الفصل الثاني

الفصل الثاني
"مقايضة روح بروح"
قبل عام

كانت تسير بخطوات متهادئة داخل الغابة كالفراش تتحرك بين الأشجار من غصن لآخر ، "تيا" فتاة ذات الخامسة عشر ربيعًا ، قصيرة القامة بيضاء البشرة بملامح طفولية جميلة ورقيقة ، من يتطلع لها ينبهر بجمالها الذي ورثته عن والدتها"جونجان" على النقيض تمامًا رغم الشبه الكثير بينهما إلا أن تيا تحمل قلبًا أبيضًا رقيق مرهفة الاحساس تشعر بالآخرين على عكس والدتها الساحرة الجميع يخشاها وعندما تنظر لها يدب الرعب باوصالك وتسير قشعريرة خوف ورهبة بجسدك

وقفت أمام إحدى الأشجار الضخمة تنتظر قدوم صديقها "ماكسر"
الشاب الذي يكبرها بعامين ولكنه صديقها الوحيد الذي يشعر بها وتقص عليه كل ما يخصها ، هو الذي دائما يواسها أحزانها ويخفف عنها ما تعانيه بسبب والدتها ، فالجميع يبتعد عنها عندما يعلم بأنها ابنة المشعوذة التي تستخدم سحرها الاسود في السيطرة عليهم ، لذلك تعاني تيا الوحيدة منذ أن كانت طفلة وكلما كبرت ينعزل عنها الجميع الا ذلك الشاب "ماكسر" فلم يبتعد عنها وكان دائما بجانبها ويلتقي بها في الخفاء خوفا من بطش والدتها .

زفرت بضيق وهي تتطلع للفراغ أمامها بملل تترقب ظهور صديقها .
لم تشعر بالعيون المتلصصة عليها تراقبها من بعيد، تعد عليها أنفاسها، تنهد ذاك الشاب بعمق ثم لاحت ابتسامته الماكرة وهو يختلس النظر إليها بتمعن ، ثم تقدم منها بخطواته الواثقة

دققت تيا النظر بمقلتيها الصفراء المنزوجة بهالة خضراء لامعة ، تهللت اساريرها عندما رأت ظل قادم اتجاهها ، ظنت بن صاحب الظل الذي يقترب منها ليس إلا صديقها " ماكسر"

وعندما اقترب منها اتضحت لها الرؤية وظهر ذلك الشاب أمامها بطوله الفاره وعيناه الزرقاويتين اللاتي ينبعث من داخلها نظرات حادة ثاقبة، يرمقها كالفهد الذي يقف أمام فريسته بعدما أمسك بها.
ضيقت تيا حاجبيها وتنهدت بضيق ودارت وجهها تتطلع للجهة الأخرى تنتظر قدوم صديقها الذي سأمت من تأخره.

ولكن وقف الشاب أمامها مباشرةً ولازال محتفظ بابتسامته ثم دنا منها قائلا:
- مرحبًا تيا
نظرت له بدهشة لانه يقصدها ثم هتفت بتسأل:
- هل تعرفني؟
هز رأسه بايماءة بسيطة وقال:
- بالطبع
ثم أردف قائلا:
- وكيف لم أعرف شقيقتي الصغرى
علت الدهشة ملامحها التي صرخت فرحة عندما أخبرها بأنه شقيقها ، تذكرت حقا ملامحه التي اشتاقت لها فلم تراه منذ أعوام مضت ، هتفت بسعادة تردد أسم شقيقها الأكبر

-"فيبو"
ابتسم لها وفرد ذراعيه وهو يقول:
"فيبو جاكوب " شقيقك تيا
ارتمت داخل أحضانه بفرحة عارمة تعانقه بقوة وهو متسمرًا مكانه بسبب ذلك العناق، كادت عينية أن تذرف الدمع ولكن جاهد في كبت دموعه وتحلى بالجمود والبرود عندما تذكر مشاهد من حياته القاسية الذي مر بها وهو طفلا صغير، ابتعد عنها دون أن يبادلها العناق وظل ينظر لملامحها التي تشبه ملامح والدتها المتجبرة القاسية التي جعلته يعاني طفولته وشبابه وأخرج تنهيده حارقة من أعماق قلبه المذبوح بسبب ما ترسخ في عقله بالماضي.

استجمع شتاته المبعثر ثم دس يده داخل جيب سترته وأخرج منهما خنجرًا ذهبي ابتاعها خصيصاً من أجل تلك اللحظة
رمقها بنظرات معتذرة وكادت دموعه تتساقط وهو يجوب بانظاره على صفيحة وجهها البرئ ثم هتف قائلا:
- سامحيني "تيا" ليس أمامي غير فعل ذلك

هتفت بتسأل:
- ماذا تقصد "فيبو" لم أفهمك
عاد يهمس بصوت مكلوم:
- لم أعد كما السابق تيا، ما فعلته والدتك هدم كل شيء بداخلي .. الذي يقف أمامك الان مغلوب على فعل ذلك
رفع كفه وربت على خصلاتها الذهبية بحنان :
- يجب أن أخذ بثأري ، اعتذر منك

ارتجف جسدها الصغير وابتعدت عنه بخوف ورهبة اثر كلماته المبهمة ، ولكن قبض جاكوب بقوه على رسغها يمنعها الابتعاد
هتفت بذعر وصوت مهتز ، بعدما اشهر الخجر أمامها، سارت قشعريرة بجسدها الضئيل وارتجفت بين يديه القابضة عليها بقوة ورفعت مقلتيها الخضراء تتطلع له بنظرات خائفة لم تصدق بأنها يريد الخلاص منها.

خرج صوتها برجفة :
-" فيبو" أنا تيا شقيقتك الصغرى، فراشتك الصغيرة ، نسيت ما كنت تخبرني به يا شقيقي
هز راسها بأسى وجاهد في إخفاء مشاعره ثم قال غاضبًا:
- أتذكر فقط صوت السياج وهو ينهال على جسدي من قبل والدتك دون شفقة أو رحمه، أتذكر لعناتها وسبها لي ولوالدتي الراحلة وهي المتسببة في موتها ، جونجان هي من دمرتني وأصبحت أمامك أشلاء يا تيا، اعتذر لم اريد أذاءك ولكن حان وقت الانتقام ، يحب أن تدفع جونجان ضريبة ما فعلته بي.

ودون أن ترمش عيناه طعن شقيقته بمنتصف صدرها بكل ما أوتي من قوة وغضب جامح افرغة على تلك البريئة التي لا ذنب لها إلا أنها ابنة المشعوذة"جونجان" زوجة ابيه التي كانت تعامله بكل قسوة وتجبر ولم يتذكر يومًا أنها أشفقت على صغر سنه وعوضته حرمان والدته ، لم يتذكر منها يد ربتت على ظهره بحنو ولا يد حاولت أن تمسح دموعه المنهالة في جوف الليل داخل غرفته وهو متقوقع على نفسه بركن الغرفة لم يتذكر سوا كفين صغيرين كانت تربت بهما تيا ذات الخمسة أعوام واناملها الرقيقة الصغيرة التي ترفعهما لتربت بحنو على وجنته.

أنسابت دموعه في تلك اللحظة ونظر لجسد شقيقته الساكن بين يديه ، صرخ بقوة مناديا باسمها بحرقة وهطلت دموعه كالامطار لا تتوقف ، ضمها لصدره وعلت صراخات معتذرًا عن ما فعله بها ، فهي حقا لن تستحق منه ذلك ولكن أراد انتقامة من زوجة أبيه وتلك الصغيرة هي ضحية والدتها..

**
في الوقت الحالي داخل الغابة، تقف أمام المراد تحدثه بغضب فهي غير قادرة على تنفيذ أوامره تلك المرة

لم تتحمل حديثه الغاضب وإصراره على تحرير الفتيات من قبضتها، هتفت منفعلة وهي ترقد على ركبتيها أمامه:
- وماذا عن النيران المشتعلة داخل صدري؟ وأنت لم تستطيع حماية ابنتي منما حدث لها

خرج صوته كذئير غاضب جعل الأشجار تهتز من حوله:
- نسيتِ أمر الغابة التي ألقيت عليها لعنتي ليتحولو كل من بها لذئاب خاضعة لكِ ، يخشونك وينفذون أوامرك بطاعة وخنوع، سخرتهم من أجلك وحدك.

أستقامت من أمامه واقفة ووضعت القنسلوة السوداء تواري رأسها ثم قالت بهمس خافت:
- فعلت مقايضة من أجل روح ابنتي ولن أحرر الفتيات قبل أن أحصل على مبتغاي
ثم عادت بخطواتها للخلف وهمت بالسير لتغادر المكان ، ولكن أستوقفها صوته الجلي:

- عودي إلى صوابك "جونجان" إذا استخدمتي الفتيات ستحل علينا أبواب من اللعنات لم تُغلق.
غادرت المكان غاضبة بخطوات واسعة وكل ما يشغل بالها هو المقايضة التي فعلتها من أجل أسترداد روح ابنتها التي خسرتها في مقتبل العمر ، لذلك وقع أختارها على الثلاث فيتات لأنهن باعمار متقاربة لعمر ابنتها ، كما انهن يمتلكن ملامح متشابهة من ابنتها " تيا"

وعندما ولجت لداخل الكوخ ظلت تطالعهن وهن نيام ، تدور حولهن وهي جاحظت العينين إلى أن وقع أختيارها على " ماري" الفتاة التي تتميز ببشرتها البيضاء وعينيها الرمادي تشبه بعيون ابنتها الراحلة، كما أنها قصيرة القامة فكل شيء بتلك الفتاة يذكرها بابنتها، أبتسمت " جونجان" بهدوء وجلست تشعل النيران وسحبت ريشة الطاووس بعدما غمستها بالدماء ونقشت بعض الطلاسم على جلد غزال تحتفظ به داخل كوخها وظلت تردد بصوت مسموع يخرج من فاها كصرير الرياح في جوف الليل الدامس تردد "تعويذة المقايضة"
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي