الفصل الثالث والعشرون حزن وترقب

الفصل الثالث والعشرون: حزن وترقب.
أتصل "حسام" في الصباح الباكر بجده يطمئنه عليه.
- جدي ليس لي أحد في العالم غيرك، يجب أن أصارحك أنني ساذهب مع "محب" اليوم الى جبل المقطم، ومنه إلى مدينة ثينيس ومعي خالد.
- منذ اليوم الأول لمعرفتك ب"محب"، وانا اعلم أنه سيجيء اليوم الذي يأخذك فيه الى هناك، لقد ذهبت هناك معه مره لانقاذه ومره للحاق بذلك القاتل، يجب أن تعلم أن جبل المقطم هذا ليس كأي جبل، وستتفاجئ مما تشاهده عند البوابة، التي تفصل عالمنا عن العالم الذي تتواجد فيه مدينة "ثينيس".

- ومع أني أعلم أنني لست نائما او احلم أنما هي مغامرة غريبة، منذ يومين قلت ل"خالد" عقلي اصبح ينظر للأمور بشكل مختلف، فلذلك حتى لو قلت لي أن هذا الجبل يتحرك من مكانه لن اتعجب.
- هو بالفعل يتحرك من مكانه يا "حسام"، له جيولوجيا خاصة هو الجبل الوحيد الذي يتواجد بالقاهرة، أتعلم أن هناك من يقول أن ذلك الجبل قد نقل من مكانه في بركة السبع، تلك الأرض التي تشتهر أنها اراضي زراعيه بها أشجار، قالوا أنه نقل من هناك.


دخل الحجره خالد، وهو يمسك بيده طبق كبير به مجموعة من السندوتشات المختلفة، لم ينتبه أن صديقه يتحدث في الهاتف فكان يقول:
- هيا لتأكل يا "حسام"، معي مجموعه كبيره من السندويتشات بها أصناف مختلفة من اللحوم، أو تعلم منذ الامس اكلت كمية كبيرة من اللحوم، خذ بعضا من السندوتشات وإلا سأقوم بإلتهامهما باكملهم، اسف لم أنتبه أنك تتحدث في الهاتف.


كان اللواء "حافظ" يسمع تلك الكلمات التي يقولها خالد ويضحك، فقال لحفيده:
من الممكن أن اقول معلومه تفيدك وانتم هناك، لذلك اريد منك أن ترفع الصوت في الهاتف، حتى يسمعني خالد ايضا.
- حسنا يا جدي.
- ما كنت أقول يا "خالد"، أنكما ستذهبان إلى ذلك الجبل، الذي قيل عنه أنه نقل من مكانه الاصلي، ولا أعلم أكان ذلك خرافة أم ماذا؟
وكيف أنه نقل، لكن كان المستشرقين في الماضي يقولون أن بجانب الاهرامات جبل اختفى مع الوقت، وتم نقله الى بركة السبع، وبعدها الى مكانه هذا، وانا اعتقد أنه بالفعل تم نقله اتعلمون لماذا؟

- لماذا يا جدي؟

- لأنه بوابة الدخول إلى بعد وعالم اخر، اعتقد أن بنقله يتم تغيير تلك البوابه أو للتمويه عن مكانها، فكل فترة زمنية يتم نقله إلى مكان مختلف.

- لكن يا جدي، اعتقد أنهم يتصنعون شيئا ما عندما يقومون بذلك.

- يقومون بنقله كل عده آلاف من السنوات يا "حسام"، وليس كل سنه او سنتين، لذلك لا نعلم عندما تم نقله الى ذلك المكان ماذا حدث؟

- ما أعلمه يا جدي أنه جبل له مكانة تاريخية، لأنه قريب من قلعة صلاح الدين الايوبي، وهو يلعب دورا مهما، لكن الان اتضح لي لماذا سمي بكلمه المقدم، هي لغويا يا جدي معنى أنه المنقطع، بمعنى أن أجزائه غير مترابطة أو غير متصلة.

- صحيح بالفعل، أيضا تركيبته الصخرية مختلفة، وستشاهدون هناك ما لم تتخيلون وجوده.

أخذ "خالد" يتحدث وهو يقوم بمضغ الطعام.

- معنى ذلك، أن الجبل يتواجد امامنا منذ سنوات طويلة، كمن يخفي شيئا فيضعه امام اعين الجميع فكره عبقريه.

- فعلا يا "خالد"، لكن قبلها قبل أن تخرجوا يأخذكم "محب" الى ضريح، هو قريب من هنا في قلب القاهرة القديمة جنوب الفسطاط الى ضريح السبع بنات، ذلك الضريح الذي يتكون من سبع قباب دفن فيه أربعة من كبار رجال الدولة منذ مئات السنوات الماضية، تذكر عندما اخذني "محب" الى هناك ووقف أمام ذلك الضريح، تلك المنطقة التي لا يغادر أهلها منازلهم في تلك الأيام، التي يكون القمر فيها مكتمل، قال لي "محب" أن والد تلك الفتيات كان من عشيرته، وقد قتلهم الوالي بعدما عرف بامرهم او يعذبهم، وقد دفنوا وهم أحياء بعدما تم تكتيفهم، وأنه تم وضع تعويذة ما على ذلك الضريح، حتى لا تستطيع الفتيات الخروج، قال لي "محب" أنه يعلم أن مخالبهم قد تهشمت في الداخل، في محاولة منهم للخروج من ذلك الضريح، وأن ارواح تلك الفتيات ما زالت موجودة إلى الآن.


- شيء بشع يا جدي، أن يقوم أنسان بتعذيب أنسان غيره، لا اعرف المسمى ولا اريد أن اضايق "محب" بذلك، سأقول شخص او أنسان لا اريد أن اقول مستذئب او كائن ما، لاني لا اعلم ماهيتهم.

- هم شعوب يا ولدي مثلنا، أنا ايضا اتحرك من تلك النقطة عندما اتحدث مع "محب"، اعلم جيدا أنه سيحافظ" عليكما "حسام"، لن اقول لجدتك ليلي، أنك ستذهب بعيدا وسأدعو لك حتى تأتي وتطمئني بنفسك، واعلم جيدا أن "محب" يخاف عليك وسيقوم على حمايتك.

- لا تقلق يا جدي، أخذت سلاحي معي.
- صدقني يا "حسام" لن يجدي استخدام سلاحك هذا اي شيء، أن الرصاص و أسلحتنا لا تؤثر فيهم الا اذا كان رشاش الي به مئات من الطلقات وتطلق مره واحده، اعلم أنك رجل وانت ايضا يا خالد وانكما ستشرفاني في تلك المهمة، اعلم أنه في حالة فوزكم وهذا ما اتمناه، لن يقوم احد على اعطائكم وسام وشهادة، لكن الوسام الأكبر هو أنكم سترحمون العالم من ذلك السفاح، الذي يأخذ دماء الأبرياء ويتفنن في تقطيع اجزائهم لاجزاء صغيره، وكأنه جزار يعاملهم معاملة المواشي والحيوانات، اتمنى أن يقتل ويذبح ويحرق أن يقتل مئات المرات.


وفي الطابق العلوي تبكي "ميريت"، بعدما عرفت بسفر "لوقا" القريب:

-تركت مسافة بين الواقع والأحلام، فهدينا للحلم أرواحنا، وعقدت مع الواقع وثيقة سلام أن يتركني لأحلامي، ورضيت به مهما كان، فخالف الواقع ميثاقه و سلط على كل الآلآم فبكيت، وبالحضن سأضم طيفه خوفا أن تنطفئ الأحلام، فيا قدر كن منصفا وأمنح لقلبي بعض السلام.

ردت عليها تمارا:
سيسافر "بتاري" مع "لوقا"، وانت تبكيه كأنه ذاهب للموت، وحبيبي معه أنا من
تراقصت اوتار قلبي على حلم ضم روحي بكل حنان، أخشى أن يكون الربيع قصيرا، ويحرق الموت كل الأماني، أخاف من أن تنطفئ شموعي وتقهرني دموعي، ويسحب القلب من بين ضلوعي ويصبح جسدي من الروح خالي، فيا دهر إن اخذت حبيبي فخذ معه نبضي، فلا تتركني أعاني وأخبره، كم كان غاليا في مروجه جنيت من شهد الحب كل الألوان، فإن ذهب سأكون الحسناء
النائمة، لا يوقظني إلا هو وحده.


تقف غاده تبكي على بكاء بناتها، ولكن خارج الغرفه فهم لا يعلمون أن والدتهم تسمعهم، وتسمع بكائهم وتسمع قلوبهم، التي تنفطر من الحزن:

"عزيز" يجب أن يكون لك موقف، تحدث مع والدك ماذا يريد مني ومن بناتى؟
ايرسل "لوكا" ومعه "بتاري" فليذهب هو وليحضر ذلك السيف المزعوم، الذي يقول عنه إنه السيف البتار، ذلك السيف الذي يقتل أشد المخلوقات فتكا، فليذهب هو طالما قال أنه هو من خباه هو وبعضا من اصدقائه هناك، ألم يقل لك امس أنه له أعوان من الجان، ليحضروا له ذلك السيف وليترك بناتي، أن حزنهما يقتلني الا تسمع نحيبهما.

- اقسم لك أنني تحدثت مع والدي أمس، وأخبرتها أنني سأذهب وأحضر له ما يأمر به، لكنه أصر أن يذهب "لوقا"، لا تخافي اعتقد أنه يبعده عن أمر ما هنا حتى لا يحدث له شيئا، هو بذلك ينقذه من أمر ما، وليس كما تعتقدين أنه يرميه الى هلاكه، أنا اثق في عقل والدي وحسن تدبيره للأمور، ويذهب هو الى سينيس مع "خالد" و"حسام"، وما لا تعلميه أن "نجمه" لا تستطيع العثور على "آدم"، تعتقد أنه مسجونا او أن احد قد أذاه، والجميع يعتقد الآن أنه ذلك الذي يدعى "ثمودي".

- أليس ذلك هو القائد واليد اليمنى ل"جيكاي"، هو مساعدة الأول أيفعل ذلك بابن قائده.

- نعم ويفعل الكثير، أنت لا تعرفين الأمر، هناك أشياء خفية لا يعلمها الكثيرون، هناك ثأر ما بين عائله "ثمودي" و"جيكاي".

- اذا فذلك السفاح هو "سمودي"، لكن لماذا يقتل بني البشر؟
فليكن فقرة مع "آدم" بعيدا عنا هناك في سينيس، فقد رحلنا منذ سنوات طويلة.

- قالت "نجمة" لوالدي أن هناك بوابه ما لا تفتح إلا بدماء من البشر دماء الأبرياء، دماء يعقبها دموع كثيره تقوم بتغذية ذلك الكائن الذي يريد الخروج إلى هذا العالم.

- إذا فلتخبر البنات أنا في ذهاب "لوقا" و"بتاري"، وسفرهم إلى مغارة "روسيين" هو خير لهم أنه يبعدهم، لكن هو يبعد "آدم" فلماذا يبعد "بتاري" ايضا؟

- لا أعلم، اشعر أنه إكراما "لتمارا"، فهو يريد أن يحافظ على أزواج حفيداته في المستقبل، إن أبي لا يشاركني في تلك الأمور، يقول لي أنني مندفع هنا، الممكن أن يقوم بأذية نفسي باندفاعي هذا، لكنني سأذهب وراءه وسأجعله لا يشعر به، اخاف عليه فنفسي فداء له.

الصدفه العجيبه جميعهم يبكون الان، "نجمه" تبكي، وقيل تبكي على بكاء "نجمة"، و"لاديس" و"هاديه" تبكي على سفر "لوكا" المرتقب، ومرات تبكي علي سفر "لوقا"، و"تمارا" تبكي خائفة على "بتاري" ووالدتهم تبكي، حتى ذلك السفاح يبكي تحت قدم والدته، تلك التي تتألم كل حين من تلك اللعنة التي أحلت بها، بسبب حب "جيكاي" لها.


تجلس "هادية" تبكي حبيبها وابنها خائفة من مستقبل مجهول، خائفة علي حبيب غائب، هي تخاف علي "آدم" وغاضبة منه في نفس الوقت:
-كنت أرى العالم جميلا، فخدعت نفسي وقهرتها قهرا لا يليق بها، تنازلت كثيرا وتغاضيت أكثر، وألبستها ثوب الصبر الجميل إلى أن مزقته المآسي، عشت سنوات في مكان لا أنتمي إليه، كم راودتني الأحلام الكاذبة، ظننتها لوهلة أنها حقيقة، زرعت أمنياتي في كف الأقدار وانتظرت كثيرا، قلت ربما ستظهر يوما، كان قلبي كطفل صغير ترضيه أبتسامة، وشيء بسيط يجبر الخاطر،
كنت أقول إن العالم ليس سيئا، وللأسف أخطأت كثيرا، لأني كنت أراه بعين قلبي، أجل قلبي الذي لا يعرف الكره، ولا المكر ولا الأذى.

قلبي الذي يبكي بكاء طفل، ويفرح فرحة طفل بريء، قلبي الذي يعطي دون مقابل ويزرع الحب حيث ذهب، اليوم ها أنا واقفة على حافة الوجع، أحاول النجاة أمسك بأمل ضئيل، وأوقات من فتات الذكرى الذي لا يسد جوع الشوق للزمن الجميل .
فقد وقع سقف أحلامي، ليصبح مجرد حلم بالحياة، ونفس جديد ليس لأجلي، بل من اجل ابني "لوقا" ومستقبله، وسأظل أقول ذلك مرات ومرات حتى يهدأ قلبي واطمأن على وحيدي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي