الفصل الثالثِ نجمة محب

الفصل الثالثِ : نجمة محب.
- نجمتي كم إِشتقتُ إليكِ، ما زلتْ أراكِ في أعينِ الناسِ، وملامحِ وجههمْ، وما زلتْ ابحثْ عنكِ تلكَ القريبةِ منْ قلبي البعيدةَ عني.

أمسكتْ "نجمة" الهاتفَ جيدا خشيةَ أنْ يسقطَ منْ يدها، فعندما قالَ كلماتهِ تلكَ ارتعشتْ يداها، هيَ تتحدثُ في الخفاءِ تتحدثُ معهُ مرةً واحدةً كلَ عدةِ أسابيعَ.

- محب ما زلتُ تقولُ لي تلكَ الكلماتِ، التي تجعلني ارتعشَ، ليسَ ارتعاشُ خوفا، بلْ رهبهُ وحبٌ، وأنا أيضا يا حبيبيٌ، أفتشُ عنْ عنوانكَ القديمِ، ذلكَ العنوانِ الذي أرفقتهُ بذاكرةِ الأيامِ، التي لمْ تمتلئْ يوما ولنْ تمتلئَ إلا بكَ.
- حبيبتي أشعرُ بكِ أنكَ تبتسمينَ، وتبكينَ أيضا في ذاتِ الوقتِ، ماذا هناكَ؟

- محب أنني غريبةٌ في بيتي، وفي مدينتي "ثينيس"، أنا سيدةُ قومي أشعرُ بالوحدةِ والغربةِ، طيفكَ معي يحومُ حولي ليلاً ونهارا،
لكنْ لا غربهُ في مكانٍ يزورهُ طيفكَ، فاجلسْ يوميا بالساعاتِ في تلكَ الحديقةِ، التي شهدتْ حبنا منذُ سنواتٍ طويلةٍ.
- سنتلاقى في ذلكَ اليومِ الذي يأتي إليكمْ فيهِ "لوقا"، ويقفُ أمامَ الجميعِ ويطالبُ بحقوقهِ، أتعلمينَ الجميعُ يقطعونَ المسافاتُ بأجسادهمْ، كيْ يصلوا لمبتغاهمْ، إلا أنا أقطعُ بالشوقِ مسافاتِ تلكَ المسافاتِ التي تثيرُ شجوني.

- حبيبي تلكَ المسافاتِ التي تتحدثُ عنها، لا تعنيني في شيءٍ، لأنني وقتما أردتْ وصالكَ أحضرتكَ، قلبا وروحا وشعورا، فبرغم تلكَ المسافاتِ البعيدةِ بيننا، إلا أنكَ هنا فشيء منكَ هنا أوْ ربما كلكُ.

_ما زلتُ يا "نجمة" ومعَ مرورِ تلكَ السنواتِ تدهشيني، وتثيرينَ إعجابي وفضوليٌ، تلهبينَ مشاعري وتطربينَ فؤادي، بذلكَ الحبِ الأفلاطونيِ وكلماتكَ الرقيقةِ، التي تبعثينَ بها لي في تلكَ الرسائلِ، أخرجها منْ بينِ مائةِ رسالةٍ وأتعرفُ عليها.

- نعمَ عندما يبعثُ إليكَ "آدمْ"، برسائلَ كثيرةٍ أدسُ رسائلي، بالتأكيدِ ستعرفُ أنها رسائلي، فأبنيْ الذي هوَ زوجُ ابنتكَ، لنْ يتغزلَ بملامحكَ الجميلة التي تؤثرُ عقلي .
- "نجمهُ" أينَ تجلسينَ الآنُ، في الحديقةِ أمْ في مكانٍ آخرَ.

- اجلسْ في القبةِ، التي أشاهدُ منها النجومُ أنتَ تعلمُ أنها في منتصفِ السطحِ الخاصِ بالقصرِ، وبابِ الدخولِ إليها أمامي فمنْ يأتي أشاهدهُ وأقومُ بتخبئةِ الهاتفِ.
- لقدْ أطمأنتيتْ الآنَ، استمعي إلى حبيبتي هناكَ أشياءُ غريبةٌ، قدْ جدتْ لقدْ اتصلَ بي صديقي القديمُ
"حافظَ "مصطفى" أما زلتْ تتذكرينهُ.
- نعمْ لمْ أنساهُ بعدَ، وأنسى تلكَ المغامراتِ، التي حدثتْ منذُ زمنٍ.
- لعلها تحدثَ مرةً أخرى، وهذا ما يقلقني ويرعبني في أنَ واحد.

هبتْ "نجمهُ" واقفةً بعدما كانتْ تجلسُ على تلكَ الأريكةِ البيضاءِ، التي فرشتْ بالحريرِ الأبيضِ وهيَ الأريكةُ الوحيدةُ، في تلكَ القبةِ في مقابلها مكتبَ منْ الخشبِ الأبيضِ وكرسيٍ واحدٍ فقطْ مبطنٌ بالجلدِ الأبيضِ.

- لا تقلقني، ماذا حدثَ؟
- مثلٌ ما حدثَ في الماضي، جرائمَ لكنَ الجريمةَ هذهِ المرةِ تفطر القلبَ، أتعلمينَ تمَ ذبحُ أسرةٍ كاملةٍ بينهمْ أطفالُ، بنفسِ الطريقةِ القديمةِ، تعلمينَ طريقهُ منْ هيَ.

_ألمْ يختفِ ذلكَ الوحشِ، منذُ سنواتٍ طويلةٍ.
- أظنهُ لم يختفي، بلْ كانَ يترقبُ حتى يظهرَ مرةً أخرى، أنتِ تقولينَ وحشُ، وهوَ منْ أبناءِ قبيلتنا منْ أبناءِ جنسنا، نحنُ لسنا وحوش يا "نجمة"ٌ هوَ فقطْ الوحشَ، هوَ ومنْ يجعلهُ يفعلُ تلكَ الأفعالِ.

- وماذا سيحدثُ الآنَ؟ أعتقدُ أنَ "حافظَ" قدْ كبر في السنِ، أنتَ تعلمُ حتى وإنْ كانَ في نفسِ عمرنا، لكنْ هناكَ فروقٌ، بيننا نحنُ لمْ نشيخَ بعدٌ، وإنَ كانَ لدينا أحفادٌ وأحفادٌ، أما هوَ فمنْ البشر، فماذا ستفعلُ؟

- لديهِ حفيدُ يا حبيبتي، وهوَ ضابطٌ بالمباحثِ مثلما كانَ "حافظَ" منذُ سنواتٍ طويلةٍ، اتصلَ بي حافظَ وأخبرني بما يحدثُ، وقالَ إنهُ حاولَ أنْ يخبرَ حفيدهُ "حسامْ" لكنَ حفيدهُ لمْ يستوعبْ بعدُ، لذلكَ سيأتي هنا لمقابلتي.

- "محب" لا تقلُ أنهُ سيشاهدُ "لوقا"، أنَ الصبيَ ما زالَ في بدايةِ الشبابِ، أرعنَ كما كانَ أبيهِ منذُ سنواتٍ.
- أرعن فقطْ لا، مثلٌ هذهِ الكلمةِ قليلةً عما هوَ فيهِ، أنهُ متمردٌ بكلِ ما تحملهُ الكلمةُ منْ معان، والجديدُ والأشدَ خطورةً لقدْ شعرَ بوجودِ وليفتهِ "تمارا"، ويجب أنْ نخبرهُ في وقتٍ قريبٍ أنها ابنةُ خالهِ "عزيزٍ". .

_فلتخبرهُ إذا!
- أنَ "باهية" ترفضَ ذلكَ.

- لكنْ، هلْ تشكُ في أحدِ ما تلكَ المرةِ؟
- نعمَ أشكُ في "بتاري" اسمهُ قصفتهُ ذكيٌ كما أسماهُ أباهُ.

- لكنَ "بتاري" طيب القلبِ، أنهُ يساعدني في أشياءَ كثيرةٍ، وأطلبُ أنا منهُ العونُ دونَ غيرهِ.
- ابتعدي قليلاً عنهُ، أعلم أنهُ منْ الصعبِ أنْ تبتعديَ عنْ أفرادِ عائلتكَ، لكنَ ولأنهُ لا يعيشُ في نفسِ القصرِ فلتقلليْ منْ لقاءاتكَ بهِ، مهما احتجتني منْ مساعدةٍ فلتطلبيها منْ إحدى أخويهِ.

- أنتَ تعلمُ مشكلتنا هنا يا "محب"، نحنُ عشيرةٌ واحدةٌ أسرةٌ واحدةٌ كبيرةٌ، أبناءَ أعمامِ وأبناءَ عماتِ وأبناءِ أخوالٌ وخالاتٌ، أما المساعدينَ والذينَ يعملونَ لدينا همْ وأبنائهمْ وحفلتهمْ يقيمونَ بعيدٌ عنا منازلهمْ غيرَ منازلنا لا شكلاً ووصفا وما تحتويهُ أيضا، ونجتمعُ وأفرادُ العشيرةِ جميعا في القصرِ الكبيرِ عند "آدمْ".

- لمْ أقلْ لا تقابليهِ، إنما قلتُ تجنبي اللقاءاتِ الخاصةَ بينكَ وبينهُ، عندما تحتاجينَ شيئا ما اطلبيها منْ أحدٍ آخرَ.
- لنْ أقولَ لكَ غيرُ كلمةٍ واحدةٍ، حاضرٍ يا حبيبيٌ.
- أنتِ تعلمينَ جيدا، أنَ منْ كنا نبحثُ عنهُ في الماضي قتلُ أوْ صورِ لنا أنهُ قتلَ، لا أعلمُ حالةُ ظهورهِ مرةً أخرى جعلتني في حالةِ عدمِ اتزانٍ، وقتها عمكَ والدَ "بتاري" قدْ توفيَ، و"بتاري" هوَ أكبرُ أبناؤهُ، تذكرت الأن تلكَ النظراتِ الناريةِ، التي كانَ ينظرُ بها إلى وقتها.

- صحيح وأنا أيضا، اعتقدت انه عمي "ليل"، هو من كان يفعل ذلك عندما أقام له جنازه كبيره، ودفن في المعبد المخصص لدفن جميع افراد اسرتنا، تعجبت لانك ابلغتني وقتها ان من كنت تبحث عنه ،قد قتلته أنت وذلك الضابط، وبعدها اتى "بتاري" بجثة والده لكننا لم نعلم كيف مات.

حبيبتي سأقفلُ معكَ الهاتفَ الآنَ اسمعْ صوتَ جرسِ البابِ الخارجيِ للمنزلِ، أعتقدُ أنهُ "حافظَ" وحفيدهُ "حسامْ" قدْ آتي في الموعدِ المخصصِ لهما.

- حسنا فلتصحبكْ السلامةُ، وسأتصلُ بكَ مرةً أخرى لكيْ أبلغكُ عنْ بعضِ المشكلاتِ الخاصةِ هنا، كما أنني أريدُ منكَ دواءً تقومُ على تحضيرِ لابنتيْ "نانيسْ".
_ حسنا.

واقفلْ "محب" الهاتفِ سريعا وهوَ يتذكرُ ما حدثَ بينهُ وبينَ القاتلِ في الماضي، وكيفَ بحثَ عنهُ في عدةِ مدنِ وقتلهُ بذلكَ السيفِ البتارَ الخارقِ، والذي تمَ تخبئتهُ بعدَ ذلكَ في مغارةٍ "يوسينْ باليابانِ".

هلْ حانَ وقتُ استخدامهِ مرةً أخرى؟ وهذهِ المرةُ منْ الذي سيأتي بالسيفِ مرةً أخرى.
خرجَ "محب" منْ مكتبهِ الخاصِ مارا، بتلكَ الصالةِ الكبيرةِ الداخليةِ بعدها فتحَ بابُ ما ،وخرجَ بعدها لصالةٍ صغيرةٍ أمامها بابُ المنزلِ الخاصِ بهِ وفتحِ البابِ.

- صديقي العجوزَ أخيرا تقابلنا مرةً أخرى، لكن عجوز كيفَ أقولُ ذلكَ، أوْ انطقْ تلكَ الكلمةِ وأنتَ منْ يشاهدكَ يعتقدكَ في سنِ ابني "إبراهيمْ" والدُ "حسامْ"، وهنا ضحكٌ "محب" بصوتٍ مرتفعٍ ونظرِ ناحيةِ ذلكَ الشابِ، الذي يقفُ إليهِ بانبهارِ تقدمٍ محبٍ ناحيتهِ ومدِ يدهِ بالسلامِ.

- أهلاً بكَ يا "حسامْ" أنرتْ منزلي المتواضعُ، مدُ "حسامْ" يدهُ وبادلهُ السلامُ .
- لا أعرفُ ماذا أقولُ؟ أوْ أناديكُ بأيِ مسمى، عمي أوْ جديٍ، أوْ صديقي لا أعلمُ.
- قلَ لي كيفما شئتُ لقدْ تربى والدكَ، وهوَ صغيرٌ في منزلي الأولِ هنا في "القاهرةِ"، وقدْ حزنتْ كثيرا عليهِ عندما علمتْ منذُ عدةِ سنواتِ، أنهُ قدْ توفيَ لكنْ أشاهدُ ذلكَ التشابهِ الشديدِ بينكَ وبينهُ.

- رحمهُ اللهُ عليه.
- ناديني بأيَ مسمى تفضل، حتى لا لوْ ناديتني باسمي فقطْ.
- حسنا أيها الطبيبُ، أعتقدُ أنهُ منْ الواجبِ أنْ يكونَ أولَ لقاءٍ لنا رسميٌ نوعا ما.
- حسنا كما شئتُ تفضلوا إلى الداخلِ.

وعندما تقدمهمْ "محب" إلى الصالةِ الكبيرةِ الثانيةِ، وقفَ "حسامْ" منبهرٍ بما يشاهدهُ منْ تحفٍ نادرةٍ وأثاثٍ فاخرٍ فتعجبٍ ولمْ يخشى شيئا، وهوَ ينظرُ إلى "محب" ويسألهُ.

- شيءٌ غريبٌ عندما فتحتْ لنا بابُ المنزلِ، وجدتهِ أنهُ منزلٌ بسيطٌ، حتى تلكَ الصالةِ التي بها عدةُ آرائكَ وانتريهْ بسيط، توقعتْ أنَ باقيَ المنزلِ هكذا لكنْ عندما دخلنا هنا وجدتْ شيئا آخرَ، وكأننا في قصرٍ كبيرٍ ما كلُ هذهِ التحفِ، والأثاث الفاخرِ، الذي اعتقدَ أنهُ منْ القطعِ النادرةِ.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي