغلتْ الرأيَ العامَ ، عالمةٌ منْ علمائنا في الكيمياء قتلتْ في ظروفٍ غامضةٍ وجميعَ أفرادِ أسرتها بالمنزلِ.
- بالمنزلِ كيفَ؟

- نعمَ كانتْ قضيةٌ غريبةٌ جدا، سمعها زوجها ووالدتها تبكي وتتوسلُ أحدُ ما بلْ وسمعوا صوتها وهيَ تحتضرُ، لم يستطيعوا أنْ يقوموا على تحطيمِ البابِ، إلا عندما نادى زوجها البوابْ وبعضَ الأشخاصِ ودخلوا الحجرةَ ووجدوها قدْ ذبحتْ منْ الحنجرةِ، بلْ وقدْ تمَ انتزاعها هيَ طاقتهنَ في الطابقِ التاسعِ، وصعبَ الوصولُ إلى شرفةِ غرفتها أوْ يتسلقُ أحدُ الطابقِ الذي يعلوها تقتنِ أختها الوحيدةَ، لمْ يشاهدْ أحدُ أيِ شخصِ دخلٍ أوْ خرجَ منْ بابِ تلكَ العمارةِ القاتنهْ بها -
- شيءٌ غريبٌ!
- بعدٌ فترةٍ قفلتْ القضيةُ ضدَ مجهولٍ، لكنَ الأخبارَ قدْ سربتْ إلى الصحافةِ وابتدأتْ الصحافةُ تكتبُ عنْ سفاحِ ما أوْ حيوانٍ مفترسٍ، خصوصا أنهمْ تحدثوا عنْ ذلكَ الجرحِ أسفلَ الرقبةِ الذي يشابهُ المخلبُ.
- صحيح نفسِ الأثرِ الذي وجدَ في تلكَ العائلةِ التي ذبحتْ.

وبعدها بفترةٍ قصيرةٍ، طلبَ مقابلتي شخصَ ما وفقتْ أنْ أقابلَ ذلكَ الشخصِ، معَ العلمِ أنهُ لمْ يكنْ هناكَ سابقٌ معرفةَ أوْ حتى موعدٍ مسبقٍ، وكنتَ لا أقابلُ أيُ أحدٍ إلا بموعدٍ.
- هلْ يعرفُ القاتلُ أوْ أرشدَ عنهُ؟
- الموضوعُ معقدٌ ، لكنَ أولاً ستقسمُ لي كلِ ما نتحدثُ عنهُ هنا لا تحدثُ بهِ أحدٌ إلا عندما أخبركَ أنا .
- أوعدكُ.

. - سأجعلكُ تقابل شخصا ما، لا أعلمُ ماذا أقولُ عنهُ أنا أعتقدهُ إنسانَ وبشريَ بنسبةِ مليونٍ في المئةِ، لكنهُ مختلفٌ هوَ وعائلتهُ لديهمْ طفرةُ ما طفرةٌ غريبةٌ، هوَ ليسَ مرضٍ إنما اعتقدهُ توارثُ منذُ أجيالاً كثيرةً لهدفِ ما لا أحد يعلمهُ، صمتُ قليلاً ثمَ تحدثَ.
- عندما قابلتهُ للمرةِ الأولى وتحدثَ معي، وجدتْ أنهُ إنسانٌ متعلمٌ يتكلمُ ويتحدثُ ببراعةِ شديدةٍ ولباقةٍ، لمْ يسيلَ لها لديهِ قوةُ إقناعٍ غريبةٍ، شرحَ لي حالاتهِ وحالهِ قبيلتهُ وصدقتْ لكنني قلتُ لهُ أريدُ شيئا ملموس عما يتحدثُ بهِ معي، لمْ أقلْ لكَ ما هوَ هذا الشيءِ إلى الآنَ، لكيْ أريدَ أنْ أوصلكَ أنني تأكدتْ أولاً منْ هذا الشيءِ بنفسي، ونظرتْ وذهبتْ إليهمْ متخفي معهمْ، وبعدها شرحُ لي ماهيتهِ وماهيةِ هذا القاتلِ.
- جدي لمْ أفهمْ شيءٌ إلى الآنَ، هلْ لديهِ وقومهُ قوةً شديدةً أمْ مرضِ ما.

صدقني يا حسامْ، لا أعرفُ كيفَ أشرحُ لكَ الشيءُ الوحيدُ الذي أريدكُ أنْ تشاهدهُ وتقرأه، هوَ ذلكَ الملفِ الذي أخفيهُ منذُ سنواتٍ طويلةٍ داخلَ مكتبي، عنْ الجرائمِ القديمةِ التي حدثتْ وجميعِ تحرياتِ المباحثِ وتقاريرِ الطبِ الشرعيِ،
لتشاهدها ستجدها جميعها مشابهةٌ لتلكَ الحالةِ التي وصفتها لي ومعها صورةُ صورةٍ لذلكَ القاتلِ، هيَ صورةٌ غريبةٌ تمَ التقاطها بكاميرا فوريةٍ، كانَ خلقٌ قدْ أتى بها في إحدى سفرياتهِ والتقطتها للقاتلِ وهوَ يهربُ مني ومنْ محبٍ.

أخذِ حسامْ الملفِ منْ يدِ جدهِ ،الذي كانَ قدْ أخرجهُ منْ تلكَ الخزينةِ الصغيرةِ المتواجدةِ في غرفةِ المكتبِ، فتحِ حسامْ الملفِ ولفتَ نظرهُ تلكَ الصورةِ المتواجدةِ امسكها بيدهِ و رفعها ناحيةِ وجههِ وتمعنُ جدا بالنظرِ إليها:
- ما هذا يا جديٌ؟ لا أفهمُ هلْ هذا إنسانٌ طبيعيٌ مثلنا، لا تقولُ لي إنَ هناكَ مستذئبينْ في هذا العالمِ الذي نعيشُ فيهِ، لكنَ جسدهُ جسدَ إنسانِ إلا أنَ ملامحَ وجههِ مختلفةً شبيهةً بالذئابِ فعلاً.

- ليسَ مستذئبينْ بالمعنى الذي تعرضهُ لنا السينما العالميةُ، هما لا ينقلبونَ ذئابٌ يمشونَ على أربعِ همٍ مختلفينِ، ألم تشاهدُ تلكَ الرسوماتِ التي توجدُ على جدرانِ المعابدِ أجسادَ بشرٍ لكنَ الرأسَ مختلفةً فقطْ، قوةً رهيبةً لمْ أشاهدْ مثلها، مخالب شديدةٍ وكانها قضهُ منْ معدنٍ لا نعلمُ عنهُ شيء حضارةً غريبةً ثقافةً، لا نعلمُ عنها شيئا ولا أفهمُ تواجدهمْ في هذهِ الحياةِ لكنهمْ متواجدينَ.

- جدي عقليٍ لا يستوعبُ ما تقولهُ، سأقرأ أولاً هذا الملفِ بعدها أقرر لأنني لمْ أفهمْ بعدٌ - سأتصلُ بمحبِ وسنذهبُ لمقابلتهِ، هذا هوَ الحلُ الوحيدُ حتى تفهمٍ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي