الفصل الخامس والعشرون دقيقة صمت ترحما على أحلامنا

الفصل الخامس والعشرون: دقيقة صمت ترحما على أحلامنا.

لم تعلم "لاديس" بوجود "حسام"، معهم في الحديقة، فأكملت حديثها مع "كايلا":

_لم يكن الحلم كبيرا يا "كايلا"، لكنه كان عظيما بعظمة العطاء، المستمر بعظمة النبع الذي نملكه لنروي العالم صفاء، لكن الأقدار تفعل بنا ماتشاء، لا إعتراض على حكم القدر، لكن الإعتراض كان لقلوب لم تفهمنا يوما ولم تضح لأجلنا بأبسط الأشياء، وبقدر ما سقيناها حبا، سقتنا قهرا.

في دوامة نسير نعود من حيث أتينا فارغين، من أحلام آلت إلى السقوط في منتصف الطريق، ومات ذاك الجنين قبل أن يولد، كم تمنيت أن ألمسه وأقبله وأشم رائحته، لأشعر أنني نجوت من المخاض، ليته مات بعد الولادة كنت على الأقل لامست أظافره الناعمة و أنفاسه الزكية،على الأقل كنت استطعت أن أعيش وأنا أضم يدي كأنني أمسكه،

وأغمض عيناي فأراه، مات ذاك الحلم أجل مات، ليس لي قدرة على الحمل مرة أخرى، تضرر رحم الوفاء، وتمزقت أوردة الحنين، لتصبح مجرد كتلة من الإلتهابات عجز أطباء العالم عن معالجتها،
أصبحت عاقرا لن أنجب ذآك الحلم مجددا، لكني أحتفظ بالذكرى أنه نما يوما داخلي، فأتلمس جسدي بلين، وأستشعر وجوده، كي أموت بسلام، فالتخلي عنه كان صعبا جدا جدا،
أحتاج إلى مكان في السماء، لأن الأرض تذكرني به.
"كايلا":

_حبيبيتي ليس أمامك سوى إلقاء أحلامك فى جب الذكريات، و استعيني بالصبر على حالك، و دعى الدنيا و ما عليها فليس عليها بقاء، و أرى أنه لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب، ولا تحزني، فما أروع الدنيا بصبر نقابلها، وما أعظم حين ينصفك القدر،

لا تهدر وقتك في اللوم باكية، لا يشعر بك من قلبه من حجر، ولا تحزن على شيئ فقدته، يعلم القدر لو بقي "ثمودي" كم فيه من ضرر بعدما عرفنا من هو، ولا تندمِ على حب وهبتهِ أعلم جيدا أنك احبتي أن تكوني محبوبه، لكن لم تحب ذلك الثمودي أسود القلب، أن لون قلبه كان يغطى على لون عينيه لكنك لم تلاحظي، وصدقيني سيأتى الفرج فعلى قدر حزنك ستأتيك كثير النعم.

لم تدرك بعد أن قدرها، يسمع شكواها،ويئن قلبه لحزنها.

قبل ذلك بيوم.

-ها نحن قد خرجنا من الحي فلتسرع الخطى يا "خالد"، أشعر بك وكأنك في عالم اخر.

ـ بالتاكيد يا "حسام" اشعر بترقب غريب هدوء لا اعرف مصدره، أنا عادة كما تعلم غير هادئ مندفع دائما، لكن ما اشعر به الان هدوء من نوع غريب، واطمئنان لا اعرف من اين ياتي؟

- اعتقد لوجود "محب" معنا أليس كذلك؟

- اتعلم أنني اشعر به شعورا غريبا، كان أمس عندما قام بالرد على كتفي، كنت سابكي لكني تمسكت وبعدها لم اشعر بنفسي الا ودموعي تملأ وجهي باكمله، شلالات انهمرت من عيني، سنوات من القهر والحزن وجفاف العواطف منذ صغري،

لا اعلم احساس الابوه والامومه، جدتي كانت كبيره في السن كما تعلم، كنت أشعر بها وهي تبكي كل يوم وانام، وانا ايضا ودموعي على خدي في حجرتي بمفردي، كانت أصعب لحظاتي عندما ياتي ايام الاعياد والاجازات، واجد نفسي بمفردي مع جدتي، حاولت كثيرا أن ترفه عني، لكن بحكم سنها كانت دائما مريضة، وعندما توفيت احسست أن الدنيا اصبحت سوداء، تمنيت أن ألتقي بمن تعودني عن فقدانه للمشاعر، عن فقدان الابوه والامومه،

أن تشعرني أنني عائلتها، اتعلم عندما ابحث عن عروس سأختار أن يكونوا لها اخوة واخوات كثيرين، اريد أن اندمج في أسرة، أن أشعر بالشعور الذي يشعر به كثيرون الاسرة يا "حسام".


- اعلم يا صديقي، وانا ايضا منذ وفاة والدي ووالدتي وأنا بمفردي، لكن عوضني جدي وجدتي عن احساس الابوه والامومه، أنت تعلم أن جدي رجل رياضي بحكم عمله، كان يأخذني دائما الى النادي صباح كل يوم للتريض والتنزه، كان يشغل كل اوقاتي لذلك لم اشعر أنني بمفردي، كان الله في عونك وأنت تعلم أنك أخي وسأظل إلى آخر يوم في حياتي أنظر لك أنك اخ لي، وليس مجرد صديق او زميل عمل، وانت تعلم ذلك.


كان "محب" يسير أمامهم بمسافة حوالي ثلاثة امتار، يعتقدون أنه لا يسمعهم، إنما كان يسمعهم بوضوح تام، وكان متاثرا بما يقوله "خالد"، فهو ايضا تربى يتيما بعدما قتل والده منذ سنوات طويلة، هذا حدث لا يعلمه احد غير ولده عزيز، لقد قتل نفس السفاح او والد ذلك السفاح والده، كان والده أيضا حكيما لمدينة "ثينيس"، اختفى عدة أيام وعندما ذهب الى منزله، وجدوا الدماء في كل مكان، لكنهم لم يعثروا على جثته، وقتها تحدث الجميع أنه من الممكن أن يكون أسد ما قد هبط من الجبل، لكن كيف ذلك وهم يشعرون ويسمعون ويشمون على مسافة بعيدة، فلو كان هناك اسد جبلي قد هبط الى المدينة، كان سيشعر به الجميع هذا اولا، ثم ثانيا أن الاسود تخاف أن تقترب منهم، هم اقوى منها واسرع منها ايضا اذكى، ظل هذا لغز لمدة طويلة، لكنه ترك بداخله فجوه كبيره لا يعلم عنها أحد.


- حسنا يا شباب لقد اقتربنا من مكان، اعتدت أن أقوم على زيارته، اولا قبل أن اذهب الى "ثينيس"، او الى اي مغامرة احتاج فيها الى دعم كبير، ولكي نلخص الأمر هي مقبره ما، وهناك ساشرح لكما سبب زيارتي، ها نحن قد اقتربنا.


رد "خالد":
- ما يسهل الأمر علينا أنه في نفس المنطقة ليست بعيدة، لكن هذه مقابر من.

صمت "محب"، حتى وصلا إلى هناك.

- ها نحن، هذه مقبرة السبع فتيات احضر الى هنا تجليلا لهما، اتعرفون خشيت على أولادي أن يلقوا نفس مصيرهم في الماضي البعيد منذ مئات السنين، في تلك الأيام التي كان فيها الوالي هو حاكم مصر، كان يطلق على كل حاكم من الحكام، واليه خرج من مدينتنا فرد منها ومعه عائلته الصغيره، كان لديه ثلاثه بنات وزوجته، كان على قدر عالي من التعليم والثقافه،

كان حكيما ونحن في مدينتنا نقدس الحكماء ونحترمهم، لكنه أراد أن يشاهد العالم الخارجي، أراد أن ينشر السلامه والرقي والعلم، عندما خرج ونحن لدينا عيون في الخارج، اعطوه مالا واشترى منزلا واصبح من الاثرياء، فلفت ذلك اعين الجميع، قربه الوالي منه واصبح من معاوية، وانجب بعدها اربعه بنات، فأصبح لديه سبعة، كبرت البنات وكان جمالهن صارخ.

نطق "حسام"، وهو واقفا بجانب "محب" و"خالد":
- جمالهن صارخ، بالتأكيد كان هذا اول سبب في أسباب كشفهن لدى البشر اليس كذلك.

- نعم يا "حسام"، أعتقد أنه بعد مرور تلك السنوات ومساعدته للوالي ومساعدته للجميع، سيقدرون ما سيقوله لهم، وذهب إليه وصارحه بالأمر، أنه من مدينه اخرى مخفيه عن اعين الجميع، وان تلك المدينة بها اسرار وكنوز، لم يكن يعتقد أن الوالي سيحاول أن يغزوا مدينتنا، أنه يريد تلك الأموال والذهب الذي تحدث عنه ذلك الشخص في البداية،
اعتقده يهزي او أنه قد جن، وعندما اثبت له ذلك بكثير من الذهب والاشياء التي لا تتواجد في ذلك العصر، طمع هذا الوالي عذبه أن قام بتقييده بكمية هائلة من السلاسل الحديديه، وكانوا يعطونه كل فترة من ظهور الخشخاش وعذبوا بناته، واحضروا ساحر لكي يرغمه عن التحدث والكشف عن مكان "ثينيس"، وفعلوا ما لم يفعله احد، جعله الساحر يلقي تعويذة ما على تلك المقبرة، وقاموا بحبس السبع فتيات، كانوا جميلات رشيقات في عمر الشباب، تم دفنهم وهم أحياء وضعوهم في تلك المقبرة، وانصرفوا لم تستطع الفتيات الخروج ظلوا فترة طويلة يحاولون الخروج، بل وقاموا بعمل بعض الانفاق، الا أن الساحر لم يكتفي بأن يلقي تعويذته من الخارج، إنما القاها من الداخل من الاسفل في جميع جدران تلك المقبره،

لم تستطع الفتيات الا الموت ببطء وبعدها بمئات السنوات، تم فتح المقبرة ذهبت إليها وقمت بفتحها أنا وبعضا من اصدقائي، وهناك وجدت ما لم يتخيله عقل توفيت البنات وهم يحتضنون بعضهم البعض، بعدما قاموا بغرز مخالبهم، وجدت مخالبهم في سقف المقبرة، وهم ينكمشون ويحتضنون بعضهم البعض هياكل عظميه، ماتت الفتيات ومات والدهم ووالدتهم بسبب الطمع، كل فتره اتي الى هنا وابكي، ليس على حالهم فقط، وانما ابكي خوفا على حل ابنائي واحفادي، كيف سيكون مصيرهم عندما يكتشف الجميع من نحن لذلك، أعتقد أنني سأكافح في تلك الرحله، بما اتيت بهم من قوه، حتى تستطيع عائلتي الرجوع الى مدينتنا مرة أخرى، حتى أستطيع أن أنام وأنا هادئ البال.

ـ كنت اعتقد أنني فقط من يحمل هما كبيرا في قلبه، هم الوحده وفقدان الأهل، لم اكن اعلم أن هناك من تأذى نفسيا وبدنيا وقتل حماية لمدينته، ضحى ببناته لم اتساءل الى الان اين كنت عندما قتل والدي، أمن الممكن أن يكون دافع عني وضعها بحياتهما، أعتقد أن القاتل تغاضى عن وجودي لسبب ما، لكن ما لا أعلمه، هل خبأتني والدتي، أم هل كنت نائما لا ادري لكن اعتقد أنهم دافعوا عني، لذلك لم يقتلني شيء غريب أن يقتل في الفترة التي كانت جدتي مسافره فيها، اعتقد أن القدر هو من رتب ذلك، حتى تتبقى لي من تقوم على تربيتي وحمايتي من العالم، ففي حالة عدم وجود جدتي، أعتقد أنهم كانوا سيضعونني في أي ملجأ
مسلمه، يتم وضع الأطفال الذين يموتون ذويهم.

نظر اليه "حسام" مطولا، وكانه هناك شيء لم ينتبه إليه، إلا هذه اللحظة:
- الان اصبح لي تفسير، على ما تفعله مع بعض الأطفال، الذين يقومون بالتسول في الشوارع والأطفال الذين تذهب إليهم، في كثير من الملاجئ للإنفاق عليهم لم اعلم بذلك الا تلك اللحظة يا صديقي.

- نعم أنظر اليهم وكأنني واحد منهم، ففي حالة عدم وجود جدتي، كنت سأكون بالتأكيد فردا منهم، لذلك أحاول كثيرا أن أجد لهما طرقا في الحياة تساعدهم على بدء حياتهم بنظافة ورقي.


- هيا بنا نكمل مسيرتنا، اعتقد أننا سنذهب الان الى سيارتك يا "حسام"، أن المسافه هذه المرة لا نستطيع القيام بها سيرا على الأقدام، حتى لا نلفت الانظار الينا.

ـ لا يستطيع احد أن يتحدث معنا لا تقلق.

ـ "حسام" اود أن اقول أن هناك اعين كثيرة، لا أريد أن يشعروا أنني ساذهب الى "ثينيس" هذه اللحظة، أما بالنسبة للبشر فاعتقد أنكم كفيلون بالحديث معهم، خصوصا وانت و"خالد" ضباط شرطة، ومعكم تلك المسدسات التي تحملونها في احزمتكم.

- حسنا هيا بنا نرجع ثانية الى السيارة، لقد أوقفتها بالقرب من الحي الذي تقطن به.

وبالفعل ذهب الى السيارة وقام بركوبها، أراد "محب" أن يجلس في الكرسي الخلفي، وجلس "خالد" في الكرسي الأمامي بجانب كرسي القيادة، الذي يجلس عليه "حسام"، كان يتحدث وهو يجلس خلفا ويعطي الاتجاهات الى "حسام"، الذي كان يسير بالسيارة ويتعجب ذهابهم الى هذه المنطقة المقطوعة، لكنه تدارك الأمر أنه يجب أن تكون منطقة خالية من السكان.

- أتعرف يا "محب"، أتيت عدة مرات وانا اطارد تجار المخدرات في تلك المنطقة، أنهم يختبئون عادة في تلك المنطقة الجبلية، التي ينظر بها وجود السكان، أعلم أنه توجد هنا عدة مغارات، لقد طاردت البعض وقمت بالقبض عليهم في احدى هذه المغارات.

ضحك "خالد" وهو يقول:
- أتعلم أن الفنان عادل إمام، قد مثل فيلم لا اذكر اسمه، اعتقد أنه ابن برقوش أنه يأتي من عالم مختلف، عالم المماليك في الماضي، وقد حضر الى علمنا من احدى هذه المغارات خرج منها ومعه الفرس الخاص به، اتعجب هل كان مؤلف الفيلم يعلم أن خلف هذه المغارات عالم آخر.

ضحك "محب" وهو يقول:
- لا اعلم لكن ارجوك أن تذكرني بعد ذلك أن نبحث عن اسم المؤلف، لعله يكون من عالمي ويعلم بسر مدينة "ثينيس".

وبعد قليل.

- فلتقف هنا يا "حسام" ولنقم بتغيير ملابسنا بتلك الملابس، التي تشبه ملابس سكان "ثينيس"، وبعدما نرتديها ننزل من السياره وسنسير قليلا، حتى ندخل مغارة بها ذلك المدخل.

و بالفعل قاموا بتغيير ملابسهم، وأخذ "خالد" يتحدث، وهو يرتدي تلك الملابس:
- أتعجب!
كيف لم يعلم أحد بوجود تلك البوابه، خصوصا أننا بالفعل تعرضنا الكثيرين من الخارجين عن القانون في تلك المغارات، اعتقد أننا دخلنا جميع المغارات التي تتواجد هنا، أنني أعرفهم بالفعل وقد دخلتهم، لم اجد اي اشارة على وجود باب الماء أو مدخل لاي مكان اخر كلها صخور فقط.


- لا اعتقد يا "خالد" أنك قد دخلت جميع المغارات، هناك مغارات معروفة ويتم زيارتها من كثير من البشر، مثل مغارة البكتاشية،
لانها الاقرب لقلعه صلاح الدين، هناك أمامها حدائق كثيرة وعدة مغارات، يجب أن ترتقي نحو 30 درجة حتى تدخل تلك المغارة، لكن هناك علامات تدل على وجودنا لكن لن يفهمها البشر، أمام تلك المغارة يوجد لوحة من الرخام كتبت باللغة التركية بالشعر، عندما تترجمها إلى اللغة العربية ستكون كالأتي، يفتح هذا الباب العظيم مواجها للعرش الأعلي، حيث تفتح في وجه المؤمنين جنات النعيم، كلما يفتح هذا الباب يفتح باب السماء وتقرأ الملائكه.

تلفت "خالد" للخلف لينظر لـ"محب":

- إذا هذه علامة على وجودكم.
- لكن لم يفهمها احد، يفتح هذا الباب مواجها لمدينة "ثينيس"، لكن من خلف تلك المغارة من المغارة التي سندخلها بعد قليل، تعتبر تلك المغارة الكبيرة التي يوجد أمامها هذه الكتابة تمويه ليس اكثر، خصوصا أنها مزار يذهبها الكثيرون. فهمت الآن هي عملية تمويه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي