الفصل العشرون الوداع الاخير

الفصل العشرون الوداع الأخير

بعد تحسن حالة نيروز عندما ألتقت بصديقتيها وعادت الروح لاجسادهن، تسللت "سيرين" من بينهن وسارت متوجهة إلى الأعلى لترا "سادم" إذا أسترد وعيه اما لازال غائبًا عن الوعي، وتتسال داخلها ماذا لو علم بما فعلته هل سيسامحها ام يغضب عليها، ولكن حسمت أمرها في مقابلته فمن الممكن أن يكون هذا اللقاء الأخير بينهما.

دنت من غرفته بتوتر جلي وطلبت من الشرطي القابع أمام باب غرفته أنها تُريد مُقابلته وبعد إلحاح منها وافق على دخولها لغرفة "سادم"
أسترد وعيه في ذلك الوقت ونزع عن وجهه جهاز الأكسجين ثم هم برفع يده الأخرى ليجدها مكبلة بالافصاد الحديدية بين يده وجانب الفراش
تقدمت سيرين بلهفة عندما وجدته قد أستيقظ، اقتربت منه تجلس على ركبتيها أمام فراشه ورفعت اناملها تلامس وجهه بقلق:

-هل أنت بخير
تعمق فقط داخل بركتي العسل خاصتها التي ينبعث من داخلهما أحساس الأمان الذي يفتقده
شعرت بأنه لا يُجيبها بسبب ما فعلته، هتفت قائلا بصوت مُنكسر:
-أعتذر منك "سادم" لقد أخبرت الشرطة الفيدرالية بالحقيقة وعدك إلا اتركك وفعلتها سادم رجاء سامحني لن أُسامح نفسي على ما فعلته

وضعه كفه الطليق على شفتيها لكي تصمت ثُمَّ قال:
-فعلتي الصواب حبيبتي... لابد من مُعاقبتي قبل أن اتسبب بالاذي إليكِ وهذا لن أقبله، إنتِ حقًا بلسمًا لجروح الماضٍ، يا ليتنا تقابلنا قبل عام، حينها كُنت لن افعل ما فعلته، لا تحزنين يا شرقية قلبي الفاتنة، حقًا أنتِ حُلم صعب المنال وأنا لا أستحقه، ولكن اُريد تنفيذ رغبتي

قالت بتسأل بعدما رفع كفه عن ثغرها:
- عن أي رغبة تتحدث؟
-اتقبل الموت بصدر رحب من يديكِ أنتِ، هيا نفذي لي رغبتي الأخيرة
شهقت بصدمة وظلت تهر راسها بهستريةوتردد قائلة:
-لا لا لن أفعلها.... هذا جنون... أنت مريض نفسي وسوف تخضع لفحص نفسي ولم تكن بوعيك عندما فعلت ذلك

-لا كُنت أعلم علم اليقين بما أفعله واتلذذ به كان شعور السيطرة والفرح بما أفعله يجعلني في نشوة وكنت حينها أشعر بالانتصار على ضعف الماضٍ والحاضر، شخص مُعقد مثلي لا يستحق الحياة سيرين... هيا افعليها من أجلي

انسابت دموعها وهي تردد:
-لم اقدر على فعل ذلك سادم.. ارجوك أنت ساعدني في تخفيف العقوبة عنك، ستخضع للفحص وبعد ذلك ستظل تحت الرعاية الصحية داخل إحدى المصحات، ومن ثم يتم علاجك

-سأمت الحياة سيرو ولم أعد أطيق العيش فيها، كما أنكِ تعودين إلى بلدتك ولن نتقابل ثانيًا، لن اتحمل بُعدك والموت عليَّ أهون، لا تخافين هذه رغبتي الأخيرة وستفعليها من أجلي سيرو
رفع أنظاره على الكومود الذي يوجد أعلاه ابرة طبيه أشار إليها وقال:

-هيا أغرزي تلك الإبرة بوريدي
-لا لم اقدر على أذية روح كيف أاذيك أنت كيف؟
-حققي لي أمنيتي، ارجوكِ فاتنتي لبِ لي رغبتي لا أُريد الموت إلا بيديك، لا اُريد أن اتعفن في السجن ولا الخنق حتى الموت...هيا افعليها من أجلي... هيا لا تترددي حبيبتي، هذا موت رحيم لا تدعيني اتعذب
هطلت دموعها كالسيل لا تتوقف وصوت شهقاتها تعلو وهو لا يردد إلا جُملة واحدة
-هيا افعليها من أجلي... هيا

دون وعي منها أمسكت بالابرة الفارغة وعبئتها بالهواء ومد هو يده بكل سلاسة وترحاب والابتسامة تزين ثغره، مُقبلا على الموت
وغرزت هي الإبرة داخل وريده جذبها لتسقط بين احضانه وقال:
- أُريد أن أُقبلك قُبلةُ الوداع لكي لا أشعر بالألم.

مالت على شفتيه تُقبلهما بعمق والدموع تنساب من حدقتيها المُعلقة ببحور عينيه التي أسبلت أهدابها فجأة وانتهى كل شيء في ثواني معدودة لتبتعد عنه صارخة بأسمه وتهز جسده بين يديها بعدم تصديق لما حدث.
فقد انتهى كل شيء كأنه لم يبدء
أنا أتألم بلا ألم، وأبكي بلا صوت، نار في صدري بلا لهب وقودها ذكرى، فتيلها لحظات أنهت حياة إنسان لم تكتمل فرحته في هذهِ الدنيا، ولم يذق طعم السعادة.

**
بالمملكة المصرية..

ذاع خبر الفتيات المصريات اللاتين إيطاليا أعلنوا عن وجودهن الان أحياء وعثرت عليهن الشرطة الفيدرالية وهذا ما جعلت عائلتهم تُنصب أفراحًا من أجل أقتراب عودة الفتيات بعدما أخبرتهم الشرطة المصرية خلال يومين سيكونوا داخل اراضي البلاد.

تهيء الجميع أستعدادًا لاستقبال فلذات اكبادهن.
فرح الجد محمود بأنه سيضم حفيدته لصدره ثانيًا فهو متشوق لرؤيتها واقسم على ولده وزوجته بعدم التدخل بحياة صغيرته ولن يسمح لهم ثانيًا أن يفعلوا ما كانُ يفعلونه بالسابق، اقسم على حمايتها ولو كلفه الامر طرد ولده وعائلته خارج منزله..

اما عن منصور فاعلن الخبر لزوجته التي نهضت من فراشها مُسرعة تُريد الدخول للمطبخ وتطهي الطعام التي تُفضله ابنتها وصغيرتها ونست مرضها وتعبها فقط تهللت اساريرها بسعادة، تعجب زوجها من تبديل حالها في لحظة بعدما كانت طريحة الفراش منذ أن علمت بخبر اختفاد قُرة العين.

تنهد هو الآخر بسعادة وقرر الذهاب إلى المسجد لاداء فريضته وبعد ذلك يُصلي ركعتين شُكر لله تعالى على حماية ابنته وانها بخير وسوف يلتقي بها خلال يومين فقط..

**
وشوقي الذي كان دائم الجلوس في شرفة الغرفة يحتسي قهوته ويمسك كتابًا يقراءه بتمعن، منذ غياب طفلته وهو تخلى عن عادته وسأم القراءة ولكن عندما اتاه ذاك الخبر المُفرح عادت الحياة لجسده وأحدث حالة من الطوارئ داخل المنزل، صرخ على زوجته بأنه يُريد أحتساء القهوة المظبوطة وأن يجلسون حوله داخل الشرفة وانتقي كتابًا أراد أن يقراءه بشوق ولهفة فقد عادت الروح لقلبه بعد أن توقف عن نبضاته بسبب غياب ابنته
وبدأ في جلسة سمر مع زوجته والصغيرتين "ملاك ومارينا " يحدثهم عن تاريخ وحضارة الفراعنه في جو من الألفة والمحبة..

**
سيطر الحزن على قسمات وجهها وطفي بريق عسليتها اللامع منذ أن رحل عن عالمها وتُحمل نفسه ذنب كل شيء حاولت كل من "ماري" و "نيروز" أخراجها من هذا الحزن الذي سكن قلبها ولكنها كانت رافضة تمامًا

إلى أن حان موعد العودة لبلدتهم واستقل عزيز سيارة أجرة تقلهم للمطار وجلس هو بجانب السائق وهن جلسن بالمقعد الخلفي وعين سيرين تحدق في الطريق بشرود، تودع البلدة التي شهدت على عشقها لسادم
تودعها بدموع نازفه وكأن قلبها هو الذي يقطر دمًا بعد رحيله، فالموت مُفجع مصيبته أكبر ولكنه يبدأ الحزن كبيرًا ثم يتلاشى ويصغر إلى أن يتنساى الإنسان ويتعايش مع الحياة ويبقى الجانب الخفي في القلب كما هو..

كانت تحدث نفسها قائلة كأنها تُحدث روح "سادم"
أعلم بأنّك لن تُكلمني، أعلم أنّك لن تأتيني، لكني أتمنى من كل قلبي أن تعود اللحظات التي بيننا ولو لساعة فقط، لدقائق، لثوانٍ قليلة، لأقول لك أن تنتبِه لطريقك، لأقول لك سامحني، لأقول لك كم أُحبك و لن أنساك أبدا، لكني افتقدك كثيرًا..


داخل صالة المطار التقط عزيز منهن جوازات السفر وتقدم من الضابط الذي يتفحص هويتهم وبعد أن انتهوا من تلك الإجراءات الروتينة، سارو متوجهين إلى الطائرة لكي يستقلون بأماكنهم.

جلست "سيرين" و"ماري"بالمقعد الأول وجلس "عزيز "و" نيروز" بالمقعد الثاني وأعلن الطائرة عن الإقلاع
منما جعل نيروز تستشعر بالرهبة قبض عزيز على كفها وطمئنها بأنه جانبها لا داعِ للخوف

شردت "ماري" وهي تودع "ماكسر" على أمل اللقاء به ثانيًا واخبرها بأنه سوف يلحق بها في أقرب فرصة فهو لن يملك اي أوراق خاصة بهويتة لانه رُب داخل دار الرعاية وأثناء الحرب تدمرت الدار وفروا هاربين، سوف يخرج هوية خاصة بها ويُسافر لها يتم زواجه بها ويستقر في بلدتها فهو لم يملك من الدنيا سواها، وسوف يفعل المستحيل من أجل أن يظل جانبها..

تبسمت وشعرت بلذة الحب ولكن عندما تطلعت لصديقتها أختفت أبتسامتها وحل مكانها الحزن، أمسكت بكف "سيرين" طالعتها بنظرات خاوية، ضمتها ماري بقوة وظلت تمسد على خصلاتها البنية وقالت بصوت حاني:
- أشعر بكِ صديقتي ولكن حاولي التعايش من أجل عائلتك وأجلنا ونحن لن نترككِ أبدا، والغد سيكون أفضل من اليوم، لا تحزني يا حبيبتي..

لفراق الأحبة غصة في القلب لا تُشفى وجراح في الروح لا تطيب، جرح غائر عميق لايزال يقطُر دمًا كلما راودتنا ذكرى جميلة قضيناها معه.

بعد الفراق لا تنتظر بزوغ القمر لتشكوا له ألم البعاد؛ لأنّه سيغيب ليرمي ما حمله ويعود لنا قمراً جديداً، ولا تقف أمام البحر لتهيج أمواجه، وتزيد على مائه من دموعك؛ لأنّه سيرمي بهمك في قاع ليس له قرار، ويعود لنا بحراً هادئاً من جديد، وهذه هي سنة الكون، يوم يحملك ويوم تحمله.

لقد غابت شمسي عن سمائي يا حبيبي، فأصبح الكون كله ظلاماً دامساً، أصبح الكون كله من دون أي ألوان، وملامح، وأصوات، لم يعد سوى صدى صوتك يرنّ في أذني، لم أعد أرى سوى صورة وجهك الحبيب، لم أعد أتذكر إلّا صورة وجهك،ونظرات عينيك عند الوداع.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي